النيران تلتهم مساحات واسعة من غابة عين لحصن قرب تطوان    بيت الشعر في المغرب يتوّج بجائزة الأكاديمية الدولية للشعر    الحكومة تصادق على إحداث المعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي    نشرة إنذارية.. طقس حار وزخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح يومي الخميس والجمعة بعدد من مناطق المملكة    بنيله شهادة البكالوريا من خلف أسوار السجن، نزيل يخطو أولى خطواته على سكة إعادة الاندماج (بورتريه)    تفكيك شبكة مغربية-إسبانية لتهريب البشر والمخدرات تستعمل قوارب الفانتوم    رئيس النيابة العامة: التعاون القضائي الدولي مدخل أساسي لردع الجريمة المنظمة العابرة للحدود    هشام بلاوي: الجريمة المنظمة تهديد متصاعد يتطلب تعاونًا قضائيًا دوليًا فعالًا        نشرة إنذارية..طقس حار وزخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح بعدد من مناطق المملكة    كأس العالم للأندية.. الوداد مطالب بالانتصار على يوفنتوس للحفاظ على آماله في التأهل للدور القادم    معرض بكين للكتاب: اتفاقية لترجمة مؤلفات حول التراث المغربي اللامادي إلى اللغة الصينية    الدوزي يُطلق العدّ التنازلي ل"ديما لباس"    كتل هوائية صحراوية ترفع الحرارة إلى مستويات غير معتادة في المغرب    ميداليات تحفز "بارا ألعاب القوى"    العيون ‬تحتضن ‬منتدى ‬إفريقيا ‬لبحث ‬الآفاق ‬الاقتصادية ‬والتجارية ‬بالقارة    الشعب المغربي يحتفل غدا الجمعة بالذكرى ال55 لميلاد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد    الذهب يصعد وسط التوتر في الشرق الأوسط    التصعيد بين إسرائيل وإيران يعيد للواجهة مطالب إحياء مصفاة "سامير" لتعزيز الأمن الطاقي    مجموعة "فيسين" تطلق طرحا عاما أوليا في بورصة الدار البيضاء    بنعلي وقيوح يبحثان التعاون العملي    طنجاوة يتظاهرون تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي على غزة وإيران    "مجزرة جديدة"… إسرائيل تقتل 40 فلسطينيا بينهم 16 من منتظري المساعدات    رائحة دخان تجبر طائرة على الهبوط في ميونخ    دلالات ‬تجديد ‬مجلس ‬حقوق ‬الإنسان ‬دعمه ‬لمغربية ‬الصحراء    إصابة حكم ومشجعين في فوضى بالدوري الليبي    فحص دم جديد يكشف السرطان قبل ظهور الأعراض بسنوات    لقجع: المغرب ملتزم بجعل كأس العالم 2030 نموذجا للاندماج والاستدامة البيئية    رحيمي وحركاس وبنعبيد ضمن قائمة أغلى اللاعبين العرب في مونديال الأندية    فرحات مهني يكتب: الجزائر الإيرانية    اجتماع تنسيقي لأغلبية مجلس النواب يثمن "الانتصارات" الدبلوماسية ويؤكد "أولوية" الحق في الصحة    بنك المغرب والمؤسسة المالية الدولية يوقعان شراكة لتعزيز الشمول المالي الفلاحي بالمغرب    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    بنهاشم بعد مواجهة مانشستر سيتي: لعبنا بشجاعة وخرجنا بدروس ثمينة رغم الخسارة    ندوة علمية تناقش موضوع النخبة المغربية في زمن التغيير    إيران تستهدف مستشفى بجنوب إسرائيل ونتانياهو يتوعدها بدفع "ثمن باهظ"    الصين تدفع نحو مزيد من الانفتاح السياحي على المغرب: سفارتها بالرباط تتحرك لتعزيز توافد السياح الصينيين    بيب غوارديولا في تصريح أعقب مواجهة الوداد الرياضي المغربي، إن "المباراة الأولى في دور المجموعات دائما ما تكون صعبة    مجموعة العمل من أجل فلسطين تعقد ندوة صحفية تحضيرا لمسيرة وطنية الأحد بالرباط    برلمان أمريكا الوسطى يُجدد دعمه الكامل للوحدة الترابية للمغرب ويرد على مناورات خصوم المملكة    برلمان أمريكا الوسطى يجدد دعمه للوحدة الترابية للمغرب ردا على المناورات    مربو الدجاج يثمنون توجه الحكومة لإعفاء الفلاحين الصغار ويدعون لإدماجهم الفعلي في برامج الدعم    ياسين بونو يهدي الهلال تعادلا ثمينا أمام ريال مدريد رياضة    كارثة صامتة .. ملايين الهكتارات العربية على وشك الضياع    طنجة.. سيارة تدهس "مقدّم" بعدما دفعه متشرد نحو الطريق    إطلاق الهوية الجديدة ل "سهام بنك" خلفًا ل "الشركة العامة المغربية للأبناك"    خدش بسيط في المغرب ينهي حياة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب    انتخاب المغرب نائبا لرئيس المجلس العلمي لاتفاقية اليونيسكو حول حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    دورة تكوينية وورشات فنية لفائدة الأطفال والشباب بالمركز الثقافي لمدينة طانطان    فجيج بين ازيزا النادرة والتربية العزيزة.. حكاية واحة لا تموت    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(ليس ثمة قواعد سينمائية حقااً) إمير كوستوريكا (a)
نشر في الفوانيس السينمائية يوم 04 - 06 - 2009

إن فكرة القيام بتعليم فن الإخراج السينمائي هي فكرة طموحة ومثيرة جداً، إلا أنها ليست واقعية من وجهة نظري. لقد قمت بتدريس فن الفيلم مدة عامين في جامعة كولومبيا في نيويورك وتوصلت حينها إلى إحساس أن من المتعذر إعطاء مقترحات أو معلومات بشأن طريقة عمل فيلم.
ومع ذلك، أظن أن من الممكن عرض أفلام محددة وتحليلها مصحوبة بأمثلة متقنة ومحكمة من المَشاهد واللقطات، لإظهار الكيفية التي يستخدم فيها كل مخرج سينمائي موهبته الخاصة لعمل الفيلم. شخصياً، أعتقد أن الدرس الأول والمهم جداً بالنسبة لمخرجي المستقبل هو أن يتعلموا كيف يصبحون أنفسهم مبدعون، وأن يتعلموا كيفية فرض وجهة نظرهم في أفلامهم.
السينما هي قبل كل شيء فن تعاوني أو جماعي مشترك حيث أنك وبشكل متواصل تتعامل مع إلتباسات وجهات النظر المختلفة للآخرين.
المخرجون الشباب يمتلكون غالبا ً الكثير من الأفكار الممتازة والمؤثرة، إلا أن خبرتهم وتجربتهم شحيحة، لذا فإن تلك الأفكار تتقوض حال ملامستها متطلبات الواقع. ولتجنب ذلك، ينبغي على المخرج الشاب أن يفهم من هو، ومن أين، وبالتالي كيف يمكن ترجمة هذه الخبرة والتجربة إلى لغة فيلمية.
لو القيتم نظرة على أفلام فيسكونتي مثلاً، فإنكم سترون حالاً كيف أن أسلوبه الإخراجي كان متأثراً بحقيقة أنه كان مخرجاً أوپرالياً. ذات الشيء مع فلليني، حيث يمكنك أن تكتشف الرسام القابع خلف المخرج. كذلك أنا، فالطريقة التي عشت بها وترعرت في شوارع ساراييفو كانت قد جعلتني بوضوح على تماس دائم مع الناس وزودتني بطاقة شرهة حادة وفضول مفرط، تركتْ كل لمساتها على الطريقة التي أعمل فيها أفلامي.
إن طريقة دراسة أفلام كل مخرج على حدة، بل أجزم وأقول ربما حتى مشاهدة الخمسة دقائق الأولى من كل فيلم، ستكشف لنا عن حقيقة أن كل مخرج لديه أسلوبه الخاص في تشييد معمار فيلمه.
ولو حدث لك أن قمت بعدها بتعلم كيفية التمييز والمقارنة بين أساليب كل هؤلاء المخرجين فإن بإمكانك في النهاية حتماً تحديد أسلوبك الخاص بك.

منهاجي
إن كل مرحلة من تأريخ الفيلم تمنح درساً مختلفاً للشخص الذي يبحث فيه. فأنا مثلاً، أحب دائماً أن أبدأ العروض السينمائية التي أقدمها لطلبتي بفيلم جان فيگو (L'Atalante)، لإنني أحس أنه يمثل أفضل الإمكانات المحتملة للتوازن والتناغم بين الصوت والصورة.
لقد صوّر فيگو فيلمه هذا في بداية الثلاثينات، الفترة التي كان كل شيء فيها مازال جديداً، وكان الصوت والصورة قد إسُتخدما آنذاك بإحتراس وعدم مغالاة شديدين.
اليوم، حين أشاهد أفلاماً حديثة أصاب بذعر شديد حقاً لحجم الإساءة في إستخدام هذين العنصرين الفنين معاً. ثمة مغالاة منظمّة وممنهجة أجد حقيقة أنها ليست صحية.
أنتقل بعد فيلم L'Atalante إلى عرض فيلم "قواعد اللعبة" لجان رينوار، الذي هو بالنسبة لي بمثابة قطعة فنية مذهلة في حقل الإخراج السينمائي، فضلاً عن إنه قمة الأناقة والتمّيز فيما يتعلق بسرد القصة وإطار الصور الفيلمية (Frame) المبني بمديات بؤرية ليست طويلة جداً ولا قصيرة جداً، إنما هي مديات متناغمة مع الرؤية الإنسانية على الدوام، منجزة بغنى وعمق مجال بصري (depth of field) عظيمين.
وجان رينوار، وربما والده الرسام الإنطباعي بيير أوغوست رينوار أيضاً، كانا صاحبا الأثر الكبير دائما على تشكيل طريقتي في إبتكار أطارات صور فيلمية (frames) عميقة وغنية جداً. فأنا حتى عندما أصّور اللقطات القريبة جداً (كلوز آب)، أحس أن ثمة شي ما يحدث دائماً خلفها، فالوجه دائماً يخلق صلة بالعالم المحيط به.
عودة إلى منهاجي، أنتقل بعد فيلم "قواعد اللعبة" لرينوار إلى عرض الأفلام الميلودرامية التي أنتجتها هوليوود في الثلاثينات، للإفادة من الدروس المذهلة المستخلصة منها فيما يتعلق بالبناء والبساطة والكفاءة العالية لسردالحكاية.
ومن بعد أنتقل إلى عروض السينما الروسية بأفلامها التي تمتلك إحساساً رياضياً دقيقياً في الإخراج. من ثم أعرّج على السينما الإيطالية مابعد الحرب، حيث أفلام فلليني وأسلوبها الساحر في ربط الجماليات المتقنة بروح المنطقة المحيطة بالبحر المتوسط، والتي جعلتْ منها أفلاماً نابضة وجذابة تتماهى تماماً وعروض السيرك.
أخيراً، أقوم بعرض أفلام ستينات وسبعينات السينما الأمريكية، ومن بعد سينما الأفانغارد والطرائق التجديدية الحديثة لمخرجين أمثال سبيلبيرج ولوكاش، اللذان كانا حّلقا صوب مديات متطورة وعوالم مختلفة في أواخر الثمانينات.
بعث الحياة في الصورة
إن أفلامي الأولى التي صورتها في فترة الدراسة كانت أفلاماً مباشرة جداً وذات بعد واحد، على الرغم من أنها كانت تمتلك دقة وصرامة شديدين على المستوى الفني، إلا أنها لم تكن مثيرة للمشاهدة.
أظن إن أحد أهم العِبَر التي تعلمتها من دراستي السينمائية في تشيكسلوفاكيا هي أن السينما، خلافاً لجميع الفنون الأخرى، تتسم بروح العمل الجماعي المشترك.
أنا لاأتحّدث هنا عما يدور خلف الكاميرا فحسب،أعني أعضاء فريق العمل الذي يصنع الفيلم، إنما أتحّدث عما يحدث أمام الكاميرا أيضاً، عن ذلك الذي يخلق روح المشهد ويبعث الحياة فيه.
لقد إكتشفتُ، كمخرج، أنني أمتلك حق التصرف بسلسلة كاملة من العناصر التي بإمكاني تركيبها كنوع من الموزاييك ريثما تأتي اللحظة التي يمكن لشرارة واحدة فقط أن تبعث الحياة في ذلك المشهد.
الواقع أن ثمة شيء موسّيقي جداً له علاقة بهذا الموضوع، كما هو الحال في إستخدامي أنواعاً متبيانة من الأصوات كنت أحاول من خلالها خلق إحساس شجي في لاوعي المتلقي، أكثر منه إرسال خطاب عقلاني ومنطقي. ولهذا السبب، كنت أنفق الوقت الطويل في إعداد وتهيئة كل لقطة على حدة وكنت أراجع تلك اللقطات بكثرة على الدوام قبل تصويرها.
إنني أحاول خلق تآلف بين جميع مكونات العناصر المختلفة على متن كل المستويات المختلفة، لحين أن يُدرك إلإحساس المطلوب أخيراً خلال الصورة. لهذا السبب لاتجد حركات وإنتقالات كثيرة جداً في أفلامي.
شيء آخر هو أنني أكره أن أظهر مشاعر الشخصية عبر الدايلوغ. أحس أن التعبير عن المشاعر عبر الكلمات أكثر منه عبر الأحداث والأفعال، هو خيار سهل تفضله السينما أكثر وأكثر في الغالب، وهذا شيء شبيه بآفة أو مرض. لهذا السبب أحاول دائماً جعل الممثلين يتكلمون قليلاً جداً بالقدر الممكن. وحين ينبغي عليهم الكلام، عليّ التأكد من أحد أمرين: هل ينبغي عليّ في هذه الحال، تحريك الممثلين، أم تحريك الكاميرا؟
ثمة مشهد في فيلمي "قطة سوداء، قطة بيضاء" مثلاً أنا مغرم به بشكل خاص. إنه المشهد الذي فيه يسبح الممثل والممثلة في النهر وهما ممسكان بإطار مطاطي دائري عائم ويعترفان لبعضهما بحب أحدهما الآخر. إن الطريقة التي صورتُ فيها المشهد هي أنني جعلت ذلك الإطار يدور مُصاحباً بحركة دائرية من قبل الكاميرا. هذه الحركة الدائرية بالنسبة لي (وهنا ينبغي أن نعرف أن الدائرة هي الشكل الهندسي الأكثر كمالاً في العالم) جعلتْ من اللقطة أكثر سحراً من الكلمات التي كانت تنطق بها الشخصيتان.
"الذاتية" هي الأساس
إن الخطأ الفادح الذي يمكن أن يقترفه المخرج الشاب هو الإعتقاد بأن السينما هي فن "موضوعي".
الطريقة الصائبة والحقيقية في أن تكون مخرجاً هي ليست أن تمتلك وجهة نظر ذاتية أو شخصية فحسب، إنما أيضاً أن تطبق وجهة النظر تلك وتفرضها في فيلمك على جميع المستويات. أنت تصنع فيلمك وتعمله لأجلك، بأفقٍ يحمل معه دائماً بالطبع أمل في أن مايثير إهتماماتك في ماتطرحه سوف يثير إهتمامات الآخرين أيضاً.
أما إذا فكرت في عمل فيلم إلى المتفرجين فلن يكون بوسعك حينها إثارة دهشتهم. وحين لم يكن بمقدورك إثارة دهشتهم، عندئذ لن تستطيع أن تجعلهم يفكرون أو يرتقون. بالتالي، الفيلم هو أولاً وأخيراً فيلمك أنتْ.
هل بوسعك كتابة السيناريو بنفسك لتكون مبدع الفيلم وخالقه الحقيقي؟ لاأظن ذلك. على العكس، أعتقد أن المخرج سيمتلك حرية أكثر سعة حين يتفرغ فقط لعمله ك "مخرج" للفيلم.
عموماً، أنا شخصياً قمت مرّة بإعداد سيناريو لأحد الأشخاص، إلا أنني أضفت إليه الكثير مني في موقع التصوير، لدرجة أصبحتُ أنا، عملياً، من يتحكم به.
السيناريو بالنسبة لي هو ببساطة مجرد قاعدة أو أساس أتكىء عليه لتشييد معمار الفيلم. أنا لاأسمح لنفسي مطلقاً أن أتحّدد بالنص. إنني أبقى على الدوام منفتحاً على الأفكار الجديدة، تلك التي يزودني بها الممّثل أو ظروف التصوير. وأنا حريص دائماً وقبل كل شيء على التأكد من أن الفيلم يتضمن كل أنواع العناصر الشخصية أو الذاتية الحقيقية. لهذا تجد غالباً في أفلامي مشاهد إنتحار شنقاً أو مشاهد زفاف أو فرق موسيقية تعزف بآلات نحاسية ...إلخ. وهذه هواجس وأفكار تتملكني دائماً، والتي تظهر من جديد بشكل دائم ومنتظم في كل فيلم من أفلامي، وهي تشبه إلى حد ما، أحواض السباحة في رسومات هوكني (Hockney).
إن العناصر هي ذاتها دائماً، إلا أن تفسيرها وتوظيفها يختلف في كل مرة، تبعاً لإسلوب سرد الحكاية.
إن عملي الإخراجي، على المستوى التقني، هو أيضاً ذاتي بشكل كامل. عموماً، يمكنني القول أن كل مخرج سينمائي يواجه بالضرورة مأزقاً ما ما أن يبدأ تشغيل الكاميرا.
ثمة قرار فني ينبغي إتخاذه سواء كان منطلقه منطقي أو نابع من الغريزة المحضة أو حتى أخلاقي.
أنا أسمح لغريزتي على الدوام أن تقودني ، لكنني أدرك جيداً أن ثمة آخرين يجدون "المنطق" أكثر يقيناً وضمانة.
على أية حال، ليس ثمة قواعد سينمائية حقاً. أو بالأحرى، هناك المئات منها، طالما أن كل مخرج يبتكر قواعده الخاصة به.
ينبغي للكاميرا أن تقرر كل شيء
حين أقوم بإعداد وتهيئة المشهد أبدأ دائماً بتحديد موضع الكاميرا طالما أنا أؤمن أن الإخراج يقتضي أولاً وبشكل رئيس، التحكم بالمكان أو الحيز وماتسعى لرؤيته ضمن حدوده. هذه هي القاعدة أو الأساس لكل الفن السينمائي. إن التحكم بهذا المكان أو الحيز ينبغي تحقيقه من خلال الكاميرا. أما الممثلون فعليهم العمل وفق الشيء المحدد لهم سلفاً، وليس بطريقة أخرى.
قبل كل شيء، لأسباب عملية، من السهل أن تطلب من الممثل أن يتكيف مع التحديدات البصرية، من أن تطلب منه أن يتكيف مع الجانب التقني والفني لأفكاره. ولأن الكاميرا تساعد المخرج على توجيه الممثلين، هذا إذا كان يعرف توظيفها حقاً بإعتبارها عين المشهد، عندئذ سيمنح الممثلين ركيزة إسناد تجعل كل شيء سهل وواضح.
الكاميرا هي حليف المخرج وشريكه مادامت هي مصدر قوته. إنها الأساس الذي يمكنه من خلاله تشييد كل قراراته بغض النظر عن كونها كيفية أو إستبدادية في بعض الأحيان.
إن الخطأ الذي يمكن أن يرتكبه المخرجون الشباب، من وجهة نظري، هو العمل في السينما بإعتبارها شكلاً من أشكال المسرح المؤفلم. ولإنهم في العادة يكنون إحتراماً كبيراً لعمل الممثلين، الشيء الذي يجعل منه يحتل الأولوية في عملهم، فإن ذلك يحول دون قدرتهم في الآخر على فرض أو تطبيق وجهة نظرهم البصرية.
إن موقفهم هذا يعمل عادة بالضد منهم، طالما أن الممثل هو بحاجة إلى من يوجهه وحاجته لإن يُصّور ضمن إطار الصورة المحددة.
المخرج الذي يسمح للممثل أن يكون مطلق العنان سيواجه فوراً حالة من الضعف وعدم القدرة على الحسم، وهذا بدوره يثير القلق والرعب في نفوس الممثلين أنفسهم.
مع ذلك، ينبغي عليك في نفس الوقت تجّنب أن تكون ضيّق الأفق. وفي الوقت الذي يكون من المهم جداً أن تمتلك أسلوباً محدداً ودقيقاً لتصوير المشهد، فإن من المهم أيضاً أن تكون مستعداً لتقبل المفاجئات والأفكار القادمة من الخارج.
فأنا مثلاً، على الرغم من معرفتي لملامح وشكل المشهد الذي أريد تصويره،
إلا إنني نادراً ما أستطيع تخمين أو معرفة ماسيكونه ذلك المشهد حقاً في الآخِر.

إبدأ العمل في كل فيلم كما لو أنه فيلمك الأول
إن هدف المخرج من عمل الفيلم هو هدف جمالي، وهو أن يكون مُثاراً ومتحمساً للشيء الذي يقوم في تصويره. أنا أعرف مثلاً أن المشهد سيكون رائعاً تماماً حين أحس أن دقات قلبي بدأت تسرع.
السبب الحقيقي لعمل فيلم بالنسبة لي هو لكي أشعر بهذا النوع من الإحساس.
إنني بحاجة إلى التعبير عن نشوتي وأنا أصنع الفيلم لأجعله جزء من حياتنا إن لم يكن عنصراً لإثارة إهتمام الناس. وحين أتمكن من تحقيق ذلك أظن أن بوسع ذلك الشعور التسلل إلى الشاشة ومن بعد سينقل عدواه إلى المتفرج حتماً. ولتحقيق ذلك، على كل حال، أظن أننا بحاجة إلى البدء في عمل أي فيلم كما لو أنه فيلمنا الأول.
ينبغي تجنب الإستسلام للرتابة والتكرار وعدم التوقف عن الإستكشاف
والإبتكار مطلقاً. بمرور الزمن وثبات الخبرة يصبح من السهل جداً اللجوء إلى الطرق القديمة والإستعانة ببساطة بتغيير العدسات لغرض خلق دينامية جديدة. لكن ينبغي حقاً أن نتوقف عن سلوك عمل كهذا.
أنا على سبيل المثال أرفض على الدوام تصوير المشهد بلقطات كثيرة ومتنوعة من كل الجوانب. عليّ أن أقرر طريقة واحدة في تصوير المشهد وأبقى ثابتاً عليها حتى لو أن ذلك سيسبب لي صداعا حقيقياً أثناء المونتاج. إنه
نوع من التحدي المتواصل، إلا إنه يلزمني على التفكير بالقرارات التي أتخذها في موقع التصوير، ومع ذلك فأنا لاأتردد مطلقاً في المضي مع أية فكرة جديدة ومتابعتها حتى نهايتها.
ثمة أوقات يصدف أن أكون مقتنعاً بالإعادة الثالثة للقطة، إلا أنني مع ذلك ألزم نفسي على الذهاب أبعد لغرض الدخول إلى قلب المشهد، إلى الجوهر الحقيقي له. وهكذا إنتهيت مرة إلى تصوير لقطة ما خمسة عشر او عشرين مرة تقريباً. أعرف جيداً أن رقماً كهذا هو رقم كبير وهائل، وهو شيء مرعب بالنسبة للمنتج. لكن، حينما أعرف أن "ستانلي كوبريك" مثلاً كان قد أعاد تصوير لقطة ما في فيلمه الأخير حوالي أربعين مرة، فإن ذلك من شأنه أن يبعث في نفسي الإطمئنان حقاً.
(1) هذا اللقاء مجتزأ من كتاب بعنوان:
MOVIEMAKERS' MASTER CLASS:
PRIVATE LESSONS FROM THE WORLD'S FOREMOST DIRECTORS FABER AND FABER 2002

الكتاب صادر باللغة الأنكليزية عن دار النشر، وهو عبارة عن مجموعة من اللقاءات الصحفية كان أجراها الناقد والسيناريست والمخرج السينمائي الفرنسي لورينت تيراد في أوقات وأماكن مختلفة مع عشرين مخرجاً سينمائياً عالمياً ينتمون إلى أجيال ومدارس مختلفة، وغطى الكتاب فترة نصف قرن تقريباً، مبتدئاً منذ أواسط ستينات القرن الماضي وحتى وقتنا الحالي.

***
فيلموغرافيا
(إمير كوستوريكا مخرج يوغسلافي - 1954)
1981 (هل تتذكر دولي بيل؟)
1985 (حينما كان الأب في رحلة عمل)
1989 (زمن الغجر)
1993 (حُلم أريزونا)
1995 (تحت الأرض)
1998 (قطة سوداء، قطة بيضاء)
2001 (ثمان قصص رائعة) وثائقي
2004 (الحياة أعجوبة)
2007 (أوعدني بهذا)
2008 (مارادونا).. وثائقي
ترجمة: علي كامل
لندن
هذا البريد محمى من المتطفلين , تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته
''الفوانيس السينمائية''


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.