بايتاس: مطالب "جيل زد" تحظى بمتابعة الحكومة والإصلاحات الاجتماعية مستمرة            أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم        النيابة الإسبانية تطالب ب50 سنة سجنا لمغربي متهم بتنفيذ هجوم إرهابي    وزارة الصحة تطلق حملة للكشف المبكر عن سرطاني الثدي وعنق الرحم            أداء إيجابي في بورصة الدار البيضاء    إسرائيل تطلق نشطاء وتحتفظ بمغربيين    وزارة النقل توضح موقفها من خدمات النقل عبر التطبيقات الذكية    كيوسك الثلاثاء | إصلاح المدرسة العمومية رهين بانخراط الطاقات التربوية الخلاقة    فوز ثلاثة علماء بجائزة نوبل في الفيزياء    محكمة تونسية تطلق سراح مواطن حُكم عليه بالإعدام بسبب انتقاده للرئيس    استقالة الحكومة وإصلاح شامل للتعليم والصحة والقضاء.. شباب "جيل زد" يبسطون الخطوط العريضة لمطالبهم    المفوضية الأوروبية تشيد بتوقيع الاتفاق الفلاحي المعدل مع المغرب    67 قتيلا حصيلة انهيار المدرسة في إندونيسيا مع انتهاء عمليات البحث    مولودية وجدة يحقق فوزه الأول وشباب المحمدية يتعثر    المغرب ‬وجهة ‬سادس ‬أكبر ‬ناقل ‬بحري ‬في ‬العالم ‬لفتح ‬خط ‬تجاري ‬جديد    المغرب ‬يصوب ‬التوجهات ‬الفلاحية ‬لأوروبا.. ‬حين ‬تتحول ‬الحقول ‬المغربية ‬إلى ‬رئة ‬غذائية ‬لبريطانيا ‬ما ‬بعد ‬البريكست    تقرير غوتيريش يوصي بتمديد ولاية "المينورسو" ويكشف موافقة أممية على بناء ملاجئ عسكرية مغربية في الصحراء    الإشكال ‬الكبير ‬ليس ‬اقتصادياً ‬فحسب ‬بل ‬هو ‬في ‬جوهره ‬إشكالُ ‬القيم    مقاطع تعذيب تُروَّج ضد الأمن الوطني ومصدر أمني يكذب ويكشف الحقيقة    من باريس إلى الرياض.. رواية "جزيرة القارئات" الفرنسية بحرف عربي عبر ترجمة مغربية    حركة "جيل زد" تلجأ إلى سلاح المقاطعة للضغط على أخنوش    مباحثات إسرائيل و"حماس" "إيجابية"    ارتفاع الذهب إلى مستوى قياسي جديد وسط الطلب على الملاذ الآمن    عمدة مدينة ألمانية يقترح إشراك التلاميذ في تنظيف المدارس    طقس حار في توقعات اليوم الثلاثاء بالمغرب    مجلس جهة الشمال يصادق على ميزانية 2026 ومشاريع تنموية كبرى    جدل بتطوان حول ميزانية 2026 بين الأغلبية والمعارضة    انطلاق "دوري الملوك" في السعودية    جيل Z اخترق الشارع، والإعلام .. ودهاليز الحكومة    هذا الموريسكي .. سر المخطوط الناجي (2)    دراسة: التدريبات الرياضية تقلل الإحساس بالجوع    منتخب المغرب يبدأ التحضير للبحرين    الخلايا التي تمنع أجسامنا من مهاجمة نفسها.. نوبل الطب 2025 تكرّم اكتشاف "فرامل المناعة"        أهم نصائح التغذية لشهر أكتوبر    استقالة رئيس الحكومة الفرنسية بعد أقل من 24 ساعة من تعيينه تعمّق الأزمة السياسية بفرنسا            دار الشعر بمراكش تنظم الدورة السابعة لمهرجان الشعر المغربي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    عنوان وموضوع خطبة الجمعة القادمة    الدوري الإسباني.. الزلزولي يقود بيتيس للفوز على إسبانيول    "الأشبال" أمام كوريا في ثمن "المونديال"    نادية صبري مديرة جديدة لمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر    98 منظمة حول العالم تطالب بالإفراج عن نشطاء أسطول الصمود.. ودعوات لتدخل رسمي من أجل حماية عزيز غالي    دراسة: فحص بسيط يكشف عن خطر الإصابة بالخرف قبل عقود من ظهور الأعراض    منتخب U17 يستعد للمونديال في السنغال    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب    منح جائزة نوبل في الطب لثلاثة علماء عن أبحاثهم في مجال التحكم في الجهاز المناعي    العلماء يدرسون "التطبيب الذاتي" عند الحيوانات    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع محمد عابد الجابري: شهادة من موقع العشرة

كنت، بحكم عشرة في شعبة الفلسفة في كلية الاداب والعلوم الانسانية في الرباط امتدت عشرين سنة كاملة (بين نهايتي السبعينات والتسعينات من القرن الماضي) أحد الشهود المواكبين لميلاد المشروع الفكري الذي يرتبط به اسم المرحوم محمد عابد الجابري: مشروع نقد العقل العربي.
كنت كذلك شاهدا على ميلاد و نشأة المشروع في الصيغة الاولى، التمهيدية، التي ينتظم بها كتابه «نحن و التراث» والكتاب، مثلما يعرف قراء الجابري، مجموعة قراءات في فكر صفوة من فلاسفة الاسلام وكبار مفكريه: الفارابي، ابن سينا، ابن رشد، ابن باجة، ابن خلدون، الشاطبي.. قراءات سعى فيها صاحبها الى تسخير سلاحين اثنين كان الرأي فيهما (في ثمانينات القرن الماضي خاصة) انهما ينتسبان الى مجالين مختلفين، يغاير كل منهما الآخر مغايرة تامة، فلا سبيل الى الالتقاء بينهما، تحليل يأخذ بالقواعد الكبرى التي يقررها برنامج نظرية المعرفة مع تغليب، يكاد يكون كليا، للتحليل المادي التاريخي والثنائية الشهيرة التي يعمل بموجبها: الايديولوجي العلمي (الثنائية في معنى الزوج الذي يفيد حداه تنافيا كليا، فحضور احدهما يغيب وجود الاخر ويقصيه) وتحليل ثان يأخذ في وجل وتردد بالتحليل الابستمولوجي الذي يسعى الى استكناه مكنونات النص وارغام النص، بالملاحقة بما تيسره ادوات اللسانيات، والتحليل النفسي، وتاريخ العلوم وما عرفه محمد عابد الجابري في اعادة قراءته لفلسفات الفارابي وابن سينا وابن باجة وابن رشد والغزالي هوبأعلى وجه التحديد، التبشير بإمكان المزاوجة بين المقاربتين: التاريخية والبنيوية. يمكن التعبير عن المحاولة بكيفية أخرى فنقول: أمكن الجابري أن يقتحم مجاهل جديدة، غير مألوفة -البتة- في النظر إلى التراث الاسلامي في الكتابة العربية وأن يقوم بالخطوة الأولى في رفع الملام ودفع التهمة عن مقاربة أخرى غير المقاربة التاريخية - المادية. وقد سارت بالمنهجية الاخيرة في طريق الوثوقية ووأد الحس النقدي، فإنه تكون الفلسفة ويكون العقل المستنير - والقصد بالمقاربة الوثوقية تلك التي هيمنت على الساحة الفكرية العربية، في عمل قراءة التراث الاسلامي، مع كل من طيب تيزيني من جانب وحسين مروة من جانب آخر. لم يلق الجابري التاريخ وراء ظهريا، ولم يصرف الحضور الايديولوجي في القراءة والكتابة معا في كل النصوص التي كتبها في السنوات الثلاثين الاخيرة - ولكن «الهم الابستيمولوجي» أصبح مساكنا للرجل، محايثا له وعلى طريقته التي يعلمها اصدقاؤه وتلامذته على السواء سعى الى بلورة الهاجس الابستيمولوجي والتأصيل له (ان صح القول) بالدرس الجامعي من جهة، وبالترجمة والتعريف بالابستمولوجيا الفرنسية ورجالاتها من جهة أخرى. الحق انه تلزم اضافة اخرى هي: الاشراف على رسائل واطروحات تتصل بالابستيمولوجيا في صلاتها بالعلوم الانسانية.
من موقع الشاهد الذي وجدت فيه يلزمني الاعتراف بان محمد عابد الجابري أمكنه المضي خطوات غير قليلة في درب المقاربة المزدوجة للتراث العربي الاسلامي. لم يكن الامر بطبيعة الحال، يخلو من صعوبات واشكالات - لا بل انه قد كان، في جوانب منه مدعاة للنقد والمؤاخذة ولكن تلك قضية اخرى، خلاف لا يفسد للود قضية، كما يقول اخواننا المشارقة
أمر كان، ليس يقل اهمية وخطورة، كنت شاهدا عليه ويلزمني القول فيه من موقع الشهادة والعشرة. امر ثان يسم ما اراده الجابري في مشروع قراءته للتراث العربي الاسلامي، يسمه بدقة وجلاء، فهو اذن مما يلزم ذكره.
قام مثقفون عرب كثيرون، من مواقع مختلفة ومتعددة (الدرس اللساني، الفقه و التشريع والاصول، علم الكلام، التصوف الفلسفة.. الخ) كل قرأ من النصوص العربية ما كان بمجال اشتغاله المباشر متصلا، ما كان بدائرة اختصاصه متعلقا. وحده الجابري، من بين كل المثقفين العرب المعاصرين، جازف بامتطاءمركب صعب والارتقاء في أحضان بحر لجي متطاير الامواج. كذلك اقبل مؤلف «تكوين العقل العربي» على قراءة سيبويه،و ابن جني،و العسكري، والجرجاني، وحازم القرطاجني، فضلا عن الشافعي والطبري وابن الاثير، مثلما كان يقرأ السهرودي واخوان، الصفا، والشفاء، والجمع بين رأيي الحكيمين، وابن النديم في الفهرست والجويني والباقلاني والبغدادي في الكلام...
لاشك أن الجابري كان يمتلك جرأة، بل جرأة كبيرة في بعض الاحيان، غير ان فضيلته الكبرى (في المعنى اليوناني، الارسطي خاصة، لكلمة الفضيلة التي تفيد اتقان الصنعة) كانت - بلا منازع - هي سعة اطلاعه. لنقل بالاحرى، هي صبره على قراءة ماكان مشكلا، صعبا، لايتصل بدائرة عمله ولا بما ألفه.
هل في إمكاننا اليوم أن نعدد من الفلاسفة المعاصرين العرب من قرأ كتب ابن جني وسيبويه، وحازم القرطاجني، والسكاكي والجرجاني بهدف البحث عن كيفيات استقبال العقل العربي للمنطق الارسطي وكيف تعامله مع الاثر الاغريقي.
قوة فقيدنا الغالي تكمن في الصبر والاصرار، مع صدق الايمان، بالعروبة والعقل والديمقراطية.
اما كيف تنتظم هذه المعاني والمفاهيم الاخيرة في سلك واحد، وتلتقي عند شخص واحد فتلك قضية أخرى وموضوع آخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.