تحظى الإسعافات الأولية، في المجتمعات المتقدمة، بأهمية قصوى، التي تجعل منها ثقافة أساسية تدخل في نطاق التربية، كما هو الشأن في الولايات المتحدية الأمريكية، وأوروبا، ويتم استحضار كل التفاصيل الإسعافية التي تمّ التزود بها متى تواجد المواطن/المسعف في مكان الحادث. فتتوزع التدخلات ما بين طرق حمل المريض ونقله بكيفية صحيحة للحفاظ على صحته وسلامته دون المساهمة ،عن جهل، في حدوث مضاعفات خطيرة، وما بين تزويد المصاب بالأوكسجين، ووضع وسائل تحدّ من الحركة بالنسبة للأطراف المكسورة، وإعطاء "الفونطولين" عن طريق البخاخ والأوكسجين، وكذا الحقن، والتدخل عن طريق التدليك القلبي الخارجي، ووضع أنبوب وجهاز التنفس الاصطناعي. كل هذه الخطوات وأخرى يخضع المتدربون لتكوين على جزئياتها دون أن يتوفروا على مستوى عالٍ من التعليم، بل إن مستواهم الدراسي لا يتعدى ما يعادل التاسعة إعدادي بالمغرب، وهم يتدربون لاكتسابها لمدة تسعين يوما على المستوى النظري والتطبيقي. بالمقابل يتكون طاقم الإسعاف من شخصين اثنين يتقنان السياقة، ومكوّنين في الإسعاف الطبي، في حين تتوفر سيارة الإسعاف على سرير خاص لحمل المرضى ومعدات أخرى مختصة للتعامل مع المريض/المصاب في جميع الحالات وفي مختلف الوضعيات، ومن بينها مثبتة العنق Minerve، الأوكسجين، جهاز ضد الارتجاف القلبي، جهاز التنفس الاصطناعي، "أسبيراتور"، حقن وما إلى ذلك. لكن بالنسبة لنا في المغرب نجد أنفسنا أمام فوارق صارخة، أولاها أن سيارات الإسعاف تابعة للوقاية المدنية، التابعة بدورها لوزارة الداخلية عوض وزارة الصحة. ويتكون طاقمها من شخصين اثنين، وسرير لحمل المرضى دون سواه من المعدات الضرورية الأخرى، أخذا بعين الاعتبار أن طرق حمل المرضى/المصابين في كثير من الأحيان هي لا تتطابق مع المعايير العلمية، على اعتبار أن حمل مواطن تعرض لكسر العنق يتطلب عدم التحريك، ووضع مثبتات العنق، وحمل المريض فوق سرير خاص (L.B.B)، لأن عدم استعمال هذه التقنيات قد يؤدي إلى تقطع النخاع الشوكي، ومنه إلى الشلل التام، فضلا عن كون هؤلاء "المسعفين" يتطلب حضورهم إلى مكان الحادث ما بين ثلاثين دقيقة وساعة كاملة للوصول، مع عدم إغفال وضعية الطرق بالمغرب التي في أغلبها هي غير مؤهلة لمرور سيارات الإسعاف، في حين أن الوقت المستغرق بفرنسا هو 10 دقائق، وبالولاياتالمتحدةالأمريكية هو 5 دقائق. وبهذا يقتصر دور أغلب سيارات الإسعاف بالمغرب على حمل المريض وليس إسعافه، الشيء الذي يجب أن يتم أولا في مكان الحادث قبل نقل المريض، ويتم الاستمرار فيه داخل سيارة الإسعاف إلى حين إيصاله إلى المستشفى. وعليه، فإذا كانت مهمة سيارات الإسعاف بالمغرب تنحصر في حمل المريض وإيصاله حيا أو ميتا إلى أقرب مستشفى، فلماذا يتم استعمال سيارات إسعاف ضخمة الحجم، وذات محركات ضخمة مكلّفة من حيث استهلاك البنزين، وصعوبة مرورها عبر طرقنا غير المؤهلة؟ لماذا لا يتم استعمال دراجات نارية ثلاثية العجلات خاصة بالنقل ويمكنها المرور بسهولة عبر الشوارع والأزقة وغير مكلفة من حيث البنزين، فضلا عن تشغيل أناس غير متمدرسين، مما سيوفر على الدولة أموالا طائلة يتم هدرها في البنزين وقطع الغيار لسيارات باهظة الثمن، وغيرها من المصاريف الأخرى التي لاتعود بالنفع، مادام التعاطي مع صحة وحياة المواطنين لايتم أخذه على محمل الجدّ والتعامل معه بالحزم والجدية المطلوبين كما هو الشأن في دول أخرى، لايقتصر فيها المعنيون بالصحة العامة، على ترديد الشعارات ،وإنما يتجاوز الأمر ذلك إلى التطبيق؟!