أخنوش يرد على خصومه: الدولة الاجتماعية ليست مشروعا ل"البوليميك" والحكومة أحسنت تنزيله    لا تيتي لا حب لملوك: اتحاد العاصمة دارو ريوسهم فالكابرانات وتقصاو حتى من كأس الجزائر    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    الشاطئ البلدي لطنجة يلفظ جثة شاب فقد الأسبوع الماضي    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تصدر بلاغا حول قرار معاقبة اتحاد العاصمة الجزائري    "فوتسال المغرب" في المركز 8 عالميا    سانشيز: أفكر في إمكانية تقديم الاستقالة بعد الإعلان عن فتح تحقيق ضد زوجتي بتهمة استغلال النفوذ والفساد    بالأرقام .. أخنوش يكشف تدابير حكومته لمساندة المقاولات المتضررة جراء الأزمة الصحية    مكافأة مليون سنتيم لمن يعثر عليه.. هذه معطيات جديدة عن حيوان غريب ظهر في غابة    هادي خبار زينة.. أسماء المدير مخرجة "كذب أبيض" فلجنة تحكيم مهرجان كان العالمي    قميصُ بركان    مطار مراكش المنارة الدولي: ارتفاع بنسبة 22 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    طقس الخميس.. أجواء حارة وقطرات مطرية بهذه المناطق    المغرب ومنظمة "الفاو" يوقعان على وثيقة "مستقبل مرن للماء" بميزانية 31.5 مليون دولار    رئيس وزراء اسبانيا يفكر في الاستقالة بعد فتح تحقيق ضد زوجته في قضية فساد    تسريب فيديوهات لتصفية حسابات بين بارونات بتطوان    اللجنة الجهوية للتنمية البشرية بالشمال تصادق على برنامج عمل يضم 394 مشروعا برسم سنة 2024    العدو الجزائري يقحم الرياضة من جديد في حربه على المغرب    الجامعة الملكية لكرة القدم تتوصل بقرار ال"كاف" بشأن مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    النصب على حالمين بالهجرة يقود سيدتين الى سجن الحسيمة    أخنوش: الحكومة دأبت منذ تنصيبها على إطلاق مسلسل إصلاحي جديد وعميق يحقق نهضة تربوية وثورة تعليمية    القضاء الفرنسي يؤكد إدانة رئيس الوزراء السابق فرانسوا فيون بقضية الوظائف الوهمية    الجزائر تتوصل رسميا بقرار خسارة مباراة بركان و"الكاف" يهدد بعقوبات إضافية    الكاف: نهضة بركان ربحو USMA بثلاثية فالألي والروتور ملعوب فوقتو فبركان    بنكيران يهاجم أخنوش ويقول: الأموال حسمت الانتخابات الجزئية    توقعات بتأجيل كأس أمم أفريقيا المغرب 2025 إلى يناير 2026    وزير النقل… المغرب ملتزم بقوة لفائدة إزالة الكربون من قطاع النقل    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    أخنوش مقدما الحصيلة المرحلية: إجراءات الحكومة هدفها مناعة الأسرة التي هي "النواة الصلبة لكل التدخلات"    خارجية أمريكا: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    قطب المنتجات المجالية نقطة جذب لزوار الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب 2024    سنطرال دانون تسلط الضوء على التقدم المحقق في برنامج "حليب بلادي" لفلاحة مستدامة ومتجددة    تهديدات بالتصعيد ضد ّبنموسى في حالة إصدار عقوبات "انتقامية" في حقّ الأساتذة الموقوفين    أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    الولايات المتحدة تنذر "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    مقترح قانون لتقنين استخدم الذكاء الاصطناعي في المغرب    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و262 شهيدا منذ بدء الحرب    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    مبادرة مغربية تراسل سفراء دول غربية للمطالبة بوقف دعم الكيان الصهيوني وفرض وقف فوري للحرب على غزة    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    جلسة قرائية تحتفي ب"ثربانتس" باليوم العالمي للكتاب    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكر والفيلسوف المغربي محمد سبيلا لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» .. دور السلطة العليا هو حماية بيضة الدين ورعاية نبتة الحرية

في هذا الحوار الذي أجرته جريدة «الاتحاد الاشتراكي» مع المفكر المغربي محمد سبيلا، تناول صاحب مؤلفات «حوارات في السياسة والثقافة»، «الحداثة وما بعد الحداثة»، «في تحولات المجتمع المغربي»، «للسياسة بالسياسة»...، بالدراسة والتحليل أهم القضايا الثقافية والسياسية والاجتماعية التي تؤرق المجتمعات العربية عامة والمغرب على وجه الخصوص في العصر الحالي، كظاهرة الإرهاب، ثم الدخول لعهد الحداثة كعملية مستمرة في الزمان والمكان، ظاهرة الإسلام السياسي، ووصول الحركات الإسلامية إلى السلطة، بالاضافة إلى دور المثقف ووظائفه ما بين الأمس واليوم، ثم ثورات الربيع العربي، والوضع السياسي بالمغرب
o المثقف كان دائما يدلو بدلوه في القضايا الكبرى داخل المجتمع، المثقف كان دائما طلائعيا بحكم أنه يحمل رؤية للحاضر والمستقبل، لكن يظهر اليوم أن المثقف ركن للخلف واتخذ موقف المتفرج والسلبي، هل يمكن أن نقول أن المثقف اليوم فقد دوره و وضيفته وأصبح في خبر كان؟
n هذه الرؤية النبوية للمثقف ربما ارتبطت بعصر ولى وبفترة تاريخية كان فيها للمثقف دور كبير وهي الفترة التي كانت تتسم بطموحات التحرر والتقدم في المجتمعات العربية سواء في وجهها الليبرالي أو الاشتراكي، كان المثقف رائدا وموجها ومرتبطا بالنضالات اليومية في الأماكن العمة والحزبية، لكن تطور الأحداث وتطور الشروط الاجتماعية والمعطيات التكنولوجية والإعلامية وغيرها، جعلت المثقف يتساءل من جديد حول دوره وهنا افتح قوس لأقول مفهوم المثقف قد تغير ، لقد توسعت دائرة المثقفين لتشمل فئات أخرى لم تكن تدرج في هذا الصنف من قبل، فقد تكاثر عدد المثقفين والمتخصصين والمستشارين والصحفيين و الإعلاميين الذين رفضتهم القنوات الإعلامية مما غير خريطة المثقفين هذا في مرحلة أولى، فيما بعد حصل نوع من إعادة النظر في أدوار المثقفين، حيث بدأ يتبن انخراط المثقف في الصراعات الاجتماعية في تفاصيلها اليومية، قد يتعارض مع دور المثقف من حيث وظيفته الأساسية هي التفكير والتنظير ودراسة حركة التاريخ إضافة إلى مهامه المعهودة في تمثل التجديدات الثقافية والفكرية ي المراكز الفكرية الكبرى بالعالم، فسرعة تطور الأفكار والنظريات وتعدد الإسهامات جعلت المثقف يحجم عن المساهمة والانخراط في تفاصيل الحياة اليومية حتى لا تفوته الكثير من التجديدات الفكرية وهذا حرج لا يشعر به إلا المثقف ولذلك بدأ ضمن هذه الشروط كلها نوع من تخلص الدور الإرشادي للمثقف، لكن مع ذلك ونظرا للحاجة التي تعبر عنها الفئات الاجتماعية والمرتبطة ربما بنوع من خيبات الأمل في الساحة السياسية ربما في السياسين الذين تحولوا الممارسة البراكماتية، فافتقد الرأي العام ذلك الوهج والبريق الإرشادي والتوجيهي وظهر نوع من الحنين إلى المثقف المرشد إجمالا تحولا مختلفة التي حدثت في العقود الأخيرة هي التي غيرت خريطة الثقافة والمثقفين وربما عدلت من أدوارهم ووظائفهم التي كانت دائما إشراقية ليتحولوا إلى أدوار معرفية تتطلب الكثير من التريث ومن إصدار الأحكام والتوجهات.
o و ماذا عن المثقف العضو الذي عرفناه فيما قبل، هل لازال هذا الصنف من المثقفين في العصر الحالي؟
n لا يمكن أن ننفي وجود المثقف العضوي، لكن بمعنى آخر وفي سياق آخر فالمثقف الإسلامي في حزب إسلامي فهو مثقف عضوي والمناضل الإعلامي في ساحات المظاهرات والاحتجاجات هو أيضا مثقف عضوي بمعنى آخر، ويمكن أن نقول هناك العديد من المثقفين العضويين في مجالات مختلفة وفي أفق مختلف عن الأفق السابق، المثقف بالمعنى الآني هو مثقف مرتبط بحركة جماهيرية معبئة تقليدية أو حداثية، احتجاجية أو سلمية، هو من جهة ثانية مرتبط بوسائل الإعلام والاتصال والمعلوميات والشبكات الاجتماعية أي أن المثقف العضوي الحالي بهذا المعنى الموسع قد انتقل من دائرة الثقافة الكتابية التي ارتبط بها المثقف العضوي القديم ، وانخرط في الثقافة التي يسميها روجيس دوبري la videosphère ثقافة الصورة المتحركة.
o لماذا نمارس السياسة وعن أي جرح تجيب السياسة، وماذا عن وضعية السياسة في المغرب؟
n السياسة ظاهرة حركية وشمولية، فهي بمثابة مرآت لكل ما يحدث في المجتمع وهي إلى حد كبير مرآت قيادية أو توجيهية، لان الساسة هي قفل ومفتاح في نفس الوقت، والمفروض في السياسة اليوم والسياسة المغربية على وجه الخصوص أن تستجيب لهذه الجروح التي أشرنا إليها، للمشاكل الاجتماعية في المغرب الذي يشهد تحولات متسارعة، فدينامية التحولات الكلية في المغرب، تدل على نوع من الشارع الاجتماعي وعلى قدر أكبر من التفاعل والصراع بين بنيتين أو مكونين أساسين في المجتمع، البنية التقليدية والبنية العصرية، فبعض الباحثين أشار إلى أن هناك مغربين ضمن المغرب الواحد، مغرب التقليد والمحافظة والرتابة ومغرب التجديد والتحول، ومن أجمل المقالات التي اطلعت عليها مقال لمحمد الساسي تحث عنوان "مغرب محافظ" يرصد فيه بالضبط هذه الدينامية المزدوجة في مختلف المجالات والتي تعر عنها الأحداث المتكاتفة في مغرب اليوم المتمثلة في توجهات قوية نحو المساواة الكاملة بين المرأة والرجل وفي ميل الكثير من المغاربة نحو الأفكار والسلوكات والممارسات والاختيارات العصرية في الثقافة والموسيقى والسينما وغيرها من المجالات والتي يمكن إدراجها ضمن ما اسماه السوسيولوجي المغربي جنجار دينامية انبثاق الفرد الحر أو تطلعات نحو لعب ادوار أكثر تأثيرا في اتجاه تحديث المجتمع وفي اتجاه قبول الشرط المعاصر وهي دينامية تغديها أو تسندها بعض الاختيارات السياسية الكبرى المتمثلة في الدستور الجديد أو مدونة الأسرة وإصلاح القانون الجنائي وغير ذلك، ومقابل ذاك يريد الأستاذ الساسي في مقالته مظاهر الاختيارات المحافظة سواء خارج اللعبة السياسية أو داخلها المتمثلة في مواقف محافظة اتجاه المرأة، أو الاختيارات الثقافية العصرية وهذا الاختياران الأساسيان اللذان يعتملان في قلب المجتمع المغربي لهما أصداء وعناوين أو رموز سياسية وربما كان هذان القطبان على الرغم من تعدد الأحزاب وتداخلها هما القطبان الأساسيان، يعتبران بمثابة البنية الأساسية للفعل السياسي، وهما اللذان يحددان بشكل كبير دور السلطة السياسية في مراعاة التوازن بين هذين القطبين الكبيرين مع مراعاة التوازن بين هذين القطبين الكبيرين وحماية المكونين معا والذين ألخصهما في حماية البيضة، بيضة الدين ورعاية النبتة، نبتة الحرية.
o كيف تقرأ وصول الحركات الإسلامية إلى السلطة، في بعض بلدان العالم العربي، وبتزامن مع ثورات الربيع العربي، هل مشاركة هذه الحركات الإسلامية في تدبير الشأن العام مدبرة أم حتمية تاريخية؟
n التحولات الكبرى التي حدثت في الساحة ترتبط بفترتين أساسيتين، أولا فترة الأربعينات والخمسينات من القرن و هي فترة نضال وطني ضد الاستعمار وما صاحبه من تطلع نهضوي نحو تحقيق التقدم الاجتماعي، وهي فترة حكمتها إيديولوجيتان كبيرتان، الليبرالية ولو بشكل محدود ومحتشم، ثم الاشتراكية التي كانت بمثابة البراديغم المحدد الأساسي لفترة صعود المثال الاشتراكي، أما الفترة الثانية بدأت مع هزيمة العرب ضد إسرائيل سنة 1967، ثم حدوت الثورة الإيرانية في نهاية سبعينيات القرن الماضي، ويرتبط بها حدث أساسي هو تعبئة الحركات الإسلامية ضد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، هذه التحولات التي هي بمثابة شروط تاريخية كبرى موجهة، هي التي مهدت لازدهار الإسلام السياسي حتى وإن كان لبعض مكوناته كالإخوان المسلمين تاريخ يعود إلى تاريخ سقوط الدولة العثمانية وتكون الجماعة سنة 1928 ، ابتداء من سبعينات القرن الماضي، بدأ ازدهار الإسلام السياسي الذي يركز في فهم الإسلام وتأويله على المعطى السياسي، ومن المؤكد أن الإسلام السياسي كانت تتنازعه ديناميتان أساسيتان، الدينامية الدعوية والدينامية السياسية، ومن يقول السياسة يقول السلطة، فالإسلام السياسي تغلبت فيه النزعة السياسية واعتبار أن إصلاح المجتمعات الإسلامية لم يتم من تحث وعن طريق الدعوة بل عن طريق الدخول إلى السلطة، وفي مطلع القرن 21، اندلعت أحداث الربيع العربي بثنائياتها المختلفة: التلقائية ونظرة المؤامرة الخارجية وثنائية التقليد والتحديث وثنائية مطالب الحرية ومطالب الهوية، ونتيجة المآلات والمخاضات والتعثرات التي عرفتها ديناميات الربيع العربي باختياراته الديمقراطية في النهاية صوتت الجماهير في مصر وتونس والمغرب وربما مناطق أخرى لصالح الحركة الإسلامية وقد تم ذلك كما يقول العديد من المحللين بمباركة أمريكية، لأن أمريكا أرادت أن تتيح للإسلام السياسي الذي هو في نظرها يختلف عن جدر الإسلام السياسي العنيف، مما مهد لصعود الإسلام السياسي في العدد من المناطق العربية، وفي تقديري هذه فترة ضرورية من جهة لاستدماج الحركات الإسلامية نحو العمل السياسي أي نحو تقوية اختيار نوع من الانخراط في البنية السياسية العصرية باختياراتها الديمقراطية، هذه الفترة إذن فترة ناتجة عن حتميات تاريخية وعن حتميات سوسيولوجية وثقافية ولعلها مرحلة ضرورية وبالرغم من كل سلبياتها، فهي مرحلة تاريخية اختبارية وايجابية.
o كيف تقرأ اندلاع ثورات الربيع العربي، وهل تتفق مع الرأي الذي يقول أن كيفية حدوث هذه الثورات استطاعت أن تخلخل كل البنيات والوسائل التقليدية التي يعتمدها المجتمع المدني ومنها الأحزاب السياسية، الزعيم، البرنامج السياسي، الاجتماعات، الخطط، نخب سياسية وقيادية، التأطير التعبئة التنظيم... ؟
n من السمات المميزة لما سمي بالربيع العربي هو انبثاق ثورات احتجاجية كانت تتراوح بين العنفية والسلم، بين التلقائية والتدبير، بين النزعات الهوياتية والمطالب الحيوية، كما أن أحد سمات هذه الثروات غياب إيديولوجية موحدة ورموز قيادية وهيئات وأحزاب بالمعنى الكلاسيكي وهو ما أخد عليها في البداية وان كان من الصعب تقديم أحكام جاهزة ونهائية بصدد هذه الثورات لأن كل خفاياها وخلفياتها لم ولن تظهر إلا بعد عقود ، لأن الأحداث التاريخية الحية لا يمكن أن تخضع لنظرة المؤرخ أو لنظرة المتأمل ولكن الشيء المؤكد هو أنها ثورات حدثت خارج التطورات الكلاسيكية المعروفة في الثورات السابقة وجود نخبة سياسية، وجود اديولوجية وجود برنامج سياسي وجود زعيم إلى غير ذلك، وهذا التغيير نابع أساس من التحولات التكنولوجية الكبرى المتمثلة في الثورة الرقمية التي قلصت الزمان والمكان والفصل والأدوار حيث تبين أن دور الفاعل لم هو النزول إلى الشارع لتعبئة الأفراد بل استخدام الحاسوب، ووسائل الاتصال للتجييش وتحديد الشعارات وتوزيعها، وتحديد المواعيد...ونحن كثيرا ما نتغافل عن نتائج الثورة التكنولوجية التي هي استمرار وتكثيف لكل الثورات التكنولوجية التي شهدها العالم المتقدم منذ أواسط القرن التاسع عشر.
o كيف ترى تنامي ظاهرة الإرهاب اليوم، والدولة الإسلامية في بلاد العراق والشام المعروفة بداعش التي تسعى لقيام دولة إسلامية على جثة وأرواح عربية وإسلامية؟
n منظور الباحث للإرهاب يختلف عن منظور السياسي، فالسياسي يميل إلى اختزال الظاهرة الإرهابية في معطى السياسي والمخابراتي أو غيره من المعطيات الملموسة، أما الباحث ينظر إلى الظاهرة الإرهابية كظاهرة تاريخية وشمولية، تاريخية بمعنى أنها نتيجة عوامل بعيدة تضرب جذورها في التاريخ، فالإرهاب العربي الإسلامي المتمثل اليوم في داعش يجد له أصولا تاريخية في ثقافتنا وفي تاريخنا وفي مظاهر العنف المتواترة منذ معقل الخلفاء وظهور الخوارج، انتهاء بالجماعات الإسلامية التكفيرية اليوم وفي الموارد الفكرية التي يمثلها العديد من المشايخ، انتهاء بأفكار المفكر المصري سيد قطب، وغيره وهي أيضا ظاهرة شمولية بمعنى أنها تطال كل مكونات المجتمع ولا يمكن اختزالها في مكون واحد من مكونات البنية الاجتماعية، انأ شخصيا مهتم بتراتب هذه العوامل ابتداء من العوامل الاقتصادية المتمثلة في الفقر وانعدام العدالة الاجتماعية وغيرها، مرورا بالعوامل السياسية المتمثلة في الاستبداد والتهميش وانعدام الحريات الخ، ومرورا كذلك بالعوامل النفسية المتمثلة في تشرب الشباب لمختلف الاحباطات الاجتماعية المتمثلة في بطء الحياة الاجتماعية وانتهاء بالعوامل الإيديولوجية والثقافية، شخصيا أميل إلى التمييز بين ما اسميه العوامل التي هي بمثابة خلايا نائمة والمتمثلة في الشروط الاقتصادية وربما السياسية والعوامل الثقافية والتحشيدية، ففي تقديري، أن هناك عاملين أساسيين قد يسميان سوسيولوجيا بالمحددات الحاسمة أو المحددات في آخر التحليل أو في آخر الطور، وهما عنصرا التهييئ الثقافي أو التعبئة السياسية أو المخابراتية، فالعنصران الأخيران هما العنصران المفجرانDeclancheurs إذا ما توفر هذا العنصران اشتعل الخطر الإرهابي وفي غيابهما تظل الخلايا نائمة.
وبالنسبة لداعش أرى أن لها جذور سياسية وثقافية ، فهي من سلالة القاعدة التي تمثل الجيل الأول للعنف المرتبط بالإسلام الجهادي بينما تمثل داعش الجيل الثاني، أعتقد أن نشأة داعش ترتبط بالإضافة إلى السلالة القاعدية إلى عناصر بعضها يغيب في التحليل حيث أن بدورها الأولى ارتبطت بأسلمة الجيش والدولة من طرف الراحل صدام حسين، ومن مفارقات التاريخ أن صدام حسين هو أحد الممهدين أو المؤسسين لداعش ولو بغير قصد، ومرتبطة أيضا بالغزو الأمريكي سنة 2003 وبخاصة بعملية تسريح الجيش العراقي المؤهل تقنيا و المؤطر إيديولوجيا وإسلاميا بحيث شكلت النواة الصلبة التقنية والإيديولوجية لداعش التي استطاعت بامتلاكها غالى تمويلات ضخمة إضافة إلى التكنولوجيات أن تتوسع وتتحدى القوى العالمية وتحاول التمدد في الرقعة العربية كلها.
o اشتغلتم كثيرا على الحداثة أولا نريد منكم تبسيط هذا المفهوم للقارئ؟، وثانيا هل المغرب دخل عهد الحداثة أم مازلنا في مرحلة ما قبل الحداثة؟ وما علاقة الحداثة بالتراث وكيف الملائمة ما بينهما؟
n مفهوم الحداثة بحكم التوسع في استعماله، تحول إلى مفهوم واسع وربما فضفاض لذلك يجب أن نميز بين المفهوم كما يستعمل في البحث السوسيولوجي والبحث العلمي والمفهوم كما يتم تداوله في المجال السياسي و الإعلامي حيث يتحول أحيانا إلى رمز أو شعار إلى غير ذلك من الاستعمالات ولكن بصورة مجملة يمكن القول أن مفهوم الحداثة بمثابة مثال أو نموذج يقوم على أساس عدة مكونات أولها الاستعمال الأقصى للعقل وتتمين الإنسان والحياة ومراعاة الشرط التاريخي واعتبار أن البشرية قد دخلت في الحداثة وتتجه نحو المستقبل وتحقق مزيدا من التقدم وهذا النموذج هو نموذج نظري قد لا يتحقق كليا في تاريخ شعب من الشعوب، بل هذا يتحقق تدريجيا ومرحليا في تاريخ المجتمعات ومن ضمنها المجتمع المغربي الذي يمكن أن نقول قد انخرط بغير إرادته في دينامية الحداثة منذ مطلع القرن العشرين، لأن انخراط المغرب في الحداثة ارتبط بصدمتين كبيرتين، الأولى بهزيمة المغرب أمام الجيوش الأوروبية، والثانية بصدمة دخول الاستعمار ، وبحسب بعض التحليلات السوسيولوجية فان الاستعمار قد لعب دورا مزدوجا من حيث أنه كان أداة لنهب خيرات الشعوب المتخلفة ولكنه بنفس الوقت كان أداة للتحديث ارتبطت أساس بدخول الاستعمار الذي نظم الطرق ونظم المدن والمواصلات وأقام السكة الحديدية والتلغراف والتلفون والسيارة ومختلف الأدوات التقنية، وبعد الاستقلال دخل المجتمع المغربي في سياق تجربة تحديثية هي الديمقراطية بمختلف مكوناتها ومستوياتها وهناك بعد آخر من أبعاد التحديث فهو التحديث الثقافي المتمثل في البنية العصرية للتعليم والذي نلمس جزء منه في الإنتاج الثقافي والذي يبرز فيه مثقفي الحداثة وعلى رأسهم المرحوم محمد عابد الجابري وعبد الله العروي والأجيال الأخرى، اذن المغرب منخرط في دينامية الحداثة أحيانا يسير ببطء وأحيانا يسرع لان عملية التحديث ليست طريقا سيارا أو معبدا بل تطاله أو تحكمه عملية التفاعل بين كوابح التقليد وطموحات التحديث على كافة مستويات البنية الاجتماعية، لذلك فالتحديث لم يتم في عقد أو عقدين من الزمن بل لعله يتطلب قرنا أو قرونا من الزمن، لان التحديث هو عملية شاملة وطويلة المدى، طبعا يمكن أن نركز على الحاضر و بعض التفاعلات والصراعات التي يمكن اختزالها في بعدين، بعد التطلع إلى الحريات الفردية والجماعية واكتساب المزيد من الحقوق وعملية مراقبة منسوبات التحديث بمراعاة المكونات التقليدية دون الدخول في تفاصيل هذا الصراع يمكن أن نقول أن التحليلات السوسيولوجية والفلسفية تقر اليوم بان ليس هناك تحديث مطلق أي تحديث بالتفاعل مع البنيات التقليدية واستدماجها وتطويرها، معظم النظريات اليوم أن التحديث الناجح لا يتم عبر القطائع بل عبر عملية تحديث البنيات التقليدية واستدماجها التدريجي في أفق الحداثة والتحديث دون تعنيف المكونات العميقة لروح التقليد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.