تفكيك خلية إرهابية مرتبطة بتنظيم "داعش" في عدة مدن بالمغرب    تقرير.. ارتفاع معدل البطالة بالمغرب إلى 13,7 بالمائة خلال السنة الجارية    بركة يعلن وضع خارطة طريق في مجال البنيات التحتية استعدادا لمونديال 2030    في الذكرى 42 لتأسيسها.. الإيسيسكو تواصل النهوض برسالتها الحضارية وتلبية تطلعات دولها الأعضاء بمجالات اختصاصها    بوريطة يتباحث ببانجول مع وزيرة الاندماج الإفريقي والشؤون الخارجية السنغالية    أسعار الذهب تتجه للانخفاض للأسبوع الثاني تواليا    توقف أشغال طريق بين مكناس وبودربالة يثير غضب السكان بالمنطقة    النفط يتجه لتسجيل أكبر انخفاض أسبوعي في 3 أشهر    "الفاو": أسعار الغذاء العالمية تواصل الارتفاع للشهر الثاني في أبريل    احتجاجات أمام القنصلية الأمريكية بالدار البيضاء تضامنا مع طلاب الجامعات الداعمين لغزة    اليونسكو تمنح الصحافيين الفلسطينيين جائزة حرية الصحافة    موزمبيق.. انسحاب قوات مجموعة تنمية افريقيا الجنوبية يفتح الطريق أمام حالة من عدم اليقين    عدلي يشيد بتألق "ليفركوزن" في روما    الكعبي يسجل "هاتريك" ويقود أولمبياكوس للفوز أمام أستون فيلا في دوري المؤتمر الأوروبي    توقعات طقس اليوم الجمعة في المغرب    المكتب المركزي للأبحاث القضائية يعلن تفكيك خلية إرهابية من 5 عناصر    المحامي عزوزي دفاع ضحايا مدير ثانوية التقدم ل"كود": القضية بانت فيها مستجدات جديدة والضحايا كيعيشو ضغوط نفسية والنيابة العامة تعطات مع الملف بسرعة    "يونسكو" تحتفي بالصحافة الفلسطينية    اختتام الدورة الثانية لملتقى المعتمد الدولي للشعر    برنامج مباريات المنتخب المغربي الأولمبي بأولمبياد باريس 2024    غامبيا.. بوريطة يتباحث مع نظيره الغابوني    حركة حماس تقول إنها تدرس "بروح إيجابية" مقترح الهدنة في قطاع غزة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    بنك المغرب…66 في المائة من أرباب المقاولات الصناعية المغاربة يعتبرون الولوج إلى التمويل "عاديا"    برقية تعزية من الملك محمد السادس إلى رئيس دولة الإمارات إثر وفاة سمو الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان    شمس الضحى أطاع الله الفني والإنساني في مسارها التشكيلي    إيقاعات الجاز تصدح بطنجة بحضور مشاهير العازفين من العالم    تركيا تعلن وقفا كاملا للتعاملات التجارية مع إسرائيل    "حرية الصحافة"..المغرب يرتقي في التصنيف والصحافة المستقلة مهددة بالانقراض بالجزائر    المرة اللولى منذ 2009.. واحد من الحزب الإسلامي المعارض كيترشح للانتخابات الرئاسية ف موريتانيا    أوريد: العالم لن يعود كما كان قبل "طوفان الأقصى"    الفرقة الجهوية دالجندارم طيحات ريزو ديال الفراقشية فمدينة سطات    زلزال جديد يضرب دولة عربية    "تقدم إيجابي" فمفاوضات الهدنة.. محادثات غزة غتستمر وحماس راجعة للقاهرة    ريم فكري تفاجئ الجمهور بأغنية "تنتقد" عائلة زوجها "المغدور"    تكريم حار للفنان نعمان لحلو في وزان    الدوري الأوربي: ليفركوزن يعود بالفوز من ميدان روما وتعادل مرسيليا واتالانتا    انهيار طريق سريع جنوب الصين: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 48 شخصا    بلاغ هام من وزارة الداخلية بخصوص الشباب المدعوين للخدمة العسكرية    هل ما يزال مكيافيلي ملهما بالنسبة للسياسيين؟    رسالة هامة من وليد الركراكي ل"أسود" الدوريات الخليجية    مناهل العتيبي: ما تفاصيل الحكم على الناشطة الحقوقية السعودية بالسجن 11 عاماً؟    عقب قرارات لجنة الأندية بالاتحاد الإفريقي.. "نهضة بركان" إلى نهائي الكونفدرالية الإفريقية    إقليم الصويرة: تسليط الضوء على التدابير الهادفة لضمان تنمية مستدامة لسلسلة شجر الأركان    مهرجان أيت عتاب يروج للثقافة المحلية    الإبقاء على مستشار وزير العدل السابق رهن الاعتقال بعد نقله إلى محكمة تطوان بسبب فضيحة "الوظيفة مقابل المال"    تطوان: إحالة "أبو المهالك" عل سجن الصومال    عمور.. مونديال 2030: وزارة السياحة معبأة من أجل استضافة الفرق والجمهور في أحسن الظروف    العقائد النصرانية    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة    باحثون يكتشفون آليات تحسّن فهم تشكّل الجنين البشري في أولى مراحله        الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    "دراسة": زيادة لياقة القلب تقلل خطر الوفاة بنحو 20 في المائة    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الأمثال العامية بتطوان... (586)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من مذكرات عبد الرحيم بوعبيد


الأمير الحسن : أنا مناضل مثلك، واشتراكي في العمق
تلقيت،يوم 17 أو 18 ماي مكالمة هاتفية من لدن الأمير مولاي الحسن? دعاني فيها الى عشاء ثنائي، رأسا لرأس? وكان قد مضى ردح من الزمن لم التق به?وصلت إذن في الموعد، بفيلاه بالسويسي. بدا منشرحا للغاية، لبقا وودودا?
دام اللقاء ازيد من ثلاث ساعات، وسوف لن أقدم منه هنا سوى النقط الاساسية :
قال الأمير:
-لقد قرر جلالة الملك وضع حد لمهام الحكومة الحالية. وهناك فريق آخر قيد التشكيل. لقد وصلنا مرحلة المشاورات النهائية وقد أمرني جلالة الملك بإخبارك رسميا?
-أشكر سموك على دعوتك هاته، وعلى الاخبار الذي قدمته لي، لكن أستسمحك في التعبير عن مفاجئتي: ذلك أن جلالة الملك، باعتباره رئيس الدولة، هو الذي يعود اليه أمر هذا الإخبار، بصفة رسمية وحسب الاعراف، للفريق الحكومي كله».
-لنقل إنه إجراء شبه رسمي، لكنه في ظرف ايام قليلة س»يُرَسم» (يصبح رسميا) كما تقتضيه الاعراف. لكن المهم في هذا المسعى، الذي أمر به جلالة الملك، هو أن أعرض عليك تولي مهام وزارة الخارجية داخل الفريق الجديد? ولا بد من أن أوضح لك بأن جلالة الملك يلح على هذا الأمر بشكل خاص.
-قبل الاجابة على العرض الذي تشرفت به، اسمح لي سموك إبداء ملاحظة أولية، مادام الأمر يتعلق بحوار شبه رسمي. خلال تنصيب الفريق الحالي، يوم 24 دجنبر 1958 قيل وقتها، في الخطاب الرسمي للتنصيب بأن الحكومة الجديدة ستتولى مهامها إلى ما بعد الانتخابات الجماعية، وأن تشكيلة جديدة ستتشكل على ضوء نتائج هذه الانتخابات الجماعية، بمعنى حكومة أكثر تمثيلية لمختلف توجهات الرأي العام? والحال، أنه بالرغم من تباطؤ وزارة الداخلية، وبعد مشاورة الأحزاب السياسية حول نمط الاقتراع، في يونيو 1959 قرر ظهير صادق عليه جلالة الملك تنظيم الانتخابات الجماعية بالاقتراع الأحادي. ويحمل هذا النص القانوني تاريخ شتنبر 1959? وفي دجنبر ، سجل الناخبون انفسهم في اللوائح الانتخابية، ولم يبق سوى تحديد تاريخ الانتخابات، فلماذا إعفاء الحكومة قبل الانتخابات.
- لقد قرر الملك ذلك? غير أن ما تبين من اللقاء هو أن معارضة الأحزاب السياسية الأخرى بلغت من القوة حدا جعل الحفاظ على الحكومة قائمة، خلال الانتخابات، يبدو كما لو أنه يدعم حظوظها? فتقرر ،إذن،»دعم حظوظ» فريق آخر? والحال، أن اعتماد الاقتراع الاحادي بدل الاقتراع باللائحة الذي دعا اليه كل من حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية يهدف، في العمق، الى اقرار سلطة ما اصطلح على تسميته ب»النخب المحلية»، وذلك بالابقاء علي البنيات والهياكل القروية التقليدية التي كانت تستند إليها سياسة الحماية? كما أن من شأن النتائج الانتخابية، عبرتقوية حظوظ العالم القروي، أن يبرز اتجاهات محافظة، إن لم تكن رجعية بحتة? سألته:
من هو رئيس المجلس (الحكومي)؟
-ولي العهد، أنا شخصيا?
«الكشف « عن هذا الأمر فاجأني مفاجأة عميقة، وحتى إن سبق لي أن سمعت به، فأنا لم أصدقه.
قلت له:
لكن، يا سمو الأمير ، يصعب علي التصديق بهكذا أمر. فأنا لاأرى وليا للعهد، ومستشارا لجلالة الملك يضع نفسه على رأس الحكومة، اللهم في ظروف استثنائية حقا. ذلك لأن «الحكم» كما يقال هو «الاختيار». وعليه، سيكون عليك أن تختار، بإلزام مسؤوليتك السياسية بين هذا التوجه وذاك، على مستويات الاقتصادي والثقافي والاجتماعي وفي مجال السياسة الخارجية. فالرجل السياسي العادي ينخرط بكل مسؤوليته السياسية عندما يقدم على اختيار معين. فإذا نجح في عمله، لن يكون قد قام سوى بما أملاه عليه ضميره وتحليله للوضعية، وإذا أخفق، لن يكون أمامه سوى أن يستقيل أو ينحى من طرف الحكم الاعلى، جلالة الملك. هذا هو النظام وهي ذي قواعد اللعبة حتى في ديمقراطية غير كاملة كما هي ديموقراطيتنا».
ثم واصلت الحديث بالقول : -»مبدئيا ، فإن أميرا وليا للعهد يمثل استمرارية نظام الملكية حيث لا يمكن أن يتعهد بمسؤوليته السياسية. حيث لا تمكن مجازاتك أو محاسبتك، فماذا ستفعل المعارضة في هذه الحالة؟فإن هي عبرت عن عدم موافقتها على أي إجراء كان، ستكون أولا وقبل كل شيء تعارض ولي العهد، لأن هذه الصفة ستظل، بالرغم من كل شيء هي المهيمنة والغالبة. لست بصدد شكلانية قانونية، بل احاول أن أتصور اوضاعا ووضعيات ملموسة. لا، بكل صراحة لا أتفهم الاسباب التي تدفعك الي تولي رئاسة الحكومة».
أجابني: لقد قدرت الأمور من جانبها السلبي والايجابي معا، وقد تنبأت بالاعتراضات التي ستقوم بها??لكن القرار اتخذ? واذا كان جلالة الملك وأنا فكرنا في مشاركتك فذلك حتى يكون الفريق الجديد ممثلا لكل الاتجاهات??لا تظن على وجه الخصوص أنني اعارض كل الاجراءات التي اتخذتها??ففي العمق انا ايضا اشتراكي».
-يمكنك أن تكون اشتراكيا كانسان أو كمواطن، لكن لا يمكنك أن تكون اشتراكيا كولي للعهد. أما في ما يخص مشاركتي الشخصية، فإن أمرها هين للغاية. وعلى كل كيف يمكنني أن اجمع بين تصوراتي الشخصية وتصورات مناقضة يعبر عنها الآخرون، أنا كمناضل في خدمة قضية أومن بها. فأنا لست سياسيا يبحث عن مناصب».
-طيب،سأقدم تقريرا لجلالة الملك عن هذا اللقاء، وعلى كل سيتم استدعاؤك للمشاورة كما تقتضي الاعراف ذلك».
كان اللقاء قد انتهى عمليا، كنا نتمشى في الحديقةوعندما استأذنته في توديعه، خاطبني بقوله:
« أنت لا تفهمني ، يا عبد الرحيم. لكن، باعتبارك صديقا سأقول لك (ما في الأمر): أنت لا ترى فيَّ سوى ولي العهد فقط، والحال أنني مناضل مثلك، وانسان مثلك? يحذوني الطموح في لعب دور في حياة بلادي. أنت تعرف أن أبي مازال شابا. وأنا سوف لن أنتظر حتى أضع طاقم أسنان لكي أخلفه. هو ذا عمق تفكيري».
ثم أضاف مبتسما : «لربما ستركب القطار وهو يسير ، في يوم من الايام فمن يدري». هل كانت تلك هي الارهاصات الأولى لتحول سيطرأ في الوضع، والعودة إلي تصور يؤمن بالملكية المطلقة، تستند تبريراتها إلى انقسام الاحزاب السياسية وإرادة العالم القروي، وهي الارادة المعبر عنها من طرف الاعيان الجدد، ابناء واقارب القواد والباشوات، الخدام السابقين لادارة الحماية.
سيبين توالي الأحداث أن التوجه كان هو ذاك فعلا.
رضى اكديرة: الرجل الذكي
الذي لا ماض له
بعد أيام قليلة، تم التفويض لولي العهد، نائب رئيس المجلس الحكومي بكل سلطات رئيس المجلس، وعين أحمد رضى اكديرة، المدير العام لديوانه، وبذلك، أصبح هذا الرجل الحذق، الذكي والذي لاماضي وطني له ، مفتاح الفريق الجديد، وكان يستمد سلطته من ثقة الأمير- الرئيس? فقد كان مصنفا، من لدن قادة الحركة الوطنية، لاسيما في سنوات 1955/1950 من ضمن «الشباب الجديد» الذي تعول عليه الحماية، ذلك أنه انتمى الى مجموعة من المثقفين في الرباط يتزعمهم محمد رشيد ملين، وهو رجل ذو ثقافة صلبة ووطني صادق، يظهر أحيانا تصلبا شديدا، كان الخصم اللدود للمهدي بن بركة، الشيء الذي يفسر نفوره من حزب الاستقلال وعداءه له.
في سنة 1940، أصبح رشيد ملين مدير المطبعة الملكية، وجاء من ضمن من جاء بهم، باكديرة الذي تعرف وقتها على الأمير مولاي الحسن.
في سنة 1952، وفي خضم حملة التطهير الكبيرة، تم وضعه رهن الاعتقال في ظروف ذات صعوبة خاصة، وقد عانى من جراء ذلك جسديا ونفسيا، ولم يستطع أن يسترجع عافيته، بعد هذا الامتحان، وهكذا وجد اكديرة الذي لم يكن سوى ظل له، نفسه ضمن محيط الملك، سنة 1955 بعد عودة العائلة الملكية من المنفى? ومما تشير إليه سيرته الذاتية، التي يبدو أن أصدقاءه الفرنسيين سهروا عليها بعناية فائقة، أنه كان يدافع عن الوطنيين أمام المحاكم، وهي إحالة، ظاهريا صحيحة، إذ أنه دافع عن بعض المناضلين، ولكن بطريقته الخاصة، حيث كان يطالب على وجه الخصوص بتسامح وعطف القضاة بدون أن يحاكم أبدا الحماية، أو يدافع عن قضية موكليه كما كان يفعل محامون آخرون فرنسيون بشجاعة، مجازفين بحياتهم? في دجنبر 1955، عندما تطلب الأمر تشكيل أول حكومة، في إطار الشروط المنصوص عليها في اتفاقيات «سيل سان كلود» استسلمت لإلحاح الأمير مولاي الحسن، حتى يحصل على منصب وزير دولة، باعتباره شخصا مستقلا..
قال لي الأمير ليطمئنني:
«إنه صديقي، وأنا مسؤول عنه».
قيادة الحزب، من جهتها صعقت، وكنت أسمع من كل جانب «يبدو أن الانتظارية أكثر ربحا من الإلتزام».
في سياق الأجواء الاحتفائية وقتها، كنت أبعد ما أكون، ربما بسذاجة، من أن اكتشف لدى هذا الرجل قدراته على الدسائس الماكرة، ولاسيما إحساسه بالغل والضغينة على قادة الحزب.
خلال المفاوضات بباريس، في فبراير 1956، أفلح في ألا يثير الانتباه، فقد كان شخصا منزويا، مكلفا بالاتصال مع الصحافة، وهو الشيء الذي كان يزعج عبد الله إبراهيم في عمله، باعتباره كاتب الدولة في الأنباء، أما محمد الخامس فلطالما قابله، ربما عن حدس، بالكثير من الحيطة والحذر، وكان يسلم بحضوره، لأنه مدعوم من طرف ابنه، لكنه تسليم المرغم? بمجرد تشكيل الفريق الحكومي الجديد، اختار الملك مديرا عاما لديوانه محمد عواد، ذلك الإنسان النزيه أخلاقيا وماديا، وسرعان ما سيجد نفسه، هو المعروف بسلامة طويته ونيته النبيلة، في مواجهة، شبه يومية مع اكديرة المدير العام لديوان الأمير، وقد كان التوتر في أوجه، بين الرجلين وفي علم الجميع. وعندما توفي محمد الخامس، انتصر اكديرة بقوة الأشياء. الشيء المثير، والمحزن نوعا ما هو رؤية قادة حزب الاستقلال يتخلون عن أي موقف ينم عن الحد الأدنى من الكرامة أمام سيد اللعبة الجديد ممثلا في اكديرة، الذي لم يكن يدع أي فرصة تمر بدون تحسيسهم بذلك? وقد كانوا جميعهم، بدون استثناء، رهن أوامره، بل حتى علال الفاسي نفسه، بكل ماضيه و رهافة حساسيته، كان مجبرا في صحافة حزبه على مديح الذكاء السياسي لمدير ديوان الأمير، وقيل إنه كان أحيانا، ينتظر ساعتين قبل أن يحظى بلقاء أكديرة.
المحجوبي أحرضان: الدمى
لا تتحرك لوحدها
أعلن محمد الخامس، عند تنصيب الحكومة الجديدة أن دستورا جديدا سيتم إعداده قبل متم سنة 1962.
وفي 27 غشت 1960 تم الاعلان عن انشاء هيئة سميت باللجنة أو الغرفة الدستورية مكلفة ببلورة مشروع دستور واعداده? على أن يتم عرض هذا المشروع على مصادقة الملك، الذي يحتفظ بحق رفضه أو مراجعته? ثم، في المرحلة الثانية يعرض مشروع الدستور الذي حظي بمصادقة الملك على استفتاء شعبي مباشر. والحاصل، أن فكرة اسناد اعداد مشروع دستور الى لجنة معنية بذاتها لم تكن فكرة جديدة، بحيث أنها كانت موضع حديث عدة اشهر من قبل. بيد أن الاعلان الرسمي عن انشائها يستدعي الملاحظات الآتية:
1) لقد قرر الملك،مدعوما من طرف حزب الاستقلال ،التخلي عن مبدأ انتخاب مجلس وطني تأسيسي عن طريق الاقتراع المباشر. نفس الموقف تبناه الحزب الديموقرطي الدستوري. وظل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية هو الوحيد الذي ثبت على موقفه.
2) في المقابل،عبر الملك عن ارادته في وضع حد لوضع مؤقت دام اكثر مما يلزم. وهكذا صدر ظهير مؤرخ ب4نونبر 1960يرَِّسم انشاء الغرفة الدستورية المعنية، ثم صدر آخر بتاريخ 11 نونبر 1960 يقدم لائحة الاعضاء 76 الأوائل في الغرفة? اربعون منهم معينون من ضمن مختلف الشخصيات (علماء،اساتذة الخ ..) اضافة الى قادة من الاحزاب السياسية المشاركة في التحالف الحكومي، باستثناء قادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. الاربعون شخصية المذكورة اعلاه عينهم الملك، أما الست وثلاثون شخصية أخرى ، فيمثلون الاقاليم الستة عشر للبلاد: اربعة ممثلين عن كل من عمالة الرباط والدار البيضاء، وممثلان اثنان عن كل عمالة أخرى.والظاهر أن اقصاء الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كان الدافع اليه هو رفض الحزب المشاركة في مثل هذه الهيئة? والواقع هو أن الاحزاب السياسية للتشكيلة الحكومية لم يكن في وسعها سوى أن تبتهج لهذا الحرمان.
والغريب حقا،فهو أن أول جلسة لهذه الغرفة تمت يوم 7 نونبر1960،اي قبل نشر الجريدة الرسمية للائحة الاعضاء? وصار عدد هؤلاء 78 عضوا ، عوض 76 المنصوص عليها في ظهير 11 وبنر1960? وبما أنه كان لا بد من رئيس لتسيير النقاشات، فقد قدم علال الفاسي ترشيحه فتم انتخابه باغلبية واسعة في ما يبدو. فتسبب اختيار الرئيس من الاستقلال فوريا في استقالة اعضاء الحركة الشعبية وحزب الدستور الديموقراطي. وهكذا غادر محمد بلحسن الوزاني والمحجوبي احرضان الجلسة، يتبعهما اصدقاؤهما ? لم يكن المشهد جديرا بالمشاهدة، وعم اللبس والخلط. والأكثر اثارة هو الموقف المتعجرف المتعمد لشخص مثل المحجوبي احرضان. فهذا الضابط السابق في الجيش الفرنسي، الذي كان بالامس انسانا لا شأن له، بل يكاد يكون باهتا استعمل ،منذ الاستقلال باعتباره احد الناطقين الرسميين بالتوجه البربري، وبالخصوص التوجه المناهض للفاسيين. وقد برهنت نتائج الاستشارات الجماعية وشهدت على قلة شأنه، بل عن عجزه التام على التغلغل في العالم القروي بالرغم من مساعدة الجهاز الاداري والاموال التي كان يستفيد منها بشكل كبير. فقد كان مدينا للقصر الملكي بكل شيء. وهذا الشخص بالذات هو الذي قر عليه الاختيار لكي «يكسر» منذ ولادتها، مؤسسة ، لا شك أنها مفبركة، لكنها على اية حال من انشاء محمد الخامس? كان سيبدو من المنطقي لو أن الملك نحاه، أو لو أن ولي العهد، نائب الرئيس والماسك بكل السلطات أنبه، لكن لا إجراء من هذا القبيل اتخذ في حقه. ولم يفت أي كان بأن قائد أولماس الصغير،الذي كان بالامس تحت الحماية بدون جرأة ولا حضور يذكر، يحظى اليوم بحماية من مستويات عليا. ذلك لأن الدمى لا تتحرك لوحدها. وقد قيل أن محمد الخامس تألم عميقا ، أما ماكان يردده الرأي العام في كل مكان فهو أن جو التوتر والريبة اصبح يزداد خطورة يوما بعد يوم داخل الفريق الحكومي...
مع بن بركة حول المؤسسات
كنت جالسا إلى جانب المهدي بن بركة الذي كان يسوق السيارة، فيما جلس المهدي العلوي في المقاعد الخلفية. استأنفنا مناقشاتنا اللا نهائية حول السبل والوسائل الكفيلة بإقرار نظام ديمقراطي. وجهة نظري كانت هي أن التوافق هو السبيل الوحيد في سياق الظرفية الداخلية المغربية.
قلت:
- إن الوقوف عند شرط المجلس الاستشاري المغربي، المنتخب عبر الاقتراع السري، سيكون خطأ فادحا. فليس بمقدورنا أن نفرض على ملك يحظى بشعبية، حظي بمباركة مجموع الشعب، لدى عودته من المنفى، أن يسلِّم الملكية الى مجلس منتخب، حتى ولو انتخب ديمقراطيا ... لن يسعه أبدا القبول بذلك ...
أجابني المهدي:
فات الأوان، لن يمكننا العودة إلى الوراء ... وعلى كل، حاول أن تحدث المحجوب والاتحاد المغربي للشغل في الأمر ...
- ما فات أوانه هو أن نريد إعادة صناعة التاريخ من جديد. فعندما تضيع الفرصة، يكون من غير المجدي السعي لاستعادتها ... سيكون ذلك بالضبط سقوط في فخ التاريخ ... أية إيديولوجيا. أي رؤية كانت لدى المقاومين والنقابيين وحزب الاستقلال ... إلخ في السنوات من 1952 الى 1955. لاشيء، فالشعار الوحيد كان هو عودة محمد الخامس، وحتى الاستقلال الوطني وضع في المرتبة من بعد ... لا أعتقد في الوقت الراهن، يجب أن نأخذ من جديد بفكرة الغرفة الدستورية. يمكننا أن نتفاوض بخصوص تشكيلتها وسلطاتها، لكن تبدو لي تسوية من شأنها أن تخرجنا من المأزق ... بيد أن مواصلة النضال من أجل مجلس تأسيسي، مع ترك المشاكل الأساسية للاقتصاد والقضايا الاجتماعية والثقافية جانبا، دون الحديث عن القواعد الأجنبية أو سياسة اللا تبعية ... يكون المجلس التأسيسي بلوكاج (انحسارا) .. فشئنا أم أبينا ذلك، فإن السلطة بين يدي الملكية ... هل تعتقد أن الاتحاد المغربي للشغل وقادته قادرون على تعبئة وتحريك الطبقة العاملة من أجل المجلس التأسيسي. أبدا، إن تفكيرهم هو ترك الوضع يتأزم، ومن هذا التأزيم سيولد النور ويأتي يوم الثورة الأغر! إنه الفراغ، اللاشيء!.
ظل المهدي صامتا. والمهدي الآخر، التزم بدوره الصمت متجنبا التدخل بالأحرى.
- يا مهدي، ذلك المجلس الاستشاري الذي ترأسته قرابة سنتين ... ها هو، بالرغم من كل ذلك، حرّك الحياة العامة ونشطها... فقد نوقش المخطط فيه، كما تم ضمنه وداخله تفسير وتوضيح اختيارات والتصويت على توصيات حول مشاكل وطنية مهمة .. ومع ذلك تعرض للانتقادات واعتبر هيأة وهمية ... والنتيجة في عمومها كانت إيجابية? ولعل مجلسا يتم هذه المرة انتخابه في إطار دستور مهيأ باتفاق مع الملك، يمكن أن يكون له دور بمثل نفس الأهمية أو أكثر .. وعليه، فأعتقد أنه يمكن أن يشكل إطارا ديمقراطيا، حتى ولو لم تكن ديمقراطيته كاملة، للشروع في النضال من أجل التنمية. وأخيرا، (قلت)، إن أسوأ وضع يمكنه أن يحدث هو رحيل أو إبعاد محمد الخامس. لم أدرك ما هو السبب الذي دفعني الى التعبير عن هذا الإحساس (الحدس)، والحال أنني كنت في باريس، طيلة أيام عديدة، ولم أكن أعرف أن محمد الخامس سيخضع لعملية جراحية في اليوم ذاته.
واصلنا طريقنا باتجاه باريس، وحوالي الساعة الخامسة والنصف أو السادسة مساء، أدار المهدي زر المذياع للاستماع إلى آخر الأخبار? وكان أول خبر يبث هو وفاة محمد الخامس، جراء عملية بسيطة، أجريت له في بداية زوال ذلك اليوم.
خيم علينا الصمت وتَسَمّرنا في أماكننا? ثم، سألني المهدي بن بركة:
- هل كنت على علم بأنه سيجري عملية جراحية، اليوم؟
أجبته:
كلا!..
وبدأت صفحة جديدة في تاريخ بلادنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.