بلغت قيمة الأرصدة المالية المجمدة من طرف الحكومة في إطار الحسابات المرصدة لأمور خصوصية زهاء 100 مليار درهم في متم غشت الماضي. ونتج هذا الرصيد عن الفارق بين الموارد المعبئة لفائدة هذه الحسابات، والتي تتكون من الصناديق الخاصة الموجهة لتنفيذ سياسات الدولة في مجال التنمية البشرية والاجتماعية، والنفقات التي صرفت فعليا في إطارها. وتعتبر هذه الأموال مجمدة لأن القانون يمنع صرفها في غير الأمور التي رصدت لها كمحاربة الفقر والهشاشة ودعم السكن والمخططات التنموية القطاعية. وعلى مدى الثلاثة أعوام الأخيرة ارتفع الرصيد "الإيجابي" للحسابات المرصدة لأمور خصوصية من نحو 59 مليار درهم في نهاية 2012 إلى 68 مليار درهم في 2013، ليصل 80 مليار درهم في نهاية 2014 قبل أن يتجاوز سقف 100 مليار درهم خلال 2015، وكأن المغرب قد حقق كل أهداف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وغطى بشكل كامل العجز المروع في مجال السكن والطرق وحل مشاكل تطوير العالم القروي والمناطق الجبلية. وتندرج هذه الحسابات، البالغ عددها 56 حسابا، ضمن الملحق المتعلق بالحسابات الخصوصية للخزينة تحت مسمى الحسابات المرصدة لأمور خصوصية. ومن أبرز هذه الحسابات: حساب المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وصندوق التضامن من أجل السكن، وحساب تطوير العالم القروي والمناطق الجبلية، والصندوق الخاص لدعم المؤسسات السجنية، ومخطط المغرب الأخضر، ومخطط هاليوتيس لتنمية الصيد البحري، وحساب تنمية الطاقات المتجددة، وحساب تطوير البنيات التحتية الطرقية، وصندوق مساندة بعض الراغبين في إنجاز مشاريع، وصندوق دعم المحاكم، وصندوق التماسك الإجتماعي، وصندوق دعم الأمن الوطني وغيرها من الصناديق التي رصدت لها الملايير من الدراهم من أجل سد العجز الكبير الذي تعرفه البلاد في المجالات المعنية بها، والتي يكتسي تنفيذ البرامج المتعلقة بها أهمية حيوية بالنسبة للبلاد. غير أن الحكومة بدل صرف هذه الأموال في تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها هذه الصناديق فضلت الاحتفاظ بجزء كبير من أرصدتها كأموال مجمدة في خزينتها. وتظهر هذه الأموال في حسابات ميزانية الحكومة كأرصدة "إيجابية"، وبذلك تساهم في التغطية عن المستوى الحقيقي لعجز الميزانية والذي تفاقم بسبب سياسات الحكومة التقشفية المعاكسة لمتطلبات النمو الإقتصادي عوض أن تصرف في تنمية البلاد وإصلاح شأن العباد. وللإشارة فإن الموارد التي تعبئها هذه الصناديق سنويا هي موارد ذاتية بالأساس، ولا تساهم فيها الحكومة عبر ميزانيتها العادية إلا بجزء ضئيل، إذ نزلت حصة ميزانية الحكومة فيها من 20 في المائة في 2012 إلى 14 في المائة في 2013. وبالتالي فهي تشكل موارد استثنائية للميزانية. وتشرف وزارة المالية على تدبير 15 حسابا من بين هذه الحسابات وتتولى وزارة الداخلية تدبير 10 حسابات، وتدير رئاسة الحكومة 4 حسابات بشكل مباشر. ومن خلال تجميد هذه الأرصدة تحرم الحكومة مجموعة من البرامج المهيكلة الكبرى من الموارد المتاحة لها. فحساب المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على سبيل المثال ظل رصيده إيجابيا خلال الأربعة أعوام الأخيرة، ليبلغ الرصيد الفائض المتراكم في الحساب نحو 5 مليار درهم، والذي سيرحل لحساب العام القادم حيث سيضاف إليه الفائض الجديد إذا استمر تدبيره على نفس النهج. نفس الشيء بالنسبة لحساب التضامن من أجل السكن الذي بلغ رصيده نهاية غشت نحو 7.3 مليار درهم كفائض غير مستعمل، في الوقت الذي يعرف فيه العجز السكني في المغرب تفاقما مقلقا بسبب التراجع الكبير في عدد المشاريع السكنية الجديدة خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، الشيء الذي ينتج عنه تردي ظروف سكن المواطنين، من جهة، واستمرار غلاء العقار الذي بلغت أسعاره مستويات جنونية، من جهة ثانية. وبدوره راكم صندوق الطرق بدوره فائضا "إيجابيا" بمقدار 3 مليار درهم، يوازيه عجز مفجع في البنيات التحتية الطرقية، والحالة السيئة للطرق في بلادنا. ومن جانبه يظهر الحساب المخصص لحصة الجماعات المحلية من الضريبة على القيمة المضافة نوعا من التعامل الانتهازي مع هذه حسابات. فرصيد الحساب نهاية غشت بلغ نحو 7.5 مليار درهم مقابل 11 مليار درهم في بداية 2014، أي أن نفقات هذا الحساب خلافا لحسابات التنمية البشرية والسكن والطرق كانت خلال العام الماضي أكبر من موارده بنحو 3.5 مليار درهم. غير أن الأمر للأسف لا يعكس حرصا على صرف هذا الحساب في تحقيق الأهداف التي وضع من أجلها وهي التنمية المحلية والجهوية، وإنما حسابات سياسية وانتخابية ضيقة. فالسبب في فتح صنبور هذا الحساب بكل استثنائي هذه السنة هو أنها صادفت الانتخابات المحلية. هذا ما يفسر كيف أن الحساب الذي ظل رصيده السنوي إيجابيا في السنوات الماضية بسبب صرف مبالغ أقل مما تتيحه الموارد، عرف خلال الأشهر السابقة لانتخابات 2 سبتمبر صرف مبالغ، الشيء الذي يؤشر على وجود تعامل انتهازي مع الحسابات المرصدة لأمور خصوصية، وأن عدم صرفها في الأوجه التي رصدت لها يتعلق أساسا بالإرادة السياسية. فالمفروض في هذه الحسابات ليس تحقيق "فائض إيجابي" يجمد في ميزانية الحكومة، ولكن ردم هوة الفقر والتخلف والحاجة، وتحقيق الغرض التنموي الذي من أجله تقرر إنشاؤها.