مدخل منهجي، لن نتحدث عن الموقف من «الإعدام» لكن لنا ان نتساءل هل من حق من ينفذون أحكام الإعدام في بلدانهم ان يتصدوا لإدانة من يطبقها في بلدان اخرى ...؟؟ إن الحديث عن الإعدام هو حديث عن الحق في الحياة،وحديث عن «شرعية» اعتماده او عدم العمل به كعقوبة بسند ومرجع ديني أو وضعي أو هما معا . وهل باعتباره شرع لحماية حياة الآخرين يحتاج إلى تقعيد وضبط ليكون تنفيذه كحكم أم عدم تنفيذه لا يخضع لمزاج من يحكم او من يريد الغاء عقوبة دون وضع آلية لمعاقبة من يعتدي على حق الآخرين في الحياة ..وخاصة عندما يكون القاتل محترفا للإرهاب ويتعمد قتل الناس بالجملة للوصول إلى اهدافه .. ويقتل كل من يخالفه الرأي والسياسة ان استولى على الحكم والسلطة لأنه ببساطة يلغي كل مظاهر الاختلاف الفكرية والعقدية والمجتمعية..ويحتفظ بما يراه هو او حاشيته ومن معه ..؟ فالإعدام / القتل يكون في الكثير من الحالات بالطرق التي تسجل بين الفينة والأخرى باغتيال المعارضين المباشر، او بصنع مبرر حادثة سير او انتحار او حتى سكتة قلبية ،أو إثارة النعرات القبلية والعصبية المذهبية وتوظيف الاختلاف والتنوع ليتحول الى مجازر تذهب بالعديد من أرواح المتصارعين الذين يأتمرون بأوامر قياداتهم أيا كان تصنيفهم أو توجههم فيُيتّموا الأسر ويخربوا البيوت ويزعزعوا الاستقرار ويتلفوا الاموال .. إن أحكام وسياسات الإعدام الأخطر هي التي تطال الجوانب المعنوية والفكرية والتاريخية والاجتماعية من حياة الناس،وتكون أحيانا بالقمع الشرس الذي لايرحم مَن خرج للشوارع للمطالبة برفع الظلم والقهر والحيف وحماية الحقوق والحريات وإرساء عدالة اقتصادية وجماعية وضمان العيش الكريم ...فما يتعرض له الشعب الفلسطيني يوميا ولعقود هو اخطر انواع الاعدام ...وما يتعرض له المسلمون في ميانمار من إعدامات جهنمية لايمكن السكوت عنها ...وما يحصل بين اطراف الصراع في اليمن وسوريا على سبيل المثال بدعم وتمويل ومساندة ،حتى بالمقاتلين، من دول تدّعي أحيانا أن صراعها المذهبي حق لإزهاق مذهب باطل بالقتل المتبادل للأفراد والجماعات دون تمييز بين الصغار والنساء والشيوخ العزل وحاملي السلاح ...؟ ان بعض الدول المتعصبة لنظام حكمها ولمذهبها بالشرق الاسلامي تتعامل مع القوى الحية التقدمية والوطنية والهيئات التي تعتمد الفكر الحداثي والمذهب المخالف للمذهب الرسمي للحكام .. بالقمع و التعسف تحت غطاء مغلوط ومشوه لقيم العدل والعدالة مصحوبا قبل ذلك وأثناءه وبعده بزجر وتضييق واستفزاز واعتقالات وتعذيب وإعداد ملفات تهيأ لإصدار أحكام بما فيها الإعدام بتهم من مثل ..مخالفة الحاكم..وعدم طاعة أولي الأمر ..وإثارة الفتن..و التبعية للأجنبي بما فيه المسلم المعتنق لغير المذهب المعتمد رسميا ...هذا وما يشبهه يذكرنا بما كانت تقوم به الديكتاتوريات بالعالم الذي يسمى متخلفا بإفريقيا واسيا وأمريكا اللاتينية وحتى اوروبا من امثال انظمة الحكم / المتسلط المستبد /النازي /الفاشي /الصهيوني/ ...من قتل بكل الطرق وحتى بدون محاكمات بشكل فردي وأحيانا جماعي لكل مخالف لمن يحكم ... لكل هؤلاء يجب ان نقول.. تعقلوا وقوموا بالأفضل والأحسن لفائدة الانسانية ومنها شعوبكم ...والأفضل عند الله والأنبياء والرسل والصالحين والخيرين هو العدل والحرية والكرامة ... إن شياطين الانس والجن هدفهم معلوم وواضح في جميع المعتقدات ...فشياطين الانس يزرعون البغضاء والكراهية ويشككون الناس في قدراتهم ويحرضون الجهلة وعديمي المعرفة والخبرة والتجربة والعلم لإفشال كل المبادرات الطيبة الناضجة والمتعقلة والتي تجلب معها الخير ..ومن ابرز هؤلاء تاريخيا مسيلمة الكذاب وبوحمارة ومن على شاكلتهما.. لا يهنأ لهم بال إلا اذا زاغ الجميع عن المحجة السليمة قلبا وفكرا وعملا ...اما شياطين الجن فقد اقسم قائدهم ابليس على ان يترصد لكل بني ادم في سرهم وعلانيتهم وفي كل مجالات عيشهم حتى يفسد كل ما هو جميل في الانسان بالفطرة ويفسد كل قيم مكارم الاخلاق ... قال تعالى (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ..) سورة الانعام. وقال تعالى (...قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ)سورة ص. فإذا كان لكل نبي اعداء ..فكيف بمن هم دون الانبياء من الصلحاء والخيرين امثال ابو ذر الغفاري وعمر بن عبد العزيز...وأمثال المفكرين وعلماء التنوير والتطور عبر العصور سواء كانوا بمجتمعاتنا أو بالمجتمعات الأخرى شرقا وغربا شمالا وجنوبا ... ان الله نشر الرحمة والأرزاق في الوجود لكل مخلوقاته وخاصة الانسان دون تمييز ...لهذا وجد المسلمون الاوائل الرحمة والسند في المسيحيين بالحبشة وغير المسلمين ببعض قبائل المدينة والجزيرة العربية الذين فتح الله قلوبهم وأرواحهم وعقولهم ليستمعوا ويتعرفوا على الدين الجديد الذي خاطبهم وحاورهم بالعقل والقلب والصفاء الروحي وبالتي هي أحسن .. ان البعض يحترف ويتفنن في التأويل المغلوط والتعصب للرأي لدرجة الافتراء على الله ورسله ليضللوا بفعلهم ذاك الناس.. وكأنهم يوهمون انفسهم والناس بان النبي على مذهب ائمة الشيعة او على مذهب احد ائمة السنة ..ورتبوا على فهمهم التعسفي ذاك .. ان كل من خالف بعض آراء واجتهادات وتأويلات مذاهب أهل السنة فقد خالف النبي وخالف الله ليبيحوا ويفتحوا بذلك باب التكفير ويرخصون للقتال والقتل ...؟؟؟..او ان خالف مذاهب الشيعة فقد خالف النبي والله فيجوز تكفيره وقتاله وقتله ...؟؟؟ إنهم مع كامل الأسف وبتطاول الغلاة منهم يغرسون ويزرعون افكارا وسياسات سامة وقاتلة لها تأثير اشجار الزقوم التي جعلها الله من طعام ساكنة جهنم فوصفها تعالى ب :» إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعَامُ الأَثِيمِ *كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ *كَغَلْيِ الْحَمِيمِ» سورة الدخان. ان القتل كيفما كان مبرره وخاصة إذا كانت خلفياته سياسية مشبعة بعصبية مقيتة ومذهبية منغلقة متزمتة ..وإذا كان منهجا معتمدا لاستمرار رأي ضد رأي آخر ..يجب ان يوضع له حد ..وأن يركن الجميع الى لغة العقل والاحترام المتبادل للمبادئ الانسانية المشتركة والرجوع لروح الاسلام وشرع الله الذي جعل الحياة مقدسة ..ان كل من يمارس القتل والتقتيل باسم الاسلام انما يقتل ويعدم يوميا نظرة ومحبة الآخرين لديننا ويحرم العديد من الناس من نور الإسلام بسبب الإرهاب والترهيب الذي يخلف وراءه آثارا وجراحا وآلاما، الله وحده اعلم متى سنتجاوز انعكاساتها ومخاطرها . قال تعالى: « وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً « . النساء . قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ». لهذا نقول لكل هؤلاء ،من كان منهم متحدثا أو ممارسا لأي مسؤولية بالحكم وغيره فليقل وليعمل خيرا او ليصمت ..وننصحهم بان يكفوا ألسنتهم وأيديهم عن الناس والشعوب ...فنبينا صلى الله عليه وسلم بُعث ليتمم مكارم الأخلاق ولا علاقة له بما تصنعون وتدعون وتقولون وحسبنا الله ونعم الوكيل ...