أثبتت تجربة ميدانية فريدة لصحافي إسباني في مدينة طنجة أن التواصل الإنساني المباشر لا يزال قادرا بامتياز على تعويض الوساطة الرقمية في قطاع السياحة، متحدية بذلك التحذيرات التي اعتبرت السفر في العصر الحالي بدون هاتف ذكي ضربا من "اللا مسؤولية". ووثق الصحافي دانييل صوفي في مقال نشرته صحيفة "إلباييس" الإسبانية، تفاصيل رحلة امتدت خمسة أيام إلى "عروس الشمال" رفقة شريكته، متسلحا فقط بدليلين ورقيين وصور مطبوعة من خرائط "غوغل"، في خطوة كشفت قدرة النسيج الاجتماعي للمدينة على احتواء الزائر وتوجيهه بمعزل عن التطبيقات الحديثة. ولم تخل بداية التجربة من بعض الارتباك، إذ تاه المسافران في أزقة المدينة القديمة المتشابكة خلال اليوم الأول بعد أن قادهما شخص إلى عنوان خاطئ، كما عجزت الخرائط الورقية في اليوم التالي عن تحديد موقع النزل بدقة. غير أن هذه العقبات سرعان ما تحولت إلى فرص للتفاعل؛ حيث تدخلت سيدة مغربية للمساعدة في الموقف الأول، واستعانا بسيارة أجرة لاحقا، قبل أن توفر إدارة فندق "المينزة" خريطة تفصيلية ساهمت في ضبط تحركاتهما وفهم جغرافيا المدينة. وأكد صوفي أن غياب الهاتف المحمول، خلافا للتوقعات، لم يتسبب في أي حوادث أمنية أو عراقيل خدمية، بل ساهم في تخفيف القلق النفسي وفتح قنوات تواصل عفوي ومباشر مع السكان المحليين، ولا سيما النساء. كما دفعت الضرورة الكاتب إلى تنشيط مخزونه اللغوي من الفرنسية للتفاهم مع المحيط، مما أضفى بعدا ثقافيا أعمق على الزيارة. وخلصت التجربة إلى مفارقة لافتة، حيث كان التحدي الوحيد الذي واجهت الكاتب ليس في شوارع طنجة العتيقة، بل في الإجراءات البيروقراطية الرقمية لشركة الطيران أثناء العودة، ما اضطرها لاستخدام البريد الإلكتروني للنزل لطباعة بطاقات الصعود. واعتبر صوفي في ختام مقاله أن طنجة أثبتت أنها "لا تعاقب" من يستغني عن التكنولوجيا، بل تقدم له بديلا إنسانيا يعتمد على القرب والمساعدة المتبادلة.