أحزاب المعارضة بالبرلمان تقترب من إسقاط حكومة أخنوش وهذا مضمون الملتمس    حزب الاستقلال يعقد الدورة العادية للمجلس الاقليمي بالعرائش    الحكومة تعتزم إحداث "وكالة وطنية للأطفال المحتاجين إلى الحماية"    عجز الميزانية المغربية يسجل 11.7 مليار درهم بنهاية أبريل    فرنسا تتوعد برد حازم على الجزائر بعد طرد مزيد من المسؤولين    أكادير تحتضن انطلاق مناورات الأسد الإفريقي 2025 بمشاركة دولية واسعة    بابا ليو الرابع عشر يطالب بإنهاء العنف في غزة وإيجاد تسوية سلمية في أوكرانيا    أنشيلوتي مدربا للبرازيل حتى مونديال 2026    طائرة طبية تنقل مولوداً مصاباً بكتلة في العنق.. وفرق طبية تتدخل بسرعة    مصرع شاب في حادثة سير مميتة بإقليم الدريوش    الفنان سعيد الشرادي يحيي حفلا فنيا بمدينة مراكش    الطائر والمحار والسمكة.. عرض مسرحي صامت أبهر الصغار والكبار بالرباط برسائله العميقة وحِكَمه الصينية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    الداخلية ترخص ل"الجمعية" بعقد مؤتمرها الوطني في بوزنيقة    بعد الشماخ وبلهندة وبوفال.. أشرف حكيمي رابع مغربي يفوز بجائزة مارك فيفيان فويه    تامسنا.. انطلاق فعاليات المؤتمر الدوري السابع لجمعية إدارات السجون بإفريقيا (صور)    حركة "حماس" تعلن رسميًا إطلاق سراح الجندي الأمريكي والرئيس ترامب يصف الحدث ب"النبأ التاريخي"    بوروندي تجدد تأكيد دعمها للوحدة الترابية للمغرب ولسيادة المملكة على صحرائها    مبيعات الإسمنت تجاوزت 4.52 مليون طن عند نهاية أبريل الماضي    توتر وطني في قطاع المقاهي بسبب الرسوم.. هل تصل شرارته إلى الناظور؟    القضاء يمنع مصطفى لخصم من مغادرة التراب الوطني بعد متابعته بتهمة تبديد المال العام    انعقاد عاجل للمجلس الوزاري يُغيّب أخنوش عن جلسة المساءلة في البرلمان    نيسان تعلن تسريح 20 ألف موظف عالميا لمواجهة أزمتها المالية    إحباط عملية تهريب كبيرة لمخدر الشيرا بأكادير    الاستثمارات الصينية في المغرب تجاوزت حاجز 10 مليارات دولار    أمريكا والصين تتفقان على خفض الرسوم الجمركية وتهدئة التوتر التجاري    نداء العيون-الساقية الحمراء: الدعوة لتأسيس نهضة فكرية وتنموية في إفريقيا    أشرف حكيمي يتوج بجائزة "فيفيان فوي" كأفضل لاعب أفريقي في "الليغ 1"    مبابي يحطم رقم زامورانو القياسي    الرجاء يحتفي بأطفال مدينة الداخلة    شركة الدار البيضاء للخدمات تنفي توقف المجازر في عيد الأضحى    حريق مهول يلتهم قيسارية عريقة في بني ملال وخسائر مادية جسيمة دون إصابات    ترامب يشيد بالحصول على طائرة رئاسية فاخرة من قطر    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    حزب العمال الكردستاني يعلن حل نفسه وإنهاء الصراع المسلح مع تركيا    ماذا نعرف عن أسباب وأعراض متلازمة مخرج الصدر؟    النفط يرتفع أكثر من 3% متأثرا بالتفاهم التجاري بين أمريكا والصين    فضيحة تدفع مسؤولا بالأمن القومي في السويد للاستقالة بعد ساعات من تعيينه    "كان الشباب".. الناخب الوطني: طموح أشبال الأطلس "الذهاب إلى أبعد نقطة ممكنة"    هذه هي حقيقة توقف مجازر الدار البيضاء في عيد الأضحى    الجيش الملكي يتأهل لعصبة الأبطال الإفريقية    الآلاف يتظاهرون في باريس للتنديد بتصاعد الإسلاموفوبيا في البلاد    ندوة علمية بالحسيمة تسلط الضوء على التراث الثقافي بإبقوين ورهانات التنمية السياحية    "ريمالد" تنشر لعثماني عن الحكومة    بطولة فرنسا.. ديمبيليه يفوز بجائزة أفضل لاعب في الدوري    المغرب والصين: تعاون استراتيجي يثمر في التصنيع والطاقة الخضراء    اختتام فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم بالحسيمة(فيديو)    الصحراء المغربية تلهم مصممي "أسبوع القفطان 2025" في نسخته الفضية    سلا تحتضن الدورة الأولى من مهرجان فن الشارع " حيطان"    البيضاء تحدد مواعيد استثنائية للمجازر الكبرى بالتزامن مع عيد الأضحى    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة الشعراء برائحة الزجل

سطعت أنوار الزجل من صدور الشعراء الجريحة، والمثخنة بوجع مغربي متكرر، بأصوات تتنفس هواء الشوق إلى اللفظ المختار والمعنى المنتقى وتجعل من ذلك سحابة مطر تهطل إبداعا على الحضور وليعيش فيها المتلقي لحظات جامعة بين الأمل والألم، الحب واللامبالاة، الشوق والنسيان، التحدي والخنوع، ضمن لقاء يحمل عنوان »الراهن في مِرآة الزجل المغربي .«من تنظيم نادي القلم المغربي والفضاء الثقافي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل وذلك يوم 29 يناير 2016 بالدار البيضاء.
بدأت الأمسية بتقديم شعيب حليفي عن قيمة الكلمة ووظيفة الإبداع في وطء بقع غير مأهولة، يصبح فيها للزجل وظيفة الرفض والثورة والسعي لبناء عتبات الحلم وغرس بذور الوعي وتحَسُّسِ ملامح العالم من حولنا من أجل تشذيب ما يحيط به من أشواك قد تظهر للعين لا للقلب في أحيان كثيرة زهورا زاهية، كما اعتبر هذا اللقاء لحظة نضالية بالكلمة الشعرية التي يبوح فيها كل حرف بالقوة وكل نفس بالإصرار وكل نظر ينبوع حياة.
واغتنم شعيب حليفي المناسبة لتقديم الشعراء الزجالين الذين استطاعوا أن يتركوا بصمات غائرة ودائمة في خريطة الزجل المغربي مدعمين التجربة الواقعية وزارعين في زجلهم صورة الراهن بكل ما في خريطة هذه اللحظة من تناقضات.
في كلمة محمد عطيف، عضو المكتب التنفيذي للكونفدراية الديمقراطية للشغل، أشار هذا المفكر و المبدع إلى أسف مصحوب بالرفض بسبب قرار وزارة الثقافة _الذي أُشْعِرَ به قبيل افتتاح فعاليات اللقاء_ بمنع الكونفدرالية للسنة الثانية على التوالي من عرض منشوراتها بالمعرض الدولي للكتاب والنشر بالدار البيضاء، والذي سيقام شهر فبراير المقبل، ووصفه ب»القرار غير المسؤول»، مؤكدا عزم المركزية النقابية اتخاذ كافة التدابير القانونية لإبطال مفعول القرار، سيما وأن الكونفدرالية دأبت على الحضور في أروقة المعرض لأزيد من عشر سنوات. كما أكد في حديثه عن لقاء الشعراء الزجالين أنه يمثل لحظة استثناء في البيت الكونفدرالي، وذلك «إيمانا منا بأن الثقافة والفكر تحكمهما رابطة جدلية قوية»، ولم يترك أبو أمين، الفرصة، لتمر دون أن يوجه انتقادات شديدة إلى السياسة الحكومية، ذات الصلة بمجال الفكر والفن والثقافة، معبرا عن اعتزاز الكونفدرالية، بالتنسيق مع نادي القلم المغربي، باستقبال هذه الأسماء من الشعراء الزجالين داخل فضاء الطبقة العاملة المغربية لإعادة الشعر إلى فضائه الطبيعي والتاريخي، والمجتمعي، وفضاء الكونفدرالية يقول، «سيكون أحد المسارح التي ستبقى أبوابه مفتوحة في وجه المفكر والمبدع والمثقف المغربي. «
من جانبه، فكك الباحث الأكاديمي عبد الإله رابحي في كلمته، تيمات الشعر الزجلي، وقارب في قراءته التحليلية المركزة، المتن الشعري الزجلي من خلال محاولته ملامسة تعدد مجالاته التعبيرية واختلافها، باعتبار هذا الفضاء الإبداعي مشروعا يتضمن كل الآليات الفنية الكفيلة بخطاب ناضج حقيقي يؤدي وظيفته بقوة.
ثم انطلقت القراءات الزجلية وسط جمهور غفير بقراءات للشاعر الزجال رضوان أفندي الذي حرك وجدان الحضور بقوة حين سبك اللغة ليعبر عن الواقع المغربي بكل ما فيه، وليكون زجله محركا للروح التي تسعى نحو رسم معالم الحياة الواضحة الغامضة،تلك الروح التي تنادي الآخر داعية إياه إلى حب الانتماء والمساهمة في تشكيل وعي يؤسس فعل التعايش:
« أهلا بيك بغيني شويا كثير نبغيك/ نمسح دمعك ملي يسيل. تشاركني طعامي لقليل / قلبي معاك عيني ليك/ ما توريني العين الحمرة. لاباس تخلفني النثرة/ ديما أو مرة مرة. ولاغيني ولاغيك/ وماتبغيني نكون انت. أنا بغيتك كيف نتا. صوتي ليا وصوتك ليك/ ماتحسبني ليك مرايا، ماتسرق مني غنايا. ماتعمربيا قوافيك/ ماتدق مسمار في داري، ماتصالحني مع شيطاني.»
كما فاح شعر إدريس بلعطار القادم من تراب الويجانطي الحار، بكلمات حملت معاني الصعوبات التي يواجهها الإنسان ضمن واقع تنفى عنه الرحمة والرؤية الإشفاق والعشق..فيتساءل وإيانا عن نتاج لا تُدرك أسبابه، وباب لا يعلم منفذه ونفس تنادي ذاتها دون صوت و الم يصارع فينا الأسى بين اللهيب و الخمود:
«يمكن من العشق تخزن/ يمكن من البال تشطن/ يمكن غيرنا فغيارنا تحن/ يمكن الباقي فينا/ يمكن لي فات باقي حي فينا/ يمكن لي فات تدفن/ يمكن لي جاي شلا روينة/ يمكن لي جاي احسن/ يمكن أيامنا فصلت لحلامنا كفن..»
كما تأطرت قصيدة عبد الرحيم لقلع بأزمة القيم في مجتمع يكره الصدق ويخون ما في كلمة الأمانة من حروف ويحرق ما في الحب من ذكريات ويلغي عن الطبيعة صفة الجمال، و يمنع الإعلان عن قيمة القيم، فتلتقي في زجل هذا الشاعر بنية الرمزي ببنية الواقعي :
«كيف الجبل الشامخ/ ما يحركوا ريح/ نخلة...مايهزها بارود/ ولا قرطاس.../ شلة رجال مشات/ شلة حباب كفات/ كيف الحطب..كانوا فينا/ تحرقوا..باش ندفاو حنا/ سافروا..باش نحياو حنا..»
وعبر الشاعر عزيز غالي في قصيدتيه عن واقع الذكريات التي تعود من جديد، ويوميات الألم في علاقته بسطوة الآخر، عن العنف والظلم..عن الألم الممزوج بالسخرية القاتمة التي تظهر وتختفي، في محبة للشاعر المرحوم عبد الله ودّان، كما هطلت كلمات الشاعر شلالا ينقل من لاف السنين آلام الزمن:
«سعادة الريس/ أنت فهاد الغابة سبع/ تجني الغزال/ شحال من وحدة مسكينة تكرع/ وانا غير نمس/ فالليل او النهار نحفر، نهبش، نهمس/ وفالحفرة نغطس/ حتى ايجي وقت القنص/ وتعرفني نعام اس.»
فيما همس عبد الرحيم باطما صارخا بأسرار الوجود عن لحظات يكون فيها الأوان قد فات: :
«ياروح العقل لازم يغلي/ كنت نكون حجر/ ولا نكون تراب/ نكون جمر،/ ولا نكون رماد/ بشرط وبلا خوف/ نكون كاين موجود.»
أما قصائد عزيز بنسعد فقد تميزت بجرأة مستضمرة لواقعية المضمون، وحفلت بظلام ونور، وابتسامة تحمل في لحظات الألم دمعة الفرح، وسذاجة يغطي غبارها بريق الأسى، وغفلة مرهونة بحبل الماضي ويقظة تحمل منظار الحاضر يوجه إلى ما فات، لكنه لا يعي ما في الراهن من وهن:
«نكتب بيها نكتب عليها بسم الله أسيدي ربي/ أجي قولي ليا يا وريدتي بخط مدادي وبلسان حالي/ نعلمك تهجاي بحروف الزين بحالي/ نوشم على بياض سطورك موالي/ فين أيامي نقشا الكلام وهيما بخيام/ منين نجيب أنا كلمة تسعف قوالي/ ووردة تسعف كاع العشاق بحالي/ و مداد نرش بيه عتبة كاع العشاق بحالي/ و نعود بيه تأنا سهير الليالي/ توجعت دوايا بحروف وفقت وداعت معايا الكفوف/ و نعست في ملاية الروح فايحة / الكلمة من دمي والغوته بنت فمي وقتلني سكات عليها .»
وتوقف الشاعر عبد اللطيف بطل عند أزمة الوطن ( لبْلَادْ ) بكل تجلياتها الفكرية والوجدانية ضمن سخرية سوداء وقاذفات سريعة المفعول .. فباح بعنف اللحظة على المواطن بآلامه وأحلامه . لتصارع الذات نفسها في غفلة الوجود وحيرة التأمل، حينما ينظر إلى كل الوجود و ينسى أن ذاته هي الأَولى بالتأمل:
«كيفاش تقول لانتريت/ ونتا لا قالب محزم, لا وقية زيييت/ ماعليك الا تخدم وضرب الكرفي / و تحزم وشتف هيتف حتى تردم/ مات الصباط ...»
واختتم الشاعر بوعزة الصنعاوي اللقاء بقصائد تصدح بجمالية الفضاء في علاقته بحقيقة الذات التي تتمركز خارج حدود الزمن مقارنة بين الماضي والحاضر في سخرية من الحياة والمجتمع:
«جبدت الوردة من كمي/ بالزربة هديتها لمي/ ضحكات حتى بانو السنان/ عنقتني بحب او حنان/ نسات البرمة او نسات الكسكاس/ وشدات الوريدة او حطاتها فالكاس/ الله...الله/ حتى حنا عندنا وردة وعندنا كاس.»
انتهى اللقاء في الزمن لكنه استمر في أبعاده الرمزية الحالمة المصرة على الزرع والسقي والتشذيب، وقد وزعت على الزجالين شواهد تقديرية تمنحهم رسالة عميقة وهي أننا نسمعكم ونرتوي بزجلكم ونبني أحلاما في متن شعركم ونركب معاني نظمكم ونؤسس من أفكاركم وإبداعاتكم قنطرة للعبور إلى ضفة تحيا فيها كل الزهور التي في الكؤوس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.