صناعة الطيران المغربية .. نحو منظومة مندمجة ذات قيمة مضافة أعلى    السنغال تتطلع لضمان البقاء في طنجة    منتخبات تأهلت مبكرا وأخرى على بعد خطوة.. أبرز لحظات الجولة الثانية من كأس إفريقيا    مدرب منتخب تونس يلوّح بالاستقالة    إنفانتينو: الفيفا تلقى 150 مليون طلب لشراء تذاكر كأس العالم في أسبوعين    مصرع 3 آلاف مهاجر في 2025 .. والجزائر تتحوّل إلى بوابة جديدة    اللوائح الانتخابية الخاصة بالغرف المهنية الأجل المحدد لتقديم طلبات التسجيل سينتهي يوم 31 دجنبر    تجديد هياكل الفرع المحلي للجامعة الوطنية للتعليم بالحسيمة    مونية لمكيمل وسامية العنطري تقودان الموسم الجديد من "جماعتنا زينة"    سعد لمجرد يلتقي جماهيره بالدار البيضاء    سقوط غامض يُنهي حياة طالب كونغولي بإقامة سكنية بطنجة    لتفادي الخروج المبكر..أسود الأطلس في اختبار لا يقبل الخسارة أمام زامبيا    أمطار متفرقة وثلوج بالمرتفعات .. تفاصيل طقس الأيام المقبلة في المملكة    هبوط الذهب من مستويات قياسية والفضة تتراجع بعد تجاوزها أكثر من 80 دولارا    مرصد حماية المستهلك يندد باستغلال المقاهي لكأس إفريقيا لرفع الأسعار    الأمطار تعزز حقينة السدود بالمغرب.. نسبة الملء 38% وتصريف 80 مليون متر مكعب في البحر    هذه مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    حصيلة عمل رئاسة النيابة العامة ل 2024 في تنفيذ السياسة الجنائية    مشاريع تنموية واتفاقيات جديدة مرتقبة في دورة مجلس مقاطعة سيدي البرنوصي    أكثر من 200 طن..زيادة قياسية في مشتريات الحبوب بالصين    رياض مزور ل"غلوبال تايمز" الصينية: مبادرة "الحزام والطريق" عززت الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والصين.    تصدير الأسلحة يسجل التراجع بألمانيا    هيئة حقوقية تطالب بالتحقيق في ادعاء تعنيف المدونة سعيدة العلمي داخل السجن    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    هدم نصب تذكاري صيني عند مدخل "قناة بنما"    بنعلي ينتقد النموذج الفلاحي في بركان    ترامب يعلن إحراز "تقدم كبير" في سبيل إنهاء الحرب بأوكرانيا    القوات الروسية تعلن السيطرة الكاملة على بلدة ديبروفا في دونيتسك واسقاط صواريخ وطائرات مسيرة    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تعقد جمعها السنوي العادي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    "فيدرالية اليسار": سياسات التهميش حولت المحمدية ومناطق مجاورة إلى "تجمعات تفتقر للتنمية"    الصين تطلق مناورات عسكرية وتايوان ترد بالمثل    حريق يخلف قتلى في دار للمسنين بإندونيسيا    تنظيم "داعش" يعطب أمنيين في تركيا    رياض محرز يتصدر ترتيب الهدافين في كأس الأمم الأفريقية 2025    وفاة أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاما    أمريكا تتعهد بتمويل مساعدات أممية    الإحصائيات تعترف للركراكي بالتميز    اتباتو يتتبع "تمرحل الفيلم الأمازيغي"        روسيا ‬وجمهورية ‬الوهم ‬‮:‬علامة ‬تشوير جيوسياسي‮ ‬للقارة‮!‬    بوصوف: المخطوطات "رأسمال سيادي"    المهدي النائر.. ريشة تحيي الجدران وتحول الأسطح إلى لوحات تنبض بالجمال    عبد الكبير الركاكنة يتوج بجائزة النجم المغربي 2025    كرة القدم نص مفتوح على احتمالات متعددة    نشرة إنذارية.. زخات رعدية محليا قوية وتساقطات ثلجية وهبات رياح أحيانا قوية يومي الأحد والاثنين    مدفوعة ب"كان 2025″ وانتعاش السوقين المحلية والأوروبية.. أكادير تقترب من استقبال 1.5 مليون سائح مع نهاية السنة    الصين تفرض حد أقصى إلزامي لاستهلاك الطاقة للسيارات الكهربائية    علماء روس يبتكرون مادة مسامية لتسريع شفاء العظام    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    روسيا تبدأ أولى التجارب السريرية للقاح واعد ضد السرطان    الحق في المعلومة حق في القدسية!    وفق دراسة جديدة.. اضطراب الساعة البيولوجية قد يسرّع تطور مرض الزهايمر    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(من القرن السادس عشر إلى ثلاثينات القرن العشرين) .. الرحالون الفرنسيون في المغرب

كان عبد الله بن عيسى قد انتدب إلى فيرساي لإقامة معاهدة الصداقة التي كان بيدو دو سان-أولون قد فشل في الوصول بها إلى نهايتها.
وقد وصل مفوض السلطان مولاي إسماعيل إلى بريست في شهر نوفمبر، مصحوبا بمجموعة من الوكلاء وطاقم من الخدم. واستقبلوا استقبالا حارا كما سيحصل في كل المحطات التي سبقت وصولهم إلى باريس. وفي الغرف التي كانت مهيأة لإقامتهم حرص مضيفوهم على نزع كل الصور التي تمثل البشر والحيوانات والتي كان تشخيصها مخالفا لتعاليم الإسلام. وبالرغم من كل الفشل الذي لقيه بيدو دو سان-أولون في المغرب، فقد كان مشتهرا بتمكّنه من التعاليم الإسلامية، ولذلك كلّف بالسهر على كل تفاصيل إقامة السفارة المغربية بفرنسا. ويبدو أنه قد نجح في مهمته كل النجاح. وقد استقبل ابن عيسى بكامل الأبهة من طرف لويس الرابع عشر. وألقيت في هذا الاستقبال خطب فخمة، وتبودلت الهدايا وجرى تعيين مندوبين لدراسة مقترحات السلطان.
وبما أننا لسنا معنيين بأمر المفاوضات التي كانت تتواصل بكثير من العناء، خلال عدة شهور، لكي تصل في نهاية المطاف إلى نتائج سلبية (79 ) حتى قال بصددها بيدو دو سان-أولون بأنهم:» يقترحون اتفاقا معقولا، ويكونون أول من يتراجع عنه.». فإن ما أرغب فيه هو الإشارة إلى أن ما جرى على هامش هذه السفارة يعطينا فكرة عن التأثير الذي مارسته تلك الوقائع على أدب المرحلة.
فبينما كان المفوضون منشغلين في مناقشة شروط المعاهدة، كانت حفلات استقبال عديدة تقام على شرف السفير المغربي. ولم يذخر المضيفون جهدا لإثارة مخيلته. فعلى امتداد أربعة أشهر جرى إطلاعه على جميع عجائب العاصمة، من قصور وكنائس ومراصد وملاهي وصولا إلى الخزانة الملكية ومصنع الثلوج..إلخ كما جعلوه يشاهد السباقات والعروض المسرحية واحتفالات البلاط، كما أقيمت على شرفه حفلات راقصة. وقد تداولت الصالونات تلك التعليقات الذكية التي كانت تصدر عن السفير بن عيسى الذي يتميز بنباهة وحضور بديهة. فقد أجاب سيدة سألته عن السبب الذي يجعل الرجال في بلاده يتزوجون بعدة نساء بأن السر في ذلك أنهم «يرغبون في حيازة المزايا الموزعة في عدة نساء مما تتوفر عليه امرأة فرنسية بمفردها». فما أجمله من لطف تجاه المرأة.
وفي إحدى تلك الحفلات الراقصة التي أقيمت على شرفه في القصر الملكي، ستتاح الفرصة لابن عيسى لكي ينظر بافتتان إلى الأميرة دو كانتي التي كانت حينذاك في قمة جمالها. وسوف يسعد عدة مرات بلقاء هذه الغادة ابنة لويس الرابع عشر، وهو قد احتفظ بذكرى هذه الأميرة الفرنسية الفاتنة إلى درجة أنه عند عودته إلى المغرب سيقوم بامتداح جمالها لملكه المولى إسماعيل. وأثناء حديثه للسلطان عن وقائع إقامته بفرنسا، لم يكن يملّ من إطراء لطف ماري-آن دو كانتي و الثناء على جمالها (80) ومواهبها في الرقص والموسيقى، حتى انتهى الأمر بالسلطان إلى السقوط في حبّها واتخاذ قرار الاقتران بها، وسوف يقوم رسميا بإيفاد ابن عيسى نفسه إلى بلاط فرنسا لطلبها للزواج في شهر نوفمبر من سنة 1699.
ومن جملة ما يصرّح به السلطان في طلب الزواج هذا أنه يلتزم باتخاذ الأميرة رفيعة المقام دو كانتي زوجة له على سنة الله ورسوله، وأنه يسمح لها بالبقاء على دينها وطريقة عيشها المعتادة، ويعدها أخيرا بأنها ستجد في البلاط المغربي كل ما ترغب فيه من أسباب الراحة والسعادة. وهو يأمل في النهاية من هذا الزواج أن يوثق عرى المودة بين ملكين عظيمين.
وفي رسالة ثانية، يشير المولى إسماعيل بأنه ستتمتع الأميرة بكل الحرية في ممارسة شعائرها الدينية مثلما تفعل ذلك في فرنسا، وبأنه يوجد في مكناس دير للآباء المسيحيين، وفضلا عن ذلك فإن كل شيء سيسير وفق مشيئتها. وتضيف هذه الرسالة من جهة أخرى بأن جميع موانئ ومدن وأراضي مملكة المغرب ستكون على الدوام مفتوحة أمام رعايا ملك فرنسا.
وقبل أن نرى الكيفية التي استقبلت بها فيرساي طلب الزواج هذا، سيكون من المفيد أن نصف في بضع كلمات الشخصين المعنيين بالأمر، أي من جهة سلطان المغرب، والأميرة الفرنسية من جهة أخرى.
أما صورة المولى إسماعيل فإنه قد سبق ورسمتها لنا سرود ومحكيات الأسرى المسيحيين بالمغرب. ويكفينا هنا أن نذكّر بمظهره الخارجي (81) الذي كان أبعد ما يكون عن القبول: فقد كان ذا بشرة شديدة السمرة، ولحية بيضاء مشعتة، وعينين تنبآن عن قساوته. ونحن نعرف بأن إحدى تسلياته المفضلة كانت تقضي بالقيام بثلاثة أشياء في نفس الوقت: ركوب الفرس وسلّ سيفه وضرب عنق الأسير الذي يمسك بعنان جواده. وقد كان أفراد حاشيته من المغاربة يرتعدون لرؤيته بنفس القدر الذي يفعله الأسرى المسيحيون، وهو كان يقتل هؤلاء وأولئك بنفس الاستهتار وعدم الاكتراث. يضاف إلى هذا المزاج الدموي بخلٌ لا مثيل له، وتبجح بلا حدود، ونفاق يستعصي على الوصف.
وطالما أن الأمر يتعلق بمسألة زواج فإنه من المناسب أن نتحدث عن النساء اللواتي لم يكنّ يحظين منه بمعاملة أفضل من باقي الرعايا. فقد كان السلطان يجد لذته في الأمر بجلدهن بواسطة سياط جلدية لأقل هفوة تصدر عنهن، هذا إذا لم يتولّ هو نفسه قرعهن بالعصا. وقد كان في لحظات غضبه القصوى يذهب إلى حدّ خنق المذنبات منهن أو طعنهن بالخنجر. وكانت زوجته المفضلة زنجية ضخمة الجثة هي أم ولي العهد، ويبدو أنه كان لها تأثير كبير عليه. وبعدها تأتي أسيرة إنجليزية كان قد أجبرها على اعتناق الإسلام والتي ربما كان يحبها بطريقته الخاصة.
هذه بإيجاز كانت صورة طالب الزواج من الأميرة دو كانتي. ولننظر الآن إلى مَن تكون ابنة لويس الرابع عشر الجميلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.