انتخابات 25 نونبر الجاري هي تاسع انتخابات يعرفها المغرب منذ استقلاله في سنة 1955 . في هذه الاستحقاقات كانت هناك جبهتان مفسدتان ناهضتا الديمقراطية وتلاعبتا بإرادة الناخبين وبنتائج الاقتراع : السلطة والمال الحرام الذي وظفه المفسدون . وكانت هناك جبهة النضال من أجل مغرب ديمقراطي محورها الرئيسي والتاريخي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والناخبون المؤمنون بأن أصواتهم مسؤولة في بناء هذا المغرب الجديد. في البدء كانت انتخابات 1963 التي أسس فيها النظام آنذاك مايسمى بالفديك عشية الاقتراع لتنطق الصناديق لغة هذا التحالف ومهندسيه وتزور النتائج لتترك لحزب القوات الشعبية 28 مقعدا فقط بعد أن كانت الحصيلة أكثر من 100 مقعدا. شهد ذلك البرلمان صراعات قوية داخله أبرزها ملتمس الرقابة الذي تقدم به الفريق الاتحادي برائسة الفقيد عبد اللطيف بنجلون ، وبإقدام الحسن الثاني على حل هذه المؤسسة التشريعية سنة 1965. في سنة 1972 قاطع الاتحاد الانتخابات بعد ست سنوات من حالة الاستثناء وبعد دستور مفبرك عوض الدستور الممنوح ل1962. وقد مات البرلمان سنتها قبل أن يعقد أول جلساته، ومن ثم دخل المغرب مرحلة تميزت بإنقلابين عسكريين وباتساع المواجهات بين القوى الوطنية والنظام بمختلف أوجهه وبإعدامات ذهب ضحيتها العديد من مناضلي الاتحاد. ولم يعد المسار الانتخابي إلا بعد المسيرة الخضراء . في يونيو 1977 شارك الاتحاد الاشتراكي في انتخابات مجلس النواب بعد أن أقر مؤتمره الإستثنائي «إستراتيجية النضال الديمقراطي» . ونزلت السلطة بكل ثقلها لتذبح العملية الديمقراطية وتزور عشرات الدوائر لتسلبها من مرشحي الحزب ومن بينها دائرة الكاتب الاول عبد الرحيم بوعبيد بأكادير. لم يبق من فائزي الاتحاد سوى 14 نائبا. كان صوت الاتحاد قويا بالبرلمان كما كان دوما خارجه. ولم توقف السلطة مضايقاتها له، ففي شتنبر 1981 بعد الاضراب العام ل 20 يونيو من نفس السنة والذي اعتقل فيه وشرد وعذب الآلاف من مناضليه وأغلقت مقراته ومنعت جرائده، أقدمت السلطات على اعتقال كاتبه الاول عبد الرحيم بوعبيد وعدد من رفاقه بالمكتب السياسي، والسبب؟ التعبير عن رأيهم بشأن قبول إجراء استفتاء بأقاليمنا الصحراوية. في 1984نزلت أم الوزارات بقيادة إدريس البصري لتحول دون حصول الاتحاد على كل مقاعده التي نجح فيها. ولم تترك له سوى 36 مقعدا. ولأنه اختار استراتيجيته والنضال من داخل المؤسسات المنتخبة، واصل حزب القوات الشعبية المعركة من داخل المؤسسة التشريعية، فاضحا السياسات اللاشعبية ومن بينها التقويم الهيكلي.وكان ملنمس الرقابة الذي تقدم به القريق الاتحادي وفريق حزب الاستقلال مناسبة لرسم خريطة هذه السياسة . اختار الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعد تأسيس الكتلة الديمقراطية، أن يدخل انتخابات 1993بمرشح مشترك مع حزب الاستقلال، وهي أول انتخابات تجري في ظل دستور شتنبر 2002 . لكن ظل إدريس البصري وفيا لسياسة التزوير في تعامله مع الاقتراع، وبالرغم من ذلك حصل الحزبان على 91 مقعدا من بينها 56 للإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. في سنة 1995جاء الحسن الثاني إلى البرلمان ليعلن أن المغرب مهدد بالسكتة القلبية، وكان ذلك اعترافا بتحليلات وانتقادات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بشأن السياسات العمومية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية ... وفي غشت من السنة الموالية كان للبلاد دستور جديد وافق عليه أول مرة الحزب. وفي ظله جرت انتخابات 1997 التي احتل فيها الحزب المرتبة الاولى ب 57 مقعدا . لم يسلم الاقتراع بطبيعة الحال من ممارسات جبهتي السلطة والمال الحرام. وفي ربيع 1998 كان المغرب على وعد مع أول حكومة تناوب يقودها الاتحاد بعد أن عين الراحل الحسن الثاني الكاتب الاول عبد الرحمان اليوسفي وزيرا أول. لم تكن سنوات تلك الحكومة عادية، فمؤسسات اقتصادية وعمومية عديدة كانت على حافة الافلاس. وقطاعات حيوية معطوبة تتخبط في مشاكل التدبير. كان أول الأولويات هو إنقاذ المغرب من الانهيار وإستعادة الثقة في مؤسساته لدى المعنيين داخليا وخارجيا. وبالفعل كانت حصيلة حكومة اليوسفي إيجابية أخرجت البلاد من النفق. ولم يستسلم مناهضو التغيير وجيوب المقاومة في التشكيك بهذه النتائج وبصانعيها، بل فتحوا عشرات الجبهات ونشروا مئات الاشاعات التي تشكك في التجربة وفي وزراء الاتحاد، وحاولوا أن يعقدوا مقارنات بين مواقف الاتحاد وهو في المعارضة وبين تواجده في الحكومة دون أن يأخذوا بحقائق الارقام ونتائج السياسات . كانت معركتهم هي إجهاض التجربة وإبعاد الاتحاد من مهمة تسيير الشأن العام. وبالفعل كان لتوظيف شبكاتهم أثر في إنتخابات 2002 التي كانت نتيجتها 45 مقعدا للاتحاد . والبرغم من أنه تبوأ المشهد السياسي، فإنه تم الخروج عن المنهجية الديمقراطية في تعيين الوزير الاول. في انتخابات 2007 تضافرت عدة عوامل في إفراز نتيجة هذا الاقتراع الذي حصل فيه الحزب على 38 مقعدا من بينها 5 مقاعد عن اللائحة النسائية. في الحكومتين اللتين انبثقتا عقب الاقتراعين الاخيرين، شارك الاتحاد فيهما انطلاقا من حرصه على أن تستمر الاوراش التي فتحها في مجالات عديدة. وطيلة مسارات الخمسة عقود الماضية، كان هدف الاتحاد هو بناء الديمقراطية بالمغرب ، منحازا للطبقات الشعبية، صوتا لها بالمؤسسات، معبرا عن مطالبها، حريصا على أن يبلور برامجه لفائدتها ومن أجل مغرب قوي إقتصاديا، وذلك ما يتضمنه البرنامج الانتخابي لاقتراع 25 نونبر الذي اتخذ له شعار: معا من أجل مغرب المواطنة.