يعيد الخبر الذي نشرته وكالة الأنباء الفرنسية، حول تدمير سلفيين مغاربة لنقوش صخرية جنوب البلاد عمرها أزيد من 8 آلاف سنة، سؤال حقيقة خطر ممارسة الفعل العنيف تجاه الثقافة، من أصحاب النظرة الواحدية، حتى بعيدا عن صحة الخبر من عدمها، حتى لو كان الأمر إشاعة (ولا دخان بلا نار)، إذ يفترض في الثقافة والمثقف والمهتم للشأن الثقافي، أن يبحث ويتساءل ويستبق؛ فلا ننتظر إلى أن يقع المحظور، وتدمر نقوش أو تذكارات أو حتى مجسمات من القيمة التاريخية التي يملكها المغرب، خصوصا وأن هناك قرائن في دول أخرى مجاورة، لتدمير أضرحة أولياء، وتكسير تذكارات ومآثر. مدير التراث بوزارة الثقافة، عبد الله صالح، نفى أن تكون المواقع الأثرية في المغرب، تتعرض لأي أذى من طرف المجموعات السلفية، وأفاد بأنه أرسل مراقبين محايدين للموقع، وتأكدوا من أنه لم يتعرض لأي اعتداء، وأكد أن المغرب بطابعه المتنوع لا يمكن فيه الحديث عن أي تخريب ممنهج من طرف مجموعات مشابهة، وأن التخريبات المتكررة هي تلك التي تتعرض لها المآثر عبر السرقات، من طرف مجموعات متخصصة في تهريب المآثر التاريخية عبر الحدود، وتلك المرتبطة بالتخريب التي يرتكبها الباحثون عن الكنوز. «المغرب فيه مآثر تعود لما قبل التاريخ، ويملك تراث إنساني وثقافي مميز، تجعله يحتل موقعا مهما في إفريقيا، ويحميه أنه قبلة للاختلاف والتنوع، وتاريخيا قامت الزوايا الصوفية بدور هام في الحماية من أي إرهاب فكري أو مذهبي». ذلك ما ختم به مسؤول مديرية التراث، اتصاله الهاتفي بنا، قبل أن يعود ويؤكد: «لم يحدث أي تخريب في الموقع، والمعلومات التي نشرت كاذبة كليا، وعلى من نشرها، أن يتحمل مسؤوليته، ويتعرض للمحاسبة. نقلنا الإشاعة والتخوف للأستاذة أسماء بنعدادة، أستاذة علم الاجتماع السياسي والنوع الاجتماعي (جامعة الحسن الأول بفاس)، فأعادت وضع الخبر في سياقه: «إذا ربطنا هاته الإشاعات بما يجري في مصر وتونس وليبيا وباكستان ومالي وغيرها من البلدان من جهة وما يجري في المغرب من جهة أخرى ، لا يمكننا استبعاد حدوث مثل هذا النوع من العنف، لأن المد السلفي يقتات من نفس المرجعية ويؤمن بنقل التجارب، كما لا يجب إعطاء الإشاعة أكثر من حجمها، فمؤشرات العقلية السلفية الجهادية موجودة، والأسباب الموضوعية لتناميها أيضا موجودة من اختناق اجتماعي، وتعدد مظاهر الفقر، وارتفاع معدل البطالة وكثرة المشاكل الاجتماعية.» قبل أن تختم بتساؤل: « لقد كذبت وزارة الثقافة الإشاعة في بيانها، ما يهمنا في هذه النازلة ليس صحة أو عدم صحة الخبر بقدر ما يهمنا معرفة الجهة التي روجت ولا زالت تروج لمثل هاته الإشاعات ، من هي؟ وما الهدف من إطلاق إشاعات من هذا القبيل؟ الحدث ليس معزولا عن دعوات وممارسات لها نفس المرجعية، هناك دعوات من جهات متعددة سواء عن طريق بعض فقهاء الدين أو التابعين لهم للترويج لأفكار وتصورات السلف بالمعنى المتشدد الذي ينطلق من المسلمات المبنية على شحن الأذهان والترغيب والترهيب وليس عن الجدال و بناء المعرفة والحجة .. تحاول هاته الجهات التشكيك في كل مبادئ الحداثة والدعوة إلى الرجوع إلى عقلية الحريم والتجريم والعنف.» أستاذ الفلسفة محمد الشيخ، بكلية بن امسيك، علق على الخبر، بقوله «جرائم العقلية الواحدية متعددة، وهناك قرائن أخرى، منها واحدة لا تقل أهمية عن هدم المآثر، ويتعلق الأمر بحذف فصول بأكملها من كتب التراث، لا لشيء إلا لأنها في وجهة نظر الناشرين لا تتفق مع نظرتهم للتراث والأخلاق والتدين، ومنه كتاب بلاغة النساء لابن طيفور، لقد حذف منه فصل كامل عن النساء المتهتكات، وتلك جريمة ضد الطبيعة الإنسانية، التي يفترض فيها التغير والتحول، بينما يعد إجبارها على الخضوع للسلف السابق جريمة». وعن إذا ما كانت المآثر تعرضت لخطر التهديم في التراث، أكد الأستاذ أن الأهرام نفسها تعرضت لذلك الخطر: «في العصر العباسي، كانت محاولة ذلك، لكنهم عجزوا عن تدمير الأهرام، لما وقفوا على أن متطلبات الهدم المادية كبيرة جدا، فتركوها في مكانها، ثم أيضا هناك جرائم حرق الكتب.. صحيح أن الظاهرة الدينية ملازمة لكل المجتمعات كما عبر روني جيرار، لكن وجب أن لا تستغرق الحياة والساحة العمومية بالدين، من حق كل طرف أن يؤمن بما يشاء، لكن ممارسة العنف جريمة.»