غياب توضيحات رسمية حول تسعيرة الطاكسيات بالحسيمة يُربك القطاع ويفتح الباب أمام الاستغلال    وصول المساعدات المغربية إلى مخازن في مدينة دير البلح وسط غزة    الحسيمة .. الشرطة القضائية تعتقل مروجا للكوكايين بإمزورن    المغرب-مالي: تحرير السائقين المغاربة يكشف أهمية التنسيق الأمني بين دول الساحل (+فيديو)    إسرائيل تسمح بدخول السلع التجارية جزئيا إلى غزة    قيوح: المغرب جعل من التعاون مع الدول غير الساحلية وخاصة في إفريقيا أولوية استراتيجية في سياسته التعاونية    توقيف قائد بعمالة مراكش للاشتباه في تورطه بإحدى جرائم الفساد    الإفراج بكفالة مشروطة عن توماس بارتي لاعب أرسنال السابق    الدورة السادسة عشرة من معرض الفرس للجدیدة سلسلة من الندوات حول العنایة بالخیل والتراث الفروسي    فتيات المغرب تكتسحن الجزائر ويحجزن مقعدا لهن في "أفروباسكيط 2025"    مستشار ترامب من الجزائر: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد لنزاع الصحراء    من المعرفة إلى السفر… تجارة الخدمات الصينية تحلق عالياً مع ارتفاع ملحوظ في الصادرات    عملية مرحبا.. إطلاق حملة لفائدة المغاربة المقيمين بالخارج تحت شعار "التعمير والإسكان في خدمة مغاربة العالم"    مصرع شخصين في حادثة سير مميتة ضواحي ابن جرير    "ألكسو" تحتفي بتراث القدس وفاس    الأوقاف تكشف سبب إعفائها رئيس المجلس العلمي المحلي لفكيك    الموهبة الكبيرة وزان يوقع عقدًا جديدًا مع أياكس بعد رفض ريال مدريد التعاقد معه    "منتخب U20" يستعد لكأس العالم    رضا سليم يعود للجيش الملكى على سبيل الإعارة    المغرب ‬يسير ‬نحو ‬جيل ‬جديد ‬من ‬برامج ‬التنمية ‬المجالية.. ‬نهاية ‬زمن ‬الفوارق ‬وتفاوت ‬السرعات    ارتفاع القروض الاستهلاكية في المغرب إلى 162 مليار درهم خلال سنة 2024    مندوبية ‬التخطيط ‬تكشف: ‬وضعية ‬سوق ‬الشغل ‬لازالت ‬تعاني ‬من ‬آثار ‬الجفاف    تراجع نسبة ملء السدود بالمغرب إلى 35.3%    نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية مصحوبة بالبرَد وبهبات رياح مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    دراسة: الحر يؤثر على الصحة العقلية للإنسان    خواطر تسر الخاطر    الريسوني: تخلف وزارة الأوقاف سحيق لأنه مقدس وله حراسه.. وتخلف الدولة يسمى "الانتقال الديمقراطي"    كفالة مالية تصل إلى 15 ألف دولار للحصول على تأشيرة أمريكا    22 شهرا من الإبادة.. الجيش الإسرائيلي يقتل 20 فلسطينيا في غزة فجر الثلاثاء    تارودانت… 14 مليون درهم لتأهيل المواقع السياحية بأسكاون وتيسليت    زيادة ثمن بطاقة جواز تثير استياء مستعملي الطرق السيارة بالمغرب    "سورف إكسبو" لركوب الأمواج في دورته الرابعة أكتوبر المقبل    أسعار النفط تشهد استقرارا بعد تسجيل أدنى مستوى في أسبوع    بعد أيام من تركيبه.. مجهولون يخربون رادارا حديثا لرصد المخالفات المرورية    وَانْ تُو تْرِي دِيرِي عَقْلك يَا لاَنجِيرِي!    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    المغرب ومالي ينجحان في تحرير 4 سائقين مغاربة اختطفتهم "داعش" في بوركينا فاسو    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    كاميرات مراقبة صينية في سبتة ومليلية تثير الجدل في إسبانيا    اتحاديون اشتراكيون على سنة الله ورسوله    اليابان تسجل "درجات حرارة قياسية"    عمدة برلين يثمن التشديد في الهجرة    الرباط تحتضن النسخة الأولى من "سهرة الجالية" احتفاءً بالمغاربة المقيمين بالخارج    علي الصامد يشعل مهرجان الشواطئ بحضور جماهيري غير مسبوق    غينيا تهزم النيجر بهدف في "الشان"    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    "الجايمة"..أشهر مطعم مغربي في ألميريا يُغلق أبوابه نهائيًا    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    لا أنُوء بغزّة ومِنْهَا النُّشُوء    ترتيب شباك التذاكر في سينما أميركا الشمالية    وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون عن عمر ناهز 79 عاما    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لفهم ما يجري 7 ... محمود جبريل رئيس تحالف القوى الوطنية في ليبيا..
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 13 - 07 - 2013

في إطار حضوره كعضو شرفي إلى اللقاء التأسيسي للمنتدى العربي الديمقرطي الإجتماعي، الذي احتضنه حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية نهاية شهر يونيو الماضي بالرباط، التقيت الدكتور محمود جبريل، رئيس تحالف القوى الوطنية في ليبيا، ورئيس حكومة المجلس الوطني الإنتقالي الليبي بعد الإطاحة بنظام معمر القدافي، من مارس 2011 إلى نونبر 2011، لمحاورته بقلق حول مآل ليبيا وحول الأوضاع المقلقة ببلد ثورة 17 فبراير. فكان هذا الحوار السجالي الصريح والعميق، الذي صدر فيه الدكتور محمود جبريل، عن تحليل ورؤية رجل دولة وطني من العيار النادر.
هو من مواليد 1952 ببنغازي بليبيا، حاصل على الإجازة في العلوم السياسية بالقاهرة سنة 1975، ثم الدكتوراه من جماعة بنسيلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية سنة 1985. وسبق له أن رفض جائزة تقديرية في عهد القدافي، رغم أنه كان يعتبر مستشارا يستمع لآرائه في سنوات القدافي الأخيرة. رجل عمل ميداني في مجال تدبير الكفاءات وله خبرة سياسية رفيعة، وخبرة تقنية تسييرية في مجال الأعمال اكتسبها بالعمل في تركيا وبريطانيا وأغلب دول الخليج والمغرب. وهو رجل هادئ جدا، رصين، مرتب الأفكار بشكل دقيق، منهجي في تحليله بشكل علمي مرتب. ومحاورته متعة
فكرية حقيقية.
{ مرحبا أستاذ جبريل، أود أن أبدأ معك حواري، حول الوضع الأمني اليوم في ليبيا، لأن الأخبار الواردة من هناك، لا تطمئن. هل الوضع مقلق فعلا بالدرجة التي يعكسها الإعلام الدولي؟
أي متخصص في العلوم السياسية سيدرك، أن الوضع في ليبيا كان منتظرا أن يصل إلى ما وصل إليه، بسبب حقيقة بسيطة وهي غياب الدولة. عادة ما تجرى الإنتخابات عبر التاريخ، في ظل وجود دولة، بحيث يتم بناء الدولة أولا ثم تجرى الإنتخابات، لإقامة المؤسسات المختلفة وفي مقدمتها المؤسسة التشريعية. ما حدث في ليبيا هو العكس، سارعنا إلى إجراء انتخابات في ظل عدم وجود الدولة، بل إن الكثير من صناديق الإقتراع كان يحميها شباب الكتائب المسلحة، لأن انهار النظام في ليبيا تبعه انهيار الدولة في نفس الآن. لكن عندما ظهرت نتائج الإنتخابات في غير صالح بعض الأطراف السياسية لجأوا إلى فرض رغباتهم بقوة السلاح. بالتالي، فهذا يؤكد أن البداية كانت بداية خاطئة، بحيث كان يجب البداية ببناء الدولة أولا، ثم مسيرة المؤسسات.
بالتالي متاهة انعدام الأمن في بلدنا سيستمر للأسف، إلى أن تصبح مؤسسات الجيش والشرطة والقضاء وباقي المؤسسات قوية. عدا ذلك، لا يمكننا الحديث عن الدولة، كما هو واقع عندنا، سوى بشكل افتراضي. أملي الكبير أن يكون الشعب الليبي هو الفيصل وهو صمام الأمان هو الذي أطلق شرارة ثورة 17 فبراير، وهو الذي بيده أن يوصلها إلى بر الأمان، أما إذا ترك الأمر لإرادة تيارات مختلفة، مسلحة، لتذهب بالبلاد في هذا الإتجاه، فهذا سيكون على حساب طموحات وأحلام البسطاء والمواطنين الذين ضحوا بدمائهم من أجل هذه الثورة.
{ أين وصل النقاش الدستوري، الذي كان حاميا جدا في ليبيا؟ ثم أليس غياب ورقة دستورية مؤطرة للفعل السياسي والقانوني، هو صلب الأزمة السياسية في بلدكم؟
يا سيدي، في بداية الثورة كان هناك إدراك مبكر إلى ضرورة عدم إطالة عمر الفراغ السياسي في ليبيا، بأن نتجه مباشرة، بعد سقوط النظام، إلى إجراء انتخابات برلمانية وإلى البدء في بناء الدولة على أسس دستورية. للأسف المجلس الوطني الإنتقالي كان له رأي آخر، حيث خرج بما يسمى «الإعلان الدستوري»، الذي ألغى خارطة الطريق التي كانت تتحدث على أن بعد سقوط النظام، نبدأ خلال شهر، انتخابات تؤدي بنا إلى البرلمان. و»الإعلان الدستوري» وصف طريقا طويلة وشاقة ومليئة بالعثرات ومحفوفة بالمخاطر بسبب عدم وجود شرطة وجيش، تحمي ذلك الإختيار وتلك الطريق. بالتالي، فإن سبب ما نحن فيه هو هذا «الإعلان الدستوري» الذي اختطه المجلس الوطني الإنتقالي.
{ لو تحدثنا عن الوضع الحزبي في ليبيا، فإنه يمكنني الحديث عن ما يمكن وصفه ب «تفجر» عدد كبير من التنظيمات الحزبية في بلادكم، من خلال كم ما تم تأسيسه من أحزاب. وهذا أمر قد يفهم على أنه أمر طبيعي، بسبب عدم وجود تراكم للعمل التنظيمي الحزبي في المجتمع الليبي بسبب طبيعة نظام القدافي. اليوم بعد سنة ونصف من نجاح الثورة تقلص عدد الأحزاب في ليبيا، هل يعني ذلك أنه قد بدأت تتضح ملامح التيارات السياسية الوازنة في ليبيا اليوم. بمعنى أن هناك خريطة أكثر وضوحا؟.
التيار السياسي الوحيد الفاعل هو تيار الشارع. أما على مستوى التيارات السياسية المنظمة، فهناك الكثير من الأحزاب. لكن، حقيقة، أحزابنا الليبية لم تعطى لها الفرصة الواجبة كي تنمو طبيعيا وتنضج بشكل طبيعي. فهي كانت وظلت محاربة في عهد القدافي، ولا تزال هذه الثقافة موروثة إلى اليوم. لكن المشكلة، هي أن سيطرة المجموعات المسلحة ميدانيا في الشارع، منع كل تلك الأحزاب من أن تقوم بدورها. وأصبح هناك حديث على أن سبب المأساة التي تعيشها بلادنا هي الممارسات الحزبية، بينما الصحيح هو العكس تماما. لأن غياب الحياة الحزبية، الذي يمكن أن تنظم المنافسة السياسية في ليبيا، هو سبب الفوضى التنظيمية القائمة، والأخطر أن الأحزاب العاملة في الميدان أصبحت مثل المنشفة التي يمسح عليها الآخرون كل أجنداتهم وطموحاتهم. بينما الحقيقة أن الحياة الحزبية معطلة تماما في بلدي، ولا يسمح لها للقيام بدورها الطبيعي في تأطير الناس وتوجيههم وتنظيم التدافع السياسي حتى الآن.
{ من هم هؤلاء «الآخرون» الذين يمسحون كل شئ كمنشفة في الأحزاب السياسية الليبية؟
هناك أحزاب فشلت في انتخابات 7 يوليوز السابقة، فرأت أن دخول الإنتخابات بشكل مستقل أو منفرد سيمكنها من أن تخفي هويتها وإيديولوجيتها ممكا يمكنها من الوصول إلى البرلمان (وهذا فيه نوع من الخداع للمواطن الليبي). ثم هناك مجموعة أخرى تضم بعض الكتائب المسلحة، التي تريد فرض إرادتها وتعتبر التنظيمات الحزبية تنظيمات ما أنزل الله بها من سلطان. وهناك بعض تلك المجموعات المسلحة المأدلجة التي تعتبر أن فكرة الديمقراطية من أصلها فكرة كافرة. بالتالي، هناك الكثير ممن لديهم مصلحة، في قيام حياة حزبية طبيعية وعادية. بينما المواطن البسيط، بسبب انعدام تراكم للوعي السياسي التنظيمي، بدأ يصدق البعض من هذه الأقاويل ويردد مقولة أن سبب الإنسداد السياسي الموجود في ليبيا يعود إلى الممارسات الحزبية. بينما أعتبر أن الحقيقة هي العكس من ذلك تماما، لأن سبب الإنسداد السياسي، أنه ليس هناك حياة حزبية قوية تستطيع أن تنظم العمل السياسي وأن تؤطره بشكل يصل بالفعل السياسي بليبيا إلى بر الأمان.
{ الإستثناء الليبي، إذا سمحت لي أستاذ جبريل، على مستوى التصويت الإنتخابي ونتائج الإقتراع، أن القوة السياسية التي فازت، ليست هي الجماعات الإسلامية مثلما حدث في انتخابات باقي بلاد الربيع العربي كمصر وتونس. كيف تقرأ أنت هذا الإستثناء الليبي من وجهة نظرك كسياسي وكرجل دولة ليبي؟
الليبي بطبيعته متدين بالفطرة. بالتالي، كان أمرا مستفزا له أن يدعو بعض التيارات إلى أسلمة المجتمع، وبداية الحديث عن «دار كفر» و»دار إسلام». فكان هذا الأمر مستفزا للضمير العام الليبي وللوعي العام، فكان رد الفعل عكسيا. والأمر الثاني أن الإسلام معاملة، فحين سئل الرسول (ص) قال «الدين المعاملة». فكان المواطنون يقارنون بين الضحية، الذي يهاجم ليل نهار، وهو «تحالف القوى الوطنية» وشخص محمود جبريل، بتهمة أنه كافر وعلماني وبأنه كذا وكذا، وبين من يوجه هجومه ذاك إليه من حيث السلوك. فالقرآن الكريم يتحدث عن وصية «وجادلهم بالتي هي أحسن» و «لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي» و»أدعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة»، ثم يجدون هذا الأسلوب في الهجوم من البعض الذي يوظف الدين لأغراض سياسية، بينما نحن لم نكن نرد، بل كنا نتكلم بالحسنى وكنا ندعو إلى الهداية ولم الشمل وإصلاح ذات البين ولم نرد الشتائم بالشتائم. واكتفينا بالقول «حسبنا الله ونعم الوكيل». بالتالي، فالمواطن الليبي واع ويميز بين الخطابات والرجال والناس. بين من يستغل الدين كمطية لأغراض ساسية معينة، ومن يدافع جديا عن وحدة تالوطن والمصلحة القومية الليبية. بالتالي فإن أصحاب ذلك الخطاب إنما خلقوا ردا فعل مضاد عند الليبي، فتصرف تلقائيا في انتخابات يوم 7 يوليوز وكانت النتائج التي تعرفون.
{ وهذا يزيد تأكيد الحديث عن المخاطر التي كانت تتحدث عن محاولات تقسيم ليبيا إلى 3 ولايات، أي العودة إلى التقسيم الثلاثي الذي كان في بداية الإستقلال. بالتالي، أود سؤالك الأستاذ محمود جبريل، هل خطر التقسيم لا يزال واردا أم لا؟
أرجو أن لا يحدث ذلك. لكن حقيقة، الممارسات التي تحدث في المنطقة الغربية، بطرابلس ومحيطها، بسبب أن أغلب السلاح المكدس في يد جماعات مسلحة موجود بهذه الجهة، بسبب أن أغلب المواجهات المسلحة ضد قوات القدافي تم بها...
{ من مصراتة عمليا حتى طرابلس؟
من مصراتة حتى الحدود التونسية. بالتالي فإن المواطن هناك يلمس أن تلك الكتائب المسلحة أصبحت تملي إرادتها على الأجسام التي ولدت بسبب انتخابات 7 يوليوز، التي هي المؤتمر الوطني والحكومة. فهذه الأجسام المنتخبة أصبحت لا تملك من أمرها وقرارها السيادي شيئا. بل أصبح يملي عليها الآخرون ما عليها أن تقوم به تبعا لما يريدون بقوة السلاح...
{ وهذا مؤسف.
نعم، وهذا مؤسف. والأمر الثاني، أن عدم الإستقرار أصبح مسلسلا طويلا بلا نهاية. بالتالي فالمواطن بالمنطقة الشرقية وحتى الجنوبية، الذي عانى من التهميش لفترة طويلة، بدأ يجد المبررات للعودة إلى النظام الفدرالي القديم وتقسيم البلاد إلى 3 ولايات، بحيث كل يبدأ حياته وحين تستقر الأمور في المنطقة الغربية لكل حادث حديث. فما تفعله بعض الأطراف في المنطقة الغربية تلك، أعطى المبرر لكثير من الدعاوى في المنطقة الشرقية للحديث مرة أخرى عن الفدرالية والولايات الثلاث.
{ وهذا خطر على ليبيا كدولة؟
طبعا، هذا خطر. فالتشردم، والتشظي لا شك أنه كارثي. ونحن ندعو إلى اللامركزية، ندعو إلى تنمية مكانية، ندعو إلى أن القرار يصبح بيد البلديات المنتخبة، لا بيد الحكومة المركزية تنمويا. فهذا الأمر لو تم سيعفي الكثيرين من الحديث عن الفدرالية وعن الولايات الثلاث وعن التقسيم. لكن، الحقيقة أن السلطة المركزية والإستحواذ على ميزانية الدولة والبطئ في اتخاد القرار، ثم الرضوخ لهيمنة كتائب مسلحة أعطى مبررا للكثيرين أن المخرج ربما هو العودة إلى الفدرالية مرة أخرى.
{ وماذا عن المحيط الليبي، إقليميا. أتحدث عن مصر أساسا وعم المغرب العربي وعن العمق الصحرواي باتجاه دول الساحل. فما مدى تأثيره على الأوضاع في ليبيا؟ هل هو تأثير إيجابي أم هو تأثير سلبي؟
ليبيا اليوم أشبه بأرض منخفضة. كل السيول تتجه صوبها وتتجمع. نتيجة عدم وجود أمن ودولة. بالتالي، قضية إعادة بناء الدولة هي قضية محورية ليس لصالح الليبيين فقط، بل لصالح كل دول المنطقة. فالجميع من مصلحته أن تكون عندنا دولة قوية بجيش نظامي قوي وشرطة قوية، يستطيعون حماية الحدود وحماية سيادة الدولة. وربما هذا ليس في صالح الكثيرين، لأن البعض من الأطراف الخارجية الذين لديهم أجنداتهم ومن مصلحتهم أن تستمر ليبيا دولة غير مستقرة. والنتيجة هنا هي أنه ليس ليبيا وحدها من سيدفع الثمن بل الدول الأروبية ودول الجوار العربي والمغاربي والإفريقي. لأن الهجرة غير الشرعية ستتفاقم والجريمة وتجارة الأسلحة ستتوسع والمخدرات وكل أنواع الموبقات ستستشري بالمنطقة.
{ هل أنظمتنا وحكوماتنا المغاربية تقدم فعليا دعما ماديا فعليا للمساعدة على ترسيخ أسس الدولة الجديدة في ليبيا؟
هذه مفارقة محزنة ومضحكة في آن واحد. لأن أغلب تلك لحكومات تتحدث مع الحكومة الليبية الحالية كما لو أنها تملك فعليا السلطة وزمام القرار. فهذه الحكومة حتى إن اتخدت قرارا فهي لا تستطيع تنفيذه. ما يحدث في ليبيا صراحة حالة خاصة. فالقرار داخل المؤتمر الوطني وداخل الحكومة، أصبح مرهونا بإرادات أخرى وليس إرادة الحكومة وهذا أمر خطير حقيقة. بالتالي فالتعامل مع ليبيا من قبل جيراننا يحتاج إلى إعادة فهم، لأنه لا يمكن التعامل معها مثلما نتعامل مع تونس أو مصر. فمصر ولله الحمد لا يزال الجيش قويا ولا يزال صوته مسموعا في حال انفلات الأمن أو الإعتداء على إرادة الشعب المصري. الآن يعتدى على إرادة الشعب في ليبيا ولا أحد يستيطع أن يحمي تلك الإرادة. يعتدى على سيادة البلد ولا يستطيع أحد الدفاع عن تلك السيادة. فالدول حين تتحدث مع ما يسمى الحكومة الليبية، عليهم أن يدركوا أننا في محاولة لبناء الدولة، وعلينا أن لا نحمل هذه الدولة أو هذه الحكومة أكثر مما لا تستطيع إعطاءه..
{ (مقاطعا) طيب والحل أستاذ محمود جبريل؟ فهذه صورة قاتمة سوداء ومؤلمة؟
هذا هو الواقع للأسف يا سيدي الفاضل. وملامح الحل أنه لابد لليبيين كما أطلقوا هذه الثورة، فإن قدرهم أن ينزلوا إلى الشارع مرة أخرى، حتى يعيدوا الأمور إلى نصابها وتبدأ مسيرة جديدة لبناء الدولة. فالإنحراف القائم انحراف خطير بكل المقاييس. علينا الإنتباه كما قلت في كلمتي أمام الجلسة الإفتتاحية للقاء التأسيسي للمنتدى العربي الديمقراطي والإجتماعي (الذي احتضنه حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية المغربي بالرباط نهاية يونيو الماضي)، أن ظاهرة الريع العربي هي ظاهرة شعبية وليست ظاهرة حزبية. فالشارع العربي لم تحركه أحزاب، بل تحرك من تلقاء ذاته، وغياب الأحزاب هو مسؤول عن حالة الإنفلات الموجودة الآن. لأنه لم كان الذي حرك الشارع العربي حركة منظمة وتملك مشروعا، لبدأنا في تنفيذ تلك المشاريع منذ سقوط الأنظمة. لكن سقوط الأنظمة أسقطنا في متاهة. وأصبحت قضية الشرعية هي القضية الرئيسية، وكل يدعي أنه يمتلك الشرعية الأسلم. بالتالي على كل الأحزاب العربية أن تراجع تفكيرها ومنظوماتها التحليلية، لأن العالم تغير والإيديولوجيا بطبيعتها تفرض خيارات مسبقة، بينما في عالم اليوم هناك انفجار هائل للمعرفة. فالمعرفة الكونية اليوم تتجدد كل 7 سنوات ونصف. وفي سنة 2025 سوف تتجدد المعرفة الكونية كل 176 يوما فقط. فأي نوع من الإيديولوجيا يستطيع استيعاب هذا النوع من التسارع في تغير المعرفة الكونية.
{ هل مخاطر عودة قوة استبدادية لضمان وحدة ليبيا أمر قائم، بهذا المعنى؟.
والله يا سيدي، ليبيا في المرحلة التي هي فيها، ما لم يكن الشارع الليبي يقظا، ويتدخل لتوجيه الأمور لصالحه ولصالح اختياراته، فإن البلد مفتوحة على كل الإحتمالات، بما فيها الإيجابي والسلبي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.