عرض أوبرا صينية يُبهر جمهور مكناس في أمسية ثقافية مميزة    نشرة إنذارية: زخات رعدية اليوم السبت وطقس حار من السبت إلى الأربعاء بعدد من مناطق المملكة    أشنكلي: جهة سوس قلعة تجمعية بامتياز.. وأكادير تحولت إلى قاطرة وطنية للتنمية    صحافية إسبانية استقصائية تفضح انتهاكات البوليساريو وسرقة المساعدات في تندوف    الحكم على الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي بالسجن 22 عاما    مونديال الأندية.. الوداد ينهي تحضيراته لمواجهة يوفنتوس غدا الأحد    من العيون.. ولد الرشيد: الأقاليم الجنوبية، منذ المسيرة الخضراء، عرفت تحولات كبرى على كافة المستويات    مهرجان كناوة .. منصة مولاي الحسن على إيقاع حوار الكمبري والعود والأفروبيتس    الوزير السكوري يعفي مديرة "لانابيك" بعد 14 شهرا على تعيينها    روبي تشعل منصة موازين بالرباط بأغانيها الشبابية    أكثر من 400 قتيل في إيران منذ بدء الحرب مع إسرائيل    اتصالات المغرب تستثمر 370 مليار لتطوير الأنترنت في مالي وتشاد    هزة أرضية جديدة ببحر البوران قبالة سواحل الريف    العاصمة الرباط تطلق مشروع مراحيض عمومية ذكية ب 20 مليون درهم    إسرائيل تعلن اغتيال قيادي إيراني    بدء أعمال "خارجية التعاون الإسلامي"    شكوى ضد ميرتس بسبب تصريحة الذي تضمن عبارة "نازية".. إن "إسرائيل تقوم بالعمل القذر نيابة عنا جميعاً"    إعلامي مكسيكي بارز : الأقاليم الجنوبية تتعرض لحملات تضليل ممنهجة.. والواقع بالداخلة يكشف زيفها    حفل "روبي" بموازين يثير الانتقادات    نحو تدبير مستدام للغابات: المغرب يعزز مكانته وشراكاته البيئية        اعتقال 10 متورطين في شبكة مخدرات بالناظور    مراقبة مكثفة وصارمة بشفشاون لرصد الدراجات النارية المخالفة للقانون والمُشكِلة للخطر    حادثة مروعة بطنجة تخلف خمسة إصابات    انتخاب المغرب نائبا لرئيس المؤتمر الدائم للغرف الإفريقية والفرنكوفونية    يوسف لخديم يقترب من مغادرة ريال مدريد نحو ألافيس بعقد يمتد إلى 2029    صحافي مكسيكي: الجماعة الانفصالية تنشر الكثير من الأكاذيب في الأقاليم الجنوبية    العجلاوي: المغرب لا يفاوض على مغربية الصحراء وقد يعتمد مجلس الأمن مبادرة الحكم الذاتي في أكتوبر    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت    وفاة سائحة أجنبية تعيد جدل الكلاب الضالة والسعار إلى الواجهة    نادية فتاح تتوَّج كأفضل وزيرة مالية في إفريقيا لعام 2025: المغرب يواصل ريادته في التنمية القارية    تدشين القنصلية العامة للمغرب بمونت لاجولي    الترجي يسجل أول فوز عربي وتشيلسي ينحني أمام فلامينغو وبايرن يعبر بشق الأنفس    الوداد يعلن تعاقده رسميا مع السوري عمر السومة    كيوسك السبت | ارتفاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المغرب بنسبة 55 بالمائة    بوشهر في مرمى النار.. هل يشهد العالم كارثة نووية؟    وكيل النجم البولندي ليفاندوفسكي: الانتقال ممكن للدوري السعودي    "ليفربول" يتعاقد مع الألماني "فلوريان فريتز"    محمد الشرقاوي يكتب: لحظة الحقيقة.. ما لا يريد أن يراه مناصرو التطبيع ووعّاظ الاتفاقات الإبراهيمية!    البنك الأوروبي يقرض 25 مليون دولار لتطوير منجم بومدين جنوب المغرب    ضمنها الرياضة.. هذه أسرار الحصول على نوم جيد ليلا    تراجع أسعار الفائدة قصيرة المدى في سوق السندات الأولية وفق مركز أبحاث    الفيفا يعلن آخر التعديلات على قانون كرة القدم .. رسميا    بين الركراكي والكان .. أسرار لا تُروى الآن    حرب الماء آتية    محمد أشكور عضو المجلس الجماعي من فريق المعارضة يطالب رئيس جماعة مرتيل بتوضيح للرأي العام    فضيحة "وكالة الجنوب".. مؤسسة عمومية أم وكر مغلق لتبذير المال العام؟    توظيف مالي لمبلغ 1,72 مليار درهم من فائض الخزينة    باحثون إسبان يطورون علاجا واعدا للصلع    معهد صحي يحذر.. بوحمرون يتزايد لدى الأطفال المغاربة بهولندا بسبب تراجع التلقيح    بعد وفاة بريطانية بداء الكلب في المغرب.. هل أصبحت الكلاب الضالة تهدد سلامة المواطنين؟    أنامل مقيدة : رمزية العنوان وتأويلاته في «أنامل تحت الحراسة النظرية» للشاعر محمد علوط    افتتاح الدورة ال26 لمهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات «بطرس غالي» بين النيل والقدس ..

بين النيل والقدس يوميات دبلوماسى مصرى« .. تحت هذا العنوان يطرح الدبلوماسى الشهير، الدكتور بطرس بطرس غالى، صورة بالعدسة المكبرة لواقع الدبلوماسية المصرية فى إفريقيا تحديدا، وفى العالم بشكل عام، خلال الفترة التى امتدت لأكثر من عشرة أعوام منذ توليه منصب وزير الدولة للشئون الخارجية عام 1977م، ونائب رئيس الوزراء للشئون الخارجية عام 1991، قبل أن يتم اختياره كسادس أمين عام لمنظمة الأمم المتحدة فى يناير عام 1992.
وإذ يسرد غالى، خلال الكتاب، الصادر حديثا عن دار »الشروق«، يوميات عمله الدبلوماسى، فإن صفحات الكتاب تزدحم بالعديد من الوقائع التاريخية التى جمعت المؤلف بالعديد من رؤساء وملوك الدول وزعمائها البارزين، فضلا عن المواقف التى جمعته بالرئيس السابق حسنى مبارك، وعدد من وزراء حكوماته المتعاقبة ورجال الدبلوماسية البارزين خلال السنوات الماضية. وفيما يلى تنشر »الشروق« يوميات مختارة من الكتاب.
القاهرة: الثلاثاء 3 مارس 1987
لايزال الرئيس مبارك مترددا فى عرض ترشيح مصر لرئاسة القمة المقبلة لمنظمة الوحدة الأفريقية. أخبرنى أن الحزب الحاكم قرر ترشيحى فى الانتخابات التشريعية المقبلة التى ستتم بنظام القائمة.
القاهرة: الجمعة 6 مارس 1987
اجتماع فى مقر الحزب الحاكم. كان عبدالقادر حاتم، الذى كان أحد طلابى ثم أصبح وزيرا، على رأس قائمة المرشحين للانتخابات عن الحزب الحاكم، يليه اسم أحد أعضاء الحزب لقائمة العمال، ثم كان اسمى الثالث على القائمة. لم يكتم المرشح السابع والأخير غضبه، فانفجر قائلا: »لماذا وضعتمونى فى نهاية القائمة؟ يجب على النحل أن يعمل من أجل الملكة التى لا تفعل شيئا«.
قام عبدالقادر حاتم بتهدئة زميلنا قائلا له: »كلنا نعمل من أجل خدمة الوطن، وسيعاون بعضنا البعض وسنفوز كلنا«.
القاهرة: السبت 14 مارس 1987
بداية حملتى الانتخابية فى دائرة الأزبكية مع عبدالقادر حاتم. على من يريد أن يترشح للانتخابات فى مصر أن يعرف ماذا يفعل، يجب عليك أن تستمع إلى من يمدحونك بدون أن يبدو عليك الخجل من تلقى المديح، وأن تعرف كيف تتحدث ببساطة عن قضايا مختلفة، كما يجب أن تصافح الأيدى الممدودة وتصافح وتصافح. ابتسم. استخدم تعبير »إن شاء الله«.
أخطر صراع
القاهرة : الأحد 15 مارس 1987
زيارة لثلاث كنائس فى حى الفجالة حيث توجد أغلبية قبطية للحصول على تأييد شركائى فى الدين.
بعد الظهر، محاضرة فى الكلية الحربية عن »الصراعات فى الشرق الأوسط«، سألنى ضابط شاب: »ما هو أخطر صراع على أمننا القومى؟«
»هو الصراع الذى يعيث فسادا فى جنوب السودان لأنه خطر على مياه النيل، مصدر الحياة لمصر«.
إن الصراع العربى الإسرائيلى واستقلال فلسطين يسيطران على ذهن الجيل الجديد الذى أهمل السودان الذى كان يوصف فى اتفاقية سنة 1899 أنه السودان الإنجليزى المصرى، هذا الجدل بين النيل والقدس الذى استحال إلى هوس لدى البعض يصيبنى بالقلق والغضب الشديدين.
القاهرة: الخميس 26 مارس 1987
المعركة الانتخابية تحتدم. تم إقامة سرادق كبير فى حى السكاكينى، حضر أكثر من ألف شخص، وألقيت الخطب الواحدة تلو الأخرى، هاجمت »حزب الوفد« وسكرتيره العام، فؤاد باشا سراج الدين، وخلال الخطبة كنت أردد دوما شعارات مدوية مثل: »عاشت الوحدة الوطنية«، »عاشت مصر«، وكانت هذه الشعارات تقابل بتصفيق جماعى فى التجمعات الدعائية. إن من يقوم بحملة انتخابية عليه أن يهتف دوما بقوة بشعارات تلهب المشاعر، ويجب عليه تماما تجنب التحليلات الأكاديمية أيا كانت الظروف.
القاهرة: زيارة لكنيسة »حارة السقايين«. أطلعنى الكاهن على سجل حسابات قديم يغطى الفترة ما بين سنتى 1895 و1905. فى الجزء المخصص للمتبرعين الكرماء، وجدت اسم جدى لأمى، ميخائيل شاروبيم، وجدى لأبى، بطرس غالى باشا. التزمت بالحفاظ على تراث العائلة فى تقديم تبرعات سخية، وطالبت الكاهن بأن يدعو المصلين لإعطائى أصواتهم فى الانتخابات.
القاهرة: 31 مارس 1987
فى الصباح الباكر، جولة انتخابية فى شارع إبراهيم باشا، الذى أصبح شارع الجمهورية فى المنطقة الواقعة بين ميدان، محطة مصر، ومستشفى صيدناوى، الذى يعرف الآن بمستشفى التأمين الصحى. دخلت كل الدكاكين لكى أصافح التجار بينما كان أعضاء حملتى يرددون الشعارات والهتافات.
عدت إلى وزارة الخارجية بعد ثلاث ساعات حيث كان ينتظرنى 40 من كبار الضباط السودانيين. قلت لهم معاتبا: »إن التعليم الذى نتلقاه أثر علينا بصورة سلبية فأصبحنا نحن المصريين نميل للنظر شمالا بدلا من النظر جنوبا، وأهملنا إخواننا السودانيين. بينما أنتم السودانيين أهملتم الجنوب حيث يوجد أولاد عمومتنا الأوغنديون والإثيوبيون والتشاديون. وفى الوقت نفسه، أهملتم الشمال حيث يوجد إخوانكم المصريون«.
بعد الظهر، جولة انتخابية جديدة على أطراف جراج كبير قريب من جريدة الأهرام، المعروف بساحة انتظار موقف الترجمان. كنت أريد وضع إحدى لافتاتى الانتخابية فى مدخل الجراج لكى أجذب أنظار سائقى الحافلات، لكن خصومى كانوا يقومون بانتزاعها فى كل مرة. اتفق عدلى سائقى مع حارس الجراج بأن يقوم بوضع لافتة جديدة كلما انتزع أحدهم اللافتة القديمة على أن يحصل على مبلغ مالى نظير هذه المهمة.
فى مقهى إخوانى
القاهرة: الأربعاء الأول من إبريل 1987
تعرضت لموقف كان سيؤدى لعواقب وخيمة. كنت أتهيأ لدخول قهوة برفقة فريقى الانتخابى، فهمس أحدهم فى أذنى قائلا: »يجب أن تغادر هذه القهوة فورا، لقد أخطأنا: إنها قهوة يرتادها الإخوان المسلمون«. بالقطع لن أتراجع. دخلت القهوة ببساطة، لكننى قوبلت بصمت بارد. ربتُّ على كتف القهوجى قائلا بلهجة مرحة: »آمل أن تعطينى صوتك«. ثم انسحبت بوقار بينما كان المساعدون يتنفسون الصعداء لأنهم كانوا فى غاية القلق من نتائج هذا الخطأ الذى لا يستهان به والذى وقعنا فيه.
القاهرة:الاثنين 6 إبريل 1987
عشاء فى السفارة البريطانية. أثناء تناول العشاء، جلست عن يمينى فيرجينيا أوبريجون سفيرة كولومبيا، وعن يسارى جلست سفيرة بريطانيا، اتصلوا بى ليخبرونى بتقديرات النتائج الأولية للانتخابات: فاز الحزب الوطنى الديموقراطى بأغلبية كاسحة، يليه الإخوان المسلمين، وحزب الوفد. أفهمونى أن نجاحى مضمون.
القاهرة:الأربعاء 8 إبريل 1987
حضرت حفل استقبال أقامه السفير محمود مرتضى، على شرف السفير على ماهر، الذى عين سفيرا فى تونس. وفى المناسبة نفسها، احتفل بانتخابى نائبا فى البرلمان.
محاولة لاغتيال أبو باشا
جنيف: الخميس 7 مايو 1987
عرفت أن الإخوان المسلمين، حاولوا اغتيال وزير الداخلية، حسن أبو باشا. إن حكومتنا ليست ممسكة كيفما ينبغى بزمام الأمور، ولم تفهم أنه لا يمكن التعايش بسلام مع المتعصبين، وأن الخيار الوحيد أمامنا هو إقصاؤهم. إن اكتفاء الحكومة باتخاذ حلول جزئية ورفض مواجهة المتعصبين هى سياسات من شأنها تعريض مستقبل بلدنا للخطر.
جنيف: السبت 16 مايو 1987
مكالمة هاتفية مع حسن أبو باشا الذى يعالج فى ميونيخ. نبرة صوته غير واثقة ويبدو منهكا. تذكرت كل السياسيين الذين اغتالهم المتعصبون: جدى بطرس غالى باشا وأحمد ماهر باشا والنقراشى باشا والرئيس السادات.. القائمة طويلة.
القاهرة: الاثنين الأول من يونيو 1987
فى اجتماع مجلس الوزراء، أخبرنا وزير الداخلية أنه ينوى التركيز على شن مواجهة مع الإخوان المسلمين، بالتأكيد، وافقناه كلنا، ومع ذلك، ما يزال الوضع مقلقا.
سيدة مالاوى تزعج مبارك
القاهرة: الاثنين 23 نوفمبر 1987
فى الصباح، استقبل الرئيس مبارك السيدة الأولى لمالاوى على الرغم من الاعتراضات المتحفظة لبعض مستشاريه، وكما هو معمول به فى تقاليد بلادها جثت السيدة الأولى على ركبتيها أمامه، وزحفت نحوه لتسليمه رسالة الرئيس باندا. نظر إلىّ الرئيس مبارك منزعجا، فلقد نسيت أن أنبهه لهذا التقليد المتبع فى مالاوى عند تسليم الرسائل. ازداد قلق الرئيس بينما كانت السيدة الأولى تقترب منه وهى زاحفة على ركبتيها. تدخلت قائلا: »هذا من تقاليد مالاوى يا سيدى الرئيس، لا تقلق«.
بعد المقابلة، استدعانى الرئيس مبارك وقال لي: »تجعلنى أجرى مقابلات غريبة مع الرؤساء الأفارقة«.
»هذا كله من أجل توطيد زعامتك وزعامة مصر فى أفريقيا يا سيادة الرئيس....«.
«القات» ضمن ركاب الطائرة
أديس أبابا جيبوتى:الأربعاء 2 ديسمبر 1987
لدهشتنا الشديدة، كانت مقاعد الطائرة خالية تماما وكنا نحن الركاب الوحيدون. وعندما هبطت الطائرة فى مدينة ديرى دوا فى منتصف المسافة بين أديس أبابا وجيبوتى، تمكنا من فهم حقيقة الأمر، فعلى كل مقعد خال، كانت توجد لفافة من نبات القات المخدر. ولكى يحتفظ القات بكل مذاقه، يجب نقله فى درجة حرارة خاصة لا تتوفر إلا بوجود الهواء المكيف. وتشتهر منطقة ديرى دوا بزراعة أفضل أنواع القات. وعندما وصلنا إلى جيبوتى وجدت حشدا متجمعا أسفل سلم الطائرة. ولأول وهلة، تصورت أن الجماهير جاءت لاستقبالى فشعرت بالنشوة تغمرنى من الأهمية التى بدا لى أن هذه الحشود توليها إلى شخصى. لكن هذا الحشد لم يحضر للمطار سوى بسبب وجود لفات القات على الطائرة. لقد كانوا كلهم من التجار الذين جاءوا لاستلام هذه الشحنة الثمينة.
مع الصادق امهدى
الخرطوم القاهرة:الخميس 31 ديسمبر 1987
الإفطار مع الصادق المهدى. رجل ذكى ومثقف لكنه متردد. ثم قابلت الميرغنى. لم أخرج بنتيجة إيجابية من هذين اللقاءين. عدت للقاهرة. باختصار، كانت هذه الجولة بلا طائل. وفى الواقع، لم يكن أحد يتوقع أية نتيجة فورية، لكن الهدف كان جعل الحكام يدركون خطورة الوضع، وإعلامهم بأن مصر مستعدة للتدخل لحل المشكلة.
السودان ينقسم إلى شمال يجمع بين أصحاب الأصول النوبية والمسلمين الأصوليين، وجنوب مكون من قبائل أفريقية مختلفة، بعضها يدين بديانة أفريقية والأخرى تدين بالمسيحية. وهذا الوضع أكثر تعقيدا بكثير مما يبدو عليه للوهلة الأولى. أما المثقفون الذين يدافعون عن وحدة السودان، أى الدولة المدنية بكل أبناء السودان، فهم قلة قليلة ولا وزن يذكر لهم على الساحة السياسية.
لقد كنت آمل دائما فى قيام وحدة بين السودان ومصر، وحدة تسمح بتجاوز الشرخ الموجود بين شمال السودان وجنوبه.
لو كانت مصر اهتمت اهتماما خاصا بالجنوبيين فيما يتعلق بتقديم منح لهم فى جامعاتنا، وبإنشاء مستشفيات، وما إلى ذلك فلربما ساهم هذا الوجود المصرى فى الحفاظ على وحدة السودان. لكن اهتمام المسئولين المصريين بالمأساة الفلسطينية، والتركيز على العلاقات مع أوروبا قد أديا بنا إلى تهميش السودان ومشكلاته حيث احتلت المشاكل التى تقع على نهر الأردن مكانة تلك الواقعة على نهر النيل بالنسبة لاهتماماتنا الدبلوماسية. هذا المساء، أقضى ليلة رأس السنة الجديدة، وأنا حزين لأن »ليا« (زوجته) ترقد فى الفراش مريضة بالالتهاب الرئوى، ولأننى واثق من أننا خسرنا السودان الموحد.. وأننا قد ساهمنا فى تفتيته.
القاهرة: السبت 2 يناير 1988
قدمت تقريرا للرئيس مبارك عن مهمتى فى السودان. الرئيس متفق معى على أنه كان يجب علينا إعطاء المزيد من الوقت والجهد والأفكار لحل المشاكل السودانية. لكن يبدو أن الرئيس يثق فى تعامل أجهزة المخابرات مع هذا الملف أكثر من ثقته فى التعامل الدبلوماسى معها. على الرغم من إصرارى مازال الرئيس رافضا لأن يترشح لرئاسة منظمة الوحدة الأفريقية فى القمة المقبلة. سألته: »إذن، هل سنستعد لسنة 1989؟«.
»لا أحب الالتزام بوعود تربطنى فى المستقبل القريب أو المستقبل البعيد«.
لا يبدو لى أن هذا الموقف هو تعبير عن التردد أو تراجع عن التزامات وطنية، ولكنه يبدو لى معبرا عن خليط من الحذر التلقائى والقدرة على الحدس لما يقدر عليه المرء وما يحب الحصول عليه.
القاهرة: الجمعة 5 فبراير 1988
كان هيرمان آيلتس سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية فى القاهرة، وشارك فى مباحثات كامب ديفيد. لامنى آيلتس لأننى أضيع وقتى فى أفريقيا، فى حين أن مشكلة الشرق الأوسط تستحق أن أوليها كل اهتمامى.
مبارك وحرب السودان
القاهرة: الاثنين 29 فبراير 1988
تحدثت مع الرئيس مبارك حول النقاط الأساسية لمهمتى فى أديس أبابا. يبدو أنه اتخذ قرارا بمساعدة الخرطوم فى الحرب ضد الجنوبيين. أما أنا، فاننى أؤيد اتخاذ موقف محايد تماما بين الطرفين مع المساهمة فى حل الصراع. إن إثيوبيا وأوغندا وكينيا، بل والدول الأفريقية كلها، تؤيد الجنوبيين. فإذا ساعدنا الخرطوم، فاننا سنخاطر بإثارة عداء هذه الدول كلها ضدنا.
استمع الرئيس إلى ما قلته بدون أن يعلق. يبدو أنه قد اتخذ قراره هذا بناء على معلومات قدمتها له أجهزة المخابرات. إن أجهزة المخابرات تعمل بالفعل على الأرض فى السودان، ولكنها لا تستوعب كافة تفاصيل الصراع هناك. ومن المؤكد أن الدعم الذى ستقدمه مصر للخرطوم سيكون دعما سريا، لكن الخطأ سيكون قد وقع بالفعل فور تقديمه، لان فى مثل هذه الصراعات، لا توجد أسرار. علينا أن نسعى للتوفيق بين وجهتى نطر طرفى النزاع، والمصالحة بينهما، وكسب ثقتهما والتفاوض ثم التفاوض باستمرار لتجنب وقوع مواجهات عسكرية.
القاهرة: الثلاثاء 15 مارس 1988
كلفت بأداء مهمة حساسة لدى، فيرجينيا أوبريجون، سفيرة كولومبيا حيث طلبت منها سحب أحد معاونيها من مصر لأنه يدعو إلى اعتناق الديانة البوذية، وهو الأمر الذى يتعارض مع القوانين المصرية. إن مصر لا تعترف إلا بالأديان السماوية الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام فقط.
هذه المواقف تبدو لى عبثية كما تجعلنى أشعر أننا لانزال نعيش فى القرون الوسطى. إن أكثر من نصف سكان العالم يعتنقون ديانات أخرى ويمارسون طقوسها. ومع ذلك، فقط طلبت سحب هذا الدبلوماسى البوذى.
أديس أبابا: الأربعاء 25 مايو 1988
الاحتفال بمرور 25 سنة على إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية. أزحنا الستار عن تمثال، وزرعنا أشجارا، وذلك كله فى إطار سلسلة لا تنتهى من الخطب الحماسية الرنانة. على كل حال، فإن مجرد النجاح سنويا فى حشد 40 رئيس دولة من الدول النامية والتى تواجه بكافة أنواع المشاكل يعتبر مكسبا عظيما.
فى الساعة التاسعة مساء، ذهب الرئيس مبارك لغرفته. فوجئنا بزيارة غير متوقعة من ياسر عرفات وجمال الصورانى للرئيس. الرئيس مبارك وعرفات تبادلا الأحضان الأخوية والمشاعر الودية. اقترح عرفات طرح مبادرة دولية جديدة لدفع القضية الفلسطينية للأمام. إنه مقتنع بانتصار الشعب الفلسطينى. شاهد مبارك بصبر هذا الفيض من التفاؤل. تابعت هذا اللقاء دون أن أتكلم وإن كان هناك الكثير من الأسئلة بلا أجوبة واضحة تدور فى ذهنى حول ما طرح خلال هذا اللقاء.
أزمة مياه النيل
القاهرة: الأربعاء، 22 يونيو 1988
اجتماع فى رئاسة مجلس الوزراء للاتفاق على أفضل طريقة للتنسيق بين جهود مختلف الوزارات بخصوص ملف مياه النيل. رئيس الوزراء يؤيدنى، لكن بعض الوزراء، خصوصا وزير الرى، يعتقدون أن وزارة الخارجية لا ينبغى لها الاهتمام بمشكلة تقنية إلى هذا الحد. إنه مخطئ. فهناك عدة دول تستخدم مياه النيل، وهذه مشكلة سياسية فى المقام الأول وتتطلب نشاطا دبلوماسيا وتقنيا على المدى الطويل.
قابلت الأنبا باخوم فى مقر الوزارة. اشتكى من إغلاق كنيسة قبطية فى سوهاج. إن مشكلة بناء الكنائس أو حتى ترميمها ما تزال تسمم العلاقات بين الأقباط والمسلمين، وذلك بسبب التنافس البدائى بين الفلاحين، فإذا بنى الأقباط فى إحدى القرى كنيسة، يجد المسلمون أنفسهم كما لو كانوا مطالبين بالعمل فورا لبناء مسجد، بل ربما يشعرون أن عليهم أن يجعلوا مئذنة هذا المسجد أعلى من برج أجراس الكنيسة.
فى الوقت نفسه فإن الشرطة وأجهزة وزارة الداخلية تعارض بصورة تكاد تكون تلقائية بناء الكنائس، ليس من منطلق دينى بالذات بل لأسباب أمنية حيث إن أجهزة الأمن عادة ما ترى أن وجود كنيسة فى قرية ما سيزيد من أعباء رجال الشرطة الذين سيضطرون غالبا لحراستها ضد أى هجوم محتمل قد يشنه عليها المتعصبون، وما قد يعقب ذلك من خلافات محتملة بين الأقباط والمسلمين، تضطر الشرطة للتعامل معها.
القاهرة: الجمعة، 16 سبتمبر 1988
مثل كل أعضاء وزارة الخارجية، أنتظر بفارغ الصبر والقلق نتيجة قرار لجنة التحكيم الخاص بطابا، بل إننى قضيت جزءا من الصباح أعد فيه خطبة عندما تفوز مصر فى التحكيم.
روما: الاثنين 19 سبتمبر 1988
تأخر صدور قرار التحكيم فتزايد قلقى. حديث مع الرئيس جوليو آندريوتى بخصوص يوغوسلافيا وفلسطين وصندوق النقد الدولى. إن هذا الرجل يتمتع بذكاء لافت ودراية كاملة بتفاصيل الملفات! كنت قد أعددت مذكرات مكتوبة كنت أراجعها من وقت لآخر أثناء حديثى معه، لكن جوليو آندريوتى لم ينظر إلى أى ملف أمامه، لم يحتج لمراجعة أى ورقة مكتوبة فما كان يشير إليه من أرقام ومعلومات.
القاهرة: الخميس 29 سبتمبر 1988
عند عودتنا للقاهرة، علمنا بالخبر السعيد: جاءت نتيجة التحكيم لصالح مصر.
وحسب ترسيم خط الحدود، فإن الأرض التى بنى الإسرائيليون فندقهم عليها هى جزء من الأراضى المصرية.
تلقيت مكالمات هاتفية من صحفيين من إسرائيل يسألونني:
»ما هو تعليقكم بخصوص الفوز المصرى فى موضوع طابا«؟.
»لا يوجد لا فائز ولا مهزوم لأن الفائز الحقيقى هو القانون الدولى وتوطيد علاقات السلام بين مصر وإسرائيل«.
عن «الشروق» المصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.