لم تكن الدارالبيضاء مدينة حزينة مثلما هي عليه اليوم. مدينة ممزقة و متلفة. كأنها ثوب كبير و ممتد كان أبيض اللون، و أصبح على هذه الحال: وسخا و قذرا تنشّف فيه الأيدي و الأرجل. من فعل هذا بالدارالبيضاء؟ من رمى أكوام الأزبال على قارعة الطرقات؟ من أتلف الأرصفة؟ من و ضع هذه الحفر في الشوارع؟ من استدعى هذا الجيش من العاطلين و عديمي المواهب و الهاربين من قيظ البوادي و الأطراف و الأكواخ لفعل هذه الأعمال الشنيعة في مدينة كانت ستكون مدينة عالمية؟ من؟ من؟ السيارات تسير بسرعة جنونية، العربات الوسخة تمشي في الاتجاهات المعاكسة، الإشارات الضوئية أغلبها يعمل حينا و يتعطل حينا آخر، اللصوص في الشوارع الرئيسية كما في المحطة المخيفة «أولاد زيان»، التي أصبحت قلعة مرعبة لكل عديم الأخلاق و أصحاب السوابق، الأسواق العشوائية تقام بين ليلة و ضحاها ولا من ينبّه أو يردع أو يعيد النظام. من له المصلحة في انتشار هذه الفوضى؟ من هم المجرمون الذين يتفرجون على هذه الكارثة التي تحدث و تتطور و تتسع؟ المسؤولون هم أولئك الذين ولدوا بقطعة حديد محل القلب، همهم جمع المال و الثروة على حساب الوطن. الدارالبيضاء أصبحت مدينة هشة بسبب حفنة أشخاص لامبالين رغم أن مسؤولياتهم تفرض عليهم اليقظة و صفاء الضمير و بياض القلب. هؤلاء هم من تفرجوا على الدارالبيضاء و هي تتحول إلى الدار السوداء، أو «كازا نيكرا» حسب نور الدين لخماري. مدينة تشبه متاهة جحيمية، هدمت مسارحها، و أفرغت قاعاتها السينمائية، و اتسخت شوارعها و جالت فيها الجريمة بكل أنواعها و صالت. و اكتوت فيها دور الصفيح، و الجهل و المجرمون و العصابات و المخدرات. مدينة تبهت، تتهدم، تنهار. ماذا لو سلمت هذه المدينة العظيمة إلى أياد نظيفة؟ ماذا لو حملناها ووضعناها في دولة اوروبية؟ هل كان حالها سيكون هو هذا؟ مدينة غنية وفقيرة؛ هذه هي الخلاصة و الدرس و النتيجة: سرقة المال و الاغتناء على حساب الساكنة، هذا ما جعل الدارالبيضاء هكذا. و قد كتبت الصحافة الشيء الكثير عن هذا الوضع البيضاوي المأساوي. و رفعت قضايا إلى المحاكم ضد المسؤولون عنها. و نظمت وقفات احتجاجية. و توقف السير العادي للجموع العامة لمجلس المدينة. و لا أحد تنبّه للأمر، للكارثة. اللامبالاة هي السيدة القوية. القلوب المعدنية التي تبيع البلاد و العباد في واضحة النهار. مدينة بحجم بلد تنهار و تتقهقر، و لا أحد اهتم، ولاضمير استيقظ، و لا صوت نهض من صمت الغباء و البلادة وقال كفى تدميرا لأجمل و أكبر و أعظم مدينة مغربية. لكن اليوم، بعد الناقوس الذي دقه الملك، لابد من الرجوع إلى ملفات الخيانات المتكررة. لابد من التدقيق و المراجعة، لابد من تغيير الأمر و القضية و الأشخاص. فهذه المدينة أيها المنشغل بجمع الثروة، هي مدينة مغربية و فرسية و عربية و إسلامية، مدينة متعددة، فيها أكبر عدد من رجال و نساء الأعمال، و أكبر عدد من الأدباء و الشعراء و المفكرين و الفنانين السينمائيين و التشكيليين. مدينة حصتها هي الأكبر من كل شيء. لكن لماذا هي صغيرة و ضئيلة وغير مؤثرة إلى هذا الحد؟ لابد من سماع هذه الجملة لأديب إيطاليا الكبير «لامبيدوزا»: «لابد من التغيير ليبقى كل شيء على حاله».