أجمع أكاديميون، وسياسيون، وباحثون وأصدقاء للراحل واصف منصور على أن هذا الرجل الفلسطيني المغربي قد أسكن القضية الفلسطينية في قلبه ووجدانه وكيانه كانت تلازمه ولا تفارقه أين ما حل وارتحل، في كل الفضاءات الجغرافية والمجالات الفكرية، والتاريخية والسياسية، لقد كان متعدد الإبعاد الإنسانية والأخلاقية والنضالية والسياسية والعربية والإسلامية. واعتبروا هؤلاء، في ندوة تكريمية نظمتها الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني مساء أمس بالمكتبة الوطنية بالرباط، على أن الرجل كان حاملا للقضية الفلسطينية طيلة حياته مناوئا لكل النزعات الانفصالية التي عرفتها القضية الفلسطينية، حيث كل مؤلفاته الفكرية كانت منصبة على القضية وحول مسارها النضالي والسياسي وتحدياتها وآفاقها الوطنية والدولية. وفي قراءة لكتابه حول «المجتمع المدني الضرورات التحديات والمحاذير» التي قدمها المفكر والفيلسوف محمد سبيلا بالمناسبة، أكد على أن واصف منصور قد حرص طيلة حياته ومسيرته النضالية على المزاوجة في الموقف بين البعد النظري والمجال العملي في نشاطاته، حيث ارتبط ارتباطا وثيقا بالمجتمع المدني وهيئاته كنوادي الأحياء وجمعيات الشباب والعمل التطوعي والنقابي والسياسي، وكان قارئا ومتتبعا جيدا لما يكتب عن المجتمع المدني بهدف تطويره وتنميته. لقد كان الراحل يميز بين المجتمع المدني والمجتمع الأهلي، ويعتبر أن الأول امتدادا عصريا للثاني، ويتطلب المجتمع المدني شروطا حيث لابد من ارتباطه بالدولة الحديثة، وكذلك أن تكون الديمقراطية داخله كمناخ للفعل والعمل ليؤدي وظائفه على أحسن ما يرام، كما كان يؤمن أن المجتمع المدني يقوم بأدوار توازنية في الحياة ويمارس نوعا من الرقابة الاجتماعية رغم العلاقات الفاترة بين الدولة والمجتمع المدني في الوطن العربي. ويقول سبيلا، كان واصف يفرق جيدا بين ما اسماه بالإسلام العميق والإسلام التفاخري والتظاهري، لذلك كان بالنسبة إليه لابد من استقلالية ذاتية للمجتمع المدني لكي يؤدي مهامه بعيدا عن الديماغوجيات وما يجب أن يحكمه هو قيم الديمقراطية والمواطنة الحقة، والاستقلالية. أما بالنسبة للمفكر والجامعي عبد الإله بلقزيز، الذي قال في حق الراحل بنفس المناسبة التي حضرها أصدقاء الراحل وعائلته الصغيرة ونخب ثقافية وسياسية وجمعوية مغربية وعربية، «لقد كنت خير مدافع شريف عن قضية شريفة، كنت عنوانا لها ورمزا لأنك من طينة الرجال الذين لا يجود الزمان بأمثالهم، ولأنك القدوة والمثال في كل شيء في النضال وفي التضحية والوفاء والصدق والمروءة والتسامح، مدرسة أنت في رجل، منظومة في القيم الرفيعة تمشي على قدمين، كنت شفافا كالبلور وأمينا كالمرآة المصقولة». كما قدم بلقزيز قراءة في كتاب للرحل واصف حول «بين الإرهاب والعولمة أي مستقبل» الذي صدر له سنة 2013 عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر، وأشار بلقزيز إلى أن الراحل ظل مهجوسا بالإرهاب ومهجوسا كذلك بالرد على الاسرائيليين الذين كانوا يصنفون أنفسهم في حلف محاربي الإرهاب ويلصقون التهمة أن المقاومة الفلسطينية إرهابية. ويشدد بلقزيز على أنه بالرغم من أن الهاجس المتحكم في كتابته لهذا الكتاب كان هاجسا سياسيا، فإنه لم يكن يغيب فيه الجانب المعرفي، حيث أسعفت معرفة وثقافة الراحل الحقوقية والقانونية والسياسية للرجوع إلى مرجعيات دولية في القانون والسياسة لدراسة الظاهرتين الإرهاب والعولمة والعلاقة فيما بينهما. وكان يعتبر واصف أن من هم في حكم الارهابين هم من اغتصبوا حق الفلسطيني في أرضه ومن غزوا العراق وافغانستان ناهيك عن الجماعات المتطرفة التي أخطأت الطريق وأساءت إلى الإسلام. أما بالنسبة للجامعي كمال عبد اللطيف، فقدم هو الآخر قراءة في كتاب للراحل «بعض مني» الذي صدر عن دار النشر المغربية سنة 2012 ، هذا الكتاب الذي عبارة عن محكيات تتعلق بسيرته الذاتية التي يتحدث فيها عن رحلة لجوئه من حيفا سنة 1964 إلى الرباط، حيث يقول كمال لقد قرأت الكتاب قبل نشره، حيث ناولني المرحوم الكتاب من أجل إبداء وجهة نظري فيه وطلبت منه تغيير العنوان الذي كان في الأصل «رحلة لجوء من حيفا إلى الرباط محكيات»، ليختار واصف منصور عنوان آخر «بعض مني». وقدم كمال شهادة في حق الفقيد، حيث قال :لقد كان من الناس القلائل الذي يعرف جيدا طعم الكلمات، وكان يحمل الكثير من القصائد الجميلة، وله قدرة كبيرة على استظهارها، وكان حين يغتبط يصبح طفلا ويصبح كذلك شاعرا رقيقا، كما لا ننسى حضوره القوي في المشهد الإعلامي وعلاقات الواسعة من النسيج الجمعوي والمشهد الحزبي المغربي والعربي. وكما كانت هذه الندوة مناسبة ليقدم الحبيب الطالب شهادة في حق الفقيد، حيث اعتبر أن هذا الاحتفاء هو احتفاء بالقضية التي ضحى من أجلها الفقيد وتذكر الطالب أول لقاء كان له مع واصف خلال انعقاد المؤتمر الوطني العاشر لطلبة المغرب، حيث كان يمثل طالب طلبة المغرب في دمشق وواصف طلبة الاتحاد العام لطلبة فلسطين، وكيف استمرت المسيرة النضالية فيما بينها حول القضية الفلسطينية والفعل السياسي تجاه لقضايا العربية والقومية منذ ذلك الحين إلى آخر لقاء به في حفل تكريم عالم الاجتماع والقيادي الاتحادي محمد كسوس. واعتبر فتح الله ولعلو في شهادة له عن الراحل، أنه بفضل واصف منصور ارتبطت القضية المغربية والقضية الفلسطينية لأنه بقدر ارتباطه العضوي بالنضال الفلسطيني كان كذلك مرتبطا بنضال المغاربة بالقضية الفلسطينية فكان بحق فلسطينيا ومغربيا في نفس الآن. وقال ابو مراوان السفير الفلسطيني السابق بالرباط «لقد اندمجت في جهود المغاربة لإنشاء الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني وأصبحت سكرتيرا لها وطفت المغرب طولا وعرضا من اجل إنشاء فروع لها كما أنك عملت مع عمالقة العمل الوطني في المغرب واستفدت من خبرتهم ونسقت جهودهم المخلصة من تجنيد الدعم المغربي للقضية الفلسطينية. وقال بنجلون اندلوسي رئيس الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني «كان واصف منصور مغربيا وفلسطينيا حتى النخاع وبقدر ما كان حريصا على استقلال فلسطين بكل صفاء بقدر ما كان مهووسا بقضايا الشعب المغربي ووحدته الترابية.