ودائع الأسر المغربية لدى البنوك تتجاوز 959 مليار درهم بنهاية أكتوبر 2025    من المخدرات إلى الجرائم الرقمية .. الأمن المغربي يكشف حصيلة سنة 2025    أخرباش : استدامة نجاعة التصدي للتضليل الإعلامي تتطلب تحركا عموميا منسقا    كأس العرب (قطر 2025)..المنتخب المغربي على مرمى حجر من معانقة لقبه الثاني عند مواجهة نظيره الأردني    مونديال 2026.. "فيفا" سيوزع 727 مليون دولار على المنتخبات المشاركة    سلامي: الأردن بحاجة للفوز بلقب كأس العرب أكثر من المغرب    الوكالة المغربية للأدوية تخطط لتعزيز الرقابة الاستباقية والتدقيق الداخلي لضمان استقرار السوق    مقاييس التساقطات الثلجية المسجلة بالمملكة    بتعاون أمني مغربي.. إسبانيا تُفكك شبكة لتهريب الحشيش وتوقيف 5 أشخاص بألميريا    أمطار رعدية وثلوج وطقس بارد من الأربعاء إلى السبت بعدد من مناطق المغرب    ترامب يعلن رسمياً تصنيف نوع من المخدرات "سلاح دمار شامل"    ارتفاع المخزون المائي بالعديد من السدود مع استمرار ضعف ملء سد الخطابي بالحسيمة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    فرحات مهني يكتب: الحق في تقرير مصير شعب القبائل    لماذا تراهن بكين على أبوظبي؟ الإمارات شريك الثقة في شرق أوسط يعاد تشكيله    الصين تسجل رقماً قياسياً في رحلات السكك الحديدية خلال 11 شهراً من 2025    انتخاب الاستاذ بدر الدين الإدريسي نائبا لرئيس الاتحاد العربي للصحافة الرياضية    السكتيوي: التتويج باللقب يبقى الأهم    ماجد شرقي يفوز بجائزة نوابغ العرب    حريق يسلب حياة الفنانة نيفين مندور    البنك الألماني للتنمية يقرض المغرب 450 مليون أورو لدعم مشاريع المناخ    هولندا.. توقيف شخص للاشتباه في التحضير لتنفيذ عمل إرهابي    الملك محمد السادس يبارك عيد بوتان    مطالب بتدخل أخنوش لإنقاذ حياة معطلين مضربين عن الطعام منذ شهر ونصف        تدخل ينقذ محاصرين بثلوج بني ملال    تشابي ألونسو يحذر من مفاجآت الكأس أمام تالافيرا    الحكم السويدي غلين المثير للجدل يدير نهائي كأس العرب بين المغرب والأردن    أكادير تحتضن الدورة العشرين لمهرجان تيميتار الدولي بمشاركة فنانين مغاربة وأجانب    وفاة الفنانة المصرية نيفين مندور عن 53 عاما إثر حريق داخل منزلها بالإسكندرية    مديرية التجهيز تتدخل لفتح عدد من المحاور الطرقية التي أغلقتها التساقطات الثلجية    "ترامواي الرباط سلا" يصلح الأعطاب    هجومان للمتمردين يقتلان 4 أمنيين كولومبيين    في حفل فني بالرباط.. السفيرة الكرواتية تشيد بالتعايش الديني بالمغرب    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن مقاطعة انتخابات ممثلي المهنيين في مجموعة صحية جهوية    الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط تدين عملية الهدم في حي المحيط والتهجير "القسري" للمهاجرين    توقعات أحوال الطقس لليوم الأربعاء    واشنطن توسّع حظر السفر ليشمل عددا من الدول بينها سوريا وفلسطين    تمارين في التخلي (1)    محكمة تلزم باريس سان جيرمان بدفع أكثر من 60 مليون يورو لمبابي    القضاء التجاري بالدار البيضاء يأمر بإرجاع المفصولين إلى العمل بفندق أفانتي وأداء أجورهم    الفدرالية المغربية لمقاولات الخدمات الصحية.. انتخاب رشدي طالب رئيسا ورضوان السملالي نائبا له    منفذ "اعتداء بونداي" يتهم بالإرهاب    خلف "الأبواب المغلقة" .. ترامب يتهم نتنياهو بإفشال السلام في غزة    "بنك المغرب" يراجع فوائد القروض ويحضّر لتغيير طريقة التحكم في الأسعار ابتداء من 2026    إسبانيا تعتمد مسيّرة بحرية متطورة لتعزيز مراقبة مضيق جبل طارق    الدوزي ينسحب من أغنية كأس إفريقيا    تماثل للشفاء    مركب نباتي يفتح آفاق علاج "الأكزيما العصبية"    التحكم في السكر يقلل خطر الوفاة القلبية    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سلالة إنفلونزا جديدة تثير القلق عالميا والمغرب يرفع درجة اليقظة    المغرب: خبير صحي يحدّر من موسم قاسٍ للإنفلونزا مع انتشار متحوّر جديد عالمياً    "الأنفلونزا الخارقة".. سلالة جديدة تنتشر بسرعة في المغرب بأعراض أشد وتحذيرات صحية    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروعي المسرحي أصبح حبيس أدراج سلطة القرار السياسي

قال المخرج العراقي عزيز خيون في لقاء أجريناه معه بالقاهرة على هامش الدورة الثانية عشر للمهرجان العربي للهواة أن وضع المثقف العربي عامة والعراقي خاصة يدعونا الى وضع التساؤل من بوابة الواقع المرير: «ماذا يستطيع هذا المثقف أن يفعل في وضع علت فيه سلطة المسدس والدبابة و الكلاشنكوف وكل أسلحة الدمار الخالقة لمشهد الدم والقبح أمام إشراقات الإبداع والفن والجمال؟ مضيفا أن السؤال لن يدفع إلا للاشتغال مرة أخرى في النضال بالكتابة والتواصل من فضاءات الإبداع نحو العقول لمحاربة الظلام والانخراط الفعلي في التنظيمات الوطنية التقدمية اليسارية والعلمانية دفاعا عن دولة المؤسسات ودولة الحق والقانون من أجل حماية القيم الإنسانية والأوطان العربية المعرضة للتفتيت والإلغاء وضرب السيادة لصالح الأنظمة العالمية المتوحشة التي برعت في استنزاف خيرات وطاقات أوطاننا. فالعراق لا يمكن أن يكون إلا بلدا علمانيا محترما للتعدد الديني والفكري والذهبي والطائفي وهذا هو المنطلق الفعلي لكل التشكيلات عبر العصور، علما أن العراق كان دائما متعددا ومختلفا وقوته كامنة في هذا الطيف الملون، والخلاف في العراق لم يكن أبدا طائفيا أو دينيا، بل كان سياسيا ومسؤولا. لهذا فالإسلام السياسي عنصر دخيل على ثقافة العراق، بل عنصرا مستوردا لتطبيق المسلسل الذي أشرنا عليه في إنعاش دائرة الفوضى الخلاقة. إن ما نراه اليوم من دولة « داعش» في تلوينها الإسلامي مع كل العناصر الأخرى في الاسلام السياسي هي ليست نابعة من تربة هذا العراق. ولهذا فإنه لا مناص من النضال من أجل المشروع الوطني القومي الذي سينقض العراق من هذه الأزمة البالغة التعقيد، وأملنا أن يتحقق الاستقرار في العراق ضمن هذا المشروع. و أضاف المخرج العراقي خيون الذي أجرينا معه هذا الحوار في القاهرة على هامش الدورة 12 للمسرح العربي للهواة، أنه على يقين أن العراقيين سينجحون في ذلك نصرة للوطن وقيم المواطنة وطي صفحة الماضي ترسيخا لقيم التسامح والتضامن والتآزر من أجل عراق واحد وموحد.
} أستاذ عزيز خيون نغتنم فرصة اللقاء بكم على هامش الدورة الثانية عشر للمسرح العربي للهواة لنسألكم عن تحليلكم للوضع في دول ما يسمى الربيع العربي؟
شخصيا أنا مع المتغير و الجديد، و هكذا كان الوجود، والإنسان الذي يطمح باتجاه الأفضل والأحسن من أجل تلبية حاجاته في المأكل والملبس والحرية والأمن والسلام. فالمتغير عندما ينتزع مني هذه الأمور ويقدم لي الموت اليومي في تدمير البنى التحتية وإشاعة الرعب والقلق في قلوب وبيوت الناس هنا يقفز طائر الشك، وأصبح في قلق دائم، لأتساءل عن الأفضل في هذا الوجود. هذا من جهة ، ومن جهة الأخرى عندما يكون التغيير مطلبا بدوافع أمريكية ، بمعنى أنها تصفق له و تباركه، فهذا يدل دلالة واضحة على أن هذا التغيير هو خاضع لسيناريوهات بعيدة كل البعد عما يشغلنا في عملية التطوير والبناء وإنجاز المطلب الديمقراطي في الحقوق والواجبات. وهذا ما أثبتته الوقائع عندما كانت الأنظمة تتهاوى بشكل متسارع كلعبة الدومينو، علما أنني شخصيا كنت سعيدا بهذا المشهد المتهاوي ظنا مني أننا انتقلنا إلى تحقيق مطلبنا الديمقراطي وأننا طوينا صفحة رتيبة وساكنة باتجاه تحقيق مشروعنا الوطني القومي و الإنساني، لكن هذا الحلم لم يتجل باستمرار استرسال الأحداث السلبية في منطقتنا على الخصوص، حيث صار الشعب والنخبة في حنين للماضي الذي طالما انتقدناه و سميناه بالممارسات الدكتاتورية ضد المطالب الشعبية العدالة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. ومن هذا المنطلق أعتقد أن المشهد واحد في المحيط الإقليمي والجهوي، حيث عدنا بدرجة أكثر تعقيدا إلى محطة الانتظار القديمة وكأننا لم نقدم أي تضحيات في الأرواح والممتلكات والحياة بصفة عامة قربانا للحظات الحرية التي كنا نحلم بها ونسعى لها بمختلف أوجه نضالنا. وأضاف خيون « العراق لا يمكن أن يكون إلا بلدا علمانيا محترما للتعدد الديني والفكري والمذهبي والطائفي، وهذا هو المنطلق الفعلي لكل التشكيلات عبر العصور، علما بأن العراق كان دائما متعددا ومختلفا وقوته كامنة في هذا الطيف الملون، والخلاف في العراق لم يكن أبدا طائفيا أو دينيا، بل كان سياسيا مسؤولا. لهذا فالإسلام السياسي عنصر دخيل على ثقافة العراق، بل عنصرا مستوردا لتطبيق المسلسل الذي أشرنا إليه في إنعاش دائرة الفوضى الخلاقة.
إن مانراه اليوم من دولة « داعش» في تلوينها الاسلامي مع كل العناصر الأخرى في الاسلام السياسي هي ليست نابعة من تربة هذا العراق، وبالتالي لم تنجح في تقديم مشروع واضح يساعد في تخليص بلد العراق مما كابده ويكابده. ولهذا فإنه لا مناص من النضال من أجل المشروع الوطني القومي الذي سينقض العراق من هذه الأزمة البالغة التعقيد، وأملنا أن يتحقق الاستقرار في العراق ضمن هذا المشروع، وأنا على يقين أننا سننجح كعراقيين في ذلك نصرة للوطن وقيم المواطنة وطي صفحة الماضي ترسيخا لقيم التسامح والتضامن والتآزر من أجل عراق واحد وموحد.
} يرى المراقبون أن العراق تختلف عن كل الساحات وأن ما يسمى بالربيع عرف بأدوات أخرى اغتالها الحضور العسكري الأمريكي ليحولها ألى ساحة حرب لا يعرف مستقبلها؟
أكاد أجزم أن الاشراقات الأولى لما سميناه الربيع العربي قد بدأت بالعراق من خلال الحراك الشعبي من أجل التغيير، ولكن دول القرار التي طالما تشدقت بالدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية هي نفسها من أجهضت هذه المنظومة على العراق وأبقت الحال على ما هو عليه، بل عملت على تراجع العراق إلى قرن من الزمن . ومن هذا المنطلق يتبين دون أوجه للشك أن دول القرار الغربي قد دافعت عن منظومتها الديمقراطية والحقوقية ليس خدمة لشعوب المنطقة العربية وباقي دول العالم الثالث، وإنما تعمل هذه المنظومة خدمة لشعوبها دفاعا منها على أن إنسان الجنوب ليس هو إنسان الشمال في غياب واضح لعنصر التكافؤ والمساواة بيننا وبينهم بدليل أنني منذ بوراق الوعي الأولي بالوجود كنت أسمع وأقرأ رسائل دول القرار باتجاه إعمار منطقتنا ومساعدة إنساننا في تحقيق الديمقراطية والتنمية والاستقرار، ولكن ذلك لم يتحقق، ومقابل ذلك تحققت أجندة الموت اليومي من بوابتها الواسعة في إهدار الطاقات البشرية والطبيعية خصوصا في بلد كالعراق الذي يعتبر من أغنى بلدان العالم، حيث يعوم على بحيرة من النفط انقلبت وبالا عليه وعلى الإنسان فيه.
} برزت داعش كملخص لمرحلة كاملة عانت فيها العراق من الطائفية العرقية و الدينية، ما قراءتكم لمشهد داعش الذي تصدر وسائل الاعلام العربية و الأجنبية؟
داعش هو الاسم الملخص لدولة العراق والشام الإسلامية، وهو هدية مسمومة أخرى من دول القرار اللاعبة في العراق و جواره، من أجل أن يظل المشروع الوطني العراقي معطلا، خدمة لتنفيذ حلقات السيناريو الذي وضع لبلادنا منذ أول وطأة للاستعمار الأجنبي لأرض العراق. فقد مرت 11 سنة وهذا السيناريو ينفذ تاركا وراءه خسارات لا حصر لها في الممتلكات و الأرواح، في غياب كامل لمنظمات المجتمع الدولي التي صدعت مسامعنا بالدفاع عن الإنسان وحقوقه.
إن المشهد العراقي الحالي يثير أكثر من علامات استفهام سواء عند النخبة أو عامة الشعب، فما نكاد نقفل صفحة دموية حتى نفتح آخرى في صورة أكثر تراجيدية يتعمد فيها الفاعل لمزيد من تأزيم الوضح وتأجيل كافة الحلول التي بإمكانها على الأقل أن تحقن دماء هذا الشعب من تفجيرات يومية أصبحت بالنسبة لنا مسلمات في كل صباح وكأنها هديا لأطفالنا وشيوخنا ونسائنا هؤلاء الذين اعتادوا على هذا المشهد الإجرامي ضد الانسان والإنسانية.
هذا المشهد يقابله جنون السلطة المحزم بالفساد الكبير في المؤسسات الرسمية وفي دوائر القرار الشخصي المحاط بغياب كامل للمحاسبة، كما غياب دولة المؤسسات التي كان من المفروض أن تلعب فيها المؤسسة القضائية دورا مسؤولا في الحد من الفساد كما الحد من المحسوبية والزبانية. ومن جانب آخر هناك استبعاد منظم ومحبوك من الطاقات الوطنية الشريفة والخلاقة التي بمقدورها أن تعمل على تحقيق التغيير في بلد في أشد حاجة الى أبنائه الشرفاء . هؤلاء الذين دفعوا قسرا إلى مغادرة الإدارات العراقية الداخلية مبعدين بالفعل من هذا الفضاء الحيوي والاستراتيجي في التغيير، بل هجر جانب آخر منهم إلى الخارج وهذه خسارة كبرى تضاف إلى سلسلة الخسارات الأخرى، علما بأن طاقاتنا التي كانت في بلدان فضلت عدم العودة أمام هذا الإقصاء الممنهج للطاقات الداخلية، مما لا يشجع على عودتها مرة أخرى إلى الوطن. إن هذا الوضع يؤشر على أن هناك لاعبين منظمين يسعون لتكريس هذا الواقع بنية مبيتة أن العراق ساحة للاحتراق لإضاءة مسلسل السيناريو المرسوم للمنطقة.
} من هذا المنطلق هل يمكن اعتبار صعود الإسلام السياسي إلى الواجهة السياسية معطى داخليا أم أجندة خارجية؟
إن الجواب عن هذا السؤال بخصوص الاسلام السياسي في العراق يتطلب منا معرفة من هذا العراق. إن العراق بلد الحضارات والنظم والقوانين وبلد الأبجدية، والحاضن الفعلي للعمل الثقافي ، بل الموجه له من رمزية بغداد الفكرية و الأدبية، إنها بغداد الحكمة والترجمة والفلسفة والفكر التنويري عبر العصور. إن هذه المعطيات التاريخية لا يمكنها أن تنهار أمام أجندة زمنية محددة في دول القرار، وبالتالي فالعراق لا يمكن أن يكون إلا بلدا علمانيا محترما للتعدد الديني والفكري والذهبي والطائفي، وهذا هو المنطلق الفعلي لكل التشكيلات عبر العصور، علما بأن العراق كان دائما متعددا ومختلفا وقوته كامنة في هذا الطيف الملون، والخلاف في العراق لم يكن أبدا طائفيا أو دينيا بل كان سياسيا و مسؤولا. لهذا فالإسلام السياسي عنصر دخيل على ثقافة العراق بل عنصر مستورد لتطبيق المسلسل الذي أشرنا إليه في إنعاش دائرة الفوضى الخلاقة. إن ما نراه اليوم من دولة « داعش» في تلوينها الاسلامي مع كل العناصر الأخرى في الاسلام السياسي هي ليست نابعة من تربة هذا العراق . ولهذا فإنه لا مناص من النضال من أجل المشروع الوطني القومي الذي سينقض العراق من هذه الأزمة البالغة التعقيد، وأملنا أن يتحقق الأستقرار في العراق ضمن هذا المشروع وأنا على يقين أننا سننجح كعراقيين في ذلك نصرة للوطن وقيم المواطنة وطي صفحة الماضي ترسيخا لقيم التسامح والتضامن والتآزر من أجل عراق واحد وموحد.
} أين هو المثقف العربي بصفة عامة والعراقي بصفة خاصة من هذا المشهد وما مسؤوليته اليوم؟
باعتقادي أن من دفع ضريبة الخسارات بشكل كبير هو هذا المثقف العربي الحالم بالديمقراطية وحرية التعبير وناضل لسنوات من أجل تحقيق ذلك سواء من خلال الابداع الشخصي أو إنخراطه السياسي. لقد عذب المثقف وشرد وسجن واستشهد، ومنعت أعماله الفكرية والثقافية ومورست عليه شتى أشكال التعذيب والحرمان جراء دفاعه عن القيم وعن المشروع الثقافي الإنساني المنفتح على المستقبل. هذا بصفة عامة، أما بخصوص المثقف العراقي وما عاناه وكابده قبل 2003 وبعد ذلك فهو يفوق الوصف من خلال شعوره بالإحباط سواء كان ذلك علنيا أو شعورا داخليا. إن كل هذه التضحيات التي قدمها المثقف العراقي من مختلف الأجناس التعبيرية والأدبية في الشعر والقصة والمسرح والرواية والتشكيل والموسيقى والأغنية إلى غير ذلك من الابداع الذي يميز العقل الخلاق لهذا البلد، لم تحقق حلمه في إنجاز مشروعه الوطني في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتناوب في السلطة ، وظلت كل أحلامه معلقة في الهواء، مؤجلة إلى زمن لا ندري أرقامه ولا لومه ولا نزوله على ارض الرافدين. لقد ظلم المثقف وحوصر بمعيشه اليومي إلى درجة حمل فيها كتبه إلى شارع المتنبي معلنا إفلاسه وعدم قدرته على معيشه اليومي الذي شكل عائقا فعليا لإستمراه في العطاء و الإبداع في وقت يتمتع فيه رجال السلطة بالعيش الباذخ، وكأن هناك نية مبيتة لتقزيم الفعل الثقافي ووضع المثقف في الدرجات الدنيا كي لا يسمو الفكر والثقافة فوق الأيادي الفاسدة التي تنتعش في غياب الفكر والوعي المؤديان حتما الى الرفض والاحتجاج والتمرد باعتبارهما الحلقة الأصعب في إزعاج الحاكم.
إن هذا المشهد في وضع المثقف العربي عامة والعراقي خاصة يدعونا الى وضع التساؤل من بوابة واقعهما المرير ماذا يستطيع هذا المثقف أن يفعل في وضع علت فيه سلطة المسدس والدبابة و الكلاشنكوف وكل أسلحة الدمار الخالقة لمشهد الدم والقبح أمام إشراقات الإبداع والفن والجمال ؟
سؤال يجيب عن نفسه لكنه سؤال لن يدفع إلا للاشتغال مرة أخرى في النضال بالكتابة والتواصل من فضاءات الابداع نحو العقول لمحاربة الظلام والانخراط الفعلي في التنظيمات الوطنية التقدمية اليسارية والعلمانية دفاعا عن دولة المؤسسات ودولة الحق والقانون من أجل حماية القيم الانسانية والأوطان العربية المعرضة للتفتيت و الإلغاء وضرب السيادة لصالح الأنظمة العالمية المتوحشة التي برعت في استنزاف خيرات وطاقات أوطاننا .
} نعود إلى عزيز خيون، كيف يشتغل ثقافيا وسط هذا الوضع، وهل الإبداع في وضع سابق بالنسبة لك كان أفضل من الوضع الحالي أم أن المعاناة أعطتنا مبدعا جديدا يسمى عزيز خيون مرة أخرى؟
على المستوى الشخصي ومنذ أن لامست عتبات الوعي أصبحت غير مقتنع بما هو حولي وإنما باستمرار أباعد بخطواتي باتجاه النقطة الأبعد أي أن المسرح الذي اخترته و اشتغلت به حتى هذه اللحظة لم يكن مطمئنا وإنما كان يمتطي جموح القلق لذلك يا سيدتي لا أعرف ما تعنين بالسابق أو اللاحق ؟
} أنا أعني فترة البداية قبل أن تتحول العراق الى معركة مفتوحة في وجه المجهول، أي منذ السبعينات؟
لم تكن التجربة سهلة على مستوى الابداع و إنجازه، في شرطيته الطموحة، كانت هناك عوائق ناتجة عن قناعات إيديولوجية مختلفة عن النظام. لقد كنت منتميا الى المعارضة في الحزب الشيوعي العراقي .وغادرت التنظيم بمحض إرادتي، وانصرفت الى عملي المسرحي كي أحقق فيه القيم التي أدافع عنها. وبعد بيروت عدت الى الوطن كي أستمر في عملي المسرحي وأحافظ على استقلاليتي في أن لا أجمع بين السياسة والمسرح على الركح. وبالرغم من إعلان هذه الاستقلالية إلا أن السلطة ظلت تعيق مشروعي بكافة الأساليب فمنعت بعض أعمالي كتابة وإنتاجا، إلا أن ذلك لم يحد من عزمي على مواصلة الدرب. لقد قدمت العديد من المشاريع إخراجا وتمثيلا وإعدادا. لقد تواصلت مضايقتي من طرف النظام وعالجت ذلك بالذهاب والاياب من الوطن نحو آفاق أخرى خارجه في الامارات وعمان وسوريا ومصر و ولبنان حفاظا على حيوية تجربتي..
} والآن هل تضخمت هذه العوائق أم أنها أصبحت تمزج بين الذات و الموضوع، أم أن استمراريتك لم تعر اهتماما لهذا؟
المعيقات تضخمت اليوم بشكل كبير، بل هدت حلما عمره قارب الأربعين عاما. فإذا حدث واستطعت أن أنجز مشروعا مسرحيا معروفا على المستوى العربي والعالمي قبل سنة 2003 ، فأنا اليوم أعيش لحظة قلق كبير على مشروعي المسرحي الذي منحته روحي وسنوات عمري وحلمت أن أتوجه بتجارب مثتالية لا تعرف الانقطاع ولا الولادة المستمرة. إنني أعاني معاناة مزدوجة في ان مشروعي أصبح حبيس أدراج الزمن السيئ وحبيس منظومات إدارية ضيقة لا تعترف بالثقافة المسرحية ولا بأدوارها في بناء الانسان الجديد. إن هذا الانقطاع أجهله تماما وأنا أحتار في كيفية الحصول على الدعم الذي هو من حقنا كمثقفين، لإنجاز مشارعنا الجمالية. لهذا أقول أن القطيعة التي تفرضها سلطة القرار اليوم في العراق مع ما هو جمالي لا يمكنها أن تنتج إلا هذا الخراب والتصحر في الفضاء وفي النفوس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.