انطلاقا من هاجس تفعيل ممارستنا التربوية و الوقوف لحظات لتأمل وضعية مسرح الطفل والبحث عن صيغ لتأصيل مضامينه وآليات ممارساته الثقافية والفنية والتربوية مع الأطفال واليافعين يأتي المهرجان الجهوي لمسرح الطفل الذي نظمته جمعية الشعلة للتربية فرع بني مكادة لطنجة والذي استقبله فضاء مسرح الحداد تحت شعار» المسرح آلية لبناء شخصية متكاملة لدى الطفل « ليكون مدخلا لقراءة إبداعات الفرق المشتركة وتمثلات الأطفال لأدائهم ومستوى تفاعلهم مع مضامين النصوص المقترحة عليهم ضمن سياقها الجمالي و الفرجوي والمعرفي ، من أجل التداول والتفكير على نحو جماعي في أهم الرهانات المطروحة لتأصيل مسرح الطفل وتحديث آليات ممارسته انطلاقا من امتلاك العدة البيداغوجية الملائمة والمحترمة لمستويات إدراكات الطفل وتمثل القيم الكفيلة ببناء شخصيته. واستقراء للعروض التي تابعناها بالمهرجان والتي قدمتها فرق من الحسيمة و طنجةوتطوان وصلنا إلى إقتناع أن مسرح الطفل لا زال في طور التشكيل لاعتباره غاية بينما يجب أن يكون وسيلة لتحقيق أهداف عامة وشاملة للوصول إلى إبداع أنساق جمالية شكلية تستوعبها أحداث مسرحية مبنية على رؤية علمية تكون محاولة لاكتشاف حقول معرفية تستحضر الفكري والتربوي والإجتماعي للإرتقاء بمسرح الطفل وبالتقنيات المسرحية الملائمة له . و من الملاحظات المستخلصة من مسارات المهرجان الذي كان مادة دسمة للبحث في مسرح الطفل من خلال العروض المتبارية أن القائمين على المهرجان لم يحددوا مسارا نظريا له أهو مسرح طفولي يتبنى خطابا تربويا أو هو مسرح طفولي لا تحدده شروط بيداغوجية وأخلاقية؟ أم هو تجريب لتجارب تحضر فيه دلالات اجتماعية و قومية وسياسية لا تختلف في مضامينها عن مسرح الكبار؟ أم أنه فرصة لإبراز إبداعات جمالية باهرة شكلا دون مضمون؟ وهكذا يكون مسرح الطفل شركا للمبدعين التربويين وللمسرحيين لمتطلباته الدقيقة ولانعدام اجماع محدد على معنى واضح لتأصيله، وهكذا يمكننا تصنيف العروض التي تتبعناها بشغف ودقة ومسؤولية في اتجاهات: * الاتجاه الأول يسعى لتجاهل جماليات المسرح الشكلية بهدف التركيز على المضمون ومن الأعمال التي تسير في هذا الإطار مسرحيات «التكنولوجيا لجمعية الرسالة- أطفال غزة لمعهد الانبعاث للتنمية والتكوين-ومسرحية لنحافظ على بيئتنا لجمعية الشعلة للتربية والثقافة فرع الحسيمة – وتمثال مامادو لمدرسة أبي حيان التوحيدي لطنجة – والخريف والتخريف لمدرسة أمنا أمينة بطنجة». * أما الاتجاه الثاني فقد انشغل كثيرا باستعراض جمالية الشكل المسرحي من مثل مسرحية التتار لجمعية الشعلة بني مكادة فرع طنجة ومسرحية عتق الورود في زمن البارود لمدرسة الأيوبي. * أما الاتجاه الثالث فاقتصد في الشكل واستحضر المضامين التربوية والأهداف المرسومة للعمل الطفولي وتأكد ذلك في عرض جمعية الشعلة للتربية والثقافة فرع تطوان «سفر» وعرض جمعية الصداقة «أميرة الورد». إن العرض الأول «سفر» والذي كان نموذجا وتجربة استحضر قضايا الطفل الفلسطيني من داخل الأراضي المحتلة ولحظات النفي والسفر الوجودي بحثا عن نقطة لانهاية والإصرار داخل عتمة السفر لاستمرار القضية الفلسطينية في أفق أمل ولادة طفل الجليل حيث كان الاعتماد على جهد جمالي في التأليف والإخراج ، أدواته الجسد من خلال التمثل الفردي والأجساد من خلال تشكلاتها وإنتاجها لصور ولوحات معبرة. والعرض الثاني «أميرة الورد» الذي كان خطابه طفوليا بامتياز حقق من خلاله المخرج الذي اعتمد حرفيا على رائعة الدكتور عبد اللطيف ندير أميرة الورد تجانسا بين الشكل والمضمون والأداء وان كان هناك غياب لبناء دراماتوروجي رابط للأحداث التي تواترت بسرعة أخلت نوعا ما بجدية الموضوع. وهكذا توجت المسرحيتين بجوائز المهرجان أضيفت معهما مسرحية «عتق الورود في زمن البارود» التي كانت عملا متكاملا نالت منه عملية الانتقال من حدث إلى حدث دون استحضار الخط التربوي الذي كان مدخلا للمسرحية ليتحول إلى خطاب سياسي رسمي إرضاء لتوجه كان من الأجدى تقديمه عبر حوادث جمالية ورمزية من فضاءات الأحداث. وهكذا تختتم فعاليات مهرجان بني مكادة لمسرح الطفل في جو من الغبطة كانت فيه بسمة الطفل تغطي فضاءات مسرح الحداد لتكون مدينة طنجة قد عاشت ثلاثة أيام من الإبداع والتألق صاغ فيه فرع بني مكادة لجمعية الشعلة للتربية والثقافة عملا رصينا تجاوز أهداف المهرجانات المسرحية التربوية التي ترسم خططها ضمن إملاءات تضعف من الجودة مؤسسا لمستقبل مسرحي أكثر إشراقا و أكمل إبداعا ولتكون هذه العروض المنطلق الأمثل للبحت عن آليات تأصيل مسرح الطفل.