أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    ساكنة فاس تعاقب بنكيران وتمنح أصواتها لحزب الأحرار في الانتخابات الجزئية    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    إساءات عنصرية ضد نجم المنتخب المغربي    ظهور حيوان "الوشق" المفترس بغابة السلوقية يثير استنفار سلطات طنجة    توقيف 5 أشخاص بأكادير يشتبه تورطهم في الاتجار في المخدرات    طنجة .. ضبط مشتبه به بتهمة قرصنة المكالمات الهاتفية والتلاعب بالبيانات الرقمية    الموت يفجع الفنانة شيماء عبد العزيز    النفط يرتفع بعد انخفاض غير متوقع في مخزونات الخام الأمريكية    أساتذة جامعة ابن زهر يرفضون إجراءات وزارة التعليم العالي في حق طلبة الطب    المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب ( 2024 ) : انفتاح سوق الاتحاد الأوروبي على استوراد العسل المغربي    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    للمرة الثانية فيومين.. الخارجية الروسية استقبلات سفير الدزاير وهدرو على نزاع الصحرا    هل تحول الاتحاد المغاربي إلى اتحاد جزائري؟    شركة Foundever تفتتح منشأة جديدة في الرباط    طقس الأربعاء... أجواء حارة نسبيا في عدد من الجهات    إقليم فجيج/تنمية بشرية.. برمجة 49 مشروعا بأزيد من 32 مليون درهم برسم 2024    تفكيك عصابة فمراكش متخصصة فكريساج الموطورات    بنموسى…جميع الأقسام الدراسية سيتم تجهيزها مستقبلا بركن للمطالعة    نوفلار تطلق رسميا خطها الجديد الدار البيضاء – تونس    تنامي الغضب الطلابي داخل أمريكا ضد "حرب الإبادة" في فلسطين ودعوات لإستدعاء الحرس الوطني للتصدي للمتظاهرين    "إل إسبانيول": أجهزة الأمن البلجيكية غادي تعين ضابط اتصال استخباراتي ف المغرب وها علاش    جمعية أصدقاء محمد الجم للمسرح تكشف عن تفاصيل الدورة الثالثة للمهرجان الوطني لمسرح الشباب    تخفيضات استثنائية.. العربية للطيران تعلن عن تذاكر تبدأ من 259 درهما على 150 ألف مقعد    إسرائيل تكثف ضرباتها في غزة وتأمر بعمليات إخلاء جديدة بشمال القطاع    ما هي القضايا القانونية التي يواجهها ترامب؟    الكونغرس يقر مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    رئيس الوزراء الأسترالي يصف إيلون ماسك ب "الملياردير المتغطرس"    ما حقيقة المقابر الجماعية في مجمع ناصر الطبي؟    بطولة انجلترا: أرسنال ينفرد مؤقتا بالصدارة بعد فوز كبير على تشلسي 5-0    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل للمباراة النهائية على حساب لاتسيو    توفيق الجوهري يدخل عالم الأستاذية في مجال تدريب الامن الخاص    نانسي بيلوسي وصفات نتنياهو بالعقبة للي واقفة قدام السلام.. وطلبات منو الاستقالة    الصين تدرس مراجعة قانون مكافحة غسيل الأموال    الصين: أكثر من 1,12 مليار شخص يتوفرون على شهادات إلكترونية للتأمين الصحي    الولايات المتحدة.. مصرع شخصين إثر تحطم طائرة شحن في ألاسكا    إيلا كذب عليك عرفي راكي خايبة.. دراسة: الدراري مكيكذبوش مللي كي كونو يهضرو مع بنت زوينة        لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    موقف بركان قوي واتحاد العاصمة ضعيف وها الأحكام اللي يقدر يصدرها الكاف فقضية الغاء الماتش بسبب حماق الكابرانات    "الأحرار" يحسم الاقتراع الجزئي بفاس    رحيمي والعين قصاو بونو والهلال وتأهلو لفينال شومبيونزليگ    لومبارت كوساك : الفلاحة .. العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي "غنية جدا"    المنتخب الجزائري لكرة اليد شبان ينسحب من مواجهة المغرب بسبب خريطة المملكة    إليك أبرز أمراض فصل الربيع وكيفية الوقاية منها    الأمثال العامية بتطوان... (580)    الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    الأديب عبد الرفيع جواهري ضيفا على برنامج "مدارات"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    آيت طالب: أمراض القلب والسكري والسرطان والجهاز التنفسي مزال كتشكل خطر فالمغرب..85 في المائة من الوفيات بسبابها    جائزتها 25 مليون.. "ديزي دروس" و"طوطو" يترأسان لجنة تحكيم مسابقة في فن "الراب"    العلاج بالحميات الغذائية الوسيلة الفعالة للشفاء من القولون العصبي    هذه هي الرياضات المناسبة إذا كنت تعاني من آلام الظهر    وفاة الشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني عن 82 عاما    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    الأسبوع الوطني للتلقيح من 22 إلى 26 أبريل الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التيارات الدينية المتشددة تدور في فلك النظام الرأسمالي, والمنظمات الدولية مكلفة بمهمة في المنطقة

تعقد في حوار أجريناه معه بطنجة, حيث يحضر ضيفا على مهرجان «تويزا»، قال الروائي المصري صنع الله إبراهيم لجريدة الاتحاد الاشتراكي:» أنظر بحذر شديد إلى المنظمات الدولية المكلفة بالنظر إلى وضعية حقوق الإنسان، ومازلت أعتقد أنها مكلفة من جانب القوى الاستعمارية لامتصاص طاقة القوى الثورية. فالقمع الذي تقوم به السلطات المحلية في مصر أو في البلاد العربية ضد القوى الشعبية يدفع الكثير من المناضلين والناشطين ذوي النية الحسنة والباحثين عن منفذ للحركة إلى العمل مع هذه المنظمات الدولية. ونجاح هذه المنظمات الأجنبية هو ناتج عن القمع الذي مارسته السلطة في البلاد العربية ولا أستثني بلدا واحدا منها.»
} الأستاذ صنع الله إبراهيم, نود أن نبدأ بسؤال يفرض نفسه اليوم، والأمر يتعلق بما يحدث اليوم في العالم العربي، ضمن منظومة دولية فيها الكثير من التعقيدات والتحليلات التي تنتظر أجوبة حاسمة, نقرأ من خلالها كمثقفين ما حدث وما ترتب عنه اليوم من عنف أسال دماء الأبرياء وغير الأبرياء، والقراءة تدعو إلى الرصد لكي نحدد الطريق التي ينبغي أن نتوجه بها إلى المستقبل كشعوب تواقة إلى الحرية والكرامة والعدالة، تلك المستعملة اليوم بامتياز بيد تجار الدين والسياسة، فما هي قراءتكم من موقع المثقف؟
شكرا أولا لجريدة الاتحاد الاشتراكي على هذه الاستضافة الكريمة، وأود أن أبدأ جوابي بما وصفته بالتعقيدات في محيطنا العربي، و هو بالتحديد الأكثر استمرارا لمحاولات مختلفة تحاول السيطرة على مصير الأمة العربية, سواء من جانب القوى الاستعمارية أو من جانب إسرائيل تحديدا أو من جانب القوى المحافظة الرجعية المتخلفة التي تتحكم في شعوبنا العربية، إضافة إلى الاتجاهات الدينية المتطرفة والمتشددة والتي نعاني منها اليوم بشدة.وهذا ليس جديدا بالنسبة لنا، لأنه منذ آلاف السنين، سواء في مصر أو في باقي البلاد العربية الأخرى ونحن في حالة صراع مستمر مع أشكال التدخل والسيطرة والعدوان، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فالسبيل أمامنا هو مزيد من التمسك بثوابت أساسية وهي الاستقلال الوطني والتحرر من أي تبعية وإقرار مبدأ التعددية في الحياة الاجتماعية والسياسية.
} طيب, جاء في مسار جوابكم أنه لمواجهة هذا المد الأصولي المحزم بالقوى الاستعمارية, ينبغي الإقرار بالتعددية، في نظركم بالنسبة للمنظومة التي تشتغل بها حركة الإخوان المسلمين في دوائر دولية وليس على مستوى مصر فقط, بنفس قناعتهم ومفاهيمهم للإنسان والحرية والعدالة والكرامة وطرق العيش وعلاقة الإنسان بالإنسان وبحوار الأديان إلى غير ذلك من المفاهيم التي تجد تحليلات وتصورات معينة عند جماعة الإخوان. فهل مبدأ التعددية الذي يوظف الحوار بالدرجة الأولى بإمكانه أن ينظم العلاقة بيننا وبين القوى الرجعية, خصوصا تلك المكرسة لمبدأ التطرف في منظومة الإخوان المسلمين؟
نعتبر بأن هذا السؤال هام، فلتحقيق ذلك يجب أن يكون لجماعة الإخوان قناعة بالحوار، والأمر يتوقف عليهم، فهم من يرفض الحوار حتى في لحظة إعلانهم -في بعض المواقع كمناورة تكتيكية- قبولهم بالتعددية، ففي الأساس يسعون إلى الانفراد الكلي بالسلطة للسيطرة على المجتمع وإزاحة أي طرف آخر وفرض رؤيتهم شديدة التخلف بالنسبة للعلاقات الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية. وبطبيعة الحال لابد أن نقاوم هذا التوجه من خلال التوضيح و الفضح و إبعاد الشعب عن خطبهم ، وذلك لن يتأتى إلا من خلال تحقيق أشكال من العدالة الاجتماعية، لأن التطرف يتغذى بمعاناة الجماهير الشعبية من مشاكل في البطالة والفقر والصحة والسكن وكل الحلقات المتواصلة في ذلك، وإذا نجحنا في الضغط على الحكومات من أجل انتزاع مكاسب اجتماعية و اقتصادية في صالح جماهير الشعب, فهذا جزء من عملية فضح ومقاومة التيارات المتشددة ، إضافة إلى أبواب أخرى ينبغي فتحها في وجه الشعب كالتعليم والتنوير وإضاحة المفاهيم، لأن هناك أشياء كثيرة يستغلها الإخوان لأنهم مسلحين بالدين، والدين له مكانة روحية كبيرة لدى شعوبنا، وبالتالي هذه النقطة بالذات محتاجة إلى تنوير فكري وعلمي وروحي كذلك.
} لامستم أستاذ صنع الله إبراهيم دقة الجواب عن السؤال، في النقطة التي تفيض الكأس في علاقة السياسة بالدين، خصوصا أننا نجد عند جماعة الإسلام السياسي في الدوائر الإخوانية ومعها كل الأحزاب التي تعتمد المرجعية الإسلامية، توظيفا مفضوحا للدين باستغلال أمننا الروحي في عملية سياسية كان من المفروض أن تكون فيها قوانين ضامنة للعملية السياسية ببرامج على أرض الواقع لا أوهام فيها ولا اعتمادا على السماء. وهذا التوظيف الروحاني المقصود يغيب العدالة حتى في المشهد الحزبي نفسه، بين أحزاب تعتمد مشروعا ديمقراطيا حداثيا له آلياته المؤسساتية للارتقاء بالسياسة، وبين أحزاب أخرى تستعمل المساجد والجماعات الدينية في الاستعمال السيئ لكلام الله ورسوله، باعتبارهما ملكا للمسلمين جميعا وليس من حقهم بطبيعة الحال توظيف ذلك لأغراض سياسوية. فهل حان الوقت لكي ننادي بتطبيق القانون واستعمال المساطر من أجل دولة مدنية لا يوظف فيها الديني في السياسي والحزبي, وما هي إمكانية تطبيق ذلك في عالمنا العربي بصفة عامة؟
الوقت حان من زمان، بل كان من المفروض أن نعمل على ذلك عندما بدأت الإرهاصات والدعوات إلى ذلك، وفيما يتعلق بمصر كان ذلك من أيام محمد عبده الذي دعا إلى فكرة الدولة المدنية وإبعاد الدين عن السياسة على أنهما خطان مختلفان، وكل هذا ليس بديلا، وقد تمت محاولات في هذا السبيل مثلا ما قام به جمال عبد الناصر من إجراءات اجتماعية و اقتصادية وسياسية, سواء في معاركه مع الاستعمار أو المعارك مع الإقطاعيين و الرأسماليين، كل هذا كان له دور في وعي الجماهير وإدراكها لحقيقة العلاقة مع الدين، ولكن ما حدث بعد عبد الناصر، ابتداء من عهد السادات ومبارك من تكريس للتبعية للأجنبي وفتح الباب أمام الشركات العالمية وإلغاء والانتقاص من الحقوق التي جاء بها جمال عبد الناصر للعمال والفلاحين، كل هذا غذى التيارات الدينية المتشددة التي هي في حقيقة الأمر من الناحية الاقتصادية تدور في فلك النظام الرأسمالي العالمي,وليس للإخوان إلا مفهوما واحدا في الاقتصاد وهو المفهوم الرأسمالي في الاستغلال، ولهذا فالنظام الرأسمالي الغربي يرحب بهم ويفتح الباب أمامهم ويؤيدهم لأنهم بكل بسلطة ينتمون إلى نفس المنظومة.
} المعروف أن جماعة الإخوان ومن يدور في فلكها من رواد الإسلام السياسي, يوظفون الدين بدون ثقافة،الشيء الذي تطرقتم إليه من خلال التوصيف الذي أعطيتموه بكلمة «الرأسماليون»، لكنهم رأسماليون بهدف استبعاد الوعي والثقافة واستحضار الدين للمتاجرة في دائرة مصالح ضيقة لا وطن فيها ولا إنسان. لكن السؤال ان هناك أطرافا عربية, ناهيك عن تركيا دخلت مباشرة على هذا الخط الداعم بتوظيف الدين لهدم الدولة بالتدخل السافر في الشؤون الداخلية للدول العربية, فمصر بيد إخوانية كان مآلها ما نراه اليوم. ماهي قراءتكم للتدخل القطري والتركي في مصر خاصة، و هل الأمر يتعلق بتدخل بوكالة دولية, أم أنه تدخل فيه مصالح إستراتيجية في المنطقة وتسابق على الزعامة؟
الإخوان هم جزء من منظومة عالمية. وفيما يتعلق بقطر فهي قاعدة أمريكية ولا نقصد بذلك توظيفا تعبيريا بلاغيا, بل قصدنا بذلك إبراز الفعل القطري في المنطقة. فقطر تضم جيشا وأسلحة أمريكية وتتولى ضبط المنطقة لصالح المنظومة العالمية المشار إليها. وكل خطوة تتخذها قطر تكون في إطار مصالح المنظومة الدولية التي تتزعمها أمريكا. فالدور الذي تلعبه قطر هو جزء من عملية كبرى تجسد تكريس التبعية الأجنبية وحماية مشاريعها.
} هل استهداف مصر بالدرجة الأولى هو استهداف استراتيجي عالمي من اجل إحداث استهدافات أخرى في المحيط الإقليمي و الجهوي, أم أن موقع مصر الإقليمي فرض أجندة خاصة ببلد يشكل خطرا على أمن اسرائيل خاصة ؟
شخصيا لا أعطي أهمية للحدود ولا أتصور مكانة لمصر، إنما من ناحية أخرى فعلا هناك شيئان اثنان, الموقع الاستراتيجي أولا ثم عدد السكان. فمصر هي أساسا سوق هائل للشركات العالمية. فنحن في مصر لا توجد عندنا «قطعة صابون» صناعة مصرية، ولا يوجد عندنا «مشروب غازي» صناعة مصرية، لقد أصبحت هناك سيطرة مطلقة للشركات الأجنبية وهذا هو عمق المشكل، والصراع كله يدور حول هذه السوق. فلدينا 95 مليون نسمة محتاجة الى كل شيء مستورد مع وجود القليل منها محليا، فما بالك بالمنطقة العربية ككل.إننا بكل بساطة مجتمعا استهلاكيا، تتصارع حوله القوى الغربية الانكلوسكسونية والفرنكوفونية، وكل هذه الأمور لا بد من استحضارها لتحليل ما يحدث في المنطقة.
} مصر بعد كل الأحداث الدامية التي عرفتها في الثورتين المطالبتين بالعدالة والكرامة والحرية, سواء ثورة25يناير أو 30يونيو المصححة للمسار الثوري الذي ركب على ظهره أنصار رابعة، قبل أن يتوجه المجتمع المصري إلى العملية الديمقراطية التي انتخبت الرئيس السيسي على هرم السلطة في مصر, وأنتم الآن مقبلون على انتخابات برلمان البلاد. فالعملية الديمقراطية بما لها وما عليها وبطريقة أو بأخرى تتوجه الى المستقبل...
صنع الله مقاطعا: التعبير الذي استخدمته في مفهوم الديمقراطية ما لها وما عليها وبشكل أو بآخر هو التعبير الذي ينطبق على مصر, وهو تعبير جيد جدا في حالتنا» ..ضاحكا»...
} تتمة السؤال: الآن نرى أن هناك محاولات كبيرة للضغط على مصر للرجوع بها إلى الوراء، ما هي قراءتكم الأستاذ صنع الله في هذا الشد نحو الوراء, في حين أن اختيارات ثورة 30 يونيو كانت واضحة في التوجه الى المستقبل، هل مصر في حالة تمزق, أم أن هناك صراعا من أجل عودة مصر قوية ومواجهة لجميع التحديات؟
لا أعتقد أن مصر في حالة تمزق، بل مصر مقبلة على مرحلة متقدمة وإيجابية، وطبعا هناك عناصر سلبية كثيرة من جانب القوى الغربية الاستعمارية في إطار الضغوط التي تمارسها على مصر، وكذلك الضغوط الممارسة من طرف الاتجاهات الإسلامية المتطرفة, وأيضا من جانب النزوع الطبيعي للسلطة بالإنفراد بالحكم وتوسيع النفوذ، وبعبارة أخرى ففي الوقت الذي نواجه فيه الأخطار الاستعمارية والدينية المتطرفة والتي تتخذ منحى القتل بالاغتيالات والتفجيرات في كافة دول الحراك سوريا والعراق نموذجا على يد تنظيم اجرامي مسمى بتنظيم داعش، والى جانب ذلك توجد أيضا داخل السلطة الجديدة في البلاد العربية محاولات للإنفراد ودعم النفوذ الشخصي لشخص ما أو مؤسسة ما ، واعتبر ذلك طبيعيا, ويتوقف إصلاح ذلك بمجهود مستمر لدور الحركات الشعبية المنظمة، وهناك عملية صراع ينبغي أن تستمر من أجل الضغط على السلطة لدعم المكاسب الديمقراطية وتوسيعها والتصدي لمحاولات استغلال الوضع القائم من أجل دعم نفوذ الشرطة والمؤسسة العسكرية. وينبغي الإسراع لضبط هذا المنحى لدمقرطة المجتمع.
} وسط هذا الوضع, تريد مصر التي هي قلب العالم العربي أن تتعافى وتتوجه للمستقبل بإعادة ركبها للسير من أجل التنمية, لأن 95مليون نسمة بأفواه مفتوحة لأغلبية فقيرة ليست سهلة وسط محيط متكالب يستعمل البترودولار للهيمنة على أم الدنيا. في هذا الزمن بالضبط ينزل بيان هيومن راتش بقسوته على هذا البلد الذي يمر بمحنة حقيقية، وهو بيان تحيز كثيرا لأنصار رابعة ضد ثوار 30 يونيو، وهو بيان فاجأنا جميعا, لكنه بيان يؤكد من أن منظمات أصبحت غير مستقلة على المنظومة الاستعمارية التي أشرتم لها، والطامة الكبرى أن الانخراط في ذلك أصبح باسم حقوق الإنسان، ونحن كمثقفين وحداثين كنا دائما من أنصار هذه المنظمات على أوطاننا وأنظمتنا وننخرط فيها بشكل يكاد منفصلا عن الذات نحو ذات الأنسنة التي نحلم بها جميعا, ألا ترى معي أستاذ صنع الله ابراهيم أنه حان الوقت أن نعيد النظر في هذه المنظومة الحقوقية التي تتحكم فيها منظمات أصبحت تقرر في مصيرنا وتوظف بالفعل وبالقوة للنظر في قضايانا الجوهرية ؟
للحق، أنا دائما أنظر بحذر شديد إلى هذه المنظمات، ومازلت أعتقد أنها كانت محاولة خبيثة وذكية في نفس الوقت من جانب القوى الاستعمارية لامتصاص طاقة القوى الثورية.فالقمع الذي قامت به السلطات المحلية في مصر أو في البلاد العربية ضد القوى الشعبية دفع الكثير من المناضلين والناشطين ذوي النية الحسنة والباحثين عن منفذ للحركة إلى العمل مع هذه المنظمات الدولية. ونجاح هذه المنظمات الأجنبية هو ناتج عن القمع الذي مارسته السلطة في البلاد العربية ولا أستثني بلدا واحدا منها.
} والآن ما هو تحليلك؟
الآن الموضوع يتوقف على الجماهير الشعبية المنظمة، والأحزاب والمنظمات التي تتمتع بالاستقلالية عن السلطة والتي تواصل الدفاع عن المصالح الوطنية والشعبية.
} أنت تقصد أنه على منظمات المجتمع المدني والسياسي أن تعيد النظر في هذه المنظمات وأن تعرف وظائفها ؟
ليس القضية في إعادة النظر، بل القضية هي على المنظمات الوطنية الديمقراطية تعميق علاقتها بالجماهير وتبني مطالبها والدفاع عنها لسد الباب على المنظمات الدولية التي تستعمل منظومة حقوق الإنسان لأهداف استعمارية، ويتأتى ذلك بتعميق ممارسة العمل المدني والسياسي بالقرب من الجماهير وهذا هو السبيل ...
} تقصد العمل مع المواطن والتقرب منه؟
بالضبط..وأن نتبنى مواقفه وان ندخل معارك من أجله، وهذا مفتاح هام لتحييد الجهات الدينية المتطرفة وأن نوجه المنظومات الاستعمارية.
} نعود بك الى السؤال الثقافي، ماهي قراءتكم لمسؤولية المثقف اليوم، هل يقوم هذا المثقف بدوره، هل اختفى،أم أن حجم ما يحدث يحتاج إلى جمع المعطيات لقراءته في المستقبل باعتبار المثقف يختلف عن السياسي و الاعلامي. أم أن انزواءه اختيار ؟
أولا ليس هناك وصفة معينة لنضفيها على نخبة المثقفين، فبائعة «الفجل» في شوارع القاهرة مثقفة، تعرف «الفجل» من أين أتي والطريق الذي يسلكه والمراحل الاستغلالية التي يمر منها, وبالتالي فهي تفهم آليات المجتمع ومنهجيته، وهذه هي الثقافة، ممكن أنها لا تكتب ولا تقرأ ولكن ليس هذه هي المشكلة...
} تقصد الوعي بالمحيط..؟
نعم. هذا بشكل عام, لكن عندما نتحدث عن سؤالك فنحن نقصد النخب المثقفة، أساتذة الجامعة والكتاب والصحفيون..إلخ ، هذه النخبة هي جزء من الكيان الاجتماعي وهي تخضع لما يتعرض له المجتمع ككل من ضغوط وزحف وسيطرة المجتمع الاستهلاكي والبحث عن الفرص في الحياة والعمل ورعاية الطفل والصحة وكل هذه المشاكل تعاني منها النخب, وبالتالي تنعكس على سلوكياتها وقيامها او عدم قيامها بدورها. وفي اللحظات الوجودية نجد الملايين خرجت في 25يناير وبالتالي في 30 يونيو, ومن بين هؤلاء مثقفون وفنانون لهم وعي بالمرحلة بصرف النظر عن طبقاتهم الاجتماعية. فهم خرجوا من أجل هدف واحد ومطالب محددة. واعتقد أنه بشكل عام ان المثقف حاضر وأنا لدي ثقة في وعي المثقف العربي، أما فيما يتعلق بالدور الذي يقوم به, فهذا يتوقف على اعتبارات كثيرة ولها شروط أخرى.
} طيب, نعود الى صنع الله الروائي، نحن نعرف مسارك و انتاجاتك العميقة بالتقنية والمعرفة في السيطرة على عالم الحكي و فضاءاته و المقولات السردية. لكن نريد أن نعرف هل الأحداث في دول الحراك وخاصة في ثورتي مصر حركت مخيلتك في الكتابة؟
بالطبع الأحداث التي تجري الآن وفي السنوات الأخيرة هي الأساس في تفكيري وتدعو الى تحريك قلمي، إنما التعبير عنها يشكل لي قضية أخرى, بمعنى أن لذلك شروط عديدة أساسها عملية وجدانية تتوقف على اعتبارات كثيرة منطلقها مخاض خاص بالكاتب صنع الله ابراهيم.
ختاما: أشكرك الأستاذ صنع الله ابراهيم باسم كافة زملائي في جريدة «الاتحاد الاشتراكي» على هذا الوقت الثمين الذي خصصته لنا لمعرفة رؤية الروائي والمواطن المصري صنع الله ابراهيم تجاه ما يحدث اليوم. والشكر واجب لمهرجان ثويزا الذي وفر لنا شروط هذه الاستضافة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.