تمريرة حكيمي الحاسمة تحسم معركة باريس ضد البايرن    لبؤات الأطلس يفتتحن كأس إفريقيا بتعادل مثير أمام زامبيا    طنجة : توقيف العشرات من الحراس العشوائيين و وضعهم تحت الحراسة النظرية    الحرارة تواصل صعودها بعدد من جهات المغرب    اختتام مؤتمر الذكاء الاصطناعي بالقنيطرة    مئات الفرسان يتنافسون على لقب "بطل المغرب" في "أسبوع الفرس" بدار السلام    قاصر ينهي حياته في ظروف غامضة بجماعة ونانة    سعر صرف الدرهم يرتفع أمام الدولار ويستقر امام اليورو    الحسيمة تغيب مجدداً عن قائمة الشواطئ الحاصلة على اللواء الأزرق صيف 2025    ابتدائية الحسيمة تدين سيدة بتهمة الابتزاز والمس بالحياة الخاصة            إسبانيا: عدة إصابات خلال إخلاء طائرة ل "ريان إير" إثر إنذار خاطئ بحريق    حملة أمنية واسعة تطيح بالعشرات من الدراجات النارية المعدّلة بتطوان ونواحيها    إعادة انتخاب المغرب عضوا في مجلس "الفاو"    موتسيبي يشيد بدور المغرب الريادي في تطوير كرة القدم الإفريقية عامة والنسوية خاصة    المغرب يدعو إلى إدماج الآليات الوطنية لحقوق الإنسان في استراتيجيات الأمم المتحدة    جازابلانكا .. منصة نفس جديد تنفتح على إيقاعات صحراوية مع فرقة درعة تريبز    في العدوان الإسرائيلي على إيران    إنذار بمطار مايوركا بعد اندلاع حريق بطائرة وإصابة 6 ركاب    قانون جديد بهولندا يجرم تقديم المساعدة "للحراكة"    ترامب: قد يكون هناك اتفاق بشأن غزة بحلول الأسبوع المقبل    المرصد الاستراتيجي: البوليساريو في حالة موت سريري        الملك يبعث تهنئة إلى الرأس الأخضر    المغرب يزيد واردات قمح كازاخستان    نادي ليفربول ومنتخب البرتغال يودعان المهاجم ديوغو جوتا بجنازة مؤثرة    عبد الله العروي: اسْتِبانَة    "الحرب بوسائل أخرى": رواية عن السلطة والحب والإدمان    السلطات تمنع عروض الهواء الطلق في "الليلة البيضاء للسينما وحقوق الإنسان" وتثير استياء المنظمين    حقوقيون يستنكرون تصاعد التضييق على حرية الرأي والتعبير والاستهداف الممنهج للحق في التنظيم    الأزمي: مشروع قانون إعادة تنظيم مجلس الصحافة "فضيحة ديمقراطية"    مؤسسة البحث والتطوير والابتكار في العلوم والهندسة.. حصيلة "مذهلة" خلال السنوات الثلاث الماضية (أزولاي)    المغرب والإكوادور يدشّنان مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي بافتتاح سفارة كيتو في الرباط وتوقيع اتفاقيات شراكة شاملة    جامعة محمد السادس تشارك في ابتكار جهاز ينتج المياه العذبة من الهواء دون مصدر طاقة خارجي    مونديال الأندية.. تشيلسي يهزم بالميراس ويلاقي فلومينينسي في النصف نهائي    "كان" السيدات: المنتخب المغربي يواجه زامبيا بحثا عن الانتصار في أولى مبارياته    فرحات مهني يطلق عريضة دولية لإدانة قمع حرية الرأي واعتقال النشطاء السياسيين في منطقة القبائل    كروزنشتيرن.. أسطورة السفن الروسية تحط الرحال في ميناء الدار البيضاء باستقبال دبلوماسي    ارتفاع حصيلة قتلى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ل57 ألفا و268    طقس حار مع "الشركي" وهبات رياح مع عواصف رملية السبت والأحد بعدد من مناطق المغرب    في عيد استقلال الولايات المتحدة، الرئيس ترامب يوقع قانون الميزانية الضخم        مصادر أمريكية: صعود نجل قديروف يثير القلق والسخرية في الشيشان    "السومة" يكلّف الوداد 30 مليون سنتيم    الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة يكشف مستجدات الدورة السادسة والأربعين لموسم أصيلة الثقافي الدولي    نقابة الأبناك تدق ناقوس الخطر بشأن اقتطاعات ضريبية خاطئة من معاشات المتقاعدين    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    الحرارة القاتلة: دعوات عاجلة لحماية عمال البناء والزراعة بالمغرب    طوطو وصناعة المعنى على منصة موازين    تفسيرات علمية توضح أسباب فقدان ذكريات السنوات الأولى    أمسية تحتفي بالموسيقى في البيضاء    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    تغليف الأغذية بالبلاستيك: دراسة تكشف تسرب جسيمات دقيقة تهدد صحة الإنسان    أخصائية عبر "رسالة 24": توصي بالتدرج والمراقبة في استهلاك فواكه الصيف    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طائر الأعالي في رحاب محمد بنطلحة
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 22 - 01 - 2018


إلى محمد بنطلحة *
حين التقيت بمحمد بنطلحة بموكادور، وفي جلسة ماتعة، لم يكن صاحب نشيد البجع شاعرا فقط، بل إنسانا موغلا في إنسانيته، حين قرأت له هذا الديوان، وهو ، ديوانه الأول وقد أثارني عنوانه حينها، وتساءلت أي علاقة تجمع بين النشيد وطائر البجع، وهل البجع بشكله ومنقاره الطويل وحوصلته الكبيرة يمكن أن يكون منشدا وذا صوت جميل تطرب له النفس وتهتز له الجوانح..
هذه المفارقة لم تمنعني حينها من قراءة هذا الديوان، رغم دهشة العنوان، لأقف حينها على قامة شعرية مغربية كبيرة، رائد من رواد الحداثة الشعرية المغربية وفي طبقتها الأولى إلى جانب عبد الله راجع وأحمد المجاطي وغيرهما..لكن حين التقيت به في فرصة جميلة وفي استضافة بمكان جميل وبمكتبة دار الصويري بمبادرة من فرع اتحاد كتاب المغرب بموكادور والذي أنتمي إليه، اكتشفت شيئا آخر، أن تقرأ للشاعر ليس كمثل أن تجالسه، لا أنكر أني قرأت للكثير وجالست الكثير ممن قرأت لهم، فخاب ظني من اللقاء، تكتشف أن الجالس أمامك لا يمثل بتاتا ما يكتبه، فتتمنى لو أنك لم تلتق به، تيمنا بقولة أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. محمد بنطلحة عكس ذلك تماما…واحد من الذين عليك أن تقرأه وأنت في حالة صفاء أو كراهب في محراب الحب والعاشق للشعر، وواحد كذلك من الذين عليك أن تجالسهم وتستمتع لحديثه مثل مريد يستمع لشيخه بإجلال..محمد بنطلحة ليس فقط شاعرا يكتب القصيدة، بل فيلسوفا عميقا من خلال نظرته للحياة وللآخر…قد يبدو لك أول الأمر شاعرا معتدا بنفسه، لكنه زهو واعتداد رافض للقبح والرداءة التي غدت تستوطن النفوس، رافضا لهذا الانحطاط الفني الذي يستشري فينا..كانت لمة جميلة جمعت نخبة من الأساتذة المهتمين بالقصيدة، والعاشقين لشعر محمد بنطلحة. لم يكن ثمة شكليات خلال اللقاء كالتي عهدناها في اللقاءات الشعرية، بل كانت مائدة مستديرة، جلسنا حوله على قدم المساواة، يستمع كل واحد منا لبوحه الآخر. الصديق محمد الصالحي كان موفقا حين قال إن بنطلحة يشبه قصيدته وتلك عادة الشعراء الكبار الاستثنائيين، إنه شاعر الأعالي خرج بالقصيدة إلى فضائها الشاسع يمسك بجمرة الشعر كما يمسك بها الشعراء الكبار، شاعر له ثقافة كبيرة بالقصيدة والبلاغة العربية والسينما واللغات السامية وغيرها من فنون الثقافات. ومن يملك هذه الثقافة لن يكون إلا شاعرا كبيرا بحجم المحيط الأزرق، الأزرق اللون المفضل عند بنطلحة، هذا اللون التي تعشقه موكادور ليناسب بياض منازلها. إنها زرقة البحر.
حين فاز بجائزة أركانة للشعر، لم يكن ذلك مستغربا فقد اعتبرت اللجنة المشرفة على الجائزة أن التجربة الشعرية للشاعر محمد بنطلحة لحظة مضيئة في الشعرية العربية المعاصرة بُنيت على تفاعل خلاق، لا مع الشعرية العربية وحسب، بل أيضا مع الشعريات العالمية، وتمكنت من أن تنحت لذاتها ملمحها الخاص الذي يحمل دمغة الشاعر في بناء رؤية شعرية مركبة وفي النزوع الدائم إلى اكتشاف أشكال جديدة وفي الانتصار الجمالي للغة العربية. هكذا كنا في حضرته، وحين تحدث الشاعر بنطلحة كان اللغة تأتيه طائعة منساقة، يفلسف كل شيء باحثا عن السؤال، الشعر كما الفلسفة، يؤرقهما السؤال المنفتح عن اللحظة وعن المعيش اليومي، عن الكون والحياة وجوهر الإنسان. عندما قرأ بعضا من نصوصه وبصوت شفاف كان عليك أن تتابع صوره الشعرية العميقة، معانيه المفتوحة على دلالات كثيرة تجعلك مفتونا بعالمه الشعري، عالم لا يتأتي إلا للشعراء الكبار من حجم محمود درويش وأدونيس وغيرهما. عالم يروم نحو الأفق الإنساني، ونحو القلق الوجودي، نحو الحياة بكل تجلياتها. بمعنى آخر، أن القصيدة عنده معرفة، وعليك أن تكون مثقفا لتدرك كنه القصيدة عنده، قال بنطلحة مرة: في القول الشعري يصير المرئي مضاعفا لما يخفيه. بنطلحة تحس وأنت برفقته، وأنت تجالسه أنك في رحابة التصوف الشعري، في رحابة الأناقة اللغوية..في رحاب شاعر أنيق..شاعر حقيقي…شاعر في قمة التواضع…موكادور كانت فاتنة هذا المساء..تألقت بحضور محمد بنطلحة..بحضور شاعر قادم من الأعالي..قادم من الحياة. وكنا جميعا نسمو معه نحو الأعالي الرفرفات مثل نوارس موكادور.
* محمد بنطلحة شاعر مغربي حائز على جائزة أركانة للشعر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.