مرّت خمس سنوات على انعقاد المناظرة لوطنية الثانية للصحة التي احتضنتها مدينة مراكش ما بين فاتح وثالث يوليوز 2013، والتي جرى خلالها تقديم ما سُمّي ب "الكتاب الأبيض" الذي سبق وأن أعدته وزارة الصحة ، حتى يشكل أرضية لمناقشة محاور إصلاح القطاع الصحي ويشخص المنظومة الصحية بالمغرب. مناظرة خلصت إلى 23 توصية، كما هو الشأن بالنسبة لتبني الرعاية الصحية الأولية كركيزة أساسية لتكوير المنظومة الصحية، وتوفير الظروف الملائمة والتحفيزات الممكنة لتحسين الأوضاع المهنية والاجتماعية للعاملين في القطاع، والتصدي للخصاص على مستوى الموارد البشرية، وتمكين المواطنين من الرعاية الصحية باعتبارها حقا دستوريا، إلى جانب إعمال الحكامة وتحفيز القطاع الخاص على الاستثمار في الميدان الصحي من خلال شراكة شاملة وغيرها من التوصيات الأخرى. الدكتور كريم بالمقدم، الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحة العمومية، العضو في الفيدرالية الديمقراطية للشغل، وبعد مرور 5 سنوات على المناظرة الثانية، أكد في تصريح ل "الاتحاد الاشتراكي" أن النقابة وفي إطار التنسيق النقابي الذي كانت منخرطة فيه آنذاك، قاطعت المناظرة "احتجاجا على الطريقة الانفرادية والملتوية التي اعتمدتها وزارة الصحة في التحضير لها"، مشددا على أنه "كان هناك سعي لإفراغها من جوهرها وأهدافها الحقيقية وتحويلها لمجرد مناسبة للبهرجة والتصفيق وتلميع الصورة السياسية للقائمين على القطاع في ذلك الوقت"، مبرزا "أن الإقصاء جاء في الوقت الذي كانت تؤكد النقابات المعنية بالتنسيق النقابي على ضرورة بناء رؤية مشتركة لجميع الفاعلين بالقطاع الصحي العمومي والخاص دون إقصاء أو فرض للموقف الأوحد الجاهز مسبقا". الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحة العمومية، أكد "أن المناظرة كان يرجى منها أن تعالج وضع القطاع الصحي بطريقة نقدية، وهو الذي ظلت تنخره العديد من العوائق والمطبّات، وأن تشكّل محطة تلبي تطلعات العاملين بالقطاع ببناء صرح منظومة صحية قوية وفاعلة ومتماسكة وفق مقاربة علمية تستند إلى ميثاق وطني للصحة يؤسس لمجلس وطني يعنى بكل القضايا الصحية ويقوم برعايتها". وشدّد الدكتور بالمقدم على أن "أغلب الخلاصات ظلت حبرا على ورق ولم يفعّل جلّها، إذ لم يصدر إلى اليوم الميثاق الوطني، ولم يتم استحداث المجلس الوطني للصحة، ولايزال قطاع الصحة هامشيا ضمن أولويات البرامج الحكومية، فميزانيته لم تتجاوز 5.7 في المئة من الميزانية العامة للدولة، علما بأن المناظرة أوصت برفعها إلى 8% سنويا على الأقل، كما أن المناصب المالية السنوية ظلت جد محدودة أمام العجز الخطير و المتفاقم في الموارد البشرية الذي وصل اليوم إلى 20 ألف ممرض و12 ألف طبيب، بينما لا يتم تخصيص إلا 2000 منصب سنويا للقطاع لا تكفي حتى لسد الخصاص في ما يخص المغادرين". الدكتور بالمقدم، شدّد على "أن التغطية الصحية وتسهيل الولوج للعلاج والخدمات الصحية هي بمثابة عطب آخر يبرز عدم بلورة توصيات المناظرة، إذ أنه لم يتم لحدّ الساعة في 2018 تحقيق تغطية شاملة في نظام المساعدة الطبية "راميد" ونسب التغطية الصحية بالمغرب لا تتعدى 60% بكل أنظمتها، بينما التغطية الصحية للمهن الحرة والطلبة مازالت حبيسة المشاريع المصادق عليها، وهو ما يجعل المواطن المغربي يساهم بحوالي 52% من نفقات العلاج". أما على المستوى المجالي فقد أكّد الكاتب العام للنقابة في تصريحه ل "الاتحاد الاشتراكي" على "أن العرض الصحي يعرف هوة مستمرة بين العالم الحضري و العام القروي من جهة، وبين المدن والمناطق الكبرى والهامشية، إذ يتدهور الوضع الصحي يوما عن يوم، بسبب غياب الأدوية ومستلزمات العمل الأساسية، وتقادم البنية الصحية، وانكماش العرض الصحي بسبب طول مواعيد الانتظار والاكتظاظ المهول وارتفاع الطلب على الخدمات الصحية، وغلق العديد من المؤسسات الصحية الاستشفائية والوقائية ودور الولادة بسبب غياب الأطر الصحية التي تظل الأقل تحفيزا في منظومة الوظيفة العمومية وأكثرها عرضة للاعتداءات الجسدية واللفظية وللأمراض المهنية وحوادث الشغل"، مبرزا "أن وزارة الصحة لاتزال تتماطل في مأسسة الحوار الاجتماعي بالقطاع، الذي يعتبر القناة الوحيدة للبحث مع الشركاء الاجتماعيين عن الحلول الناجعة وللاستجابة لمطالب وانتظارات الأطر الصحية بكل فئاتها، ونزع فتيل حالة الاحتقان الشديد بالقطاع الذي يعج يوميا باحتجاجات وإضرابات الأطر الصحية منذ 7 سنوات إلى اليوم"، مستدلا في هذا الصدد بمحضر 5 يوليوز 2011، الأمر الذي اعتبر "أنه يتسبب في عدد من التبعات"، كما هو الحال بالنسبة للارتفاع المتزايد سنويا في نسب الأطر الصحية المغادرة للميدان بسبب "انعدام آفاق الترقي والتطوير وغياب التكوين المستمر وغياب ظروف التحفيز، مما يعرض القطاع إلى هدر كفاءات عالية المهنية والخبرة، في الوقت الذي تعمل الوزارة على تحرير القطاع و خصخصته وتبضيع صحة المواطنين وتحويله لقطاع تجاري مدر للربح ولو كان ذلك على حساب معاناة المواطنين".