أقترف التشرد كل ليلة، أتقمص دور الممثل المتخلى عنه في مسرحية ليلية كتبها مؤلف هامشي ورحل، بلا دور، بلا هدف، بكل طواعية حتمية أتنقل بين قاطني السكون أريد حضنا. أتحسس الدفء في «كارطون» المتشردين لعلني أجد بيتا شعريا ولو من خشب أحتمي به من عواصف التمنع، أشم عبق الخمر في قناني السكارى بلهفة كي أتخلص من ثمالة حبك، أزعج حارسي السيارات ببوق دراجتي الهوائية لأدمر سمفونيتك في أذني «أحبك، أحبك…»، أكسر لوحة العاشق القمرية بوجهي الشيطاني كدادائي فر من كتب التاريخ كي لا يذكرني بنفسي قبل الصدمة، أرتكب الجرائم في حق الوجود كي أنساك. تخيلي، خوفا من إيقاظ خيالك داخلي كلما ولجتُ الغرفة المليئة بك، هجرتها نهائيا. لابد من حل لمعضلة صنعتها بمشاعري لتدمر توازني العقلي، الذي أشك دائما أنني ولدت بدونه، كم يلزمني من الهجر كي أنسى؟ أهجر بيتي، مدينتي، وطني، أهجرني…؟ متناقض حتى العبث، وعاشق حتى القيامة. ذنبي أنني أشم رائحة أمي في كل الإناث، فأحترمهن بقدسية، وتتبعت رائحتها فيك، فتلاشيتُ حتى غدوت خيط دخان يتراقص مع الذكرى، ويخر على الفقدان. أظنك تخيلت كم لا أوجد فيك، وكم توجدين بي!؟ اسألي عينيك ربما يتذكر الدمع أنني تحسسته، تخبرك عن ملوحة احتراقي. اسألي السماء تخبرك جمال الهلال وأنا أكتب شعرا لشفاهك. اسألني العاشقات يصفن لك غيرتهن منك، اسأليني فقط وتعلمين بنفسك ماذا كتب الله في عينيك، ولا تسألي أي أحد، كي أموت وحيدا بذكراك. ربما أحرق الليلة قميصي الأسود الذي يشبه أثار النوم أسفل عينيك، كي أنسى أنك أخبرتني يوما أن الأسود لونك المفضل، لم أنتبه حينها أنك كنت ترتدين لون حداد علاقتنا قبل أوانه. ربما أمزق روايات عشق تقمصنا فيها دور البطلين ذات ليلة باردة بعدما نفذ الويسكي من الثلاجة، لأنها انتهت بالحب قبل أن يكتب المؤلف نهاية روايتنا، كان كسولا ليجعلها رواية حب أبدي، أخذته السنة عند أول زلة. آه كم كنت غبيا حين اعتقدت أن الحياة بسيطة لتغدو رواية رومانسية، ربما تكون رواية، لكنني متيقن أنها ستكون رواية رعب، لا شيء أكثر فزعا من شاب يحاول إضرام النار في قلبه. أقلع عن التدخين ربما، لا خشية سرطان ولا خطر فقدان ابتسامة، بل لأمنع الدخان من أن يرسم اسمك في الفراغ فيتلاشى قبل أن ألثم ثغرك بحرارة اشتياق، وكي لا يتجرأ أن ينقش عميقا في قلبي المنهك بخط هيروغليفي أحلامنا التي قطعنا وعدا أن نجعلها مرئية. سأهجر النظر في المرآة، لست خائفا من خروج نرسيس، فقط لأتجنب مشاهدة الخال الضخمة التي طبعت في المشيمة على عنقي، حيث كانت تستقر شفتاك كلما تعب الكلام. أقص شعري على طريقة جندي متدرب كي لا أضطر إلى تصفيفه كل يوم كما تحبين، أم أتركه يتكاثر ليبدو مثل شعر «الهيبيزم» الذين يقززونك؟ هل أشنقني بظل جدائلك المرسومة على كل زاوية في الغرفة؟ كم هو مؤلم قص الشعر بالذكريات، أخشى فقط أن أجد رائحتك في الحبل، عوض أن أنعم بالموت، أغوص فيك كالحياة. كل التفاصيل في الغرفة يفوح منها عبقك، من الحائط حتى فتحة المفتاح الصدئة: المكتبة الصغيرة، الغبار على سجادة الصلاة، الضوء الخافت، قنينة الخمر الفارغة منذ زمن بعيد، المنشفة الحمراء، صورة الطفل الملقاة دائما على الأرض، المشط الدائري الأصفر، السرير المكتظ بحبات عرقك، وملايين المشاريع البشرية الميتة في سلة المهملات… وعندما أتجاهل وجودك الخفي، تتضاعف الرائحة لتصبح غازا خانقا. أرجوك، بكل أسماء العشاق، وربات الحب، بالرغم من أنني رجل تجاوزت تجاربه شارب ديكتاتور، أسألك بخنوع، كيف السبيل للتخلص منك؟ هل سأظل أحمل صخرتك فوق كتفي، كلما اقتربت من قمة جبل النسيان، تتدحرجين عميقا داخلي، فيبكي الشاب في الأسطورة، وينسى صخرته. هل أحرق الغرفة وأنا بداخلها ؟ أخاف أن يتطاير الرماد ويمتزج بالهواء، ويختنق به عاشق آخر منسي بمزاجيتك. هل ألقي بنفسي في البحر؟ أخاف أن أتبخرُ و أصعد للسماء، فتبكي قبل الآوان، فتصل الدموع الأرض ويخرج الورد صيفا نسخة طبقا لك. يقطفه العشاق، وبائعو الهدايا، وتتحول كل العلاقات مثل علاقتنا، فيتعذب العديد بلا ذنب سوى أنهم أعجبوا بوردة خارج وقتها، كما فعلت. كيف أنتشلك من نصوصي، من خيالي، كي أكمل إزعاج ساكنة الصفحة؟ كيف أخط نصا بدون حبرك؟ كيف أوقع عملا جديدا بلا لمستك؟ كيف أحيا بلا روحك…؟ رحلتِ يا حبيبتي بلا إذن، بلا شفقة، تاركة عجعجة أسئلة تخنقني، تجردني مني، تُقزمني لمجرد علامة استفهام ترتدي سروال جينز مقلد، تنام قبل النقطة، وتستيقظ قبل الإجابة…