عبد الله إبراهيم : تاريخ الفرص الضائعة دخل المعترك السياسي من جهة اليسار، وخرج منه من الجهة نفسها؛ عبد الله ابراهيم، رئيس أول حكومة يسارية في المغرب، المسؤول السياسي النظيف الذي أخلص لمواقفه، والمثقف الذي جالس كبار مثقفي العالم، وساهم من موقعه كأحد رجال الحركة الوطنية في تدبير الشأن العام. قليل من المغاربة اليوم، من يعرف هذا الرجل السياسي المحنك، الذي رحل عنا في شتنبر 2005، وقليلون يعرفون أنه كان يقود أول تجربة للأمل، وأول حكومة كانت منشغلة، حقا وصدقا، بدسترة ودمقرطة وتحديث الدولة المغربية، لكن إسقاط الحكومة على ذلك النحو المخطط له من قبل «الطابور الخامس» أجهض أمل المغاربة. وقد ظل عبد الله ابراهيم أيقونة قيادية ذات سلطة أخلاقية وضمير سياسي واضح، غير منغمس في المساومات والدسائس وترتيبات الظل. وقد جنحت زكية داوود، عبر مؤلفها الحديث « عبد الله إبراهيم: تاريخ الفرص الضائعة»، نحو استعراض السيرة الذاتية لواحد من إيقونات النضال السياسي بالمغرب، شخصية اجتمعت فيها صفات الثقافة الذكاء والحنكة السياسية، عبر تجميع مجموعة من أبرز الصور والبورتريهات، فضلا عن شهادات لأشخاص عاصروا عبد الله ابراهيم وتاريخه السياسي.
سعت الإقامة بشتى الوسائل، لأن يظهر السلطان دعمه للمقاومين، لكنه أبى ذلك وفضل مراقبة و لي العهد، ما أدى بالغالبية العظمى، لمواصلة المراوغة لمدة اسبوع، إلا أن القدر لم يمنع من طرد الملك و ابنيه، خارج القصر دون ملابسهم الرسمية، مقتادين نحو المطار في رحلة ل»مانو ميليتاري» بجزيرة «كورس»، كما تم تعيين بن عرفة مكانه في السلطة. وفي القاهرة، سعى علال الفاسي إلى إخبار الشعب المغربي، بضرورة مواصلة النضال نحو الاستقلال، ومطالبا العالم الإسلامي بضرورة المساندة، في نفس الوقت الذي واصل العمل فيه، على علاقاته بالمجموعات القتالية قيد الاستعداد. شهدت مدينة وجدة، في الأسبوع الموالي، وفاة ما يقرب من تسعة و عشرين أوربيا، زيادة على العديد من الجرحى، كما اتسعت رقعة الاحتجاجات الوطنية، لتشمل هجمات ضد «بن عرفة» وعمليات تخريب للقطارات، في حين ان وتيرة الاحتجاجات زادت، مع دعوات المساجد للمقاطعة، التي شملت السلع الأوروبية والتبغ، صاحبتها أيام من الحزن و الانتفاض ومشاهدات الشعب للسلطان على وجه القمر، دون ان نغفل عن الدور المهم للنساء في تلك الفترة. عملت مجموعات شبابية، داخل المدن الحضرية منها الدارالبيضاء، على تكوين تجمعات مقاومة من قبيل «الهلال الأسود»، الذي خلف «اليد السوداء» بعد تفكيكها في أكتوبر 1953، مع توالي عمليات اغتيال المقاومين المغاربة، أمثال «بن عبد الله» المهندس المنتمي للحزب القومي الذي قتل أسفل منزله، و «محمد الزرقطوني» الذي انتحر في السجن لكي لا يتكلم، و كل من «الحداوي» و «إبراهيم الروداني» اللذين تمت تصفيتهما فيما بعد، إذ عرفت هذه الأسماء بمجموعة من العمليات ضد المستعمر، شملت عملية «السوق المركزي» بالدارالبيضاء الشهيرة، مخلفة تسعة عشر قتيلا و أربعة و ثمانين جريحا. تم نفي السلطان وعائلته إلى مدغشقر في عام 1954، بحجة قرب جزيرة «كورس» من المغرب، إلا ان العمليات النضالية استمرت على وتيرتها المعتادة، ضد «الباشا الكلاوي» و «بن عرفة» بمدينة مراكش، في شهر فبراير من سنة 1954، ثم ضد الجنرالين «جيوم» و «هوتفيل». شهدت فاس نفس النهضة في شهر غشت، خلال الاحتفالات بعيد الميلاد الأول لوضع السلطان في الحكم، واعدا سجانيه بالمشاركة في العمل السياسي، أما العلماء صعدوا من المطالبة بعودة السلطان و عائلته، في حين ان عمليات الاختطاف ضد المحاسبين قد كثرت، في نفس الوقت الذي فاز فيه «ايت ايدير» بمدينة ايفني. استمر حبس عبد الله ابراهيم على مدى سنتين إلى غاية سنة 1954، كما انه لم يعلم قط بالمشاورات القائمة، ما بين القادة الوطنيين المستقلين، إلى حين قراءتها كعنوان بارز في جريدة «المغربي الصغير»، التي حصل عليها بالصدفة من احد حراس السجن، ليدرك مدى الضعف وعم الترابط في مجتمعه، إذ أكد تلاميذه آرائه بشأن التسويات و التنازلات التي انسحب منها. سعى مجلس الأمن لدى الأممالمتحدة، للبحث في الوضع الحالي للمغرب، مطالبا بتطبيق إجراءات أساسية ووقف الدولة، وإلى حرية النظام الديمقراطي و المؤسسات و الانتخابات، وإيفاء الوعد بالاستقلال. خلال نفس السنة، توالت الأحداث وطنيا و دوليا، منها تعيين «لاكوست» على رأس مدينة الرباط، في حين ان باريس بدأت تتحرك نسبيا بعد أحداث «منديس فرنسا»، أما بالنسبة لرئيس المجلس فقد اشتغل أكثر على ملفات «الهند» و «تونس»، مع انطلاق الثورة الجزائرية في نوفمبر 1954، لتعقبها بوادر انفراج فترة المنفى على العائلة الملكية، إذ كتب عبد الله ابراهيم بهذا الخصوص «في سنة 1954 لوحظ مدى التزام الشعب المغربي بالروح النضالية، ومدى خوف الجالية الفرنسية منها لدرجة مغادرة المغرب، لقد لمسنا روح الوطنية في جميع أنحاء العالم». عند خروجه من السجن، التقى عبد الله ابراهيم بحسب احمد بنكيران، مع العديد من المراكشيين لا سيما «الدكتور لحلو»، و»بنيس» و»بن عبد الجليل» في شقة يمتلكها «الحاج العابد»، المتعاون مع المقاومة و رئيس الغرفة التجارية الفرنسية-المغربية، والتي يسكنها كل من «محجوب بن صديق» و «محمد عبد الرزاق» و «الدكتور الخطيب». استغل «أحمد بالفرج» من جهته الواجهة الأمريكية، كسند قوي لمساعي المطالبة بالاستقلال، عبر رسالة وجهت للجنرال «أيزنهاور»، تتحدث عن دور الجنود الشمال-أفريقيين خلال الحرب العالمية الثانية، مستغلين المنطقة الاسبانية بالمغرب كملاذ للمقاومين، إذ استغلها حزب الاستقلال للاختباء و للتزود بالسلاح. ان اهتمام عبد الله ابراهيم، لم يكن منصبا سوى على الطبقة الشغيلة، بحسب ما صرح به المؤرخ «بوعزيز»، مع اندلاع المشاداة ما بين الجماهير و الشرطة، كما الحال في تونس و الجزائر مع رجال العصابات، الذين سيشكلون إحدى حلقات البحث في قضية «بن بركة» بعد عقد من الزمان. في يناير 1955، اجتمع أعضاء البعثة الاستقلالية التنفيذية بمدريد، ليلتحق بهم علال من القاهرة، وليتخلف عبد الله ابراهيم عن الحضور، وفي فبراير 1955 سقطت «حكومة منديس» في باريس. وللتذكير، فإن غياب القوة و الحركية عن الاقتصاد الوطني، فد أثر بدوره على مكانة الطبقة العاملة المغربية، إذ ان عدد الحاصلين على الباكالوريا آنذاك، لم يتجاوز الألف شخص أغلبيتهم من المحامين و ضباط الجيش و المدرسين، الذين التحقوا بالمدارس الفرنسية. وفي المقابل، فإن تعداد العاملين قد ناهز مئة الف شخص، لأهميتهم التي فاقت النطاق النقابي العمالي. لقد انتقد عبد الله ابراهيم، إضافة لبن بركة مفاوضات «إيكس ليبان»، واصفين إياها ب»الخطأ الجسيم» لحزب الاستقلال، الممهدة للعثرات و الفشل الذي لحق بالملكية، إذ اعتبر عبد الله ابراهيم ان «لعبة التغيير لغير التغيير، ستفرض على الحوار عدم الانفتاح على عامل واحد او حزب منظم، المفروض أن يمثل رغبة الجماهير المغربية…لقد التقى ممثلو الحركة الوطنية و الحماية وجها لوجه، بهدف زرع بذور التفرقة وعدم التفاهم داخل الحركة الوطنية».