من الصعب أن تعود من الصين كما ذهبت إليها، ومن الصعب أن يقتصر الذهاب إليها، على حالة فرح مصاحبة لسفر كالأسفار الأخرى. الصين بقعة من العالم القادم، ولغة سميكة، قادمة من التاريخ أيضا. بلاد تستمر من التاريخ العريق إلى الغد المذهل. إضافة إلى موقعها، تصدر اليومية ثلاث صحف ورقية، الصباحية واليومية والمسائية… بالنسبة للإدارة، تسحب اليومية 160 ألف نسخة للإعلام البديل أو التواجد في اللوحات الإشهارية وفي الأخبار المقتضبة أو التلفون النقال، ومن الاشتراكات، وعندما تكون هناك أحداث ما، سياسية أو دولية، كما هو حال البريكس أو كوارث، يرتفع العدد، وقد يصل إلى أربعين مليون مشارك في حين أن السكان لا يتعدى عددهم 4 ملايين… يتوقع المسؤولون نهاية الورق، لهذا وضعوا منصات بث ونشر إلكترونية من جيل جديد، تعمل في الوسائط الاجتماعية ويرفعون من أهلية الصحافيين بالتكوين … اليومية تملك أيضا أسبوعيات وإذاعة واستوديو للبصريات.. في العشاء الذي جمعنا معهم، أخبرنا المسؤولون بأنهم يعلنون – سنة 2020 سنة القضاء على الفقر -وأن الأمية اليوم 0 في المئة. سألناهم، بعد أن أخبرونا بأننا أقدام الربح بالنسبة لهم، ماذا تمثل الفلاحة، في مدينة بها بحيرة وأراض فلاحية يانعة؟ قالوا إنها لا تتجاوز 5 فيالمئة. واجهوا سؤالا لم يتوقعوه طرحه الرفيق المسعودي: هل نقول إن الصراع الطبقي انتهى في الصين؟ كنا نتابع بمرح ظاهر الجواب، وجاء حسب العقلية الصينية، بأن الحزب الشيوعي الصيني هو الجبهة التقدمية وطليعة الطليعة للطبقة العمالية الصينية، كماهو الحال بالنسبة للشعب والأمة الصينيين، وهو بذلك جسد المصالح الأساسية للغالبية الساحقة لساكنة الصين … عبر المدينة نحو الأرض… ليلتها، عندما عدنا إلى الفندق، وجدنا فرقة موسيقية بثلاث راقصات صينيات يقدمن لنا الفلامنكو بطريقتهن… هي طريقة مدير فندق “رويال فيكتوريا” لاستقبالنا والاعتزاز بدخولنا، والفندق، كما سنعرف من بعد، في ملكية الحزب الشيوعي، وبالرغم من فخامته لم نجد الزبائن الذين يرفعون مداخل المدينة إلى ذلك الرقم القياسي… تأخرنا ليلا، الشيء الذي جعل الاستيقاظ صباحا صعبا، كما أرادنا دليلنا الخضر. أسرعت في ارتداء ملابسي، بعد دوش سريع. خطفت، بالمعنى الحقيقي للكلمة، قهوة وفاكهة موز وخرجت لألتحق بالآخرين. كان الفندق يوجد في أطراف المدينة، في حي راق …المرافقون يعدوننا بزيارة جزيرة، حديقة قل نظيرها في البلاد، نسير نحوها نقطع أنفاقا تلو أنفاق وحدائق تلو حدائق.. الحديقة التي نزورها اسمها “كولانغيو”، وهي حديقة تتكئ على جبل وانشييان (جبل العشرة آلاف صخرة)، يمكن الوصول إلى قمته عبر ممر داخلي. يقف تمثال البطل الصيني الذي أخرج الجنود الهولانديين من المنطقة في 1662 واسترجع تايوان، كوشينغا أو باسمه الصيني العالمي متشين شينغونغ، على سفح هذا الجبل من الناحية المقابلة، تقع جامعة شيامن. قيل إنها كانت موطن البلشون في الزمن القديم، وهي معروفة تاريخيا ب”جزيرة آموي”. منذ العصور القديمة، ظلت شيامن ميناء تجاريا هاما ومنطقة اقتصادية وثقافية ساحلية في جنوب شرقي البلاد، وتشكل مع مدينتي تشيوانتشو وتشانغتشو المثلث الذهبي بجنوبي مقاطعة فوجيان. والملاحظ أن شيامين شبه جزيرة، ونحن نسير نحو حديقة جزيرة بالربط البحري، أو العبَّارات.. العبَّارة التي ركبناها بطابقين، والدخول إليها لا يختلف عن الدخول عبر بوابة مطار، بوجود آلات التفتيش والأمن، بدأنا، بمجرد الوصول في حافلة نقل مكشوفة، بالتجول عبر أطرافها، لاحظنا عرائس يلتقطون الصور بالرغم من الجو البارد والموشك على المطر، بعض العرسان اختار المراكب والرمل، الجزيرة في السابق كانت تسمى جزيرة الرمال الدائرية- أو الأشجار اليانعة…هذه الجزيرة، في قلبها جامعة فدرو، وتضم حديقة شوزهوانغ Shuzhuang ، والتي كانت في الأصل … فيللا ، لصاحبها لين اريجيا، والذي تبرع بها للمجموعة، قبل أن تتحول إلى حديقة استوائية… يااااه، كيف تنقل كل ما تراه، قد تنقل إحساس الرهبة في تماوج الماء والبحر والشجر الأسيوي البارع في الخضرة، لكن كيف تنقل الحجر، هذا الحجر في هذا المكان المرفوع على أكف البراعة؟ تطرح سؤالا قرأته في كتاب ما، لعله للفرنسية لوران شارليي: ماذا لو كانت الأحجار حية؟ تتذكر روني شار: صخرتان تحابتا فاندهش الماء.. وأنت في خضم حجرياتك الجارية جريان الكأس، يصلك صوت الدليل الخضر وهو يقول: قبالتكم جبل صغير، حجره يجلب الحظ والسعادة، ومن يلتقط صورا أمام الجبل والبحيرة يسعد بعمر طويل… ليست الأحجار كما هي في ثقافات المتوسط والغرب، ثابتة بلا خصائص بشرية، بل هي هنا حية، تكبر وتصغر وتتكلم وتجلب السعادة، ويمكنها أن تمتلك نوايا لك، وتقدر على أن تتفاعل مع دعواتك العميقة… هنا يتغير معنى الكائن الحي، وتتغير انتروبولوجيا البشرية، كلما تحدث الحجر عن السعادة… تقول لورانس شارلي:” كانت الطريقة التي يتصور بها شعراء الصين القديمة الأحجار والصخور قريبة من البحث الجمالي/ الاستيتيقي، فالأحجار أو الجبال لا يتم وصفها حسب مظهرها أو بداهة وجودها، بل يتم تخمينها أو تصورها من خلال انعكاسها في الماء.”… الحجر يدل على قوة الريح أو قوة الماء، وهنا يلتقون، في فجوة الطبيعة الهائلة، ماء ، بحر، هواء، حجر.. هذه الأحجار، هنا مقترحات بالسعادة والرفاه، عليك أن تتأملها، تتخيل من ورائها روح بلاد بكاملها، هي هنا، بترتيب البداهة السياحية، دليل على حركة عميقة، حركة وتفاني رجل سلمها للمدينة، لكنه عمل قد يعود مجددا على شكل آخر…