لقد جاء خطاب العرش 2025، بمثابة تشخيص دقيق لحالة مغربية تتقدم بخطى ثابتة وصاعدة، لكنها لا تزال تعاني تفاوتا في السرعات، وفجوات مؤلمة بين التخطيط وبين التنفيذ، أو بين الإرادة المعلنة والواقع المعيش . وإذا كان التشخيص دقيقا إلى هذا الحد ومن أعلى مستويات القرار في الدولة، فإن الأسئلة المؤرقة هي: لماذا تقف البرامج والمخططات والمشاريع في منتصف الطريق ؟ وأين تكمن العلة ؟ هل في غياب الموارد أم في غياب الإرادة؟ أم أن المشكل أعمق ويتعلق بأزمة حكامة وتدبير، وشجاعة في تحمل المسؤولية ؟ إن المطلوب اليوم، ليس مزيدا من التخطيط والبرامج، بل تجويد الموجود منها وإدماجه، وتسريع وتيرة العمل، والانتقال من سرعتين إلى سرعة واحدة، مع تجاوز منطق التردد والانتظار، وإعادة الاعتبار للكفاءة والنزاهة في تولي المسؤوليات . لقد حدد جلالة الملك بوصلة العمل بوضوح: عدالة ترابية وكرامة اجتماعية واقتصاد منتج ومؤسسات ناجعة وإدارات تشتغل بعقلية الخدمة لا الامتياز، وما على المسؤولين، بمختلف مستوياتهم، سوى التحرك، الآن قبل الغد، من أجل ترجمة الرؤية الملكية على أرض الواقع، بكل ما يتطلبه الواجب الوطني من تسلح بأقصى أشكال النجاعة والحكامة وإتقان في التدبير . لقد تعب المغاربة من البرمجة من أجل البرمجة فقط، وحان الوقت لربط التخطيط بالأثر الحقيقي، وإلا فليذهب كل واحد إلى حال سبيله . وبقدر ما يحتاج ملف تهميش المناطق القروية، إلى الجدية في تنزيل المشاريع التنموية، وفك العزلة وتشغيل الشباب، والاستثمار في المؤهلات الطبيعية، والانطلاق من ما هو محلي لخلق التنمية، فإنه لا يستحمل إطلاقا المزايدات الانتخابوية الفارغة، وركوب المشاكل والمعاناة بشكل يهدد السلم الاجتماعي، عوض العمل والاجتهاد في كل الظروف والتضحية لخدمة الشأن العام وتنزيل التعليمات الملكية السامية. وطبعا فإن المغرب يتميز بتنوع ثقافي يشكل مصدر قوة لتحقيق هذه التنمية الشاملة والعدالة المجالية، كما أن العديد من المناطق القروية تزخر بمؤهلات طبيعية قل نظيرها بالعالم، لكن العطب في غياب الاستغلال الأمثل للفرص الذهبية، وتبعات فيروس الفساد الذي ينخر المؤسسات، ويقف حجرة عثرة أمام تحقيق حلم ملك وشعبه، لكن بالعزيمة والإرادة الملكية القوية يسير مشروع مغرب 2030 بخطى ثابتة لتحقيق التقدم والازدهار وكل من يقف أمام تيار الإصلاح سيجرفه لا محالة نحو مزبلة التاريخ بلا رحمة. لا عقد لدى المغرب إطلاقا، فهذا البلد قادر على النظر إلى نفسه في المرآة دون حاجة لرتوشات خادعة تزيف واقعه، وتكذب عليه، لذلك يفخر بالإنجازات الحقيقية التي يحققها ويحتفل بها وبقدرته على الوصول إليها، ويقف بالمقابل أمام العثرات والهفوات، يصلحها، يبحث لها عن حلول، يواجهها ولا يهرب منها . لذلك فهو بلد سوي، مستقيم، لا يعاني من أعطاب الغرور وعقد الاستعلاء، لكنه في الوقت ذاته سليم تماما من كل عقد النقص أو الصغر أمام الآخرين . هذا بلد يعرف من أين أتى، ويعرف جيدا أين هو اليوم، ولديه وضوح رؤية كامل بخصوص وجهته المستقبلية، أي إلى أين هو ذاهب . لذلك نقول منذ بدء البدء لكل راغب في الإنصات إلينا إن المعركة ضد المغرب، في أي مجال وفي كل مجال، هي معركة محسومة المصير سلفا، خاسرة بالنسبة للأعداء، مربوحة مناصرة منتصرة لبلد الصدق والوضوح والنية الصادقة هذا المسمى المملكة المغربية.