مفتاح لإحياء حل الدولتين وتجاوز الانسداد السياسي الذي يخنق آفاق السلام في المنطقة
في مبادرة فكرية عالمية غير مسبوقة، تحديدا من حيث رمزية المشاركين وثقلهم الأكاديمي، دعا عدد من كبار الفلاسفة والمفكرين الغربيين (في بيان وقعته 100 شخصية أكاديمية وفكرية وثقافية من مختلف أنحاء العالم، نشر عبر جريدة لوموند الفرنسية) إلى الإفراج الفوري عن الزعيم الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي، معتبرين أن «هذه الخطوة تمثل مفتاحا ضروريا لإحياء حل الدولتين وتجاوز الانسداد السياسي الذي يخنق آفاق السلام في المنطقة». ثقل الموقعين: رموز الفكر العالمية في مواجهة الظلم ينطلق البيان، من قناعة بأن البرغوثي يمثل حجر زاوية في أي مستقبل سياسي فلسطيني قابل للحياة. فبينما تدور المفاوضات بشأن تبادل الأسرى بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، يبرز اسم البرغوثي كأهم أسير يمكن أن يغيّر المعادلة، لا فقط من زاوية إنسانية، بل من منظور استراتيجي أيضًا. ومن أبرز الموقّعين على هذا البيان الاستثنائي، الروائي الجنوب إفريقي جون م. كويتزي (الحائز على جائزة نوبل في الأدب لعام 2003) وأحد أعمدة الأدب العالمي، إلى جانب الفيلسوف بيتر سينغر، أستاذ الفلسفة بجامعة برينستون وأحد أبرز المفكرين المعاصرين في فلسفة الحقوق والأخلاق. ويبرز أيضًا جاك رانسيير، الفيلسوف الفرنسي المعروف بتحليلاته العميقة في قضايا الديمقراطية والسياسة، وفيليب ديسكولا، عالم الأنثروبولوجيا في «كوليج دو فرانس»، الذي يعد من أبرز منظّري علاقة الإنسان بالعالم الطبيعي. كما يشارك في البيان ساري نصيبية، الفيلسوف الفلسطيني والرئيس الأسبق لجامعة القدس، وعومر بارتوف، المؤرخ في جامعة براون، إلى جانب سامنتا بيسون، المتخصصة في القانون الدولي ب»كوليج دو فرانس»، وجيف ماكماهان، أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة أكسفورد، وإيفا جابلونكا، المؤرخة العلمية في جامعة تل أبيب. وتكمل القائمة أسماء أكاديمية مرموقة أخرى مثل صوفي بيسيس، وآنا زيلينسكا، وغيرهما من الأكاديميين والفلاسفة البارزين، ليشكّلوا جبهة فكرية متكاملة تدعو إلى إعادة الاعتبار لمكانة القيادة الفلسطينية عبر تحرير أبرز رموزها. البرغوثي: حين يكون الأمل في الزنزانة البرغوثي ليس أسيرًا فلسطينيًا فحسب. هو، كما يصوره هذا البيان، رمز لما يمكن أن تكون عليه القيادة الفلسطينية: شرعية نضالية، وواقعية سياسية، وشعبية قاعدية، وقبول دولي. هذا الرباعي، الذي يبدو مفقودا منذ سنوات، يختصر في شخصه، ولهذا يصر الاحتلال على إبقائه بعيدا عن الضوء. ما الذي تبقّى من «السلام» حين يعتقل رمزه؟ وما جدوى التلويح بحل الدولتين في المؤتمرات، إن ظل من يملك مفاتيح تطبيقه يقبع في سجون الاحتلال منذ أكثر من عقدين؟ حين يتحد هذا العدد من المفكرين والفلاسفة والأكاديميين حول نداء واضح وصريح بالإفراج عن مروان البرغوثي، فهم لا يدافعون فقط عن رجل، بل عن فكرة، عن أفق لا يزال ممكنًا، رغم كل شيء. إن هذا البيان، بتوقيعاته النوعية لا الكمية، هو بمثابة صفعة أخلاقية للعالم الصامت، وصفارة إنذار للمؤسسات الدولية التي تتحدث ليل نهار عن السلام، دون أن تجرؤ على تسمية شروطه الحقيقية. وهو أيضا دعوة مباشرة إلى من يملكون قرارات المصير في الشرق والغرب، للإنصات إلى صوت العقل، لا إلى ضجيج القنابل. دور البرغوثي وحاجة الفلسطينيين لقيادة جامعة منذ اعتقاله عام 2002، ظل البرغوثي صوتا مؤيدا لحل سياسي للصراع، ومرشحا طبيعيا لقيادة الفلسطينيين، يحظى بشعبية واسعة في الضفة وغزة، وباحترام من مختلف الأطياف السياسية. يتمتع البرغوثي بقدرة فريدة على الجمع بين الواقعية السياسية والشرعية النضالية، وهو ما يجعل حضوره في مرحلة «اليوم التالي» ضرورة لا يمكن تجاهلها. لهذا، يحذر البيان من أن الحكومة الإسرائيلية قد تجد مصلحة في استمرار تغييب البرغوثي، لمنع بروز قيادة فلسطينية موحدة وشرعية قد تفرض عليها، يومًا ما، القبول بحل سياسي حقيقي. ولذلك يدعو الموقعون إلى ممارسة ضغط واسع النطاق على السلطات الإسرائيلية للإفراج عنه باعتباره سجينا سياسيا يجب أن يعود إلى دوره الطبيعي في الساحة الفلسطينية. البرغوثي بوصفه اختصارا للفرصة المفقودة في ختام البيان، يناشد الموقعون الشخصيات الفكرية والأكاديمية من مختلف أنحاء العالم – لا سيما في الدول العربية – بالانضمام إلى هذا النداء، وتوسيع دائرة التوقيعات والضغط، إيمانا منهم بأن لحظة تاريخية كهذه لا ينبغي أن تمر دون أثر. في نظر هؤلاء المفكرين، لا يبنى السلام على المؤتمرات والتمويلات وحدها، بل على رموز تمتلك شرعية تاريخية وشعبية وأخلاقية. وبحسب نص البيان، فإن الإفراج عن مروان البرغوثي ليس صدقة، بل خطوة سياسية ضرورية تمنح الإسرائيليين والفلسطينيين فرصة جديدة للحياة جنبًا إلى جنب، في ظل عدالة حقيقية وسلام قائم على الكرامة المتبادلة. حين يجمع هذا العدد من كبار المفكرين والفلاسفة في الغرب على المطالبة بالإفراج عن مروان البرغوثي، فليس ذلك دفاعا عن رجل فقط، بل عن ما يمثله من أمل سياسي وإنساني. البرغوثي، الذي يقبع في سجون الاحتلال منذ عام 2002، يقدم اليوم كأحد آخر الرموز القادرة على توحيد الفلسطينيين واستعادة مشروع الدولة. إن بيان هؤلاء المفكرين – كما نشر في لوموند – لا يكتفي بتوصيف الواقع، بل يوجه نداءً صريحا: «السلام العادل يبدأ بتحرير رموزه، والبرغوثي أولهم».