في الوقت الذي ينتظر فيه البيضاويون ترجمة فعلية للتوجيهات الملكية السامية إلى مشاريع تعيد الاعتبار لكرامتهم وحقهم في العيش اللائق، اختار مجلس جماعة الدارالبيضاء أن «يستفيق» فجأة، ليعقد اجتماعا بدا أشبه بمحاولة يائسة لترميم صورة باهتة، والتقاط أنفاس ما قبل المواعيد الانتخابية القادمة. الاجتماع الذي ترأسته عمدة المدينة، يوم الاثنين 4 غشت 2025، خصص للتفاعل مع الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش، ومناقشة «التوجهات التنموية الكبرى للجماعة»، لكنه في عمقه كان اعترافا ضمنيا بأن المجلس تقاعس طيلة السنوات الماضية عن القيام بدوره، ولم يتحرك إلا بعد أن دق الملك ناقوس الخطر. فهل كانت الجماعة بحاجة لخطاب ملكي كي تدرك أهمية المساحات الخضراء، والنظافة، وتدبير الماء، والخدمات الرقمية؟ أم أن جزءا من الطبقة المسيرة في المدينة لا يتحرك إلا عندما تقترب صناديق الاقتراع، ويشتد ضغط الرأي العام، وتتآكل الشرعية السياسية والشعبية؟ وحتى حين يتعلق الأمر بالأوراش الكبرى التي تشهدها المدينة، فإن الجميع يعلم أن أغلبها يحمل بصمة ملكية مباشرة، من حيث الرؤية والتمويل والإشراف، دون أي أثر يُذكر لمبادرات المجلس الجماعي. لقد ظلت هذه المؤسسة المنتخبة في موقع المتفرج، لا تبادر ولا تبتكر، بل تكتفي بتصريف الأعمال اليومية، والتعاطي البطيء مع الإشكالات المتراكمة. المؤلم في كل هذا، أن الوجوه التي تدّعي اليوم الاستجابة لتوجيهات الدولة، هي نفسها التي فشلت في أبسط التزاماتها، وأبرزها العجز الفاضح عن فتح أبواب حديقة الحيوانات، المشروع الذي ظل حلما يراود ساكنة البيضاء لعقود، قبل أن يتحول إلى رمز ساخر للإهمال والتسويف. والأسوأ من ذلك، أن واقع التهميش لم يعد مقتصرا على بعض الجيوب الهشة، بل صار سمة لصيقة بأغلب أطراف المدينة، خاصة تلك التي تقع خلف الطريق السيار، حيث تنتشر أحياء بكاملها من البناء العشوائي، وتفتقر مساكنها إلى أبسط شروط العيش الآدمي. مساكن بلا روح، لا تصلح حتى كملاجئ، فما بالك أن تُسمى سكنا يحفظ الكرامة. وإن كان هناك جزء من المدينة يظهر ظاهريًا أنه يتحرك ويتطور، فإن الأغلبية الساحقة من تراب الدارالبيضاء لا تزال تستحق، للأسف، أن تُسمى «كازا نيگرا». الظلمة ليست فقط في البنية، بل في الإهمال، في الشعور بالتهميش، وفي غياب المرافق العمومية الأساسية. وفي هذا المقام، نهمس في آذان المسؤولين ومعهم من حضر الاجتماع الأخير: كم عدد المسارح في المدينة؟ كم عدد ملاعب القرب، وكم عدد المسابح؟ كم روضاً للأطفال افتتح خلال الولاية؟ أين مؤسسات الرعاية الاجتماعية؟ أين هي العدالة المجالية التي لا تزال حبرًا على ورق؟ لقد تحولت معظم الأوراش، للأسف، إلى أدوات للضبط الانتخابي والاستغلال المالي، في غياب رؤية تنموية شاملة ومنصفة. والمواطن يرى ويسجل، ويعرف متى يتحرك المسؤول فعلاً، ومتى يتحرك فقط لتلميع صورته أو إنقاذ موقعه. كيف يمكن الحديث عن «العدالة المجالية»، وأحياء بأكملها تعيش في عتمة الإقصاء؟ كيف نقبل خطاب التنمية، بينما لا يزال تنقل المواطن البيضاوي تجربة مرهقة، وعذابات يومية بسبب منظومة نقل عمومي فاشلة، لا تواكب حجم المدينة ولا كثافة سكانها؟ نعم، لا يمكن التقليل من أهمية بعض المشاريع المهيكلة، خصوصا على مستوى الطرق أو شبكات المياه، ولكن الحقيقة التي لا يريد البعض الاعتراف بها، هي أن النقل، والتنقل، وجودة الحياة، ما تزال خارج دائرة الأولويات الحقيقية. والأدهى أن المجلس الحالي لم ينجح حتى في ضمان التقائية السياسات العمومية بين مختلف المتدخلين. لقد صار المواطن البيضاوي ضحية سوء تدبير مزمن، ووعود انتخابية لم تغادر أدراج الخطابات. والآن، مع اقتراب كل استحقاق، تبدأ الآلة التواصلية في تلميع «الحصيلة»، كأن الزمن السياسي ذاكرة قصيرة، والمواطن بلا وعي. الدارالبيضاء لا تحتاج إلى اجتماعات متأخرة، بل إلى رؤية واضحة، ووجوه جديدة، ومحاسبة صريحة. فكرامة السكان لا تحتمل التماطل، وسمعة المدينة لا تبنى بالبلاغات.