في الوقت الذي خرج فيه رئيس الحكومة عزيز أخنوش، في مروره التلفزي مساء الأربعاء المنصرم، ليبشر المغاربة بإصلاحات كبرى و»مستقبل زاهر» للمنظومة الصحية في أفق سنتين، كان المستشفى الجهوي الحسن الثاني بأكادير، في مدينته التي يترأس مجلسها الجماعي، يصرخ بوجه الحقيقة المرة: لا دواء، لا تجهيزات، لا كرامة للمريض ولا سند للأطر الصحية. هذه المفارقة الصارخة تكشف حجم الهوة بين الخطاب الرسمي والواقع المعاش، وتؤكد أن الوعود المتكررة ليست سوى محاولة لشراء الوقت إلى ما بعد الانتخابات المقبلة. فأي إصلاح يتحدث عنه رئيس الحكومة، إذا كانت مدينته نفسها تعيش انهيارا يوميا لمنظومة الصحة؟ وأي مصداقية تبقى لكلامه، حين يعجز عن إنقاذ مستشفى واحد يرمز إلى فشل السياسات التي راكمتها حكومته ومن سبقها؟ إن المستشفى الجهوي الحسن الثاني بأكادير يعرف وضعا كارثيا على مختلف المستويات، وهو بذلك يعكس جزءا من صورة قاتمة يعيشها قطاع الصحة العمومية بجهة سوس ماسة وبالمغرب عموما. هذا المستشفى يعاني خصاصا حادا في أبسط المستلزمات الطبية واللوجستيكية؛ من المحاليل الوريدية، أنابيب التحاليل، المضادات الحيوية، والقفازات الطبية، إلى غياب شبه كلي لعربات النقل وحملة المرضى، ما يضطر هؤلاء للتنقل بين الأقسام عبر الشارع في مشهد يمس كرامتهم ويهدد حياتهم. الأمر لا يتوقف عند هذا الحد؛ فالمرافق الأساسية شبه منعدمة، المراحيض قليلة، قاعات الاستراحة غائبة، والوجبات الغذائية خلال الحراسة الليلية منعدمة، فيما بلغت مستويات النظافة درجة خطيرة مع انتشار القطط الضالة داخل الممرات وحتى فوق الأسرّة. الأخطر أن قسم العمليات يعرف انقطاعا متكررا في مواد التخدير، ما يؤدي إلى تعطيل قاعات العمليات والاكتفاء بالحالات الاستعجالية، بينما يُجبر المرضى على اقتناء المستلزمات الأساسية من خارج المستشفى. هذا الوضع لم يأت مفاجئا، فقد سبق للنقابة الوطنية للصحة العمومية بجهة سوس ماسة أن دقت ناقوس الخطر وحذّرت من تدهور القطاع الصحي، منبهة إلى أن الأطر الصحية تتحمل عبئا يفوق طاقتها رغم قلة الإمكانيات. هذه الأطر التي يُراد تحميلها وزر فشل السياسات العمومية المتعاقبة، فيما المسؤولية الحقيقية تقع على عاتق المسؤولين جهويا ومركزيا الذين لم يتدخلوا بما يكفي لتصحيح الأعطاب العميقة التي تكبل المنظومة. أما الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها أكادير أمام بوابة المستشفى فلم تكن إلا نتيجة طبيعية لهذا الوضع المزري. إن ما يحدث اليوم في أكادير لا يختلف كثيرا عما تعيشه مستشفيات عديدة في مدن كبرى وصغرى على السواء، وهو ما ينذر بتحول الوضع إلى تسعير نار البركان، خصوصا في ظل إشكالات المنظومة الصحية و تنامي المصحات الخاصة ودفع المواطن نحو الاستشفاء بها وهي أضحت تبتلع أزيد من 80٪ من التحصيل الصحي. إن الحق في الصحة ليس شبعا ولا مجالا للمزايدات السياسية، أو الحملات الانتخابية السابقة كما فعل رئيس الحكومة خلال مروره التلفزي، بل هو حق أصيل مرتبط بأقدس الحقوق ألا و هو الحق في الحياة. ومن العبث أن تظل الأطر الصحية بكل فئاتها الشماعة الذي يواجه بها الغضب الشعبي. إن المستشفيات العمومية في المغرب باتت أقرب إلى مناطق منكوبة، ومن غير المقبول أن يبقى المواطن أسير واقع يزداد قتامة يوما بعد يوم. إن الحلول الترقيعية لم تعد تجدي، والمطلوب اليوم إرادة سياسية حقيقية تُترجم إلى إجراءات ملموسة، وفي مقدمتها التعجيل بتشغيل المستشفى الجامعي سوس ماسة، باعتباره خطوة أساسية للتخفيف من الضغط على المستشفى الجهوي الحسن الثاني، ولإعادة بعض الأمل في عرض صحي يليق بكرامة المغاربة.