الدبلوماسي الأمريكي السابق كريستوفر روس: قرار مجلس الأمن بشأن الصحراء "تراجع إلى الوراء"    الأحزاب المغربية تشيد بالمقاربة التشاركية للملك محمد السادس لتحيين مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء    أجواء غائمة مع ارتفاع طفيف لدرجات الحرارة في توقعات طقس الثلاثاء    فضيحة في وزارة الصحة: تراخيص لمراكز الأشعة تُمنح في ظل شكاوى نصب واحتيال    الفاعل المدني خالد مصلوحي ينال شهادة الدكتوراه في موضوع "السلطة التنظيمية لرئيس الحكومة في ضوء دستور 2011"    تغير المناخ أدى لنزوح ملايين الأشخاص حول العالم وفقا لتقرير أممي    انخفاض طلبات الإذن بزواج القاصر خلال سنة 2024 وفقا لتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية    "أسود الأطلس" يتمرنون في المعمورة    الأحزاب السياسية تشيد بالمقاربة التشاركية للملك محمد السادس من أجل تفصيل وتحيين مبادرة الحكم الذاتي    مباحثات تجمع العلمي ونياغ في الرباط    تنصيب عمر حنيش عميداً جديدا لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط    الرايس حسن أرسموك يشارك أفراد الجالية أفراح الاحتفال بالذكرى 50 للمسيرة الخضراء    إطلاق سراح الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي وإخضاعه للمراقبة القضائية    أخنوش: الحكومة تواصل تنزيل المشروع الاستراتيجي ميناء الداخلة الأطلسي حيث بلغت نسبة تقدم الأشغال به 42 في المائة    المعارضة تقدم عشرات التعديلات على مشروع قانون المالية والأغلبية تكتفي ب23 تعديلا    رسميا.. منتخب المغرب للناشئين يبلغ دور ال32 من كأس العالم    تداولات بورصة البيضاء تنتهي "سلبية"    ندوة حول «التراث المادي واللامادي المغربي الأندلسي في تطوان»    مصرع شخص جراء حادثة سير بين طنجة وتطوان    أمن طنجة يُحقق في قضية دفن رضيع قرب مجمع سكني    كرة أمم إفريقيا 2025.. لمسة مغربية خالصة    نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية تترأس تنصيب عامل إقليم الجديدة    المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يضمن التأهل إلى الدور الموالي بالمونديال    انطلاق عملية بيع تذاكر مباراة المنتخب الوطني أمام أوغندا بملعب طنجة الكبير    "حماية المستهلك" تطالب بضمان حقوق المرضى وشفافية سوق الأدوية    لجنة الإشراف على عمليات انتخاب أعضاء المجلس الإداري للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة تحدد تاريخ ومراكز التصويت    "الإسلام وما بعد الحداثة.. تفكيك القطيعة واستئناف البناء" إصدار جديد للمفكر محمد بشاري    تقرير: احتجاجات "جيل زد" لا تهدد الاستقرار السياسي ومشاريع المونديال قد تشكل خطرا على المالية العامة    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 69 ألفا و179    تدهور خطير يهدد التعليم الجامعي بورزازات والجمعية المغربية لحقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر    تلاميذ ثانوية الرواضي يحتجون ضد تدهور الأوضاع داخل المؤسسة والداخلية    ليلى علوي تخطف الأنظار بالقفطان المغربي في المهرجان الدولي للمؤلف بالرباط    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    ألمانيا تطالب الجزائر بالعفو عن صنصال    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    200 قتيل بمواجهات دامية في نيجيريا    رئيس الوزراء الاسباني يعبر عن "دهشته" من مذكرات الملك خوان كارلوس وينصح بعدم قراءتها    قتيل بغارة إسرائيلية في جنوب لبنان    برشلونة يهزم سيلتا فيغو برباعية ويقلص فارق النقاط مع الريال في الدوري الإسباني    إصابة حكيمي تتحول إلى مفاجأة اقتصادية لباريس سان جيرمان    الإمارات ترجّح عدم المشاركة في القوة الدولية لحفظ الاستقرار في غزة    الحكومة تعلن من الرشيدية عن إطلاق نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة    الدكيك: المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة أدار أطوار المباراة أمام المنتخب السعودي على النحو المناسب    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعلَّمتُ مِن النَّبي (عليه الصلاة والسلام)
نشر في الجسور يوم 04 - 11 - 2017


بقلم الدكتور/ أحمد علي سليمان
من علماء الأزهر الشريف
https://www.facebook.com/drahmedalisoliman/?fref=ts
تعلَّمتُ من النبي (صلى الله عليه وسلم) أدب المعاملة والتواضع مع الناس، وأن الإسلام دين العلم والخير والعدل والرفق والتسامح والفضيلة والعمل الصالح، ودين الخلق القويم والسلوك الرشيد.
تعلَّمتُ من النبي (صلى الله عليه وسلم) أنَّ العبادات في الإسلام ليست شعائر تؤدى فقط، ولكنها موجهات للإنسان إلى طريق الله.. وإلى طريق الإيمان وإلى طريق مراقبة الله سبحانه وتعالى.. إلى طريق حب الخير للناس كل الناس.. موجهات للإنسان إلى طريق الجنة التي أعدها الله للمتقين. وتعلمت منه (صلى الله عليه وسلم) أن الصلاةَ معراجُ المسلم لربه، ومن ثم يجب أن تكون موجهة له نحو الإصلاح والصلاح والفلاح في الدنيا والآخرة، وأنه رب قائم ليس له من صلاته إلا القيام والقعود، وأن مَن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فليس له صلاة. وأن الصيام يجب أن نعيشه ونعايشه ويعيش فينا.. في سلوكنا وفي قلوبنا ووجداننا وفي كل جوارحنا؛ ليشعر الغني بآلام الفقير ويدفعه إلى العطاء والسخاء، ومن ثم يُكسب المسلم أخلاقًا رفيعة، ويربي الضمير في نفسه ويوقظه ليظل حيًّا يقظا في كينونته ويحقق لدى الصائم خصيصة المراقبة والإحسان وينميها، وإلا فَرُّبَ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش.. وما يقال عن الصلاة والصيام يقال في سائر العبادات…
تعلَّمتُ من النبي (صلى الله عليه وسلم) أنَّه جاء ليتمم مكارم الأخلاق، ويرسخ حسن الخلق، وحسن المعاملة بين الناس، فكان (صلى الله عليه وسلم) يمر في الأسواق ذات يوم فوجد رجلا يضع الطعام الجيد في أعلى الوعاء، ويضع الطعام الردئ في أسفله، فقال (صلى الله عليه وسلم) له: (مَن غشَّ فليسَ مِنَّا) (صحيح الترغيب).
تعلَّمتُ من النبي (صلى الله عليه وسلم) أنَّ مكانة العلم والعلماء السامقة، وأننا يجب أن نبرع في العلم والتعلم والبحثمدى الحياة، ونسعي للعلم ولو في الصين، وأن (من سلَكَ طريقًا يَبتَغي فيهِ عِلمًا، سلَكَ اللَّهُ بِهِ طريقًا إلى الجنَّةِ، وإنَّ الملائِكَةَ لتَضعُ أجنحتَها لطالبِ العلمِ وإنَّ العالِمَ ليستغفرُ لَهُ مَن في السَّمواتِ ومَن في الأرضِ حتَّى الحيتانُ في الماءِ وفضلُ العالمِ على العابدِ كفَضلِ القمرِ على سائرِ الكَواكبِ إنَّ العُلماءَ ورثةُ الأنبياءِ إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا دِرهمًا إنَّما ورَّثوا العِلمَ فمن أخذَ بِهِ فقد أخذَ بحظٍّ وافرٍ) (سنن الترمذي)، وأن نتفكر ونتدبر في ملكوت الله، وأنَّ الله يعاتب الذين يغلقون نوافذ عقولهم وقلوبهم، بل ويجعلهم كالأنعام يقول تعالى: (… لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)(الأعراف: 179).
تعلَّمتُ من النبي (صلى الله عليه وسلم) أنَّ من تزوج امرأة على صداقٍ –أي مهر- وهو ينوي أن يأكل صداقها، لقي الله يوم القيامة وهو زانٍ.
تعلَّمتُ من النبي (صلى الله عليه وسلم) أنَّ الصدقة بعشر أمثالها، وأنَّ القرض بثمانية عشر مثلا.. فإذا أقرضت معسرا كان لك ثمانية عشر مثلا.
تعلَّمتُ من النبي (صلى الله عليه وسلم) ألا يبيع أحدنا على بيع أخيه، وألا يخطب أحدنا على خِطبة أخيه حتى يذر.
تعلَّمتُ من النبي (صلى الله عليه وسلم) أنَّ من أخذ دَيْنًا من أخيه، وهو ينوي ألا يؤديه، لقي الله يوم القيامة سارقًا.
تعلَّمتُ من النبي (صلى الله عليه وسلم) أنَّ مَن أخذ أموالَ الناسِ يريد أداءها أدي الله تعالى عنه، ومَن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله.
تعلَّمتُ من النبي (صلى الله عليه وسلم) الشورى والحرية.. حرية المعتقد وحرية الفكر والرأي والتعبير، وحقوق الإنسان، وأنَّ الإسلام دين يقبل الآخر ويحترم الرسالات الأخرى والرسل السابقين؛ بل إنه جعل الإيمان بالرسل السابقين ركنا من أركان الإيمان لدى المسلمين، ولا يُجبر أو يُكره أحدًا على الدخول فيه؛ بل يدعو إليه بالعقل -الذي هو مناط التكليف- وبالمنطق، يقول تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)(البقرة: 256).
تعلَّمتُ من النبي (صلى الله عليه وسلم) الرحمة والرفق بكل مفردات الطبيعة من إنسان وحيوان ونبات وحتى الجماد.
تعلَّمتُ من النبي (صلى الله عليه وسلم) الوسطية، واحترام العقل، ومخاطبة الوجدان، والموازنة بين الروح والجسد، وأن نعمل للدنيا وللآخرة معا.
تعلَّمتُ من النبي (صلى الله عليه وسلم) عيادة المرضى وتفقد أحوالهم ورعايتهم، ومساعدة العاجز والضعيف، ومراعاة الأمانة، واتباع الجنائز، والحفاظ على الوقت، والحفاظ على أسرار الناس.
تعلَّمتُ من النبي (صلى الله عليه وسلم) أنْ أكون صادقًا وبعيدًا كل البعد عن الكذب، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال (صلى الله عليه وسلم): (عليكم بالصِّدقِ. فإنَّ الصِّدقَ يهدي إلى البرِّ. وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنَّةِ. وما يزالُ الرَّجلُ يصدُقُ ويتحرَّى الصِّدقَ حتَّى يُكتبَ عند اللهِ صِدِّيقًا. وإيَّاكم والكذِبَ. فإنَّ الكذِبَ يهدي إلى الفجورِ. وإنَّ الفجورَ يهدي إلى النَّارِ. وما يزالُ الرَّجلُ يكذِبُ ويتحرَّى الكذِبَ حتَّى يُكتبَ عند اللهِ كذَّابًا) (رواه مسلم).
تعلَّمتُ من النبي (صلى الله عليه وسلم) أنْ أحفظ لساني، ولا ألوثه بالكلمات النابية أو الخارجة أو بالساقط من الكلام، أو التجرؤ على خلق الله، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: "خدمتُ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) عشرَ سنينَ، فما قال لي أُفٍّ قطُّ، وما قال لي لشيٍء صنعتُه: لِمَ صنعتَه، ولا لشيٍء تركتُه: لِمَ تركتَه، وكان رسولُ اللهِ من أحسنِ الناسِ خُلُقًا.." (مختصر الشمائل).. عشر سنين لم يصدر فيها -ولا في غيرها- كلمة أف -ولا غيرها- وهي أقل كلمات الضجر.. ولا غرو في ذلك فهو المعصوم.
تعلَّمتُ من النبي (صلى الله عليه وسلم) الدعاء، وأنَّه لا يقدر على النفع إلا الله، ولا يقدر على الضر إلا الله، ولا يقدر على دفع الضر إلى الله، وأن أتعلق بحبال الله، وأن أحفظ الله حتى يحفظني الله، فعن عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) أنه ركِبَ خلفَ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يومًا فقال له رسولُ اللهِ: (يا غلامُ إني مُعَلِّمُكَ كلماتٍ احفظِ اللهَ يَحفظْكَ احفظِ اللهَ تجدْهُ تُجاهَكَ وإذا سألتَ فلتسألِ اللهَ وإذا استعنتَ فاستعنْ باللهِ واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبهُ اللهُ لك ولو اجتمعوا على أن يَضروك لم يَضروك إلا بشيٍء قد كتبهُ اللهُ عليك رُفعتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ) (مسند أحمد).
تعلَّمتُ من النبي (صلى الله عليه وسلم) أنْ أحترم أقدار الله عز وجل في الكون والخلق والحياة، وألا أحقد على أحدٍ ما حيت.
تعلَّمتُ من رسالة النبي (صلى الله عليه وسلم) أنَّ قدرَ الله لا يحكم الله، ولكنَّ اللهَ يحكمُ قدرَه، وأن آخذ بالأسباب، وأتوكل على رب الأرباب جل وعلا، وأن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقا وأجلها، وأن الله تعالى تكفل برزق كل مخلوق.. قال تعالى: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) (هود: 6)
تعلَّمتُ من النبي (صلى الله عليه وسلم) أنْ أؤدي الأمانة إلى أصحابها وأن أكون وفيا بالعهد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (أنَّه ذكر رجلا من بني إسرائيل، سأل بعضهم بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم، فقال: كفى بالله شهيدا، قال فأئتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلا، قال: صدقت، فدفعها إليه إلى أجل مسمى، فخرج في البحر فقضى حاجته، ثم التمس مركبا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله، فلم يجد مركبا، فأخذ خشبة فنقرها، فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زجج موضعها، ثم أتى بها إلى البحر فقال: اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلانا ألف دينار، فسألني كفيلا فقلت: كفى بالله كفيلا، فرضي بك، وسألني شهيدا فقلت: كفى بالله شهيدا، فرضي بك، وأني جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر، وإني أستودعكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه، ثم انصرف، وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي أسلفه، ينظر لعل مركبا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطبا، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الذي كان أسلفه، فأتى بالألف دينار، فقال: والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك، فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه، قال: هل كنت بعثت إلَّي بشيء؟ قال: أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه، قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف دينار راشدا) (صحيح البخاري).
تعلَّمتُ من النبي (صلى الله عليه وسلم) أنْ أُكرِم المرأةَ وأكون بها شفيقًا رفيقًا.. فهي أم وأخت وزوجة وبنت، وأن أمازح أهلي وأتلطف بهم وأوسع عليهم في النفقة، وأضاحكهم، وأكون رحيما بالزوجة خاصة، والنساء عامة، وتؤكد السيدة عائشة (رضي الله عنها) هذه المعاني بقولها: (ما ضرب شيئا قط، ولا ضرب امرأة ولا خادما)، وكان (صلى الله عليه وسلم) يوصي بالنساء خيرا فيقول: (خيرُكم خيرُكم لأهلِه وأنا خيرُكم لأهلي) (صحيح ابن حبان).. لقد كان النبي زوجا وصديقا وأخا وأبا لكل زوجاته.. غمرهم بفيض الحب الخالص لله.. وعفى عن المسيئ منهن.. وكان يقابل إساءتهن بالإحسان، ويحث أتباعه على الرفق بهم، فقد كان في سفرٍ، وكان معه غُلامٌ له أسْوَدُ يُقالُ له أنْجَشَةُ، يَحْدُو –أي يسوق الأبل وينشد لها حثًّا لها على السير-، فقال له رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): (ويْحَكَ يا أنْجَشَةُ، روَيْدَكَ بالقَواريرِ) (صحيح البخاري). فما أعظم هذا التوجيه وما أبلغ هذا التعبير النبوي الراقي!! حيث شبه النساء في رقتهن وخلقتهن بالزجاج الرقيق، في إشارة منه (صلى الله عليه وسلم) إلى ضرورة معاملتهن بالرفق واللين…
تعلَّمتُ من النبي (صلى الله عليه وسلم) أنْ تكون حياتنا سهلة وبسيطة وبعيدة عن التعقيد والجمود والتشدد والتزمت، ومتوازنة وبعيدة عن الإفراط أو التفريط. وأن ديننا واضحٌ لا غموض فيه ولا لبس فيه ولا تناقض فيه.. وأنه لا رهبانية فيه، فتعاليمه سهلة ميسرة تناسب الإنسان أي إنسان في كل زمان وفي كل مكان، قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ…)(الحج: 78).
تعلَّمتُ من النبي (صلى الله عليه وسلم) النظافة والنظام والدقة والتخطيط وإتقان العمل ومراقبة الله جل وعلا، فعن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ) (صحيح الجامع).
تعلَّمتُ من النبي (صلى الله عليه وسلم) أنْ أتذكر إحسان مَن أحسنَ إليَّ، وأنْ أنسى إساءة مَن أساء إليَّ، وأن أبسط يدي ووجهي وقلبي للناس.. كل الناس.
تعلَّمتُ من النبي (صلى الله عليه وسلم) أنْ أشكر الله تعالى عند النعمة وأن يرى أثر نعمته عليَّ، وأن أرضى عند القضاء، وأن أصبر عند البلاء، وأن أتوب إليه وأستغفره، وأذكره آناء الليل وأطراف النهار.
تعلَّمتُ من النبي (صلى الله عليه وسلم) أنَّ الغيبة والنميمة حرام ومن الكبائر وعواقبها وخيمة، وأن الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِه يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُقْتَصُّ لِهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَلِهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِذَا فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّار.
تعلَّمتُ من النبي (صلى الله عليه وسلم) حقوق الجار والإحسان إليه، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (ما زالَ جِبريلُ يوصيني بالجَارِ، حتَّى ظنَنتُ أنَّهُ سيورِّثُهُ) (رواه البخاري).
تعلَّمتُ من النبي (صلى الله عليه وسلم) أنَّ (أكثر ما يُدخلُ الناسَ الجنةَ تقوَى اللهِ وحُسْنُ الخُلُقِ، وأن أكثرُ ما يُدْخِلُ الناسَ النارَ الأَجْوَفَانِ: الفمُ والفرجُ)، وأنَّ الدنيا ستفنى، وأننا لا محالة سنموت، وأنَّ الأعمال بخواتيمها، وأنه يجب أن نحاسب أنفسَنا أولا بأول قبل أن نُحاسب في الآخرة، وأنَّ الدنيا ساعة فيجب أن نجعلها طاعة خالصة لله حتى نفوز برضاه.
فما أحوجنا إلى تلك الأخلاق التي أرساها نبينا الأمين، فهيا بنا جماعة المسلمين ونحن نحتفل بذكرى ميلاد الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن نسير في طريق الله.. وبالله التوفيق.
الدكتور/ أحمد علي سليمان
[email protected]
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.