اتفاق بشأن زيادة عامة في أجور العاملين بالقطاع العام بمبلغ 1000 درهم صافية شهريا.. وترقب لزيادة في أجور القطاع الخاص    يوسف يتنحى من رئاسة حكومة اسكتلندا    بتنسيق مع "ديستي".. الحرس المدني يحجز زهاء طنين من الحشيش بسواحل إسبانيا (صور)    الدرك يوقف مشتبها فيه بقتل تلميذة    مجلس النواب.. انطلاق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية برسم سنة 2024    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام    استطلاع: انخفاض عدد الأمريكيين الداعمين لبايدن والغالبية تميل نحو ترامب    الاتفاق رسميا على زيادة عامة في أجور العاملين بالقطاع العام بمبلغ 1000 درهم شهريا    الحوار الاجتماعي..الحكومة ترجئ الحسم في ملفي التقاعد والإضراب إلى حين التوافق مع النقابات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    يوم دراسي حول مكافحة الجرائم الماسة بالمجال الغابوي    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب        الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري    التنسيق النقابي لقطاع الصحة…يقرر مواصلته للبرنامج النضالي    ارتفاع أسعار الأضاحي يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !        غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الإثنين بأداء إيجابي    عقوبات ثقيلة تنتظر اتحاد العاصمة بعد انسحابه أمام نهضة بركان    التنسيق الميداني للتعليم يؤجل الاحتجاج    التقنيون يتوعدون أخنوش بإضرابات جديدة    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين    إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    الروائي الأسير باسم خندقجي يهزم السجان الإسرائيلي بجائزة "بوكر العربية"    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    طلاب مغاربة يتضامنون مع نظرائهم الغربيين الداعمين لغزة    تزگل باعجوبة. مقرب من العائلة ل"كود": زكريا ولد الناصري ما عندو رالو وها كيفاش وقعات لكسيدة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    حكيمي يتوج رفقة باريس سان جيرمان بالدوري الفرنسي    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس للقفز على الحواجز بالرباط    مجلس المنافسة: 40 في المئة من الخضر والفواكه بالمغرب تتعرض للتلف    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    للمنافسة عالميا.. جهود مغربية لتطوير صناعة الألعاب الإلكترونية    جماهير اتحاد العاصمة معلقة على الإقصاء: تم التضحية بنا في سبيل قضية لا تعنينا    الصين: "بي إم دبليو" تستثمر 2,8 مليار دولار اضافية شمال شرق البلد    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    "العدالة والتنمية" ينتقد حديث أخنوش عن الملك خلال عرض حصيلته منددا بتصريح عن "ولاية مقبلة"    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحمداوي: التيارات الإسلامية التي ستحارب الفن والإبداع ستحكم على نفسها بالإعدام
نشر في الجسور يوم 15 - 03 - 2012

أجرى الحوار خليل الجيزاوي: مصطفى الحمداوي كاتب مغربي ينحدر من مدينة الدريوش، يعيش بهولندا منذ سنوات طويلة، كتب عدة روايات، وحاز عدة جوائز، ونشر رواية (غواية الجسد) بدار سندباد للنشر بالقاهرة 2010، وله تحت الطبع عدة روايات إلى جانب أنه يكتب السيناريو، ويستعد حالياً لإصدار روايته الثانية (فتاة حمراء). معظم رواياته مُثيرة للجدل لأنه يكتب بحرية وجرأة شديدتين، نالت
روايته الأولى اهتمام الكثير من القراء والنقاد حول إشكالية تجربته مع الكتابة، وبمناسبة قرب إصدار روايته الثانية (فتاة حمراء) كان هذا الحوار:
مستنقع الأمية المعرفية
* في البداية حدثنا عن تجربتك مع القراءة خلال مرحلة التكوين الثقافي... وكيف أدركت أنك ستصبح كاتباً؟ بمعنى هل تدين بالفضل لأحد الأساتذة أو الأدباء؟ أم أنك كاتب عصامي علمت نفسك وثقفت نفسك بنفسك؟
* تجربتي الأولى مع القراءة بدأت جد مبكرة، لحسن حظي أن والدي كان شخصاً متعلماً في وقت كان من النادر جداً أن تجد فيه في منطقتنا على الأقل أباً متعلماً، وبالتالي كان حرص والدي شديداً على تعليم أبنائه، حصل ما تمناه والدي رحمه الله، كل أشقائي الكبار حصلوا على تكوين أكاديمي عالٍ، وكون وجود أشقاء في المنزل متعلمين وعلى درجة عالية من الثقافة، هذا الأمر أوجد أيضاً حالة معرفة تجسدت في الكتب التي تراكمت بالتدريج في المنزل، ومن هذه المكتبة قرأت الكثير جداً من الكتب. حول الشق الثاني من سؤالك، لم أدرك أنني سأصبح كاتباً مُحترفاً، بل لا زلت على هذا المبدأ، الكتابة بالنسبة لي هي الانسجام في حالة تناقض مع الواقع لتوليد إبداع ذاتي، لكنه ينزع بالضرورة إلى المجتمع وينسجم معه في الأخير. في المقابل كنت متأكداً أن شيطان الكتابة سيظل ملازماً لي طيلة حياتي، ببساطة لأنني كنت أحب الكتابة وأحب القراءة على نطاق واسع جداً. طبعاً أدين بالفضل لأشقائي عبد الرحيم وعبد المجيد وعبد الإله، الأساتذة الذين شجعوني بإلحاح وبإصرار جميل على التعلق بالقراءة ووفروا لي المناخ المناسب لذلك. شقيقي الأكبر عبد الرحيم شاعر كبير وعلى درجة عالية من الثقافة وهو ينشط حالياً ككاتب في عدة جرائد إسبانية. مع الأسف لم يوجه طاقاته الهائلة نحو الاستمرار بالكتابة العربية، ربما الأمر يرجع إلى هجرته البلد، لكن أنا في الواقع كاتب عصامي كما قلتم، اعتمدت كثيراً على نفسي في التحصيل المعرفي، قرأت كثيراً لرواد الأدب العربي كنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وأنا صغير السن، بل قرأت روايات عالمية معقدة وعميقة لا يمكن لمراهق صغير أن يتذوق الجمالية الباهرة التي تحتويها. وأذكر هنا على سبيل الذكر رواية (مائة عام من العزلة) للعظيم غابرييل غارسيا ماركيز، ثم أنني قرأت بعض روايات فرانز كافكا بعوالمها العجيبة التي كنت أقف مُندهشاً أمامها ولم أكن أبداً أستطيع تصنيف ذلك الأدب المتميز الذي كان ربما أكبر من أن تستوعبه ذائقتي الأدبية آنذاك، بالمحصلة أقول إنني كاتب عصامي محض، لم أنل إلا قسطاً قليلا جداً من التكوين الأكاديمي، ولكنني بذلت جهداً مُذهلا لكي أخرج نفسي من مستنقع الأمية المعرفية.
المغرب ورواية 'الخبز الحافي'
* المغرب بلد محافظ ومنعت رواية 'الخبز الحافي' عشرات السنوات.. هل لا تزال سياسة المنع والحذف والرقيب لها سطوة بالمغرب؟ هل هذه المعوقات عند الكتابة والنشر سبب في إقامتك الدائمة بهولندا؟
*أولا المغرب ليس بلداً محافظاً بالمعنى السلبي للكلمة. إنه بلد جد منفتح، بلد تعايش وبلد حوار وبلد سلام أيضاً، رواية محمد شكري 'الخبز الحافي' منعت قبل عقود طويلة حين كان كل شيء طابو في العالم العربي، مغرب اليوم غير مغرب ذلك العهد، الآن هناك حرية مريحة جداً في مجال الإبداع والنشر، طبعاً لا تزال بعض المعوقات التي أغلبها تنبع من فهم وتأويل خاطئ للنصوص الدينية، خصوصاً الأطراف التي لا تزال تختزل الإسلام في حيز تقليدي يضيق من شمولية هذا الدين المنفتح العظيم، ولكن هذا الأمر تتبناه جهات معينة لا تمت بصلة إلى المؤسسات. بالنسبة للرقابة، هناك رقابة ولكنها رقابة على العموم لا تشمل الإبداع بمختلف أشكاله، قد نجد حالات احتكاك بين ما تنشره الصحافة وبعض الأطراف، أي أن المقص اختفى ليحل محله كبديل أسوأ أو أقل سوءاً، أو ربما أفضل لست أدري، (القضاء) حيث يُجر الصحافي إلى المحاكم، وهو الأمر الذي حدث في عدة مناسبات مع الأسف في المدة الأخيرة.
إقامتي في هولندا ليست دائمة بمعنى ما من المعاني، حقاً أنا أعيش جسدياً في هولندا، ولكن الارتباط بالجذور والوطن على امتداده الواسع يظل وطيداً وقوياً في نفسي.
في عالم الانترنت والفايسبوك وشبكات التواصل الاجتماعية تتقلص المسافات، بل وتنعدم أحياناً على مستوى الشعور، وبهذا أنا مقيم في هولندا، ولكن في نفس الوقت أعيش الواقع العربي بكل تمظهراته ومتغيراته السريعة التي أواكبها يومياً وساعة بساعة في أغلب الحالات. لا، لم تكن أسباب هجرتي من الوطن تتعلق بجانب التضييق على الحريات، لقد كتبت في المغرب في جريدة الاتحاد الاشتراكي المعارضة الشرسة آنذاك قبل أن أهاجر، وكنت سأكتب ما أكتبه الآن لو بقيت في المغرب. وهناك من يكتبون بشجاعة وجرأة أكثر بدون أن يتعرضوا لضغوطات معينة سواء من النظام أو من بعض الجهات. المغرب تغير إيجاباً، وهذا التغير ليس وليد اليوم أو بعد ما يسمى بالربيع العربي، بل بدأ هذا التغير منذ زمن، ولكن وتيرة التغيير تسارعت بفضل حركية الشارع التي استلهمت فلسفتها من الثورتين التونسية والمصرية.
ثقافات متعددة تقيم بهولندا
* ما الذي أفدته ثقافياً ومعرفياً من إقامتك بهولندا؟
* إقامتي في هولندا أفادتني كثيراً جداً وعلى عدة مستويات، أولا عايشت تجربة السفر بكل تجلياته، السفر بمعناه الفلسفي حين تجد نفسك تسافر من ثقافة إلى أخرى، ومن تقاليد وقيم إلى تقاليد وقيم أخرى، ومن عالم إلى آخر. الاحتكاك بجنسيات وثقافات متعددة تقيم بهولندا تجعلك تشعر وكأنك تسافر إلى كل بلدان العالم تقريبا بدون أن تتحرك من مكانك؛ لعل أهم الأشياء التي وقفت على حقيقتها أن الإنسان في كل مكان هو بذات الذهنية تقريباً، وبذات النفسية، لكن المتغير الوحيد هي الثقافة والتقاليد التي تختلف من شعب لآخر.
معرفياً وثقافياً أفدت من قراءة كتب كثيرة لكتاب هولنديين ما كان يمكن أن أقرأ لهم لو لم أهاجر إلى هذا البلد، أيضاً قرأت لكتاب عرب ومغاربة بالخصوص ينتجون أدباً راقياً باللغة الهولندية كعبد القادر بنعلي ومصطفى ستيتو وخالد بوضو، وكلهم كتاب مغاربة نشأوا في هولندا؛ لكن الرافد الثقافي للوطن المنحدرين منه يتضح جلياً في إبداعاتهم التي غالباً ما حازت على أكبر الجوائز الأدبية في هولندا.
'غواية الجسد'.. رواية جريئة
* رواية 'غواية الجسد'.. رواية جريئة، قوبلت بكثير من الارتياح سواء على المستوى النقدي أو على مستوى صدى القراء .. كيف كانت تجربتك الأولى؟
* رواية 'غواية الجسد' هي تجربتي الأولى في الكتابة الروائية، كتبتها قبل حوالي عشر سنوات قبل نشرها، الآن أتوفر في أدراج مكتبي على أربع مخطوطات جاهزة للطباعة. ربما سبب الإقبال الجيد على رواية غواية الجسد، وعدد مرات الطباعة التي حققتها حتى الآن، يعود بالأساس لعدة عناصر تضافرت لكي تجعل من هذه الرواية رواية ناجحة وتحقق مقروئية جيدة لدى القارئ. أولا الرواية تتناول موضوعات متشابكة، أو خليطا من الإشكاليات في حبكة واحدة تعتمد على عنصر ما أسميه كمصلح رجع الصدى في الكتابة، الأحداث تتداخل وتتشابك لكي تعري واقعاً مٌراً تعانيه فئة مستضعفة من المجتمع، لكن هذه الفئة المستضعفة تظل محافظة على قيمها العميقة رغم ما قد يفهم سطحياً بأن الأحداث تسقط في كثير من الحالات في الوصف المباشر المثير، ولكنه من وجهة نظري وصف يشكل ما يسمى بعلاج الصدمة، وحين تتحقق الصدمة، حينذاك ننتبه إلى أن هناك شيئا ما على غير ما يرام ويجب معالجته. رواية غواية الجسد تتضمن بٌعداً آخر أكثر أهمية، حتى الشخص المستبد الشيخ الذي يسقط مُغرماً في أحابيل خادمته الحسناء، يحوله الحب والعشق في الأخير إلى إنسان بكل ما تحمله كلمة إنسان من نبل وخصال حسنة.
إمكانيات إضافية في الكتابة الروائية
* لك اهتمامات بكتابة السيناريو... كيف أفدت من تقنية كتابة السيناريو كوسيط فني عند كتابة الرواية؟
* بمناسبة هذا السؤال أحب أن أركز على نقطة أراها في غاية الأهمية، كاتب الرواية، إلى جانب حتمية مطالعته ومواكبته لكل ما يستجد في عالم الرواية وما يتعلق بها من نقد وتحاليل، عليه أن يكون مُلماً كثيراً الإلمام بباقي الفنون التعبيرية وغير التعبيرية كالسينما والشعر والفنون التشكيلية والمسرح وغير ذلك.
كل هذه الفنون تعطي للروائي إمكانيات إضافية لابد منها لتطوير أدواته في الكتابة الروائية. شخصياً أحب السينما الهادفة، السينما فضاء يفتح ذهنية الروائي على خيال أوسع ويولد لديه حالة تناص إيجابية تبتعد عن التقليد أو التأثر. الرواية تستفيد من السينما التي تمثل الواقع وتختزله في حدث أو أحداث أو حتى ملحمة، وهنا تتقاطع السينما مع الرواية عبر السيناريو الذي يشكل القالب العام للفيلم، ثم الحوار كأداة تواصل لا غنى عنه أيضاً لا في سينما ناجحة ولا في رواية ناجحة وكذلك يتجلى هذا التقاطع بين السينما بوضوح أكثر في التصوير. أعتقد أن السينما والرواية يكملان بعضهما ولهما تقريباً نفس الخصائص، ولهذا ليس مستغرباً أنني أكتب السيناريو أيضاً.
الجوائز حافز لمواصلة الإبداع
* لك تجربة مع الجوائز العربية ...هل يمكن أن تحدثنا عن الجوائز الأدبية وما مدى تأثيرها في دفع مسار الأدباء خاصة الشباب منهم؟
* فعلا لدي تجارب مع الجوائز، ولكن ليس فقط في البلاد العربية، في هولندا فزت مرتين متتاليتين بالجائزة الأولى للقصة القصيرة في المسابقة التي تنظمها مؤسسة الهجرة بأمستردام. شاركت أيضاً قبل بضعة سنوات في مسابقة الشارقة للإبداع العربي وجئت بالمركز الرابع عن رواية 'كرونا' مع تنويه من لجنة التحكيم، وهذه الجائزة كما يعرف الجميع لها صيت واسع وتعرف مواكبة جدية من قبل الإعلام العربي. طبعاً الجوائز الأدبية تشكل بالأساس حافزاً ضرورياً للكاتب الشاب لمواصلة الإبداع، كما أنها تمنحه فرصة النشر والتعريف باسمه، لكن يبقى، وبغض النظر عن هذه العناصر التي ذكرتها، الجوائز ما هي في الواقع إلا اعترافا بمجهودات المبدعين، وعلى الكاتب الشاب أن لا يُعير كثير الاهتمام لهذه الجوائز، فهي في الأخير لن تصنع منه كاتباً كبيراً وبالتالي لا ينبغي أن تحبط معنوياته إن لم يحصل عليها.
مفاهيم مغلوطة
* نعود لرواية 'غواية الجسد'، بعض النقاد صنفها كرواية جريئة.. كيف ترى حرية الكاتب من قضية حرية التعبير في ظل صعود التيارات الإسلامية ووصولهم إلى الحكم في مصر وتونس على سبيل المثال؟
* هناك حتمية تاريخية تفرض نفسها بقوة، المجتمعات العربية تشربت قيم الحرية والديمقراطية وإبداء الرأي في إطار مسؤول. إذن لا رجوع عن هذه المكتسبات التي تم تحقيقها، صعود تيارات إسلامية معتدلة في تونس ومصر والمغرب لا يعني أن هذه التيارات السياسية الإسلامية ستحارب الفن والإبداع، إن فعلت ستحكم بذلك على نفسها بالإعدام، بل ستحكم على مشروع نهوض أمة بكاملها بالإعدام، وبالتالي استنساخ المفاهيم القديمة التي كانت ترى مثلا في التصوير فعلا حراماً هي مجرد أوهام وعبث؛ لأن القوى الحية المستنيرة في المجتمعات العربية لا تزال تناضل من أجل توضيح مفاهيم مغلوطة ظل البعض يشحن بها ذهن المواطن العادي لسنوات طوال، حتى أضحى هذا المواطن يرى في ممارسة الموسيقى أو المسرح، بل المضحك المبكي، أضحى يرى في كرة القدم مضيعة للوقت وإلهاء عن الصلاة والتعبد.
من وجهة نظري أرى أن المجتمع يتشكل بطريقة إيجابية جداً، أصبح أكثر قابلية لفنون وأشكال إبداعية كانت إلى عهد قريب تبدو من الطابوهات، وأمام هذا المد من الوعي المستنير لدى المجتمع، ليس هناك أمام القوى السياسية التي تحاول فرض وصاية دينية بمفاهيم عتيقة إلا أن تنصاع إلى صوت الحرية والإبداع والديمقراطية، ولعل التجربة في مصر خير دليل بحيث رأينا كيف لم يرغب الحزب الإسلامي المعتدل الفائز في الانتخابات الأخيرة (حزب الحرية والعدالة) بالتحالف مع حزب النور المتشدد.
الاستبداد والقهر ولجم الحريات
* لك رواية تحت الطبع بعنوان 'فتاة حمراء' ربما ستكون أكثر جرأة من رواية 'غواية الجسد'... ألا تخشى على نفسك من هجوم التيارات الإسلامية المتشددة؟
* الكاتب الذي يكتب على وقع الخوف وعلى وقع هاجس هجوم التيارات الإسلامية، أو تحت وقع هاجس الاستبداد الديكتاتوري، لا يمكنه أبدا أن ينتج أدباً جيداً ومُقنعاً، الخوف يقتل الإبداع. وهذه هي الإشكالية التي عشناها لزمن طويل في الوطن العربي. أين مصر الآن من الزمن الجميل، زمن نجيب محفوظ وأم كلثوم وازدهار السينما، أينها من تلك الفنون الراقية التي زرعت في عهد الحرية، رغم أنها أنتجت في عهد الديكتاتوريات الأولى، لكنها ماتت مواتاً سريعاً سيئاً في الأخير بسبب الاستبداد والقهر ولجم الحريات، بعد تلك الفترة تخلت مصر عن الكثير من إشعاعها الثقافي.
الآن نعيش عهداً آخر، عهد تحطيم جدران الخوف. لماذا يتحتم على المبدع أن يذعن لوهم الخوف؟ أو أن يتخلى عن مسؤوليته التاريخية' إنها فرصتنا، علينا التقاطها وإلا سيفوتنا القطار كما حدث مرات كثيرة.... لا، لن أخاف ردة فعل أحد، ولكل جهة الحق في إبداء رأيها بالطريقة التي تريد، وفي إطار ديمقراطي يحترم الاختلاف، أكتب لأنني أكتب بوازع ما يُمليه ضميري، وما دمت أعتقد أنني أخدم الأخلاقيات والمبادئ الإنسانية المتعارف عليها عالمياً، وأنني لا أوذي أحداً، سأكون دائماً مرتاح البال.
نقاد الأدب النسوي والمراهقة المتأخرة
* أخيراً كيف ترى علاقة الحركة النقدية مع الأدباء الشباب؟ وهل الحركة النقدية تستطيع مواكبة إنتاج الأدباء الجدد؟ أم لا نزال في حاجة ملحة لعشرات النقاد الجادين في متابعة الكتابات الجديدة والكتابة عنها بشفافية وبعيدا عن المجاملات النقدية الفجة؟
* دعني أكون صريحاً معك، السؤال: ليس هل هناك حركة نقدية تواكب إبداعات الشباب، ولكن السؤال هل هذه الحركة النقدية تلتفت إلى إبداعات الشباب بجدية وترى في نتاجاتهم مشاريع كتاب المستقبل؟ ولذلك يظل مشكل مواكبة النقد لإبداع الشباب جد مثير، ودائم الحضور بطريقة جد سلبية. وتماماً كما أنتج النظام السياسي فساداً إدارياً وحطم القيم الحضارية التي تؤسس لمشروع بناء أمة، فإنه أيضاً وفي نفس الوقت دجن الكثير من النخب المثقفة، بل أفرز نخبة مثقفة هجينة أخذت تحاكي أسلوب النظام في التعامل مع المواطنين. إذا استثنينا فئة شريفة من النقاد، فهناك في المقابل فئة أخرى تشتغل لأجل خطف الأضواء، بل أحياناً يصل بها الأمر درجة الابتزاز المفضوح، وغالباً أيضا ما تتحكم أعمال هؤلاء النقاد عاطفة مراهقة متأخرة، بحيث نجدهم يتعاملون مع الأدب النسوي بالكثير من النفاق والتزلف السخيف.
وهنا علي أن أسجل بكل أسف أن الكثير من المواهب الشابة تموت؛ لأنها لا تجد مواكبة نقدية جادة، ومواكبة إعلامية تقربها من القارئ؛ لذلك نرى دائماً نفس الوجوه تنشط على الساحة حتى وهي تكتب برداءة لا ترقى إلى مستوى الأدب الحقيقي. وكما عشنا تحولا ربيعياً في العالم العربي، أتمنى أن تتغير السياسات الثقافية، وأن يحظى الأديب الشاب المبتدئ بقليل من الاهتمام، بعيداً عن الزبونية والمحسوبية والعلاقات العامة التي غالباً ما تحكم عالم النقد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.