في إطار التحضيرات للقرار المقبل لمجلس الأمن الدولي بشأن قضية الصحراء المغربية، أجرى المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، مشاورات غير رسمية في العاصمة البلجيكية بروكسيل. هذه الخطوة أثارت تساؤلات حول إطارها ودلالاتها، خاصة في ظل التنامي المستمر للدعم الدولي للمبادرة المغربية للحكم الذاتي. وتندرج هذه اللقاءات في إطار مساع جديدة لإعادة إطلاق العملية السياسية المتوقفة منذ سنوات، ورغم الطابع غير الرسمي لهذه التحركات، فإن اختيار بروكسيل كموقع لعقد لقاءات مع ممثلين عن موريتانيا و"البوليساريو" يحمل دلالات رمزية وسياسية، خاصة أنه يتزامن مع مناقشات داخل مجلس الأمن حول مستقبل التسوية، ومع انعقاد الاجتماع الوزاري الثالث بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، والذي حاولت بعض الأطراف استغلاله للترويج لمقاربات تعرقل جهود الحل. ويبدو أن دي ميستورا يسعى من خلال هذه الخطوة إلى توسيع دائرة المشاورات، في ظل مستجدات جيوسياسية هامة، أبرزها تجديد الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، والدعم المتزايد للمبادرة المغربية. وذكرت تقارير غير مؤكدة أن دي ميستورا قد يلتقي بمسؤولين جزائريين على هامش هذه اللقاءات، غير أن المغرب أبدى تحفظا واضحا إزاء أي مشاورات تجرى خارج الأطر الرسمية المعتمدة، مؤكدا تمسكه بالضوابط السياسية المتفق عليها لتفادي استغلالها في إعادة طرح مواقف قديمة متجاوزة. في المقابل، لم تستبعد مصادر أممية أن ترفض الجزائر بدورها الاجتماع مع دي ميستورا في بروكسيل، في محاولة للإبقاء على صفة "المراقب" دون الانخراط الرسمي في مفاوضات مباشرة، رغم تأكيد قرارات مجلس الأمن على ضرورة مشاركتها الفاعلة في أي حل دائم ومتوافق عليه. وتعد هذه اللقاءات مناسبة لاختبار مدى استعداد الأطراف المعنية للانخراط الجدي في مسار سياسي يتمحور حول المبادرة المغربية، خاصة بعد تجديد الولاياتالمتحدة دعمها الصريح لهذه المبادرة، وسعيها لإدراجها في نص القرار الأممي المرتقب في أكتوبر المقبل. ولا يستبعد أيضا أن يقوم دي ميستورا بزيارة إلى الرباط خلال الأيام القادمة، ضمن مساعيه لاستكمال المشاورات مع الأطراف الرئيسية وتحضير الظروف السياسية المناسبة لاستئناف العملية السياسية، بما يتماشى مع خلاصات القرار الأممي الأخير والموقف المغربي القائم على الواقعية والتوافق. في تعليق له على تطورات الملف، اعتبر الدكتور آبا الشيخ آبا علي، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية (كوركاس)، أن اختيار دي ميستورا للعاصمة الأوروبية بروكسيل لعقد لقاءاته في هذا التوقيت ليس أمرا بروتوكوليا، بل يحمل رسائل واضحة حول توجه جديد في مقاربة الأممالمتحدة للملف. وأوضح في تصريحات إعلامية أن دي ميستورا، المعروف بخبرته السياسية والديبلوماسية، لا يتحرك دون أجندة واضحة، مشيرا إلى أن تقريره الأخير أمام مجلس الأمن في أبريل الماضي أكد على أهمية ما تبقى من شهور خلال السنة الحالية كمرحلة حاسمة لإعادة تفعيل المسار السياسي. وأضاف أن اختيار بروكسيل، باعتبارها مركز القرار الأوروبي، يهدف إلى تقوية الزخم الدولي الداعم للمبادرة المغربية، خاصة في ظل مواقف عدد من العواصم الأوروبية الكبرى، كباريس وبرلين ومدريد، التي باتت تعتبر مبادرة الحكم الذاتي حلا عمليا وواقعيا لإنهاء النزاع. ويؤكد آبا الشيخ أن دي ميستورا يراهن على الدعم الأمريكي المتجدد للمبادرة، ويعمل على توسيع هذا التأييد داخل الاتحاد الأوروبي. ويرى أن هذا الحراك يضيق الخناق على الأطراف الأخرى التي فقدت الكثير من نفوذها في الساحة الدولية، بسبب ضعف خطابها وتراجع الاعتراف ب"جمهورية البوليساريو" الوهمية. ويبرز المتحدث أن دي ميستورا يستعد لتقديم تقريره السنوي في أكتوبر المقبل، وأن لقاءاته الحالية لا تهدف فقط إلى جمع مواقف معروفة، بل إلى بناء قناعة دولية راسخة بأن مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هي الحل الأنسب والأكثر جدية، وتحظى بتأييد متزايد داخل مجلس الأمن. من جانبه، اعتبر الباحث المتخصص في قضايا التنمية والتخطيط الترابي، سعيد بوشكوك، أن عقد هذه اللقاءات في بروكسيل لا ينسجم مع الإطار القانوني والسياسي للملف، مؤكدا أن أي نقاش خارج مجلس الأمن يعد تجاوزا لصلاحيات الأممالمتحدة وانتهاكا للقانون الدولي. وفي تصريح له، شدد على أن الاجتماع الوزاري بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، باعتباره منتدى للتعاون في قضايا التنمية والهجرة والأمن، لا يجب أن يستغل لطرح ملف سيادي حساس. واعتبر أن مثل هذه المحاولات تفرغ المسار الأممي من محتواه، وتفتح الباب لمناورات سياسية تفتقد للشرعية. وأضاف أن دي ميستورا لم يستخلص العبر من لقاءاته السابقة، خاصة تلك التي عقدها مع جنوب إفريقيا خارج الأطر الرسمية. وحذر من أن استمرار هذا النهج قد يفقد الوساطة الأممية مصداقيتها ويضعف مستوى الثقة بين الأطراف المعنية. أما بشأن التحفظ المغربي على لقاءات بروكسيل، فأوضح أن ذلك يعكس التزام الرباط بالمرجعيات الأممية، وحرصها على توفير الشروط الموضوعية لاستئناف المفاوضات حول مبادرة الحكم الذاتي، التي تحظى بدعم متنام من قوى دولية وازنة، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة وعدد من العواصم الأوروبية الكبرى، باعتبارها الحل الوحيد الواقعي والبراغماتي لإنهاء هذا النزاع المفتعل. وختم بوشكوك تصريحه بالتأكيد على أن السياقين الإقليمي والدولي الحاليين يتطلبان التزاما جادا بمسار تفاوضي مسؤول ومؤطر، محذرا من أن أي محاولة للالتفاف على الشرعية الدولية لن تؤدي سوى إلى إطالة أمد الأزمة، وقد تفوت على الجميع فرصة نادرة لتحقيق تسوية دائمة لهذا النزاع الإقليمي المفتعل.