رصدت خلال الأيام الأخيرة تحركات غير مألوفة داخل مقر السفارة الجزائرية في العاصمة المغربية الرباط، وهو المبنى الذي ظل مغلقا منذ صيف 2021، بعد إعلان الجزائر من جانب واحد قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب. غير أن هذه الحالة من الجمود شهدت تطورا لافتا، تمثل في انطلاق أشغال ترميم وصيانة شاملة، شملت الواجهة والجدران وتنظيف الفضاءات الداخلية، في خطوة غير مسبوقة منذ اتخاذ قرار القطيعة. اللافت في هذه العملية أنها تمت في ظل صمت رسمي جزائري، ما فتح الباب أمام تأويلات متعددة حول خلفياتها ومآلاتها السياسية. فبينما يراها البعض مجرد أشغال روتينية للحفاظ على مبنى دبلوماسي مهم، فإن آخرين يعتبرونها مؤشرا على تغير في الموقف الجزائري، أو على الأقل تمهيدا لمراجعة محتملة للعلاقات مع المغرب، خاصة وأن الأشغال تجري لأول مرة بعد سنوات من الرفض الجزائري لأي تدخل تقني في مقر السفارة. وفي السياق ذاته فقد تزامنت هذه الأشغال مع مستجدات سياسية لافتة زاد من زخم التأويلات، خصوصا بعد تكريم الرئيس عبد المجيد تبون للكاتب الجزائري رشيد بوجدرة، المعروف بمواقفه المؤيدة لمغربية الصحراء ودعمه الصريح لوحدة التراب المغربي. هذا التكريم، في هذا التوقيت بالذات، لم يقرأ فقط كتحية ثقافية، بل كرسالة سياسية ضمنية، خصوصا مع تنامي الدعم الدولي للمبادرة المغربية المتعلقة بالحكم الذاتي كحل واقعي لملف الصحراء. وتعزز هذه القراءات زيارة مبعوث الرئيس الأمريكي، مسعد بولس، إلى الجزائر ولقائه بالرئيس تبون، حيث اعتبرت الزيارة دليلا على اهتمام أمريكي متجدد بقضايا شمال إفريقيا، وعلى رأسها مستقبل العلاقات المغربية الجزائرية. رغم الجمود الدبلوماسي، ما تزال الجزائر تحتفظ بتمثيل قنصلي محدود من خلال قنصليتها العامة بالدار البيضاء، ما يبقي على خيط تواصل بسيط، وإن لم يكن على مستوى العلاقات الرسمية. من جهته، حافظ المغرب على نهج التهدئة والاتزان، مؤكدا أن قرار القطيعة كان من طرف الجزائر، دون أن يكون ردا على أي خطوة مغربية. وجدد الملك محمد السادس، في خطابه الأخير بمناسبة عيد العرش، التزام المملكة باليد الممدودة، مشيدا بعمق روابط الأخوة والتاريخ المشترك بين الشعبين، ومؤكدا أن بناء الاتحاد المغاربي لا يمكن أن يتم دون دور محوري لكل من المغرب والجزائر.