كشفت الأحداث التي تشهدها أوروبا حاليا بخصوص الأزمة الأوكرانية، مدى أهمية الحوار والتفاهم بين بلدان الجوار، لتفادي كل ما من شأنه أن يحدث شرخا في العلاقات بين الشعوب.. هذه على الأقل واحدة من أبرز الخلاصات التي خرج بها المشاركون في لقاء حول مناقشة وتحليل العلاقات الثنائية الحالية بين إسبانيا والمغرب، نظمتها، أخيرا، جامعة مدريد الأوروبية، بشراكة مع رابطة الصحافيين بمدريد، بعنوان "المصالح المشتركة بين المغرب وإسبانيا". وقد أجمع المشاركون، بحسب تقارير إعلامية إسبانية، أن العلاقة بين البلدين الجارين تتسم حاليا بتقلبات سياسية ما تزال مستمرة حتى اليوم، مبرزين أن الروابط لا تقف فقط على جدار السياسة، بل إن باقي العلاقات على مستوى التجارة والتعاون، تتعزز يوما بعد يوم. وقد شارك في هذا النقاش عدد من الخبراء ذوي المعرفة الواسعة بالعلاقات الإسبانية المغربية، من قبيل خوان سالسيدو، الأستاذ والعميد السابق للجامعة الأوروبية بمدريد؛ وخافيير فرنانديز أريباس، صحافي ومدير مجلة أتالايار؛ وحنان بنسودة مترجمة؛ وبرنابي لوبيز غارسيا، أستاذ فخري في الجامعة المستقلة وخبير في الدراسات العربية. ومن خلال الأسئلة التي صاغتها جولييتا إسبين، الأستاذة في الجامعة الأوروبية، قدم الخبراء وجهة نظرهم حول تطور العلاقات بين الرباطومدريد، ليس فقط على المستوى السياسي، ولكن أيضًا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، طارحين مقترحات لتقوية هذه الروابط وتوسيعها، لتشمل مجالات أخرى، مثل الثقافة والعلوم والتكوين والتعليم. وترى حنان بنسودة، المترجمة المغربية بمدريد، أن العلاقات بين البلدين "تشهد حاليًا أفضل لحظاتها على المستوى الاجتماعي والاقتصادي"، موضحة أن إسبانيا هي المورد الرئيسي للمغرب، حيث حلت محل فرنسا، وهي نقطة تشجع على "إقامة روابط سياسية واقتصادية وثقافية وحتى عسكرية قوية بين الطرفين". وقالت "إن كلا البلدين يحتاجان بعضهما البعض، لأنهما ببساطة شريكان أساسيان"، داعية إلى توطيد التعاون بينهما في القارة الافريقية. كليشيهات وصور نمطية وبخصوص مشكلة كراهية الأجانب والصور النمطية، طرح المشاركون على الطاولة كيفية بناء جسور المودة بين بلدين في الوقت الذي يتبنى جزء من المجتمع خطابا عنصريا تجاه الآخر؟ فكان الجواب من سالسيدو، الأستاذ والعميد السابق للجامعة الأوروبية بمدريد، الذي قال إن هذه القضية تتطلب عملًا مشتركا من كلا الجانبين لتفادي تداعياتها على الشعبين. بدوره، اعترف الصحافي خافيير فرنانديز أريباس، بوجود العديد من الصور النمطية والكليشيهات، التي تسيء الفهم بين الطرفين. وفي هذا الصدد، أشارت بنسودة إلى أن الصور النمطية تقوم على جهل كبير بالآخر. وقالت "الإعلام لا يساعد على تبديد هذه الصور"، مضيفة أن الصحافيين يقدمون في بعض الأحيان، دون سوء نية، صورة خاطئة عن البلد الآخر". وأوضحت أن المواطن المغربي يعرف الإسباني أفضل من المواطن الإسباني لجاره المغربي. وخلصت إلى أن الشعوب عليها أن تبذل جهدا كبيرا في فهم بعضها البعض، لأن السياسيين لا يستطيعون بناء جسور الحب أكثر من الشعوب نفسها. إسبانيا والصحراء المغربية.. وفي موضوع الصحراء المغربية، ألمح برنابي لوبيز وبرنابي، أستاذ فخري في الجامعة المستقلة وخبير في الدراسات العربية، إلى أن مسألة الصحراء تعتبر "قضية مقدسة" في المجتمع المغربي. وبهذا المعنى، قال خافيير فرنانديز إن هذه القضية يتم التعامل معها في إسبانيا "بطريقة حزبية"، مشيرا إلى نقطة التحول المهمة، التي عرفها هذا الموضوع، وهي اعتراف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالسيادة المغربية على المنطقة في دجنبر 2020، وتم الحفاظ على الموقف ذاته مع الحكومة الجديدة بقيادة جو بايدن، إضافة إلى عدد من الدول العربية التي سارت في الاتجاه نفسه الذي اتخذته واشنطن، مثل الأردن، والإمارات العربية المتحدة، ومصر. كما غيرت ألمانيا موقفها مع حكومة أولاف شولتز الجديدة، فيما افتتح حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مقرا له في مدينة الداخلة، بينما ظل موقف إسبانيا مبهما في ظل بحثها عن "توازن معقد"، لحاجتها للغاز الجزائري. وأقر المتحدث بوجود أصوات داخل إسبانيا تنتقد السلطات المغربية، لكن بناء على كليشيهات لا تمت للواقع بصلة، مشددا على أن "الأشخاص الذين يتحدثون بهذه الطريقة لا يعرفون حقيقة المغرب"، في إشارة منه إلى التنمية التي يشهدها البلد على المستوى الاقتصادي والسياسي، وبنياته التحتية. وقال إن "حقيقة التنمية السياسية والاجتماعية بالمغرب مذهلة خلال العشرين سنة الماضية"، مشيرا إلى أن الانتخابات الأخيرة ضمت 5000 مراقب دولي لم يبلغوا عن وجود أي نوع من المخالفات.