توصلت الشرطة القضائية بمكالمة تفيد وجود شخص مجهول الهوية ملقى قرب إحدى الشاحنات بالشارع الرئيسي في خريبكة، لينقل الضحية إلى المستشفى الإقليمي لتلفي العلاجلكن خطورة إصابته دفعت أسرته إلى نقله إلى إحدى المصحات في الدارالبيضاء، غير أنه لفظ أنفاسه متأثرا بجروحه، لتبدأ رحلة البحث عن القاتل من طرف الشرطة القضائية. لكن المفاجأة أن طفلة صغيرة ستكشف عن خيوط الجريمة من زاوية أخرى. طريق إلى الغنى كان (عباس.ع) رجل في عقده الرابع من عمره من أصول بدوية، استطاع أن يهاجر إلى إيطاليا عن طريق الهجرة السرية، وبسرعة تمكن من التأقلم مع "عالمه الجديد" لاسيما أنه وجد العديد من أقاربه الذين قدموا له المساعدة، وهيئوا له ظروف العيش الجيد والانسجام مع الأجواء الجديدة. فميدان التجارة ميدان كله ربح مادي، فيكفي المرء أن يتعلم طرق الربح السريع المعروفة، ليصبح رجلا مهما. وهكذا تمكن عباس في ظرف وجيز، أن يتحول من إنسان بدوي بسيط، إلى شخص مهم. فخلال فصل الصيف والعطل، يعود إلى أرض الوطن على متن سيارته الجميلة التي لم يكن من الممكن شراؤها قبل هذا الوقت. حدث كبير سيغير حياته بايطاليا تغيرا كليا، فبينما كان يحاول اجتياز الطريق، إذا بسيارة تصدمه من الخلف، فتسببت له في كسور خطيرة بإحدى رجليه، وعند إسعافه وعلاجه، اضطر أن يتحرك بألياف حديدية وضعت بصعوبة بالغة بإحدى رجليه، ما جعله يفضل العيش بالمغرب، متمنيا أن يشفى من إعاقته التي تسبب له الإحراج أمام أصدقائه وأقربائه. وأثناء وجوده بالمغرب، تعرف عباس على امرأة تمتهن الوساطة في الدعارة، ولما علمت أنه ميسور الحال، حاولت أن توفر له كل أسباب الراحة، وأن تلبي له كل طلباته، طمعا في المال. فكانت تأتي له بأجمل الفتيات اللواتي تعرفهن وتهيئ له أجواء السهر من خمر وأكل وموسيقى شعبية، فقد كان بمجرد أن يهاتفها حتى تسرع في تلبية طلبه، فهي تملك أرقام الهواتف فتيات توظفهن في الدعارة، وبعد توطد العلاقة بينهما، وجد عباس ضالته لتعويض النقص الذي أصبح يحيط به جراء إعاقته. وفاة في ضيافة مومس تعرف عباس على (ن.ف) في آخر زيارة له للمغرب، بعد عودته من إيطاليا لقضاء عطلة الصيف مع عائلته وأقربائه بمدينة خريبكة. كان اللقاء صدفة حين قابل أصدقائه في ليلة سمر وعربدة كما تعود أن يفعل دائما، وكانت ( ن.ف)، ضمن فتيات أخريات تعملن لصالح الوسيطة التي تدير شبكة للدعارة ببيتها. وعلى امتداد ساعات ليلة السمر، كان عباس سعيدا وفرحا كطفل صغير لا تسعه الدنيا من الفرح، سيما أن رفيقته تلك الليلة كانت رائعة الجمال، فاستطاعت أن تسحره ملبية كل طلباته، لكن ما كان يضايقه ليمارس الجنس معها أن يصعد إلى الطابق العلوي الذي تعده الوسيطة لمثل هذه المناسبات، فقد كانت رجله المصابة لا تسعفه كثيرا من أجل الصعود، لكنه إلى جانب ذلك حاول ركوب التحدي بكل ما استطاع من قوة وجهد، و خلال الهزيع الأول من الليل، بينما كان يضاجع خليلته، أراد النزول إلى الأسفل لقضاء حاجته، وبينما هو نازل من الدرج انزلقت رجله العرجاء، ففقد توازنه بسبب إفراطه في الشرب، فسقط متدحرجا ليصطدم رأسه بحافة أسفل الدرج، ما تسبب له في جروح خطيرة جعلته يدخل غيبوبة ساد معها الاعتقاد أنه فارق الحياة. ساعتها أصيبت الوسيطة بصدمة كبيرة جعلتها تفكر في طريقة لا من أجل إنقاذ حياته، بل من أجل التخلص من "الجثة" حاولت بداية الأمر أن تسعفه، لكنها فشلت في ذلك، ففكرت في طلب الإسعاف، لكنها تراجعت في آخر لحظة، مخافة أن تدخل في دوامة "سين جيم"، وارتأت أن تطلب المساعدة من أخيها الذي لم يتردد في مد يد المساعدة لأخته، فقام أول الأمر ب "دورة استكشافية"، حتى إذا اطمأن إلى خلو المكان من المارة، قام رفقة أخته والمومس بسحبه إلى مكان بعيد عن مسرح الجريمة، ليضعوه بجانب شاحنة كانت موجودة بالشارع، ثم انصرفوا هاربين غير عابئين بالذي قد يحدث. طفلة صغيرة تبعثر الخطة مع ظهور أول خيوط النهار، لاحظ المارة وجود شخص يعاني من شيء ما، أو هو جثة هامدة، فأسرعوا إلى إخبار السلطات المحلية، خاصة لما انتبه أحد المارة إلى الدماء التي كانت تغطي مناطق من جسمه، وعلى الفور نقل إلى المستشفى، وبعد التعرف على هويته أخبرت أسرته التي نقلته إلى إحدى المصحات بالدارالبيضاء، بناء على نصيحة أحد الأطباء. لكن ذلك لم يكن كافيا، فمات متأثرا بجروحه. وفتحت الشرطة القضائية تحقيقا في الموضوع، لكن فك لغز موت عباس ظل مستعصيا، إذ سار التحقيق في اتجاه تعرض الضحية لاعتداء بالمكان الذي وجد فيه، لكن الحقيقة ستظهر بفضل شهادة فتاة صغيرة لا يتعدى عمرها ثماني سنوات، إذ أشارت إليهم إلى باب البيت التي أخرج منه الضحية لأنها كانت تطل من النافذة ساعة إخراجه. وأوقفت مصالح الأمن الوسيطة التي اعترفت خلال استنطاقها أنه كان لحظتها برفقة مومس، بينما فر أخ الوسيطة إلى جهة مجهولة ليقبض عليه فيما بعد. وبعد تكييف ظروف الحادث توبع المتهمون بتهم إعداد بيت للدعارة وممارستها، وعدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر.