أجلت المحكمة الابتدائية بمدينة خريبكة، الاثنين الماضي، النظر في ملف 15 شخصا اعتقلوا يوم 22 أبريل بعدما حاولوا اقتحام مصنع إيدير التابع للمجمع الشريف للفوسفاط والمتخصص في تجفيف الفوسفاط، احتجاجا على عدم إدماجهم من لدن إدارة المجمع، وهم الذين كانوا يعملون بصفة مؤقتة لحساب هذه المؤسسة عن طريق شركات للتشغيل المؤقت. وقد شهدت محاولة الاقتحام صدامات عنيفة مع قوات الأمن، خلفت عددا من الجرحى في صفوف الدرك الملكي، إصابات بعضهم بليغة، كما هاجم المقتحمون عربات النقل وأصابوا عمال المجمع بجروح. يومين قبل تاريخ المحاولة، اقتحمت مجموعة أخرى من العمال المؤقتين الوحدة الإنتاجية نفسها، القريبة من مدينة خريبكة، كوسيلة عنيفة لإسماع صوتها، وقد تسببوا في توقيف عجلة الإنتاج فيه، محدثين خسائر في تجهيزات المؤسسة. أصول القضية دعت الضرورة المجمع الشريف للفوسفاط منذ عقود، على غرار باقي الفاعلين الاقتصاديين في المغرب، إلى اعتماد شركات التشغيل المؤقت أو شركات المناولة لتقوم ببعض الأعباء حتى تركز الشركات على نشاطها الأساسي وترفع من تنافسيتها من خلال تقليص نفقات الإنتاج. وهكذا استعانت مديرية الاستغلالات المعدنية في خريبكة بخدمات عدد من هذه الشركات لتضطلع ببعض المهام المؤقتة، كقيادة العربات والآليات، والأشغال الميكانيكية والكهربائية والتنظيف والحراسة وغيرها. ويرتبط أفراد هذه الشركات مع مشغليهم بواسطة عقود عمل محدودة الأجل ولا تربطهم أية صلة قانونية أو تعاقدية بالمجمع الشريف للفوسفاط ولا بفرعه «سميسي»، وهو ما أكدته شركات الوساطة المعنية ومصالح مديرية القطب المعدني. وبعد قرار الإدارة العامة للمجمع إدماج كل عامل بحوزته عقدة عمل مع المؤسسة أو إحدى الشركات التابعة لها على أن ينفذ الإدماج ابتداء من فاتح يناير 2009، قامت مجموعة من المنتمين للشركة المغربية للدراسات الخاصة والصناعية «سميسي» وهي فرع المجمع الشريف للفوسفاط، وشرعت في تعبئة المؤقتين منذ شهر يوليوز 2009 مطالبة بالإدماج في المجمع. هذه المجموعة، التي تسمى نفسها بأعوان إدارة سميسي ريجي، تنتمي نقابيا إلى الاتحاد المغربي للشغل، وهي المركزية التي خسرت تمثيليتها داخل المجمع الشريف إبان انتخابات ماي الماضي، ورغم المحاولات الكثيرة التي قامت بها هذه المجموعة، فإنها لم تحظ بدعم أي من النقابات الممثلة داخل المؤسسة، والتي رأت أن قضيتها لا تستند على أي أساس. وخاض هؤلاء الأفراد عدة وقفات احتجاجية، خلال السنة الماضية، وبداية السنة الجارية، ولم يستطيعوا إقناع سوى 100 شخص تقريبا بالمشاركة في الاحتجاج من أصل 850 فردا معنيا بمسألة المؤقتين، ذلك أن الغالبية العظمى التحقت بأوراش المكتب الشريف ضمن صفقات مناولة تمت صياغتها ووضعها بما يحقق مطلب تشغيل جميع الأفراد المؤقتين. إدماج الأعوان المؤقتين خلال سنة 2008 تقرر إدماج كافة الأعوان المؤقتين المتعاقدين مع المجمع أو أحد فروعه، وهو إجراء شمل نحو ألف شخص، واليوم لا يوجد أي عون تربطه علاقة قانونية مع المجمع أو أحد فروعه إلا وتم إدماجه، وعلى كل حال فإن المؤسسة، ولتنفيذ إستراتيجيتها الجديدة، ما تزال في حاجة إلى توظيف المزيد من الكفاءات خلال سنتي 2010 و2011. وفي آخر شهر غشت من العام الماضي أصدرت إدارة المجمع بلاغا صحافيا توضح فيه أنها لم تطرد أي عامل من العمال المحتجين، لأنه لا صلة قانونية أو تعاقدية تربطهم بالمجمع، وأن الأشخاص الذين يزعمون الانتماء إلى سميسي-ريجي ليس لهم الحق في مطالبة المجمع الشريف للفوسفاط بإلحاقهم بمجموع العاملين لديه، مضيفة أن مشغليهم وحدهم الذين يملكون حق تدبير أمورهم الإدارية. وقد عللت إدارة المجمع قرارها منع المحتجين من دخول الأوراش السنة الماضية بأنه جاء امتثالا للقرار المتخذ من قبل مشغليهم حيث أنهت تعاقدها مع الجزء الأكبر من المؤقتين لديها، وأبقت آنذاك في الأوراش على 200 من أصل 850 عاملا مؤقتا. وتضم لائحة شركات المناولة التي شغلت المؤقتين الذين احتجوا بخريبكة كلاَّ من شركة «سي أر إي تي» (CRIT) بالدارالبيضاء، وشركة «غلونيت» بأسفي، وشركتي «ك. إف» و«غود تيم أنتريم» في الدارالبيضاء، وسبق لهذه الشركات أن أصدرت بلاغا مشتركا، السنة المنصرمة، تبرز فيه أن مجموع العمال المؤقتين في أوراش المجمع يرتبطون قانونيا بمقاولاتهم المتخصصة في العمل المؤقت بواسطة عقود عمل مؤقتة تحدد مدة المهمة المطلوبة منهم وحجم التعويض المادي الذي سيتقاضاه هؤلاء العمال من شركات المناولة المذكورة، والتي تتقاضى بدورها تعويضات من إدارة المجمع على الخدمة التي توفرها. ماذا تقول مدونة الشغل؟ تقول المادة 495 من مدونة الشغل إن المقصود بمقاولات التشغيل المؤقت كل شخص اعتباري مستقل عن السلطة العمومية يقتصر عمله على ممارسة النشاط المذكور آنفا، وتشغل مقاولة التشغيل المؤقت هؤلاء الأجراء مع أداء أجورهم، والوفاء بكل الالتزامات القانونية الناشئة عن عقد الشغل. يلجأ المستعمل، أي المجمع الشريف للفوسفاط في هذه الحالة، إلى إجراء مقاولة التشغيل المؤقت بعد استشارة الهيئات التمثيلية للأجراء داخل المقاولة من أجل القيام بأشغال غير دائمة تسمى «مهام» في الحالات التالية فقط وهي: أولا إحلال أجير محل أجير آخر في حالة غيابه، أو في حالة توقف عقد الشغل، ما لم يكن التوقف ناتجا عن الإضراب؛ وثانيا التزايد المؤقت في نشاط المقاولة؛ وثالثا إنجاز أشغال ذات طابع موسمي؛ ورابعا إنجاز أشغال استقر العرف على عدم اللجوء فيها إلى عقد شغل غير محدد المدة بسبب طبيعة الشغل.
ميثاق لتدبير العلاقات وحل الخلافات بين إدارة المكتب الشريف للفوسفاط والتمثيليات النقابية بعد 6 أشهر من المفاوضات بين النقابات وإدارة المجمع الشريف للفوسفاط وقع، في آخر أبريل الماضي، بمدينة بنكرير على ميثاق الحوار الاجتماعي الذي يسعى للتوفيق بين المصالح الاقتصادية للمؤسسة والتطلعات الاجتماعية للعمال، الميثاق يحمل توقيع مسؤولي النقابات الأربع الأكثر تمثيلية بناء على نتائج الانتخابات المهنية للعام الماضي من جهة، وتوقيع الرئيس المدير العام مصطفى التراب ومديري الأقطاب ومراكز الإنتاج وعددهم ثمانية من جهة أخرى. ويرمي الميثاق، وهو نسخة جديدة للميثاق الموقع في أبريل 2005، إلى تحديد المبادئ والقواعد والالتزامات المتبادلة المرتبطة بتدبير العلاقات المهنية، فضلا عن وضع ميكانيزمات ومساطر تدبير الشكايات والمفاوضات وتسوية النزاعات الجماعية، مع سن قواعد سير عمل الحوار الاجتماعي والمساطر المرتبطة به، وكذا إجراءات المواكبة والارتقاء بالعلاقات المهنية داخل المقاولة. وتنتهي صلاحية الميثاق، الواقع في 18 صفحة، مع انتهاء فترة انتداب مندوبي الأجراء وهي مدة قابلة للتجديد ضمنيا، ولكن يمكن مراجعة بنود هذه الوثيقة بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات المهنية المقبلة، سواء بطلب من الإدارة العامة للمكتب الشريف للفوسفاط، أو اللجنة النقابية المشتركة. من أهم الاستحقاقات التي يتضمنها الميثاق أن على النقابات الأكثر تمثيلية في المجمع الشريف للفوسفاط، وهو الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد الوطني للشغل والاتحاد العام للشغالين، الاتفاق على تفاصيل ملف مطلبي موحد لعمال المؤسسة ضمن لجنة نقابية مشتركة مكونة من 15 عضوا على الأكثر، وتناقش لجنة المفاوضة الجماعية هذا الملف كل سنة في دورة عادية، على أن تؤجل هذه المفاوضات أثناء السنة الانتخابية، إلى ما بعد الإعلان عن النتائج الرسمية، وذلك من أجل الحفاظ على مناخ هادئ، ولتوفير كل شروط نجاح هذه المفاوضات حسب نص الميثاق. وخلال جلسة التوقيع على الميثاق، قال الرئيس المدير العام مصطفى التراب إن الإدارة تطمح إلى تحقيق مكاسب للعاملين تزيد مع الإنجازات التي تحققها المقاولة، مشيرا إلى مشروع التحول التشغيلي الذي يتم القيام به في قطب المعادن والقطب الكيماوي، وأشاد بروح المسؤولية والإخلاص اللذين تحلى بهما الشركاء الاجتماعيون. من جهتهم، اعتبر مسؤولو النقابات الموقعة أن التوصل إلى هذا الميثاق يعد خطوة اجتماعية نوعية لفائدة المجموعة وعمالها، حيث يرسي شروط السلم الاجتماعي المستدام، ويدفع باتجاه بناء نموذج مبتكر للحوار الاجتماعي وتدبير العلاقات المهنية. وفي موضوع ذي صلة، علمت «المساء» أن إدارة المجمع الشريف للفوسفاط تقوم حاليا بتحمل مصاريف التكوين الذي يجريه كافة مناديب الأجراء في المؤسسة البالغ عددهم 160 مندوبا في مدينة تيران الإيطالية طيلة السنة الجارية، وذلك في المركز الدولي للتكوين التابع للمكتب الدولي للشغل.
