بوريطة يستقبل وزير الشؤون الخارجية القمري حاملا رسالة من الرئيس أزالي أسوماني إلى الملك محمد السادس    دعاية هزيلة.. بعد انكشاف مقتل ضباط جزائريين في طهران.. نظام العسكر يُروج وثيقة مزورة تزعم مقتل مغاربة في إسرائيل    الملك محمد السادس يهنئ دوقي لوكسمبورغ الكبرى بمناسبة العيد الوطني لبلادهما    توقيع اتفاقية شراكة إطار بين وزارة الشباب والثقافة والتواصل والوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات لتعزيز الإدماج السوسيو اقتصادي للشباب    قطر تُدين بشدة الهجوم الذي استهدف قاعدة العديد الجوية من قبل الحرس الثوري الإيراني    قطر تعلن عن إيقاف حركة الملاحة الجوية مؤقتا بسبب تطورات الأوضاع بالمنطقة    الرئيس السوري: لن يفلت مرتكبو تفجير كنيسة مار إلياس من العقاب    حموشي: المديرية العامة للأمن الوطني تولي أهمية خاصة لدعم مساعي مجابهة الجرائم الماسة بالثروة الغابوية    شرطي يستعمل سلاحه الوظيفي بالقنيطرة لتوقيف شقيقين عرضا سلامة عناصر الشرطة والمواطنين لتهديد جدي    انطلاق أولى جلسات محاكمة المتهم في "حادثة الطفلة غيثة".. وهذه هي التهم الموجهة إليه    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    بوتين: لا مبررات قانونية أو أعذار للعدوان ضد إيران    ياسين بونو يتوج بجائزة رجل المباراة أمام سالزبورج    عبد النباوي: قيادة القاضيات أولوية        بنعلي: لن نتوفر على دينامية في البحث العلمي في الطاقات المتجددة بدون تمويل مستدام    كأس العالم للأندية.. "الفيفا" يحتفل بمشجعة مغربية باعتبارها المتفرج رقم مليون    19 جريحا في حادثة انقلاب سيارة لنقل العمال الزراعيين باشتوكة    إشكالية التراث عند محمد عابد الجابري بين الثقافي والابستيمي    بسمة بوسيل تُطلق ألبوم "الحلم": بداية جديدة بعد 12 سنة من الغياب    صديق المغرب رئيس سيراليون على رأس المجموعة الاقتصادية لغرب افريقيا ( CEDEAO)    خيي كاتبا جهويا ل "مصباح الشمال" ومريمة وبلقات يحجزان معقدا عن تطوان    الشعباني: "نهائي كأس العرش ضد أولمبيك آسفي سيكون ممتعا.. وهدفنا التتويج باللقب"    مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج تنظم المعرض الفوتوغرافي "أتيت من نظرة تَعْبُرُ" للفنان المصور مصطفى البصري    نقابيو "سامير" يعودون للاحتجاج على الموقف السلبي للحكومة وضياع الحقوق    ترقب إغلاق مضيق هرمز يثير مخاوف ارتفاع أسعار المحروقات في المغرب    "تالويكاند" في دورته الرابعة.. تظاهرة فنيّة تحتفي بتراث أكادير وذاكرتها    رأي اللّغة الصّامتة – إدوارد هارت    وسط ارتباك تنظيمي.. نانسي عجرم تتجاهل العلم الوطني في سهرة موازين    هذه تدابير مفيدة لتبريد المنزل بفعالية في الصيف    العدالة والتنمية يدين الهجوم الأمريكي على إيران    بنك المغرب.. الأصول الاحتياطية ترتفع إلى 400,8 مليار درهم    موازين 2025.. الفنانة اللبنانية نانسي عجرم تمتع جمهورها بسهرة متميزة على منصة النهضة    إسبانيا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى "التحلي بالشجاعة" لمعاقبة إسرائيل    المغرب ‬يعيد ‬رسم ‬خريطة ‬الأمن ‬الغذائي ‬في ‬أوروبا ‬بمنتجاته ‬الفلاحية ‬    الناخب الوطني النسوي يعقد ندوة صحفية بعد غد الثلاثاء بسلا        أمطار رعدية مرتقبة بالريف وحرارة قد تصل إلى 38 درجة    ألونسو: من الأفضل أن تستقبل هدفًا على أن تخوض المباراة بلاعب أقل    معنى ‬أن ‬تصبح ‬العيون ‬نقطة ‬وصل ‬بين ‬شمال ‬أفريقيا ‬وعمقها ‬الجنوبي    الكركرات.. توقيف شاحنة محملة بالكوكايين القادم من الجنوب    موازين 2025 .. الجمهور يستمتع بموسيقى السول في حفل المغني مايكل كيوانواكا    كيوسك الإثنين | تسجيل 111 حريقا غابويا أتى على 130 هكتارا من يناير إلى يونيو    كأس العالم للأندية 2025.. ريال مدريد يتغلب على باتشوكا المكسيكي (3-1)    طنجة.. تتويج فريق District Terrien B بلقب الدوري الدولي "طنجة الكبرى للميني باسكيط"    منحرفون يفرضون إتاوات على بائعي السمك برحبة الجديدة وسط استياء المهنيين    الأستاذ عبد الرحيم الساوي يغادر المسؤولية من الباب الكبير.. نموذج في الاستقامة والانتصار لروح القانون    إيران تبدأ هجوماً صاروخياً جديداً على إسرائيل    إيران تتحدى الضربات الأمريكية: مخزون اليورانيوم والإرادة السياسية ما زالا في مأمن    موجة الحر في المغرب تثير تحذيرات طبية من التعرض لمضاعفات خطيرة    دراسة تكشف وجود علاقة بين التعرض للضوء الاصطناعي ليلا والاكتئاب    وفاة سائحة أجنبية تعيد جدل الكلاب الضالة والسعار إلى الواجهة    ضمنها الرياضة.. هذه أسرار الحصول على نوم جيد ليلا    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طبطب لي على الفأرة
نشر في المساء يوم 17 - 06 - 2010

بعد الندوة، التي نظمها منتدى «أماديوس» لصاحبه إبراهيم الفاسي الفهري حول التعليم، حيث تم التركيز على ضرورة اعتماد الدارجة المغربية في أقسام التعليم الأساسي، نظمت مؤسسة «زاكورة» لصاحبها نور الدين عيوش ندوة يومي الجمعة والسبت الماضيين حول «اللغة واللغات في المغرب».
القاسم المشترك بين الندوتين هو أنهما معا تشتركان في التحريض على اللغة العربية والتنقيص من قيمتها والدعوة إلى إقصائها وإحلال الدارجة المغربية على أنقاضها. هذا دون أن نتحدث عن التنقيص من شواهد الدكتوراه التي يحصل عليها الأساتذة الجامعيون الذين طالبهم عيوش بترك الشواهد جانبا والنزول إلى الميدان، قبل أن يضيف أنه يعرف دكاترة «مكلخين» وأغبياء كثيرين.
إنه لمن المدهش أن نرى كيف أن لغة حية كالعربية تتقدم ويتكاثر عبر العالم الراغبون في تعلمها وتتسابق البلدان الأوربية والأمريكية، وحتى إسرائيل نفسها، على إطلاق قنوات فضائية ناطقة بها، تتعرض في المغرب لهذه الحملة المغرضة. في الوقت الذي نرى فيه كيف أن اللغة الفرنسية التي ينحسر تأثيرها وانتشارها عبر العالم تحظى بكل هؤلاء المدافعين عن استعمالها في التعليم والإعلام وميادين التجارة والاستثمار.
ولعل أول شيء يمكن ملاحظته في ندوة عيوش هو أن اللغة «الرسمية» للندوة كانت هي الفرنسية. وكل من حاول تقديم مداخلته بلغة أخرى، كان المنظمون يطلبون منه «التفرنيس» حتى يفهم الجميع. مع أن العادة في مثل هذه الندوات الدولية أن يتدخل كل ضيف باللغة التي يريدها، وأن توفر الجهة المنظمة خدمة للترجمة إلى لغات المدعوين.
ولعل الهجوم الشرس على اللغة العربية جاء من جانب مدعوين مغاربة، أبرزهم الدكتور الموساوي، الذي يدرس علم النفس في كلية الطب بالدار البيضاء. وحسب هذا الدكتور، فالجنين عندما يكون في أحشاء أمه يتشبع بلغتها الدارجة التي يسمعها طيلة وجوده في الرحم. وعندما يخرج إلى الوجود ويذهب إلى المدرسة يكتشف أن هناك لغة أخرى هي العربية الفصحى عليه أن يتعلمها ويتقبلها كلغته الأم. والنتيجة أن الطفل يصاب بصدمة نفسية وحالة من الانفصام بسبب اللغة العربية التي تفرض عليه. ولهذا، وحرصا على سلامة الأطفال النفسية، يجب إعادة الاعتبار إلى الدارجة في كل مناحي الحياة، وعلى رأسها التعليم الأساسي، مع المطالبة بإقرار الدارجة لغة رسمية للمغاربة.
أما الباحث التونسي كلود حجاج، أستاذ ب«كوليج دو فرانس»، فقد ركز على ثقل المقدس الذي ترزح تحته اللغة العربية والذي يحول دون تقدمها، وبالتالي يهددها بالانقراض ككل اللغات التي لا تتقدم.
الدكتور كلود حجاج، الفرنسي التونسي من أصل يهودي، يعرف جيدا أن اللغة العبرية التي لا يتكلم بها سوى بضع مئات آلاف في العالم، هي لغة التدريس في إسرائيل. وليس في الأقسام الابتدائية والثانوية وإنما في جامعات الطب والهندسة والكيمياء ومراكز الدراسات النووية.
والمثير في مداخلة الأستاذ كلود حجاج هو أنه ظل، بين جملة وأخرى، يتفقد هاتفه النقال ويخبر الجمهور بأن صديقته، التي قال إنها تصغره بخمسين سنة، لا تكف عن الاتصال به وطلب أخباره، وهكذا كان يقطع محاضرته للإجابة عن مهاتفة صديقته الملحاحة. ولكي يلخص كلود حجاج نظريته اللغوية قال ليومية «ليكونوميست» إن مستقبل المغرب هو الدارجة، أما عالم المال والأعمال فالفرنسية هي التي تصلح له.
بالنسبة إلى يوسف الجيراري، الذي يشتغل في وكالة عيوش للإشهار كمصمم إعلانات، فاللغة الرسمية التي يجب أن يتحدثها المغاربة يوجد معجمها الكامل في موقعه الخاص على الأنترنيت بعنوان «دارجة بوان كوم». وإذا أراد مغربي أن يسأل مغربية عن الوظيفة التي تقوم بها في حياتها فيجب أن يسألها هكذا «شنو كاديري فحياتك آ الصاطة».
أما بنشمسي، حامل لواء العداء المعلن ضد العربية، فقد اشتكى من كونه عندما يذهب إلى بلدان الشرق والخليج لا أحد يفهمه عندما يتكلم معهم بالدارجة المغربية. وعندما كان يبحث في أحد المواقع الإلكترونية عن مقابل جملة «إضغط على فأرة الحاسوب» وجد جملة تقول «طبطب على الفأرة». وحسب بنشمسي، فالجملتان لا علاقة لهما بلغة المغاربة، ولذلك فمن المستحسن تعويضهما بجملة فرنسية تقول «كليكي على لاسوري». ولكي يظل وفيا لروحه المستفزة طالب بتغيير النشيد الوطني من اللغة العربية إلى الدارجة.
وطبعا، بين «شنو كاديري فحياتك آ الصاطة» و«كليكي على لاسوري» نفهم اللغة التي يريد هؤلاء الأوصياء الجدد فرضها على أبناء المغاربة في المدارس، خصوصا إذا عرفنا أن الهدف من هذه الندوات والمؤتمرات حول مستقبل اللغة في المغرب هو الخروج بكتاب أبيض، كما هو الحال مع «أماديوس»، و«خارطة طريق» كما هو الحال مع «مؤسسة زاكورة للتربية» للتفكير والفعل من أجل تقديمها إلى مؤسسات الدولة والحكومة والبرلمان على أساس أنها مطالب ومقترحات المجتمع المدني.
تقدم الورقة التمهيدية للندوة الدولية لمؤسسة «زاكورة» مشكلة اللغة على أنها أساس أزمة التعليم العمومي بالمغرب، طارحة ثلاثة خيارات للخروج من هذا المأزق اللغوي، هي: أولا تحديد العلاقة بين اللغة العربية والدارجة، وثانيا هل يجب الاستمرار في اعتبارهما مجالين لغويين منفصلين والاحتفاظ بواحدة فقط على حساب الأخرى، وثالثا هل هناك إمكانية لربط الصلة بينهما؟
ورغم أن ورقة التقديم تطرح هذه الخيارات المتعددة، فإن الأساتذة الذين تمت استضافتهم من طرف مؤسسة «زاكورة» توجه أغلبهم نحو خيار القطع مع اللغة العربية والانتصار للدارجة كلغة تعليم وتواصل لتخليص المغرب من التخلف والجمود الذي تغرقه فيه اللغة العربية.
ولعل أخطر ما حدث في هذه الندوة الدولية ليس المحاضرات التي كانت مفتوحة على العموم، وإنما الورشات التي لم تستدع لها الجهة المنظمة سوى الضيوف الذين تسير محاضراتهم في اتجاهٍ معادٍ للغة العربية، وهي الورشات التي ستخرج منها «خارطة الطريق» المزعومة التي يريد نور الدين عيوش طرحها على الجهات المسؤولة من أجل حثها على «التفكير والفعل» لتطبيق خلاصاتها على أبناء المغاربة.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو لمصلحة من تشتغل مؤسسة «أماديوس» ومؤسسة «زاكورة» عندما تجندان طاقاتهما وتوحدانها للدفاع عن إقرار الدارجة مكان اللغة العربية في التعليم الأساسي.
السؤال يستقي أهميته من كون إبراهيم الفاسي الفهري صاحب «أماديوس» وأبناء نور الدين عيوش صاحب «زاكورة» وأبناء الغالبية الساحقة من الداعين إلى ترسيخ الدارجة في التعليم، قد درسوا في مدارس البعثة الفرنسية ولا يجيدون التحدث لا بالعربية ولا حتى بالدارجة المغربية.
لماذا، إذن، يشهرون كل هذا الحماس لإقرار مشروع لغوي في مدارس الشعب ماداموا لا هم ولا أبناؤهم سيستفيدون من نتائج هذه السياسة التعليمية الجديدة التي يبشرون بها المغاربة.
الجواب بسيط للغاية. هؤلاء لا يدافعون عن إصلاح النظام التعليمي العمومي في المغرب ولا عن مستقبل أبناء المغاربة، وإنما يدافعون عن مصالح فرنسا الاقتصادية في المغرب. وإلا فلماذا لا يطالبون، مثلا، باستعمال الدارجة الفرنسية في تعليم أبنائهم بمدارس البعثة الفرنسية؟
عندما طالب نواب فرنسيون في مجلس الشيوخ الجنرال «دوغول» بتقليص ميزانية الفرنكوفونية المخصصة لمستعمرات فرنسا السابقة، قال «دوغول» قولته الشهيرة «من يتكلم فرنسي يستهلك فرنسي».
لذلك، فالحرب المسعورة ضد اللغة العربية في المغرب، والتي يقودها «اللوبي الفرنكوفوني» تحت غطاء المساهمة في اقتراح حلول لإصلاح التعليم العمومي، هي في واقع الأمر حرب فرنسية بالوكالة للدفاع عن سوق اقتصادية تخشى فرنسا أن تتوسع لصالح اقتصاديات أخرى عربية وإسبانية وأمريكية تنافسها على حديقتها الخلفية.
وليست صدفة أن تركز جل المداخلات على حمولة المقدس التي تحملها اللغة العربية، وكيف أن السبيل إلى التحضر والتطور والخروج من التخلف والجهل المرتبط باللغة العربية يكمن أساسا في تفتيت هذا المقدس وتخليص اللغة من قيوده.
هنا نصل إلى صلب الموضوع، وهو أن الحرب على اللغة العربية ليست فقط حربا لتحصين مواقع اقتصادية فرنسية وصناعة نخبة مغتربة مفصولة الهوية واللغة عن جذورها الإسلامية، وإنما هي أيضا حرب ضد القرآن الذي نزل باللغة العربية.
عندما يطالبون بالتخلي عن اللغة العربية ويعملون جاهدين على إضعافها وتحقيرها وربطها بالتخلف والجهل والجمود، فإنهم في الواقع يبحثون عن ربط القرآن بكل هذه الأوصاف. ولعل هذا المخطط ينسجم تماما مع مخطط الداعين إلى ترجمة القرآن إلى الدارجة، ليس لتيسير معانيه، وإنما، كما يؤكدون بأنفسهم، لفضح سطحيته وخوائه وتفاهة معانيه. وحسب زعمهم، فعندما نجرد القرآن من اللغة العربية التي يتدثر بها فإنه يصبح كتابا عاديا تبعث معانيه على الضحك والسخرية.
غدا نتوقف مع أصحاب هذا الزعم ونتحدث عن توجهاتهم ومسؤولية الشياطين الخرس، أي العلماء، في هذه الحرب المعلنة على كتاب الله واللغة التي نزل بها على رسوله الكريم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.