إسبانيا من حقها الآن أن تفرح كثيرا، من حقها أن تمارس رقصة الفلامنغو أمام ملايين المتفرجين، ومن حقها أيضا أن تردد بأعلى صوتها مواويل النصر.. فقد حقق منتخبها ما استعصى على البعض حتى التفكير فيه.. لقد تمكن الماتادور من تجاوز الطواحين الهولندية وأهدى لكل عشاقه كأسا عالميا سيسكن بكل فخر أرشيف الرياضة الإسبانية.. إسبانيا التي ظلت إلى سنوات طويلة من الآن تبحث لنفسها عن موطىء قدم في نهائي المونديال، وجدت نفسها في لحظة تاريخية تتوج بالذهب. حين وصلت إلى جنوب إفريقيا كانت مجرد منتخب خجول، انهزم في مباراته الأولى، ولكن دلبوسكي، الداهية العجوز الذي تسلم المشعل من أراغونيس، آمن بحظوظه حتى النهاية، وتعرفون بعدها كيف وصل الماتادور إلى مباراة النهاية. نيلسون مانديلا، كان هناك في جوهانسبورغ ومعه ملكة إسبانيا، حتى نجم التنس العالمي رافاييل نادال لم يضيع على نفسه فرصة الفرح باللقب العالمي مع أبناء بلده، كلهم كانوا هناك ليعيشوا واحدة من لحظات المتعة التي وزعتها جنوب إفريقيا طيلة شهر كامل على كل المناطق المبثوثة في أرض الله، كانت بداية النهاية قوية جدا، تساوت فيها الفرص، وقد كاد راموس أن يفتتح باب التسجيل برأسية رائعة، حافظ المنتخب الإسباني على نسقه الهجومي، ولكنه في كل مرة كان يجد أمامه منتخبا متماسكا، قطع مسارا متألقا قبل الوصول إلى نهاية المونديال، لقد تكافأت الفرص بين المنتخبين، وكان أهمها لحظة انفراد للاعب روبن الذي وجد نفسه وجها لوجه أمام كاسياس، ولكنه ضيع على نفسه وعلى هولندا هدفا محققا، وعاد مرة أخرى ليخطئ الهدف من جديد بعد انفراد مماثل، هذه المرة لم يسعف الحظ روبن، فقد كان قدر هولندا أن تخسر رهانها للمرة الثالثة، قدرها أن تفرح بميدالية فضية، وتكتفي برتبة الوصيف.. واستحق كاسياس تتويجه كأحسن حار س في الدورة. وقد كان لابد لنا جميعا أن ننتظر شوطا رابعا لنتعرف على هوية البطل، العريس الجديد الذي منحته بلاد البافانا بافانا تاجها العالمي، فقد كان يكفي الماتادور ثمانية أهداف فقط طيلة مباريات المونديال لينعم بلقبه. دافيد فيا لم يسجل في مباراة النهاية، كان هناك القزم العملاق إينييستا الذي أمسك الكرة وأسكنها بقوة في شباك هولندا، منح الإسبان لحظة تاريخية للفرح، ومضى سعيدا بهدف الخلاص، حتى وإن كافأه الحكم بورقة صفراء. الماتادور يتوج بطلا للمونديال، وقبل سنتين فقط من الآن كان نفس هذا الجيل الرائع قد توج بكأس أوروبا، الجيل الذي تنازل قبل بداية المونديال عن منحة مباريات الدور الأول تضامنا مع بلده في أزمتها العالمية، ويحق له اليوم أن يسعد بنصره وبمكافأة اللقب العالمي. إسبانيا بطلة للعالم، وهولندا اكتفت برتبة الوصيف وألمانيا عانقت ميداليتها البرونزية، فقد ختم مونديال جنوب إفريقيا مراحله الأخيرة بنكهة أوروبية. وإلى أن يتجدد حلم المونديال من جديد بعد أربع سنوات من الآن في بلاد الصامبا، تأكدوا قبلها أن الفرح سيستمر طويلا في إسبانيا، فقد أصبح للعالم بطل جديد اسمه الماتادور.