عادة ما تردد الأبناك وغيرها بأن الزبناء ملوك. لكن بمجرد ما يندلع خلاف أو نزاع معهم حتى تنقلب عليهم بسرعة وتنزع عنهم «تيجانهم». (محمد.خ) كان أحد هؤلاء الملوك المطاح بهم بعدما قامت الوكالة البنكية، التي فتح بها حسابا بنكيا في منتصف السبعينيات، بالحجز على راتبه التقاعدي و تركه فريسة الحاجة و الديون مدة خمسة أشهر، رغم أن معاشه يتجاوز الخمسة آلاف درهم. لحد الآن لم يستطع (محمد.خ) الموغل في سنواته السبعين أن ينسى تلك الحادثة. يتذكر تفاصيلها بنوع من الحنق والألم، محملا مسؤولية ما عاناه طيلة تلك الفترة لمدير الوكالة. «أنا كون كان بيدي كون قتلتو»، يقول (محمد.خ) بشيء من الغضب، مبررا إحساسه هذا بما كابده هو وأسرته من معاناة مادية ونفسية طيلة تلك الشهور، «5 شهور والخلصة ديالي مقطوعة علي..5 شهور كلها دوزتها فالكريدي..نتسلف من مول الحانوت، من الفارماصيان، من أي واحد، والبنك حابس علي المانضة اللي تانعيّش بها عائلة على قدها». تفاصيل تلك المعاناة، التي عمرت خمسة أشهر، ما تزال طازجة في ذاكرة (محمد.خ) ولا تنفك تغادرها. إذ في بداية يونيو من السنة الماضية فوجئ بوكالته البنكية تحجز على حسابه البنكي. اعتقد في الوهلة الأولى أن هناك خطأ ما وقع فيه البنك. لكن فيما بعد اكتشف أن قرار الحجز توصلت به الوكالة بتاريخ 16 مارس 2009، ولم تعلمه بذلك إلا بعد ثلاثة شهور حين تم الحجز على حسابه البنكي. السبب؟ يرجعه الرجل السبعيني إلى دين بذمته تجاه مصلحة الضرائب بمدينة القنيطرة حيث يعيش رفقة أسرته. لكن ما لم «يبتلعه» محمد هو أن يحجز البنك كليا على معاشه، دون أن يترك له ما يعيل به أسرته المكونة من ثمانية أفراد. وحين احتج على مدير الوكالة، أخبره بأن «القرار جا من الرباط..من البنك المركزي»، وأن عليه أن يسوي مشكلته مع مصلحة الضرائب حتى يتم رفع الحجز عن راتبه التقاعدي. تصرف اعتبره محمد قاسيا وغير إنساني، «ما عندهومش الحق يحجزو لي على المانضة ديالي كلها و يعطيوها لدار الضريبة». رغم ذلك لم يستطع محمد اللجوء إلى القضاء أو أن يفعل أي شيء لرفع الحجز عن حسابه. كل ما استطاع فعله أن يجتر معاناته طيلة خمسة أشهر، كان فيها ممنوعا من معاشه كله، و كان الحل الوحيد أمامه هو الاقتراض: من أقاربه، من معارفه، من أي شخص آخر لتغطية مصاريف عائلته و كذا مصاريف الأدوية بسبب إصابته بالسكري و مرض القلب المزمنين. كما أن زوجته تعاني هي الأخرى من مرض القلب. كانت شهورا قاسية، يقول (محمد.خ)، لم يستطع نسيانها لحد الساعة، خصوصا لما اشتد عليه الطوق و التجأ إلى البنك ليقترض 500 درهم، فنهره مدير الوكالة البنكية أمام الكل، وقال له: «إيلا مت شكون غادي يخلصها عيك؟». كانت لحظة ملأى بالمهانة، يحكي محمد، وظل السؤال الوحيد، الذي يردده باستمرار دون أن يجد له جوابا: «كيف يحجز البنك على معاشي بالكامل و يعاملني مديره بهذه القسوة، رغم أنني زبون وفي له منذ أزيد من ثلاثين عاما ؟!».