نشرة إنذارية: زخات رعدية قوية وأمطار بالناظور والدريوش    القمة الإفريقية الثانية حول المناخ تسلط الضوء على البعد القاري للرؤية المغربية بشأن التحديات المناخية                جامعة محمد السادس "بولي تكنيك" تفتتح فرعا لها في نيويورك                بسبب 20 وشاية.. القضاء البلجيكي يدين عائلة مغربية بالحبس بسبب احتيال على نظام المعاشات    قارب مساعدات متجه لغزة يتعرض لهجوم في ميناء تونسي    السفارة الصينية بالرباط تهنئ الطالبة المغربية ياسمين مزواري على تتويجها الدولي في الصين    المنتخب المغربي يحافظ على مركزه 12 عالميا ويشدد الخناق على ألمانيا            إسبانيا تستدعي سفيرتها لدى إسرائيل وتصف اتهامات تل أبيب لها ب "معاداة السامية" ب "الترهيب"    تسريع التعاون في مجالات الكهرباء والطاقات المتجددة محور مباحثات الوزيرة بنعلي مع نظيرها الموريتاني    السيتي ينهي النزاع القانوني مع رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز    أمين زحزوح يتوج بأفضل لاعب في الشهر بالدوري القطري    المغرب يواجه خيارات حسم نزاع الصحراء بين انتظار مجلس الأمن او التدخل الفوري    بنعلي ووزير الطاقة الموريتاني يبحثان تسريع الشراكات الطاقية بنواكشوط    زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح اليوم الثلاثاء بعدد من مناطق المملكة (نشرة إنذارية)    تلميذ يرد الجميل بعد 22 سنة: رحلة عمرة هدية لمعلمه    مبادرة شبابية في تطوان توفر لوازم مجانية لتخفف عبئ الدخول المدرسي على الأسر المعوزة    مداهمة مقاهي تقدم النرجيلة وتوقيف مسيرين ووضعهم رهن تدبير الحراسة النظرية    زخات رعدية ورياح قوية بعدة مناطق بالمغرب مع انخفاض في درجات الحرارة اليوم الثلاثاء    بفضل التعبئة الحكومية.. أشغال إعادة بناء وتأهيل المنازل المتضررة من زلزال الحوز تشارف على النهاية    اليونان: زلزال بقوة 5,3 درجات يضرب قبالة جزيرة إيفيا    بطولة اسبانيا: برشلونة يؤكد إصابة دي يونغ    "أسطول الصمود" يعلن تعرض إحدى سفنه لهجوم يشتبه أنه نفذ بمسيرة إسرائيلية    1500 ممثل ومخرج سينمائي يقاطعون مؤسسات إسرائيلية دعما لغزة        أجواء روحانية عبر إفريقيا..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تحيي المولد النبوي    إيغامان: أشكر المغاربة على الدعم    إسبانيا تستدعي سفيرتها لدى إسرائيل وتصف اتهامات تل أبيب لها ب "معاداة السامية" ب "الترهيب"            انتشار السمنة بين المغاربة يطلق دعوات إلى إرساء "خطة وطنية متكاملة"    ملاحظات "UMT" على مجلس الصحافة    بفوز سابع على زامبيا.. المغرب يواصل مساره المثالي في تصفيات مونديال 2026    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    المنتخب الوطني ينتصر على نظيره الزامبي    الآن: سقوط الحكومة الفرنسية        نسرين الراضي تخطف جائزة أفضل ممثلة إفريقية    مقتل شاب من مليلية في هجوم مسلح نفذه فلسطينيان بالقدس    "كناش الحشمة".. أسطورة الرحل فوق خشبة المسرح الكبير بنمسيك    ربيع القاطي يطرق باب العالمية مجددًا عبر سلسلة "Atomic"    اللغة والهوية في المغرب: خمسون عاماً بين الأيديولوجيا والواقع    الكلمة أقوى من الدبابة ولا مفر من الحوار؟..    ميناء الحسيمة : انخفاض بنسبة 9 في كمية مفرغات الصيد البحري مع متم يوليوز الماضي        أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    دراسة: عصير الشمندر يُخفّض ضغط الدم لدى كبار السن    دراسة : السلوك الاجتماعي للمصابين بطيف التوحد يتأثر بالبيئة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    المجلس العلمي الأعلى يعلن إعداد فتوى شاملة حول الزكاة بتعليمات من الملك محمد السادس    مبادرة ملكية لتبسيط فقه الزكاة وإطلاق بوابة رقمية للإجابة على تساؤلات المواطنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لن أخطئ
نشر في المساء يوم 10 - 11 - 2010

جمعتُ أغراضي في كيس بلاستيكي أسود، ووضعت الأوراق النقدية القليلة التي استطعتُ توفيرها في الفترة الأخيرة داخل كيس جلدي صغير، ودفنتها داخل صدريتي بحرص شديد، وغادرت بيت والدتي الذي قضيت فيه معظم سنوات عمري.
لم أرغب أبدا في النظر إلى الوراء وأنا أقطع الخطوات التي تفصل باب البيت عن الشارع الذي تتسابق فيه السيارات والشاحنات والدراجات النارية، إلى جانب سيارات النقل الصغيرة. تنفست بعمق وقلت لنفسي: «وأخيرا»!
غادرتُ بيت والدتي التي لم تحن علي أبدا، ولا أنوي العودة إليه مهما حصل...
والدتي امرأة قاسية القلب، لا أكاد أتذكر أنها ابتسمت في وجهي يوما. كنت أشعر بأنني مجرد رقم إلى جانب أشقائي الذكور الثلاثة وشقيقتي الأكبر من زواج سابق...
أتذكر جيدا تلك الصباحات الباردة التي كنت أتمارض فيها خلال سنوات دراستي الابتدائية والإعدادية كي أتغيب عن المدرسة، وأحظى بنظرة شفقة من والدتي. وأتذكر أيضا تلك الدموع المالحة التي كنت أذرفها وأنا أدفن وجهي في مخدتي تحت غطاء الفراش في كل مرة كانت والدتي تتجاهل فيها مرضي، وتقضي يومها موزعة بين المطبخ وسطح البيت تثرثر مع الجارات. كبرتُ وكبر داخلي حجم الغبن الذي كنت أشعر به بسبب افتقادي إلى حنانها، كما تعاظمتْ حاجتي إلى محبتها ومشاركتي إياها أسرار البنات. عندما بلغت وشعرت لأول مرة بالدورة الشهرية تبلل ملابسي الداخلية شعرتُ بالرعب وخفت من إخبارها حتى لا تلطمني على وجهي، وتتهمني باقتراف فعل شنيع. لم أكن أعرف ما هو، لكنني كنت متأكدة من أنها ستلطمني على وجهي تماما كما كانت تفعل في كل مرة تغضب مني أو من أحد إخوتي.. كنت أشعر بالغيرة من فتيات الأفلام والمسلسلات اللائي كنت أشاهدهن على التلفزيون عندما تحضن الأم - أي أم كانت- طفلتها وتقبلها على وجنتيها أو جبهتها قبل النوم. والدتي كانت معروفة بين نساء الحي بفظاظتها وعنفها الذي يظهر سريعا خلال المشادات الكلامية، إذ سرعان ما كانت تحوّلها إلى أشواط من المصارعة البدنية، ونتف الشعر وتمزيق الملابس وعض الأذرع وقرص الخدود... عندما كنت صغيرة، كنت أفتخر كثيرا بالطريقة التي كانت تتمكن بها والدتي من حسم معاركها مع الجارات، والفوز في جميع مواجهاتها معهن، لكن مع تقدمي في السن وذهابي إلى الإعدادية والثانوية بدأت أشعر بالعار من سلوكها الذي وصفته زميلاتي في القسم وبنات الحي بالهمجي والوحشي...
تحملتُ إحساس اليُتم لسنوات طويلة، رغم أن والدتي حية ترزق، لكنني لم أعد أستطيع تحمل ذلك الإحساس الآن بعدما بلغ عمري 24 سنة، وصرت أعمل في مركز للاتصالات كي أعيل نفسي.
استغربتُ كثيرا كيف فشل الزمن في تليين قلب أمي، وزرع بذور المحبة فيه تجاهي، لكنني أدرك الآن أن قلبها كان يزداد قساوة مع مرور الوقت حتى بات قطعة من الصخر الجامد الذي فشلت جميع محاولاتي في اختراقه. لقد شعرتُ دائما بأنه كان موصدا في وجهي وفي وجه باقي إخوتي الذين غادروا هم أيضا البيت قبلي بسنوات.
كنت الوحيدة التي بقيت إلى جانبها، لكن قسوتها بلغت درجة لم أتخيلها من قبل. لقد بدأت حملة شيطانية في الفترة الأخيرة من أجل دفعي لامتهان البغاء، وبيع جسدي للغرباء من أجل حفنة من الأوراق النقدية.
أستحضر تلك اللحظة التي اقتحمت فيها والدتي غرفة الجلوس بينما كنت أطوي ملابس الغسيل وأتفرج على التلفزيون.. أستحضر كلماتها الخبيثة التي عيرتني فيها بعنوستي، رغم أن سني لا يتجاوز 24 سنة، وقالت إن بعض البنات من أمثالي ممن يملكن جسدا بمثل مقومات جسدي يلعبن بالذهب والمال، ويمتلكن الشقق والسيارات لأنهن «ماضْيات» ويعرفن كيف يخطفن الكحل من العيون!
تعمدتُ ألا أفهم كلامها الذي بدأتْه معي في مناسبات متعددة أخرى وقلت لها: «هادشي ما عطاني الله في هاد الدنيا وأنا صابرة»، لكن كلماتي لم تعجبها، فردت غاضبة: «وابقاي صابرة حتى تموتي بنت وما تكوني شفتي ما تشوّفتي»! جرحتني كثيرا تلميحاتها واخترقت صدري كسكين حاد ودفعتني لطرح تلك الأسئلة المؤلمة التي كنت أهرب منها في السابق. قلت لنفسي كيف يمكن لأم أن تدفع ابنتها لسلك طريق الخطيئة؟ كيف لأم أن تتجرد من مشاعرها وتتلاعب بشرف قطعة من روحها وتدفعها دفعا نحو بيوت العهر والفساد طمعا في المال؟ ألحت علي بعض الخواطر التي كانت تراودني في طفولتي، وتدفعني للاعتقاد بأنني لست بنتا حقيقية لهذه الأم القاسية. تذكرت كيف بدأ النوم يخاصم جفوني لساعات طويلة خلال الليل منذ تلك الليلة المشؤومة، وكيف كنتُ أتوجه إلى الله تعالى في دعواتي، كي يحميني منها ومن نفسي ويلهمني للطريق الصحيح حتى لا أقع في الخطأ...
لست أدري لماذا تهجم كل تلك الذكريات المؤلمة على ذاكرتي الآن ، لكنني شددتُ قبضتي على الكيس البلاستيكي الأسود الذي وضعت بداخله أغراضي، وتحسست موضع الكيس الجلدي الصغير في صدريتي، وتنهدت بعمق.
أسرعت في خطواتي كي أصل إلى محطة الحافلات التي ستقلني إلى المحطة الطرقية، وهناك سأركب أول حافلة متوجهة إلى الجنوب. سأعمل خادمة في البيوت أو نادلة في مقهى أو عاملة استقبال في فندق، لكنني قررت ألا أترك «أمي» تدمر حياتي.
قلت لنفسي بتصميم وبصوت مسموع: «لا، لن أتبع طريق الخطيئة ... لن أخطئ مهما كان الثمن»!
قصة مستلهمة من حياة القارئة خ.ا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.