الصحراء المغربية.. هلال يرد "دون جدال أو عدائية" على تصريح وزير الخارجية الجزائري أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة    القوات العمومية تتدخل لمنع تجمهرات مجهولة المصدر دون تسجيل أي إصابات أو خسائر    جيل زد المغربي.. احتجاجات تعيد رسم المخيلة السياسية    الدبلوماسية ‬المغربية ‬تطوي ‬المرحلة ‬الأخيرة ‬بدينامية ‬فائقة ‬السرعة    تصعيد ‬عسكري ‬جزائري ‬ضد ‬المغرب    حين يسأل الملك... وتصمت الدولة    بوريطة يترأس في نيويورك مشاورات مع دول الساحل لتفعيل المبادرة الملكية نحو الأطلسي    احتجاجات "جيل زد": دينامية اجتماعية بلا سياق سياسي واضح!    مندوبية التخطيط: ارتفاع الطلب الداخلي ب9,2%    اتفاق جديد بين المغرب والاتحاد الأوروبي لتعزيز تسويق منتجات الأقاليم الجنوبية    وكالة "فيتش" تؤكد تصنيف المغرب عند "بي بي+" مع نظرة مستقبلية مستقرة    أسعار الذهب تسجل ذروة قياسية جديدة    رشاوى ‬واختلاسات ‬لمسؤولين ‬جزائريين ‬كبار ‬أمام ‬القضاء ‬الإسباني ‬    "جيل Z" الجزائري يهدد بإعادة الشارع إلى الواجهة... والنظام العسكري في حالة استنفار    المغرب والولايات المتحدة يختتمان مناورات "ماروك مانتليت 2025" لمواجهة الكوارث    ترامب يعلن خطة لإنهاء حرب غزة وسط تشكيك محللين في جدواها    "أسطول الصمود" يقترب من منطقة خطر الاعتراض الإسرائيلي    مباراة المغرب والبحرين.. بيع أزيد من 42 ألف تذكرة إلى غاية السادسة مساء    شباب المحمدية يفصح عن نواياه مبكرا بثلاثية في مرمى أمل تزنيت    بلدية ميلانو تمنح الضوء الأخضر لبيع سان سيرو لميلان وإنتر    إيقاف شخص يحرض على الخروج للشارع من أجل الاحتجاج    طقس الثلاثاء ممطر في بعض مناطق المملكة    كيوسك الثلاثاء | المغرب الأول بشمال إفريقيا في الحد الأدنى للأجور    المجلس الجماعي للجديدة يعقد دورة أكتوبر في جلستين    فريال الزياري: العيون.. مدينة الكرم والجمال الصحراوي الأصيل    طنجة.. السلطة تُنهي جدل تسعيرة "الطاكسي الصغير" وتُحدد الحد الأدنى في 7 دراهم    المغرب يحذر "الإيكاو" من خطورة المناطيد الهوائية على سلامة الطائرات                            الدار البيضاء: إيقاف شخص ينشر صور وفيديوهات للاحتجاجات ببعض الدول الأجنبية ويدمجها مع مظاهر للإحتجاج داخل التراب الوطني    مباراة المغرب والبحرين.. بيع أزيد من 42 ألف تذكرة إلى غاية السادسة مساء    صحافة الشيلي: فوز المغرب على إسبانيا يفجر أولى مفاجآت "مونديال U20"    أمطار رعدية قوية مرتقبة في المغرب    الركراكي يلتقي بالصحافيين في سلا    الصندوق المغربي للتقاعد يعلن صرف معاشات المتقاعدين الجدد التابعين لقطاع التربية والتعليم    القانون 272 يدفع المصابين بألأمراض المزمنة إلى الهشاشة الاجتماعية    علماء روس يبتكرون أدوية "ذكية" يتحول شكلها داخل الجسم    الخارجية الأمريكية تبرز مؤهلات المغرب ك'قطب استراتيجي' للأعمال والصناعة    برامج شيقة تمزج بين الإبداع والتجديد في الموسم التلفزي الجديد لقناة الأولى    نشرة إنذارية: زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بتساقط للبرد مرتقبة اليوم الاثنين بعدد من مناطق المملكة    وجدة تحتفي بالسينما المغاربية والدولية في الدورة 14 للمهرجان الدولي المغاربي للفيلم    المعهد المتخصص في الفندقة و السياحة بالحوزية ضمن المتوجين في الدورة 11 للمعرض الدولي ''كريماي'' للضيافة وفنون الطبخ    بنسعيد: الراحل سعيد الجديدي أغنى المكتبة الوطنية بإنتاجات أدبية وصحفية قيمة        "طريقة الكنغر" تعزز نمو أدمغة الأطفال المبتسرين    محمدي يجمع الرواية والسيرة والمخطوط في "رحلة الحج على خطى الجد"    عرض "نشرب إذن" ينافس في بغداد    دراسة: الموسيقيون يتحملون الألم بشكل أفضل من غيرهم            بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذبح بغير سكين
نشر في المساء يوم 04 - 01 - 2011

إذا كان الواقع يتحول في اللغة إلى ألفاظ في علاقات تركيبية بناء على معايير وأصول اللغة، حيث تبدو اللغة مستقلة نسبيا عن الثقافة التي تعبر عنها وعن الواقع الذي يفرزها، فإن اللغة تكتسب من هذا الاستقلال النسبي قدرتها على إعادة تشكيل الواقع.
ولفهم طبيعة الخطاب الذي تضمنه النص من كتاب وحديث، يتعين تحليل معطياته اللغوية في ضوء الواقع الذي تشكل النص من خلاله، إذ لا يكفي الوقوف على دلالة النص للتأكد من صحته وبيان أسباب نزوله والتأمل في بنائه وتركيبه اللغوي والاستظهار بالنصوص ذات الصلة به، بل لا بد لدرس النص والكشف عن مكامنه من التنقيب عن الواقع الذي انتظم حركة البشر المخاطبين به ومن الوقوف على الثقافة المتجسدة في اللغة السائدة زمن الخطاب ومكانه.
وفي محاولة لاستقطار دلالة نص الحديث صدره، وسبر أغواره، لتأصيل مفهوم يحفز الهمم على تحمل مسؤولية الشأن العام، ومنه القيام بخطة القضاء، يكشف واقع مكان النزول (الحرم الإبراهيمي) عن قصة إسماعيل الذبيح بغير سكين. تلك القصة التي أثبتها الله تبارك وتعالى في محكم كتابه بالآي من 99 إلى 113 من سورة الصافات، ونصفها: «وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين. رب هب لي من الصالحين. فبشرناه بغلام حليم. فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، قال يا أبتِ افعل ما تومر ستجدني إن شاء الله من الصابرين. فلما أسلما وتله للجبين. وناديناه أن يا إبراهيم. قد صدقت الرؤيا، إنا كذلك نجزي المحسنين. إن هذا لهو البلاء المبين. وفديناه بذبح عظيم. وتركنا عليه في الآخرين. سلام على إبراهيم. كذلك نجزي المحسنين. إنه من عبادنا المؤمنين. وبشرناه بإسحاق نبيئا من الصالحين. وباركنا عليه وعلى إسحاق، ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين». وبيان ذلك (عند ابن كثير) أن الله تبارك وتعالى يذكر عن خليله إبراهيم أنه لما هاجر من بلاد قومه، سأل ربه أن يهب له ولدا صالحا فبشره بغلام حليم، وهو إسماعيل عليه السلام أول ولد له على رأس ست وثمانين عاما من عمر الخليل. ولما شب وصار يسعى في مصالحه كأبيه، رأى إبراهيم عليه السلام في المنام (وهو وحي) أنه يؤمر بذبح ولده البكر، اختبارا من الله عز وجل لخليله، بعدما أمر بأن يسكنه هو وأمه هاجر في بلاد قفراء وواد ليس به حسيس ولا أنيس ولا زرع ولا ضرع، فامتثل لأمر الله في ذلك. وتركهما هناك ثقة بالله وتوكلا عليه، فجعل الله لهما فرجا ومخرجا، ورزقهما من حيث لا يحتسبان. ثم لما أمر بذبح ولده، هذا الذي أفرده عن أمر ربه وهو بكره ووحيده الذي ليس له غيره -وقتئذ- امتثل لأمره. وعرض ذلك على ولده ليكون أطيب لقلبه وأهون عليه. فبادر الغلام الحليم قائلا: «يا أبتِ افعل ما تومر ستجدني إن شاء الله من الصابرين» طاعة لرب العالمين. فلما استسلما لأمر الله وكبرا وعزما على ذلك، ألقاه على وجهه وهمَّ بذبحه من قفاه. نودي من الحق تعالى: «أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا» وحصل المقصود من اختبارك وطاعتك ومبادرتك إلى أمر ربك فبذلت ولدك قربانا، كما سمحت ببدنك للنيران، ورصدت مالك للضيفين. وفداه الحق سبحانه وتعالى بكبش أبيض أعين أقرن عليه عهن أحمر له ثغاء، رآه مربوطا بسمرة في ثبير فذبحه وسلم إسماعيل كما سلم إبراهيم جزاء إحسانه وإيمانه. ثم بشر بعد ذلك بإسحاق نبيا صالحا تلده زوجته الأولى سارة بعد ما بلغ مائة سنة ومن وراء إسحاق يعقوب المشتق من العقب بعد...
ويستشف من قصة إسماعيل، الذبيح بغير سكين، أن المقصود بالحديث «من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين» هو أن من أهل لخطة القضاء طلبا أو امتثالا لأمر ولي الأمر وتحمل المسؤولية القضائية وصبر عليها وأداها على وجهها الشرعي، شأنه شأن إسماعيل الذبيح بغير سكين في الامتثال للأمر الموحى به إلى والده إبراهيم وطاعتهما له، فإن الله تبارك وتعالى سيجزيه على صبر وتحمل خطة القضاء وأدائها حق أداء جزاء المحسنين العدول المستقيمين الصابرين. وقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل» وأنه «يبتلى الرجل حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه» وصدق الإمام البوصيري إذ قال:
لم يمتحنا بما تعي العقول به
حرصا علينا، فلم نرتب ولم نهم
وخفف خاتم الرسل المسؤولية القضائية بتقريره: «إنما أنا بشر. وإنكم تختصمون إليَّ. وعسى أن يكون بعضكم ألحن بحجته من الآخر، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بشيء فإنما أقطع له قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها».
ونأمل أن يكون هذا التأويل للحديث (صدره) حافزا للهمم على تحمل أعباء مسؤولية الشأن العام، والشأن القضائي أعظمه، ذلك أن زمن التخلي عن تحمل المسؤولية قد ولى. وما نهضت الأمم -وفي مقدمتها الأمة الإسلامية في عقودها الزاهرة- إلا بنشر الوعي بين أفراد الأمة على تحمل أعباء الشأن العام، وفي مقدمته أعباء خطة القضاء. ولا ينفر من ذلك مبدأ المساءلة في الدنيا والآخرة لمن انحرف عن الجادة وزاغ عن الطريق السوي، فغلب هوى الغرائز الحيوانية على سجية الفطرة الإنسانية التي جبل عليها الإنسان وهدته إليها الرسالات السماوية المختومة بالرسالة المحمدية. فالكل راع والكل مسؤول عن رعيته. والله كشف عن القلوب غشاوة الغفلة وأنارها بما خلق فيها من الهدى وأزاح عنها ما علق بها من قسوة. وصدق من قال:
«وراء مضيق الخوف مشع الأمن
وأول مفروح الروح به غاية الحزن
فلا تيأسن فالله مَلَّك يوسف
خزائنه بعد الخلاص من السجن».
انتهى/


محمد بورمضان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.