مجلة إسبانية: المغرب قطب تكنولوجي حقيقي    انتعاشة غير مسبوقة للسياحة العالمية في 2024: الشرق الأوسط يحقق قفزة نوعية والمغرب الأبرز إفريقياً    2050.. الصين تُلهم العالم بنموذجها الاقتصادي وإفريقيا أمام فرصة للتحول    الجزائر وتواطؤها الخطير: كيف تحوّلت مخيمات تندوف إلى مصانع لتفريخ الإرهاب وتهديد أوروبا    ترامب يأمر بنشر ألفي جندي إضافي في لوس أنجليس للحد من أعمال الشغب    استمرار الحرارة في توقعات طقس الثلاثاء    بتعليمات من الملك محمد السادس: مؤسسة محمد الخامس للتضامن تطلق عملية 'مرحبا 2025'    جلالة الملك: ميناء الناظور سيتوفر على منظومة لوجستية وصناعية ضخمة    من روان الفرنسية إلى طنجة.. رحّالة فرنسي يقطع نحو 2200 كلم على دراجته لنشر التسامح    الكعبي يقود الأسود للفوز على البنين في ودية فاس    حادثة سير خطيرة بالعرائش تُسفر عن نقل شاب في حالة حرجة إلى مستشفى طنجة    من الاحتجاج إلى المواجهة .. أمريكا أمام اختبار أمني غير مسبوق والمارينز في قلب المعركة    حاكم كاليفورنيا: ترامب رئيس ديكتاتوي    هجوم "ضخم" بمسيرات روسية يستهدف كييف وأوديسا    من يوقف هذا العبث؟ حركات بهلوانية مميتة بشوارع العرائش… والخطر يهدد الأرواح    انطلاق عملية مرحبا 2025 بتعليمات سامية من جلالة الملك    المنتخب الوطني يفوز على نظيره البنيني بمقصية جميلة من الكعبي    تشكيلة المنتخب المغربي أمام بنين    السفينة "مادلين" تصل ميناء أشدود    انتخابات جزئية مرتقبة بالناظور والدريوش لملء مقاعد شاغرة بمجالس جماعية    تقرير البنك الدولي يعزز مكانة ميناء طنجة المتوسط    رئيس مليلية المحتلة يتهم المغرب ب"معاقبة" اقتصاد المدينة ويحذر من تداعيات خطيرة    ارتفاع ليالي المبيت بمؤسسات الإيواء السياحية المصنفة ب9 في المائة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء        منظمة الصحة تحذر من متحور جديد لكورونا والمغرب مطالب باتخاذ تدابير استباقية    ساعة ذكية تنقذ حاجة مغربية من موت محقق أثناء أداء مناسك الحج    خبراء مغاربة: متحور كورونا لا يثير القلق لكن الحذر واجب للفئات الهشة    استقرار أسعار الذهب مع تزايد التفاؤل قبيل محادثات التجارة بين الولايات المتحدة والصين    الشغب الرياضي يقود ثلاثة شبان للاعتقال بالدار البيضاء    الملك محمد السادس يوجه رسالة إلى المشاركين في قمة "إفريقيا من أجل المحيط"    ديستانكت وJul يطلقان أغنية "Princessa"        رغم غياب الأضاحي.. كرنفال بوجلود الدولي يعود في دورته الثامنة بنفس متجدد وإشعاع عالمي    إلغاء لقاء منتخب تونس بالدار البيضاء    مفتش شرطة يطلق النار بمدينة فاس    كرة القدم.. المنتخب الوطني لمواليد 2000 فما فوق يفوز على تشاد (6-0)    ريال مدريد يضم الموهبة المغربية عبد الله وزان من أياكس    برقية تهنئة من الملك محمد السادس إلى عاهلي المملكة الأردنية الهاشمية بمناسبة عيد الجلوس الملكي    مهرجان الدارالبيضاء للفيلم العربي يستقطب نجوم الصف الأول للتحكيم    الحرب التجارية تؤثر على أداء الصين    "هولوغرام موازين" يشعل الخلاف بين عائلة عبد الحليم حافظ والمنظمين    تقرير.. قادة من الوليساريو يتسللون إلى صفوف "داعش" ويهددون أوروبا من داخل الساحل        مشجع يفارق الحياة في نهائي دوري الأمم الأوروبية    العراق يحظر رواج "الكاش" في مؤسسات الحكومة    المغرب يضاعف رهانه على صناعة السيارات الكهربائية: لتصل إلى 60% من إجمالي الإنتاج في أفق 2030    كأنك تراه    المغرب يحتفي بثقافته في قلب الصين عبر ألحان التراث وإيقاعات الفلكلور    طفولة مخيمات تندوف بين فكي الدعاية السياسية والإستغلال الإيديولوجي تحت غطاء "عطل في سلام"    تعزية إلى الكولونيل رضوان أحصاد في وفاة شقيقته    عيد لصاحبة القبر    الصحة العالمية تحذر من ارتفاع إصابات "كوفيد-19" بسبب متحور جديد وتدعو لتشديد الإجراءات الوقائية    انسيابية في رمي الجمرات واستعدادات مكثفة لاستقبال المتعجلين في المدينة المنورة    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "الربحة"    يوميات حاج (9): بين منى ومكة .. الانعتاق من شهوات سنين الغفلة    الحجاج ينهون رمي الجمرات في أول أيام العيد    الحجاج يبدأون رمي "جمرة العقبة" الكبرى في مشعر منى    









الأنظمة العربية وأزمة الشرعية
نشر في المساء يوم 15 - 01 - 2011

إن المتأمل للمشهد السياسي العربي اليوم يلاحظ أزمات سياسية حادة تجتاح معظم الدول العربية، تهدد بعضها بالتشطير، وبعضها بالفتنة الطائفية، وبعضها بالفوضى وثورات الجياع.. وبغض النظر عن مبرر التدخل الخارجي الذي يرفعه الرسميون (عن حق أو باطل)، فإن كل هذا الذي يحدث يجد له أسسا تمتد عميقا في تربة المناخ السياسي الفاسد الذي يسود هذه الدول ويرتبط،
في جانب كبير منه، بقضايا الاستبداد والفساد والتكالب على البقاء في السلطة والولاء للأجنبي، التي يمكن اختصارها في قضية واحدة هي أزمة الشرعية التي يفتقدها النظام الرسمي العربي برمته.
فما هي ملامح هذه الأزمة؟ وما الذي أفضت إليه؟ وقبل هذا وذاك، ما الذي نقصد إليه بالشرعية في حقل الفكر السياسي الحديث، وما هي أسسها؟
إن التأسيس النظري لفكرة الشرعية، كما تقوم عليها الدولة الديمقراطية، تنبني على أساس أن الشعب هو مصدر السلطات جميعا، وأن التفويض الذي يمنحه لحكامه ليس دائما (بمعنى الامتداد في الزمان) ولا مطلقا (بمعنى الحرية التامة في التصرف) وإنما هو خاضع لقوانين تنظم الكيان السياسي من خلال ضوابط محددة هي التي نسميها الدستور. فالدولة الديمقراطية تفترض أن أي شرعية لا تكتسب إلا من خلال علاقة قانونية سلمية يكون فيها القانون هو الضامن لحقوق الأفراد وكل الفئات المؤطرة بثقافة الحوار والنقاش العمومي والمُحلة لسلطة القانون محل سلطة القوة السافرة، هذا على المستوى النظري. وبما أن الممارسة قد تؤدي أحيانا إلى بعض التراجعات والإخلالات، فإن الديمقراطية لها آليات تحمي بها وجودها، من خلال اعتمادها على مؤسسات قائمة على توازي السلطات وتقابلها ومراقبتها لبعضها البعض، بحيث لا ينزاح النظام السياسي إلى حكم فردي أوتوقراطي يتمتع فيه الحاكم أيا كان بسلطات مطلقة وغير محدودة.
وبمقارنة بسيطة بأنظمة الحكم العربية، نجد أن كل الشروط التي تمنح الحاكم شرعيته غائبة بصورة شبه كلية تقريبا، حيث إن غالبية الحكام العرب، في ما يسمى جمهوريات، جاءت إلى السلطة بانقلابات عسكرية، أي من خلال سلطة الأمر الواقع. وبغض النظر عن الانتخابات التي يجريها الحكام في ما بعد، فإن هذه الأنظمة تبقى غير شرعية لأنها تتأسس على القوة وليس على الحق، فالقوة لا تؤسس شرعية قانونية، بل مجرد حصافة أي حساب ذكي للمصلحة (مصلحة الحاكم وليس الشعب) تفرضه توازنات القوى بين أجنحة النظام (العسكرية أو الطائفية أو العشائرية والعائلية) وإن فرض شرعية الدولة قد تحول إلى خوف وعنف لا يبرره القانون وتبرره إرادة الحاكم. وحتى الدول العربية التي تحكمها أنظمة الملكية التي تستمد شرعيتها مما يسميه ماكس فيبر «نفوذ الأمس الأبدي»، فإن هذا الملْك يؤسس مشروعية مطلقة لممارسة الاستبداد والهيمنة مستخدما حجة الأمن والسلم الاجتماعي، بحيث تتم المماثلة بين القانون وإرادة الحاكم، أو إنها تحل محله. أما العدل في منطق الدكتاتوريات العربية فهو أن يتنازل المواطن العربي عن كل حق مقابل ألا يتنازل الحاكم عن أي حق بدعوى حفظ أمن الدولة وتوفير العيش الكريم، غير أن كل مراقب نزيه يلاحظ أن أنظمة الحكم العربية، ومنذ الاستقلال، فشلت تماما في تحقيق ما وعدت به، فلا هي تمكنت من إرساء أسس السلم الاجتماعي (فوضى، حروب أهلية، فتن طائفية..) ولا هي تمكنت من تحقيق عيش كريم للمواطن (بطالة، جريمة، فساد مالي ورشوة ومحسوبية..)، وبهذا المعنى فقدت الأنظمة العربية كل شرعية مفترضة لها، فهي لم تأت بتفويض شعبي وانتخابات حرة معبرة عن إرادة المواطنين، وفي ذات الوقت عجزت عن تحقيق الرخاء الذي ظلت تعد به طويلا بعيدا عن معدلات النمو الوهمية والاستقرار الكاذب الناجم عن القبضة الأمنية المشددة، بل راكمت المزيد من الأزمات والمشاكل التي تهدد كل لحظة بالانفجار في شكل فوضى وعنف غير محسوب العواقب (النموذج التونسي على سبيل المثال)..
والمشكلة أن الحكام العرب يطيلون أمد الأزمة من خلال السعي الدائم إلى التمديد (بعضهم جاوز الأربعة عقود) والتوريث (المثال السوري وسعي أنظمة أخرى إلى السير على خطاه)، فجميعهم يحكمون بلدانهم منذ عقود من خلال أجهزة بوليسية تحكمها الهواجس الأمنية وتأخذ الناس بالشبهة وتمارس العنف على الشعب وكأنها في حرب معه لمنعه من حق التعبير والاحتجاج.
إن انتشار حالات العنف والفوضى والأزمات الاجتماعية والسياسية الخانقة على امتداد الوطن العربي، إنما هي نتاج أزمة الشرعية التي تعانيها الأنظمة الحاكمة، والتي من خلال إصرارها على البقاء إنما تبشر بمزيد من الاضطرابات والانتفاضات لا يمكن توقع مداها.
أخيرا، يمكن القول إن الأنظمة العربية لم تدرك المعنى الحقيقي لوجود الدولة، فالدولة لم توجد لتلغي حرية الإنسان أو تقيده بالعنف والاستبداد، و«إنما وُجدت لتحرر الإنسان من الخوف»، كما يقول سبينوزا، ولتضمن له حقوقه الأساسية التي يتمتع بها بمقتضى إنسانيته، ولكن الأنظمة العربية ضلت السبيل ورأت في الحكم غنيمة، وفي أجهزة الدولة أداة لممارسة التسلط، وفي الثقافة سبيلا للتضليل والخداع، وفي الإعلام وسيلة للكذب والدعاية.. وبعد هذا يتساءل البعض: لماذا لا زلنا نراوح مكاننا في ذيل قائمة الدول الأشد تخلفا..!
كاتب من تونس
سمير حمدي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.