أكد الحسين أعبوشي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن إعادة إحياء دور الحركة لكل الديمقراطيين في هذا التوقيت بالذات يجد تفسيره في عدة عناصر، منها المطالب المتنامية داخل الحركة لإعادة فتح النقاش العام حول القضايا الكبرى، التي تأسست لأجلها، وكذلك العمل على توضيح العلاقة بينها وبين الحزب في أفق استحقاقات 2012. وأكد أعبوشي على أهمية أن يسارع أعضاء الحركة والحزب معا لتسليط الضوء على طبيعة العلاقة بينهما، مبرزا من جانب آخر أن هناك مخاطر كبرى يجب التنبيه لها، والتي ينتجها غياب البنيات الوسيطة التي من المفترض أنها تشكل صلة وصل بين المجتمع وبنيات الدولة، الأمر الذي دفع بالشباب للبحث عن بدائل في عالم الشبكة العنكبوتية. الكل يتساءل بعد الحركية الجديدة التي بثت في الحركة لكل الديمقراطيين.. لماذا الآن؟ - عقدت الحركة لكل الديمقراطيين اجتماعا موسعا لمؤسسي وقياديي هذه الجمعية الثلاثاء الماضي بهدف وضع مشاريع عمل مستقبلية. ويأتي هذا الاجتماع كخلاصة لاجتماعات دورية عقدها مكتب الحركة. وبالرجوع إلى هذا الاجتماع الموسع فقد قدم من طرف أعضاء الحركة على أنه لقاء «لصلة الرحم»، وفتح النقاش حول ماهية توجهات الجيل الجديد من الإصلاحات التي يتطلبها المغرب، وتحديد مواطن الخلل في هذه الإصلاحات ومحاولة إيجاد آليات لتجاوزها وإطلاق دينامية بخصوص القضايا الكبرى المطروحة على البلاد في هذه المرحلة. يستمد السؤال حول آنية وظرفية بث الروح في هذه الحركة، التي شغلت الناس والملاحظين قبيل ميلاد حزب الأصالة والمعاصرة، مشروعيته من غيابها الطويل منذ تأسيس الحزب حتى ساد الاعتقاد بأنها كانت إطارا تمهيديا لتجميع النخب والتعبئة من أجل بلورة مشروع سياسي تجسد في حزب الأصالة والمعاصرة، الذي اعتمد على نفس المرجعيات والقيم التي دافعت عنها الحركة لكل الديمقراطيين. اطلعت على العديد من القراءات لهذه العودة لبث الروح في الحركة لكل الديمقراطيين. قراءة تتلخص في أن الحزب يحاول أن يفتح إطارا آخر يواجه من خلاله الأحزاب السياسية الداعية إلى تقليص حجم حزب الأصالة والمعاصرة، الذي أصبح حزبا مهيمنا في نظرها على الحياة السياسية، وقراءة أخرى ترى أن هذا الإحياء لنشاط الحركة يندرج في إطار التحضير لابتعاد فؤاد عالي الهمة من النشاط داخل الحزب والاقتصار على النشاط داخل الحركة لكل الديمقراطيين، لتجنيب الحزب تهم خصومه السياسية. ماهو في نظرك جدية وموضوعية هذه القراءات؟ - القراءات تختلف باختلاف موقع القارئ والهدف من القراءة والمعطيات المعتمد عليها في بلورة القراءة، ففي العالم السياسي لا يمكن الوقوف على قراءة واحدة، ولكن بالعودة إلى الاجتماع سالف الذكر للحركة وباستحضار مسلسل الهيكلة التنظيمية، التي دشنها الحزب مؤخرا على المستوى المحلي والجهوي والوطني، وباستحضار التطورات الأخيرة التي يعرفها العالم العربي، يمكن أن نقف على ثلاثة عناصر لتفسير بث الروح في الحركة لكل الديمقراطية. التفسير الأول ينطلق من داخل الحركة نفسها، حيث يرى أعضاء داخل الحركة ينتمون لأحزاب أخرى غير الأصالة والمعاصرة بأن العودة للحركة وإحياء نشاطها تهدف إلى فتح نقاش عمومي حول الإصلاحات التي يعرفها المغرب والوقوف على أسباب تعثر هده الإصلاحات وإمكانية التفكير الهادئ في جيل جديد من الإصلاحات السياسية. التفسير الثاني هو الإدراك الجماعي للمخاطر التي أصبحت تهدد المجتمع المغربي نتيجة طول انتظار تحقق الآمال المنشودة من كل الإصلاحات السابقة، وبالتالي فالحركة في تقديري تعمل على فتح نقاش عمومي يسهم في نقل طلبات أصبحت المؤسسات الحزبية عاجزة عن نقلها والتعبير عنها مما يعمق أزمة التمثيلية السياسية وتوسيع الفجوة بين الدولة والمجتمع. التفسير الثالث هو توضيح العلاقة بين حزب الأصالة والمعاصرة والحركة في أفق انتخابات 2012، حيث تعالت المطالب من داخل الحركة والحزب مطالبة بتوضيح العلاقات بين البنيتين التنظيميتين:الجمعية والحزب. منذ ميلاد الأصالة والمعاصرة في 7 غشت 2008 والعلاقة ملتبسة بين الحركة والحزب، حيث دفع ذلك الوضع الكثير من القيادات الحزبية التي أسست الأصالة والمعاصرة إلى طلب توضيح. هل ما يزال الالتباس قائما؟ وكيف يمكن توصيف تلك العلاقة؟ - صحيح أن هذه العلاقة غير واضحة على الأقل بالنسبة للملاحظ، وأعتقد أن الحركة والحزب يندرجان، بالنسبة إلى الفاعلين، في إطار مشروع واحد يقدمه الفاعلون فيه وحاملوه والمدافعون عنه بأنه مشروع لبناء مجتمع ديمقراطي حداثي. وهو مشروع ينطلق من تقرير الخمسينية وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، ولكن رغم ذلك فإن توصيف العلاقة بين الحركة والحزب يتطلب استحضار المعطيات التالية: أولا، أن الحركة لكل الديمقراطيين تضم في عضويتها أشخاصا من أحزاب أخرى غير الأصالة والمعاصرة. ثانيا، أن حزب الأصالة والمعاصرة خرج من رحم هذه الحركة، التي قدمت في بدايتها على أنها لا تهدف إلى التمهيد لتأسيس حزب سياسي، وأن هدفها هو الاشتغال على التغيير عبر المجتمع والإسهام في نشر قيم الحداثة والديمقراطية في أفق بناء المجتمع الحداثي الديمقراطي. ثالثا، الأهمية المركزية والمحورية لشخص فؤاد عالي الهمة، سواء داخل الحركة أوداخل الحزب، حيث تولد الاعتقاد في المخيال الجماعي بأن وجود الحركة ووجود الحزب رهين بوجود شخص فؤاد علي الهمة، وهذا العنصر لا يمكن تغييبه في أي تحليل علمي لهاتين البنيتين، والعديد من المؤشرات توطد هذا الطرح. في تقديري أن العلاقة بين الحزب والحركة يجب توضيحها في أفق تفعيل دور الحركة ، فتأسيس الحزب أفرغ الحركة من محتواها وحولها إلى جمعية فاقدة لمبرر وجودها، مع العلم أن الحركة تضم المدافعين عن القيم الديمقراطية والحداثة، حسب الأهداف المعلنة خلال تأسيسها، والواضح أن العلاقة في الحياة السياسية المغربية بين السياسي والنقابي والجمعوي والثقافي تظل علاقة ملتبسة وعلاقة قلقة ومتوترة تظل فيه الغلبة للسياسي ويبقى الجمعوي والنقابي والثقافي متغيرات تابعة مرتبطة بالسياسي وجودا وعدما. هناك شكاوى كثيرة من طرف تيارات سياسية من هيمنة «الحزب الوحيد» و«الوافد الجديد». هل الأصالة والمعاصرة فعلا صورة أخرى للحزب الوحيد؟ وما هي تأثيرات ذلك على العملية السياسية، أم الأمر مجرد اتهامات مغرضة من طرف الخصوم السياسيين للحزب؟ - لا أريد هنا أن أعود إلى القاموس الذي أصبح يتداول في الصراع السياسي بين الأحزاب، خصوصا بين الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية وحزب الاستقلال من قبيل «الخفافيش» أو «حزب البانضية والشياطين» و«السماسرة». فهذه النعوت مؤشر على تردي الخطاب السياسي وانحطاط في مستوى الصراع بين الأحزاب، وهو صراع وتدافع مشروع ومطلوب لخلق دينامية في الحياة السياسية، ولكن أعود إلى بعض المفاهيم التي لابد من الوقوف عليها كمفهوم الحزب الواحد. فمن الناحية الدستورية، فإن الحزب الواحد غير مشروع وغير شرعي في المغرب منذ دستور 1962. كما أن قياس تجربة الأصالة والمعاصرة وتجربة الحزب المهيمن بتونس ومصر لا يستقيم علميا، سواء فيما يتعلق بمفهوم الحزب المهيمن على المستوى النظري أوالسياسي أوالإيديولوجي. كما أن مفهوم حزب الدولة لا يسعف لنعت حزب الأصالة والمعاصرة لأن ذلك يقتضي عمليا وجود تداخل بين بنية الدولة وبنيات الحزب كأن يكون مثلا أمين عام الحزب هو رئيس الدولة. وهذا القياس غير جائز على المستوى النظري والعملي. لكن لابد من استحضار العناصر التالية لفهم طبيعة الصراع الدائر بين هذا الحزب والأحزاب الأخرى وتأثير هذا الصراع على الحياة السياسية. أولا، إن حزب الأصالة والمعاصرة تأسس بعد انتخابات 2007، وبعد الفراغ السياسي والحزبي، فراغ كرس الهوة بين الدولة والمجتمع وأشر على وجود انفصال بينهما، مما قد يشكل خطرا على توازنات الدولة، حيث ظلت الأحزاب بعيدة عن الدينامية الاجتماعية، وجاء هذا الحزب بهدف إعادة التوازن وسد الفراغ. لكن السؤال هو هل توفق هذا الحزب في هذا المسعى؟ الملاحظة الثانية، هي أنه من خلال هذا التحديد فإن حزب الأصالة والمعاصرة حزب ولج التمثيلية داخل المؤسسات التشريعية حتى قبل مرحلة التأسيس، وأصبح أكبر قوة سياسية على مستوى المؤسسة التشريعية بعدد النواب الملتحقين به وبفريقه، وأهم قوة انتخابية خلال انتخابات 2009. ولعل السؤال الذي يهم الباحث والمتتبع هو معرفة ودراسة مصادر قدرات الحزب على تعبئة الموارد المادية والرمزية، بل السؤال هو: لماذا ينخرط كل هؤلاء الناس في هذا التنظيم السياسي؟ ولماذا تمكن هذا الحزب من أن يجمع بين صفوفه اليساري واليميني والليبرالي ورجال الأعمال وأساتذة الجامعة وخريجي المدارس العليا وسائقي سيارات الأجرة والفلاحين الصغار...؟ ألا تستحق هذه الظاهرة الحربية دراسات أعمق بشكل هادئ وبدون فوبيا سياسية من حزب قادر على ابتلاع الكل؟ الملاحظة الثالثة أن تجميع مجموعة من سلوكيات حزب الأصالة والمعاصرة خلال السنتين الأخيرتين يقود إلى القول بأن هذا الحزب قادر على بلورة تحالفات، سواء على مستوى الأحزاب السياسية أو على مستوى مكاتب مجالس الجماعات المحلية، وعلى فك هذه التحالفات. كما يعطي هذا الحزب الانطباع بأنه حزب قوي يوجد في المعارضة، ولكن له هوامش للتحكم في الأغلبية الحكومية (تصويت الأغلبية على رئيس مجلس المستشارين) ويوجد بالمعارضة ويواجه الأحزاب المشكلة لهذه المعارضة. والسؤال المطروح: ألا تتأسس قدرة الحزب في التأثير على بقية الأحزاب السياسية على ضعف هذه الأخيرة؟ إذا كان هذا النمط من الأحزاب القوية القادرة على التجميع والتعبئة ضروري في مراحل الانتقال السياسي، فإن مخاطرها تظل قائمة، وهي مخاطر يمكن تلخصيها في بذور تيارات داخل الحزب تكون لها نزاعات إقصائية للأحزاب الأخرى، والخطر الثاني هو تولد الإحساس لدى بعض مكونات هذا الحزب بالقدرة على التوجيه والتحكم في كل شيء: البرلمانيين والمنتخبين...، وهي مظاهر ترتبط في كل التجارب المقارنة بهذا النمط من الأحزاب. بعض التحاليل تذهب في اتجاه التأكيد بأن إعادة بعث الروح في الحركة لكل الديمقراطيين له علاقة بقرب انتخابات 2012 وحاجة الحزب لتعبئة المواطنين، في الوقت الذي يؤكد آخرون أن ما جرى في مصر وتونس وسقوط «الحزب الوحيد»، بمعناه المهيمن، له علاقة بالتطور الأخير؟ - هناك صعوبات كبيرة على المستوى النظري والتاريخي والسياسي لمقارنة التجربة التونسية بالمغرب، لكن ما يجب التنبيه إليه في هذا السياق هو التفاقم المتزايد للهوة بين المجتمع والدولة، فالبنيات الوسيطة لم تعد قادرة على نقل الطلبات والتأطير والتوعية، فنحن نعيش أزمة خانقة للتمثيلية السياسية، حيث أجيال عريضة من الشباب لا تمثل داخل المؤسسات وتعيش نوعا من الاغتراب السياسي، مما يدفعها إلى البحث عن تمثيليات افتراضية عبر ال»فايسبوك» و»تويتر»، وأزمة التمثيلية هذه تقود إلى تناقص مشروعية البنيات الوسيطة. ولكن ما يقلص مدى وحدة تأثير أزمة التمثيلية وأزمة المشروعية وتناقص قدرة الدولة التوزيعية للموارد هو العلاقة المباشرة للمؤسسة الملكية مع الشعب عبر مبادارت القرب التي تقوم بها هذه المؤسسة. من هنا أعتقد بأن إحياء عمل الحركة لكل الديمقراطيين أساسي في هذه المرحلة، بل في تقديري المتواضع على كل الأحزاب السياسية أن تفعل جمعيات المجتمع المدني، فالحاجة ملحة لبنيات جديدة قادرة على استيعاب والاستجابة لتطلعات الشباب. كما أن الحاجة ملحة لنخب شابة جديدة حاملة لمشروع جديد، فاللحظة تحتاج إلى التعبئة وإلى نقاش عمومي صريح تشارك فيه الفئات العريضة من الشباب بعيدا عن الهواجس الانتخابية الضيقة.