رؤساء جمعيات آباء وأمهات التلاميذ يتدارسون بالجديدة مشاكل المنظومة التربوية وبنية المؤسسات التعليمية    تقرير: "جنوى" الإيطالي مهتم بزياش    الوداد ينتصر على نهضة الزمامرة    إلياس فيفا يتوج في مدينة البيضاء    عرض "نشرب إذن" ينافس في بغداد    محمدي يجمع الرواية والسيرة والمخطوط في "رحلة الحج على خطى الجد"    القاهرة تكرم الراحلة نعيمة سميح    قمع مفرط في احتجاجات جيل Z بالمغرب.. بين انزلاقات فردية ومسؤولية مؤسساتية    مراكش تحت أضواء وكالة «أسوشيتد برس» الأميركية: السياحة، العوائد الاقتصادية وآفاق النمو    التضليل الإلكتروني بمؤامرة جزائرية لخلط الأوراق: مشاهد قديمة تُقدَّم كأحداث راهنة بالمغرب    المغرب: الإعلامي والأديب سعيد الجديدي في ذمة الله    احتجاجات شباب جيل "Z" تتسع في البيضاء والسلطات تتصدى بقوة للمحتجين في مدن أكادير وطنجة وتطوان    احتجاجات جيل الشباب بالمغرب: ما بين الحاجة إلى الإصلاح وتحدي ضبط الشارع    المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان بالعرائش: الإفراج عن الموقوفين وتغليب مصلحة الوطن أولوية                شفشاون.. الوجهة المفضلة للسياح الصينيين في المغرب    وزارة الخارجية الأمريكية تبرز مؤهلات المغرب ك"قطب استراتيجي" للأعمال والصناعة    غاضبون ينتقدون المقاربة الأمنية و"الاستغلالات السياسية" في الدار البيضاء        تتويج فائزين في مسابقة حفظ القرآن    مؤتمر "عالم الصيادلة" يتنقد تجاهل الحكومة وإقصاء الصيدلي من المشاركة في بلورة السياسة الصحية    ‬محاولات ‬الاقتراب ‬من ‬جيل ‬z ‬‮..‬ زورو ‬يقود ‬الربيع ‬الدائم‮!‬    "البيجيدي" يحمل الحكومة مسؤولية احتجاجات شباب "z" ويدعو للتعامل معها بأفق استيعابي ومقاربة حكيمة        قراءة في مشروع القانون 59.24 المتعلق بالتعليم العالي (2)    تقرير: طنجة المتوسط يجعل إفريقيا فاعلا رئيسيا في التجارة البحرية العالمية    ترامب يلمح إلى "شيء لافت" في محادثات الشرق الأوسط قبل لقاء نتنياهو    حرف "زيد " من الحياة عند الإغريق إلى هوية جيل يتبلور في المغرب    دراسة: الموسيقيون يتحملون الألم بشكل أفضل من غيرهم    الرباط تختتم الدورة 27 من مهرجان الجاز بمزيج موسيقي فريد    السينما تلتقي بالموسيقى في برنامج فني إبداعي في مهرجان الدوحة السينمائي        عابد والحداد وبلمو في ليلة شعرية استثنائية بين دار الشعر والمعهد الحر بتطوان    إصابة كارفخال تزيد متاعب الميرنغي عقب الهزيم أمام أتلتيكو    الموت يغيّب الإعلامي سعيد الجديدي    ما هي العقوبات التي أعيد فرضها على إيران؟    رئيس وزراء النيجر في الأمم المتحدة: اليورانيوم صنع مجد فرنسا وجلب البؤس لشعبنا    المغرب ومنظمة الطيران المدني الدولي يوقعان اتفاقا لتطوير تعاونهما    طقس الأحد.. رياح قوية وتطاير غبار بعدد من مناطق المملكة    دراسة: المعتمدون على أدوات الذكاء الاصطناعي أكثر استعدادا للكذب والخداع    "حماس" تنفي تلقي مقترحات جديدة    المغرب يعزز ترسانته العسكرية ب597 مدرعة أمريكية من طراز M1117..        تحليل إخباري: المغرب يواجه هشاشة في سوق العمل رغم فرص التحول المستقبلي    تصنيف "ستاندرد آند بورز" الائتماني يضع المغرب بنادي الاستثمار العالمي        مكافحة تلوث الهواء في باريس تمكن من توفير 61 مليار يورو        الاتحاد الأوروبي يجيز دواء "كيسونلا" لداء الزهايمر        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شاهد على ثورة الشعب المصري .. يوم الجمعة الدامي
نشر في المساء يوم 26 - 02 - 2011

كانت القنابل تسقط وسط الثوار، لكن الهواء كان يأخذ الغاز في الاتجاه العكسي جهة الجنود، وكثيرا ما كانت القنابل تسقط بجوار الجنود فيذهب الغاز كله باتجاههم. وكان المشهد بحق آية من آيات الله، وكان الغاز في أغلبه يأتي من الجهة الأخرى من النهر من ناحية المهندسين والدقي حيث كانت هناك تظاهرات أخرى وتجمعات كبيرة للثوار، فكان الهواء الذي يحمل الغاز من تلك الجهات حينما يعبر نهر النيل يأتي للمتظاهرين خفيفا إلى حد بعيد، صحيح أنه كان يؤثر على العيون والحلق أيضا، لكن تأثيره كان أقل من الغاز المباشر الذي كان يصطلي به الجنود. أيضا نجح الثوار وتفننوا في استخدام قنابل الغاز التي كانوا يقذفون بها، بحيث يجعلون ضررها يقع على الجنود، فقد كان بعضهم يجيد إعادة إلقاء القنبلة على الجنود بعدما يلتقطها بيده من على الأرض فتسقط في وسطهم يساعده الهواء على ذلك، وكان آخرون يحملون دلاء فارغة وأخرى بها ماء، فأما الفارغة فكانوا يغطون بها القنبلة ويحصرون الغاز داخل الدلو، ثم يرفعون الدلو بعد مدة فيكون الغاز قد تبخر وأصبح أثره قليلا، وآخرون يلقون الماء على القنبلة عندما تسقط فكنت أراها تنطفئ مثل إلقاء الماء على النار. وأذكر أني من خلال تغطيتي للحروب، كنت أجد المقاتلين البسطاء يتفننون كذلك في وسائل المواجهة مع الأسلحة العاتية وبسرعة يكتشفون ما يبطلها، وقد كان المتظاهرون يتفننون في التعامل مع قنابل الغاز، لكن لم تكن لهم حيلة مع الرصاص المطاطي والرصاص الحي.
رجعت بحصيلة جيدة من الأخبار أعطيتها للزميل عبد الفتاح فايد، مدير المكتب، حيث كان يتبادل مع سمير عمر إبلاغ الأخبار للزملاء في الدوحة عبر الهاتف الوحيد الذي كان يعمل في المكتب، ثم وقفت في شرفة المكتب أتابع ما يحدث في ميدان عبد المنعم رياض وشارع رمسيس وشارع النيل وكوبري 6 أكتوبر والجهة الأخرى من النيل، ناحية المهندسين والدقي. وقد لاحظت شيئا غريبا وعجيبا يحدث على كوبري قصر النيل من ناحية الدقي، لاحظت أن معركة حامية الوطيس تجري أحداثها هناك، فقد كانت القنابل المسيلة للدموع تطلق بغزارة وكأن هناك عمليات كر وفر. أبلغت عبد الفتاح بما يجري وطلبت منه أن يشير إليه على الهواء. ورغم أن الصورة لم تكن واضحة بتفاصيلها، فإن الصورة المجملة كانت تظهر أن هناك مواجهات حامية الوطيس تدور بين المتظاهرين وقوات الأمن على كوبري قصر النيل. وبعد ذلك، ظهر شريط الفيديو الذي صور من إحدى غرف فندق سميراميس والذي أظهر المعركة الشرسة التي دارت رحاها بين الثوار المسالمين العزل وقوات الأمن المدججة بالأسلحة والذخائر وخراطيم المياه، وكيف نجح الثوار العزل في التغلب على قوات الأمن بعزيمتهم وإصرارهم في الوقت الذي استخدم فيه رجال الأمن كل شيء لقمع التظاهرة، فقد دهسوا الثوار بسياراتهم وألقوا عليهم القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي وفتحوا عليهم خراطيم المياه وهم يصلون، وشاهدت الدنيا كلها هذه الانتهاكات الفظيعة من رجال الأمن الذين ظهر أنه لا دين لهم ولا خلاق ولا حتى إنسانية، والتقيت بعد ذلك ببعض المتظاهرين الذين شاركوا في هذه التظاهرة وأبلغوني بأن الشباب المتظاهرين كانوا يهجمون بصدور عارية على الجنود، فيخطفون منهم الأسلحة ثم يلقونها في نهر النيل، وكان كثيرون منهم يستطيعون استخدام هذه الأسلحة وتوجيهها إلى صدور الجنود لكنهم لم يفعلوا. وتذكرت ما حدث على هذا الكوبري، الذي كان يسمى كوبري عباس، في شهر فبراير عام 1946 حينما أطلق الجنود البريطانيون النار على المتظاهرين، من طلاب جامعة القاهرة وغيرهم، الذين كانوا يهتفون ضد المحتل البريطاني، وفتحوا عليهم الكوبري وهم في منتصفه فاستشهد كثيرون غرقا في النهر أو بالرصاص الحي، وقلت في نفسي ما هو الفارق بين المحتل البريطاني والمحتل الحالي من النظام الفاسد الذي يقتل نفس الشعب بعدما نهب ثرواته وخيراته؟
كانت الأخبار تصلنا تباعا من زملائنا الذين كانوا قد ذهبوا إلى أماكن مختلفة في القاهرة من أجل التغطية، رجع الزملاء الذين كانوا قد ذهبوا إلى الجامع الأزهر وأبلغونا بأن الثوار هاجموا قوات الأمن وأزالوا المتاريس في دقائق معدودة، وكذلك جاء زملاؤنا الذين كانوا في منطقة المهندسين وحملوا نفس الأخبار. وكانت خلاصة ما يدور أن هناك قتالا شديدا من قبل قوات الأمن وصمودا كبيرا من الثوار. وكانت الروايات كلها تصب في شيء واحد هو أن «الخوف قد مات في نفوس المصريين» ولن يتراجع الثوار عن تحقيق مطالبهم مهما كان الثمن. كانت الأخبار تأتينا تباعا من المستشفيات أيضا، وكانت تحمل أخبارا مؤلمة عن تصاعد أعداد الشهداء والجرحى، وبلغنا أن عدد الشهداء في ثلاثة مستشفيات فقط كانت قريبة منا قد زاد على عشرين شهيدا، وقد كان هذا في الساعة الرابعة عصرا على وجه التقريب، إلا أن الأمور تصاعدت بشكل غير متوقع.
قبيل الغروب، سمعت أصواتا عالية في ميدان عبد المنعم رياض، ذهبت لاستكشاف السبب فوجدت التحاما حميميا لم أتخيله بين المتظاهرين وقوات الأمن التي كانت تقاتلهم قبل قليل والتي تجمعت ثم توقفت عن إطلاق الرصاص المطاطي وقنابل الغاز على الثوار، ثم حدث هرج ومرج وفوضى عارمة في الميدان، حيث بدأت تتوافد العشرات من سيارات الأمن المركزي منسحبة بشكل فوضوي من ميدان عبد المنعم رياض وميدان التحرير وشارع رمسيس، بينما كان جنود يفرون على أقدامهم، أبلغني الزملاء أن بعضهم طلب اللجوء والاحتماء في مبني دوحة ماسبيرو، فآواهم الناس في الجراج، بعدما احترقت سيارتهم وفقدوا الاتصال بقادتهم، وهالني هذا الشباب الرائع الذي احتضن الجنود بعدما كف الجنود عن إطلاق الرصاص المطاطي والغاز عليهم بقلوب متسامحة، ولم أجد أيا منهم يتشفي أو ينتقم بل أحضروا الماء والطعام للجنود الذين كانوا يقتلونهم قبل قليل. توجه المتظاهرون بقوة ناحية ميدان التحرير وبأعداد كبيرة، ولم نكن نفهم حتى هذه اللحظة ما حدث، غير أن بعض القوات بقيت على كوبري السادس من أكتوبر تقذف القنابل المسيلة للدموع على الثوار رغم الانسحاب الكبير الذي شاهدناه، وفجأة لمحنا مع الغروب سيارة مدرعة تحت كوبري السادس من أكتوبر، هرع إليها المتظاهرون وهم يهتفون «واحد اثنين الجيش فين؟» ليعلنوا نزول الجيش، ثم وجدناهم يعودون متقهقرين. نزل أحد الزملاء ليستطلع الأمر فوجدها عربة جيش، لكن الأمر كان ضبابيا حتى هذه اللحظة ويعتقد أنها قوات تابعة للحرس الجمهوري. فجأة، رأيت من شرفة المكتب أدخنة تتصاعد من قريب، فلما تبينا الأمر وجدنا النيران تشتعل في المقر الرئيسي للحزب الوطني الديمقراطي الذي يقع في مواجهتنا.. أذعنا ذلك مباشرة. وحينما بدأت النيران تتصاعد، طلبنا سيارات الإسعاف وأن تتوجه لإطفاء النيران تفاديا لوصولها إلى مبنى المتحف المصري الذي يقع بجوار مبني الحزب الوطني. جاءتنا أنباء عاجلة بعد ذلك مفادها أن النيران قد اندلعت في مركز شرطة الأزبكية الذي يقع في شارع الجلاء ثم في مبني مجمع محاكم الجلاء المجاور له، وأن رجال الشرطة قد فروا من المراكز ثم من مراكز الشرطة الأخرى، وبدأ كثير من الثوار يتوافدون إلينا على الأقدام يبلغوننا بأن الأمور تتطور بشكل مريع، ولم تمض عدة ساعات حتى بلغنا أن عدد مراكز الشرطة التي أحرقت في القاهرة وحدها تزيد على خمسة عشر مركزا للشرطة، ورجح كثيرون أن رجال الشرطة أنفسهم كانوا وراء ذلك أو البلطجية الذين كانوا يستخدمونهم، لأن هذا كان ذريعة للتغطية على جرائمهم في حق هذا الشعب، لكن التحقيقات التي من المقرر أن تجري ربما تكشف حقيقة ما حدث. بعد ذلك، بدأنا نسمع إطلاقا للرصاص الحي من ناحية ميدان التحرير، وعلمنا بأن المتظاهرين وصلوا إلى مبنى وزارة الداخلية وحاصروها وأن قناصة الداخلية يطلقون الرصاص الحي على المتظاهرين، وبلغت حصيلة الذين قتلوا من المتظاهرين حول وزارة الداخلية بعد ذلك ما يزيد على عشرين متظاهرا في تلك الليلة الدامية.
كان الليل قد بدأ يرخي سدوله وبدأت الفوضى تعج في كل مكان بعدما غادر رجال الأمن الساحات وحتى مراكز الشرطة، ولم نكن نعلم حقيقة ما حدث، غير أن روايات عديدة نشرت حول ما حدث في تلك الساعات حول الانهيار الأمني الكامل وسقوط الدولة الأمنية في مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.