مجلس النواب يعقد جلسات عمومية يومي الخميس والجمعة للدراسة والتصويت على مشروع قانون المالية لسنة 2026    تبون يوافق على الإفراج عن صنصال    رئيس برشلونة يقفل الباب أمام ميسي    أمطار رعدية وثلوج ورياح قوية مرتقبة بعدة مناطق بالمملكة غداً الخميس    رياح قوية وزخات رعدية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    الاسبانيّ-الكطلانيّ إدوَاردُو ميندُوثا يحصد جائزة"أميرة أستورياس"    مسارات متقاطعة يوحدها حلم الكتابة    في معرض يعتبر ذاكرة بصرية لتاريخ الجائزة : كتاب مغاربة يؤكدون حضورهم في المشهد الثقافي العربي    على هامش فوزه بجائزة سلطان العويس الثقافية في صنف النقد .. الناقد المغربي حميد لحميداني: الأدب جزء من أحلام اليقظة نعزز به وجودنا    من المقاربة التشاركية إلى استرداد الأنفاس الوطنية: نحو سيادة منفتحة وتكامل مغاربي مسؤول    أمينوكس يستعد لإطلاق ألبومه الجديد "AURA "    وزير الفلاحة يدشن مشروع غرس الصبار بجماعة بولعوان بإقليم الجديدة    عمالة المضيق الفنيدق تطلق الرؤية التنموية الجديدة. و اجتماع مرتيل يجسد الإنتقال إلى "المقاربة المندمجة"    "الكان" .. "دانون" تطلق الجائزة الذهبية    ترامب يطلب رسميا من الرئيس الإسرائيلي العفو عن نتنياهو    مصرع 42 مهاجرا قبالة سواحل ليبيا    منظمة حقوقية: مشروع قانون المالية لا يعالج إشكالية البطالة ومعيقات الولوج للخدمات الأساسية مستمرة    أربعة منتخبات إفريقية تتصارع في الرباط على بطاقة المونديال الأخيرة    مؤسسة منتدى أصيلة تفوز بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والاداب في مجال المؤسسات الثقافية الخاصة    فاجعة.. مصرع أسرة بأكملها غرقا داخل حوض لتجميع مياه السقي بخريبكة    لجنة المالية في مجلس النواب تصادق على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2026    استبعاد يامال من قائمة المنتخب الإسباني    اختلاس أموال عمومية يورط 17 شخصا من بينهم موظفون عموميون    مباريات الدور ال32 ب"مونديال" الناشئين في قطر    السعودية تحدد مواعيد نهائية لتعاقدات الحج ولا تأشيرات بعد شوال وبطاقة "نسك" شرط لدخول الحرم    ولد الرشيد يبرز بإسلام آباد جهود المغرب بقيادة الملك في مجال تعزيز السلم والأمن والتنمية    "الماط" يستغل تعثر شباب المحمدية أمام اتحاد أبي الجعد ويزاحمه في الصدارة    مستشارو جاللة الملك يجتمعون بزعماء األحزاب الوطنية في شأن تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي في األقاليم الجنوبية    وكالة الطاقة الدولية تتوقع استقرارا محتملا في الطلب على النفط "بحدود 2030"    إسبانيا تقلد عبد اللطيف حموشي بأرفع وسام اعترافًا بدور المغرب في مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني    حجز آلاف الأقراص المهلوسة في سلا    تيزنيت: نقابة مفتشي التعليم تشيد بالأدوار المحورية التي تضطلع بها هيئة التفتيش و ترفض محاولات طمس الهوية المهنية للهيئة وتقزيم أدوارها ( بيان )    بورصة الدار البيضاء تفتتح على ارتفاع    ارتفاع أسعار الذهب في الأسواق العالمية    الغابون تحكم غيابيا على زوجة الرئيس المعزول علي بونغو وابنه بالسجن بتهم الاختلاس    إسرائيل تفتح معبر زيكيم شمال غزة    تقرير دولي: تقدم مغربي في مكافحة الجريمة المنظمة وغسل الأموال    الأمم المتحدة: الطلب على التكييف سيتضاعف 3 مرات بحلول 2050    فيدرالية اليسار الديمقراطي تؤكد تمسكها بالإصلاحات الديمقراطية وترفض العودة إلى الوراء في ملف الحكم الذاتي    ليلة الذبح العظيم..    انطلاق أشغال تهيئة غابة لاميدا بمرتيل ، للحفاظ علي المتنفس الوحيد بالمدينة    المعهد الملكي الإسباني: المغرب يحسم معركة الصحراء سياسياً ودبلوماسيا    تنصيب عبد العزيز زروالي عاملا على إقليم سيدي قاسم في حفل رسمي    "جيروزاليم بوست": الاعتراف الأممي بسيادة المغرب على الصحراء يُضعِف الجزائر ويعزّز مصالح إسرائيل في المنطقة    برادة يدعو الآباء والأمهات إلى مساندة المؤسسات التعليمية بالمواكبة المنزلية    الركراكي يرفع إيقاع "أسود الأطلس"    دعم المقاولات الصغرى بالمغرب .. "الباطرونا" تواكب والأبناك تقدم التمويل    "رقصة السالسا الجالسة": الحركة المعجزة التي تساعد في تخفيف آلام الظهر    رسميًا.. المغرب يقرر منح التأشيرات الإلكترونية لجماهير كأس إفريقيا مجانا عبر تطبيق "يلا"    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة العنف وثورة اللاعنف وأين موضع الثورة الليبية؟
نشر في المساء يوم 21 - 03 - 2011

دعا غاندي يوما إلى مظاهرة ضد الإنجليز، فكانت مليونية هائلة في كلكتا ثم تطورت إلى عنف وقتل؟ فدعا غاندي من جديد إلى إيقاف المظاهرات؟
جاءه جواهر لال نهرو لا يصدق ما يسمعه: يا سيدي لم نحظ حتى الآن بمثل هذه التظاهرة الهائلة؟
نظر إليه غاندي بصبر وقال: إذا اختلطت الثورة بالعنف انطفأت الروح ولم تبق ثورة.. والقائد هو من يستطيع أن يعطي ظهره للجماهير إذا ضلت طريقها..
ثم بدأ بإعلان الصيام حتى اقترب من الهلاك..
جاءه، أخيرا، بعض ممن مارسوا العنف يستعطفونه ويعلنون إيقاف العنف والمظاهرات، وقال أحدهم: يا سيدي هذا مسلم قتل ابني.
نظر إليه غاندي بصعوبة بالكاد يفتح عينيه: هل أدلك على طريق يوصلك إلى الجنة؟ خذ ابنه المسلم فربه كما كان أبوه يريد، فأخرجه مسلما.
وحين خرج الإنجليز وبدأت مظاهر العنف بين باكستان والهند، كان قد قرر أن يزور باكستان ليقول لهم جملة واحدة: أريد أن اكتشف نفس الشيطان في قلوب الفريقين فأهزمه.
الثورة هي ولادة الروح وتحررها من العبودية، وهي تمرد على طاعة الطاغية وليس قتل الطاغية..
بكل أسف، ما حدث في ليبيا هو اختناق الروح باللجوء إلى المادة: السلاح. والسلاح هو قوة.. والقوة هي إكراه.. والإكراه هو كراهية.. والكراهية والإكراه والقوة والإذعان مع الخوف هي مفردات المجتمع الوثني، فتوأد الحرية وتختنق الروح..
في ليبيا لم تعد ثورة.. بل حربا يحسمها الشرسون القساة والأيادي الخارجية والسلاح المستورد المتطور، لطرف يحسمها لحسابه أكثر من حساب الليبيين، فتوأد الروح في مستنقع القوة..
في اليمن يحاول خصمهم جرهم إلى خندق القوة والموت والإكراه والسلاح والدم، ولكنهم لم ينزلقوا بعد كما انزلق الليبيون فارتهنوا لمن يمدهم بالسلاح ويدمدم عليهم..
وسوريا بدأت رحلة الثورة وأمامها هذا التحدي، وهذا له حديث مفصل، ولكن المهم أن حاجز الخوف انكسر كما في سد يأجوج ومأجوج، فهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين..
مع كتابة هذه الأسطر، تم اعتقال الصحابية الجديدة «سهير الأتاسي» وتهتف الزعيمة الكردية «هيرفين» بالحياة من مقبرة القامشلي، ويدخل السجن بشر وسعد، ابنا داعية اللاعنف السوري جودت سعيد..
الثورة كالجنين إما أن تكتمل أو تجهض، فإذا اكتملت خرجت محفوفة بالمخاطر، مثل الجنين تماما بعد خروجه من الرحم، ويعرف أطباء النساء والقوابل ذلك في علامة عشرية يطلقون عليها (أبجار APGAR)، فإن أخذ عشرة كان جنينا سليما، وإن تعرض لنقص الأكسجين انضرب عنده الدماغ فبقي معتوها أبله بقية حياته، ولو برأس أكبر من رأس ستالين. فالدماغ بما حوى وليس بطنجرة من قحف وعظم.
هذا ما يحدث في عالم البيولوجيا، وهو أشرس وألعن في عالم الاجتماع السياسي.
وهذه اللحظات المصيرية هي قدر الثورات..
كذلك فإن الثورة (Revolution)، كما تحدث عادة في التاريخ، تذكر بالتسونامي الذي ضرب اليابان في 11 مارس 2011م و26 ديسمبر 2004 آشي وسيريلانكا، يأتي على غير موعد وميعاد، ليس لأنه لا يخضع لسنة الله في خلقه، بل لنقص معرفة البشر في الكواشف الأولية لاندلاع الثورات وانفجار البراكين..
ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا..
وإذا كان الطب قد ركب سنام العلم فرأى المؤشرات الأولية لحمل حقيقي من حمل كاذب بفحص البول والسونار، فإن علم البشر يقصر حتى يومنا هذا عن التنبؤ بانفجار البراكين، وهجوم التسونامي وتكسر الصفيحات القارية على حواف بعضها بعضا، وانقلاب التاريخ ببزوغ عصر جديد بعد ثورات ماحقات..
وهو، على ما يبدو، قدر العالم العربي مع عام 2011م على غير موعد وميعاد.. بل ادّارك علمهم فيها بل هم في شك منها بل هم عنها عمون.
والعلم هو أمران التسخير والتنبؤ، والتنبؤ يمنحنا التسخير، والتسخير هو الخدمة المجانية، وهي متاحة للجميع، كما في الطنين المغناطيسي وحبة الأسبرين ومعرفة أثر التعقيم في الجراحة، فكلها من فيض علم الله الذي يعلم السر وأخفى..
والمسلمون واليابان والجرمان سواء في قنص الحقيقة أو النوم عنها، ومن يغفل عن سنن الله فإن سنن الله لا تغفل عنه.
والثورة، ثالثا، هي تحرر الروح مقابل الإفلاس الأخلاقي لأنظمة ركبتها الشيخوخة والنخر، فكانت مثل جثة سليمان تحتاج حشرة تافهة تأكل عصاه فيخر فتستيقظ الشعوب.. أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في الديكتاتورية والعذاب المهين..
والثورة، رابعا، هي إرادة الأمة الجماعية تعلن العصيان المدني وليس حرفة القتل التي هي مهنة الطاغية بامتياز، فإذا ساق الجبار الأمة إلى حقله لم تعد ثورة وتحولت إلى حرب وضرب، قائدها الغدر والسلاح، ونتائجها الموت والدمار وتعضل ولادة الجنين...
كان ذلك في الكتاب مسطورا..
ما حدث في ليبيا يذكرني بثورة إيران، ثم التورط في حرب دامت ثماني سنين عجاف، كانت ثورة فأصبحت حربا وسلاحا، تزودها وتمونها جهاتٌ الله أعلم بها.
ومنه، فإن نصيحتي للثوار في ليبيا أن يلقوا سلاحهم ويعودوا إلى بيوتهم، فقد انتهت الثورة، والوطن في طريقه إلى أن يصبح ثلاث دول، فمع السلاح سوف يستبدلون القذافي بالمقذوف، كما استبدل العراقيون صدام بألف مصدوم.
ولكن كلامي هذا سوف تردده قلة وتسمعه ندرة وتضحك منه الكثرة، وسوف يشهد التاريخ له أو عليه..
الثورة انتهت لسبب بسيط هو أنها ارتهنت للسلاح.. وفي أي بلد آخر من عالم العرب إذا تطورت الأمور على هذا الشكل، فالأفضل ألا تبدأ لأنها موت الروح في قبضة السلاح.
نريد ثورة نظيفة إنسانية سلمية ونودع السلاح كما قال إرنست همنغواي يوما: وداعا أيها السلاح..
حين فجر الخميني الثورة ولدت الأمة قبل أن يلتهمها الملالي من وراء الحرب والضرب وشراء السلاح، وموت مليون شاب قرابين بشرية بدون فائدة.. يا حسرة ويا خسارة على العباد
إن الموضوع يتخمر في ذهني منذ زمن، وفي قناعتي أن هذا المنزلق الدموي الذي انزلقت فيه الثورة الليبية تجنبته الثورة اليمنية بحكمة يمانية، ولا أدري إلى متى ستصمد؟
أما ليبيا، فقد جرهم المهرج الدموي إلى العين الحمئة من مستنقع الدم، وكان عليهم ألا يجرهم إلى الحقل الذي يتقنه كما فعلت أمريكا ومعها صدام في جر الخميني من الحقل الذي أتقنه في الثورة اللاعنفية إلى الساحة التي لا ينجح فيها في حرب دامت أطول من الحرب العالمية الثانية بخسارة الروح، ومعها 400 مليار دولار وأوقيانوس من دماء مليون شاب بئيس، تحت دعوى كربلاء والقادسية حيث هربت الملائكة المسومون.
كان السلاح يورد إلى إيران والعراق من ثلاثين دولة، وكانت أمريكا تهدد الأوربيين المستفيدين من بيع السلاح بأنها ستوقف الحرب إذا خالفوا شروطها في اللعبة، فترجف أوربا وتستكين وتتابع بيع السلاح للمقرودين من أبناء الموصل وقزوين.
ومن يمد السلاح إلى ليبيا أطراف تتحكم في لعبة القوة، وهو الخوف الكبير على الثورة الليبية، فلا يعقل أن يعطيك خصمك سلاحا تتفوق به عليه، أو تتفوق بغير ما يريد ويشتهي، طالما كان الحكم في السيف، على شريعة المتنبي، أنه أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب..
إن ولادة الروح في الثورات اللاعنفية في العالم العربي حدثت بصدفة، وليس بوعي مكثف ومدارس ممنهجة وخطط يتدرب عليها اللاعنفيون..
ولقد كانت الكلفة ستكون أقل لو مارس الليبيون ما فعله المصريون بالثورة العارية في وجه السلاح.. كان سيقتل أناس في وجه المهرج الدموي وعائلته الإجرامية، ولكن كانت الأمة ستولد بعشرة أبجار في ولادة جنين سليم.. ومع الحرب والدم لا يعلم أحد مصير الأمة إلى قرون قادمة..
ما حدث في تونس ومصر بالثورة اللاعنفية هو الولادة بعشرة أبجار ويبقى التحدي في النمو الروحي الحركي مع تقدم عمر الثورة.. أعني أن المرحلة الحاسمة والخطيرة بنقلة الجنين من عالم الرحم إلى هواء العالم تم تجاوزها في تونس ومصر، ويبقى أمامهما تطور الغلام من الوقوف والتعرض للشمس وبزوغ الأسنان اللبنية وما شابه..
صحيح أنها خطيرة ولكنها ليست مثل لحظات الولادة الأولى، والثورة الليبية الآن تتشكل بين فرث ودم لبنا غير سائغ للشاربين، في منظر دموي لا يسر الناظرين.. بلاغ فهل يهلك إلا القوم الظالمون.. لسوف ينصرون من يريدون لمصلحتهم هم أكثر من مصلحة الثورة أو أي طرف آخر؟
وفي يوم كانت أمريكا تنصر البارازاني الكردي، ويوما تخذله، حسب السلاح وحسب الخريطة السياسية.. ومثله أمدت صدام بالسلاح الكيماوي الذي أحرق به الأكراد في حلبجة بدون أن يعلم أحد. ثم شاء لهم أن يضحوا به يوم عيد الشكر مثل أي ديك رومي سمين. من كان له أذنان للسمع فليسمع...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.