محطة القطار "الرباط الرياض" تفتتح تأهبا لاستقبال كان المغرب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    الصين.. حجم صناعة الذكاء الاصطناعي سيتجاوز 170 مليار دولار في 2025    رافينيا يحسم مستقبله مع برشلونة بقرار مثير: "لن أغادر الفريق قبل التتويج بدوري أبطال أوروبا"    طقس عاصف يوقف الدراسة بالمضيق-الفنيدق    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات الرعدية بإقليم آسفي إلى 37 وفاة واستنفار متواصل للسلطات    فاجعة الفيضانات.. الحزب الاشتراكي الموحد بآسفي يحمّل المسؤولية للمسؤولين على التدبير المحلي    عريضة توقيعات تطالب بالإفراج عن الرابور "PAUSE" وتدق ناقوس الخطر حول حرية الإبداع بالمغرب    بنسليمان تحتضن المعرض الجهوي للكتاب من 17 إلى 22 دجنبر احتفاءً بالقراءة في زمن التحول الرقمي    كيوسك الاثنين | إطلاق أكبر مخطط هيكلة لشبكات الماء الشروب بجهة الدار البيضاء    مطالب بإحداث مطبّات لتخفيف السرعة أمام مدرسة البلسم الخاصة بالجديدة    من المعبد إلى المدرّج: كرة القدم بوصفها دينا ضمنيا    آلاء بنهروال... كفاءة مغربية شابة تتوج مسارها الأكاديمي بماستر في علوم البيولوجيا بجامعة مونبليي    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    محكمة الاستئناف بالجديدة تُدين ممرضا في الصحة النفسية بتهمة التحرش بعد إلغاء حكم البراءة    إشادات بشجاعة بائع الفواكه أحمد الأحمد.. "البطل" الذي تصدى لمنفذي هجوم استراليا    الأمطار الغزيرة في آسفي توحد جهود المجتمع والدولة لمواجهة الفاجعة    كأس العالم للأندية سيدات .. الجيش الملكي يضرب موعدًا مع أرسنال في نصف النهائي    ارتفاع حصيلة ضحايا هجوم سيدني إلى 16 قتيلا و40 مصابا    أمطار قوية وتساقطات ثلجية ورياح عاصفية مرتقبة بعدد من مناطق المغرب    من باريس.. فرحات مهني يعلن ميلاد جمهورية القبائل ويطرق أبواب الاعتراف الدولي        لقجع ل"فرانس فوتبول": كرة القدم المغربية بُنيت بعقل استراتيجي لا بمنطق الإنجاز العابر    التوفيق يبرز بواعث الحاجة إلى المذهب المالكي في ظل التحولات المجتمعية    الخصوصية التفاعلية والقاتلة    انتخاب محمد شويكة رئيسا للجمعية المغربية لنقاد السينما    الرباط تحتضن مهرجان "ربادوك" للسينما الوثائقية    طنجة تحتضن البطولة الوطنية للشرطة في الجيدو والكراطي بمشاركة واسعة    رونار: السلامي صديقي لكن عليه التوقف    أكادير تحتفي بعشرين سنة من تيميتار: دورة إفريقية بامتياز تسبق كأس أمم إفريقيا وتجمع الموسيقى الأمازيغية بالعالم    المغرب يوقّع على سابقة غير مسبوقة في تاريخ كأس أمم إفريقيا    من شفشاون إلى الرباط: ميلاد مشروع حول الصناعة التاريخية    توقيف مشتبه به في حادث جامعة براون    تطبيق "يالا" يربك الصحافيين والمشجعين قبل صافرة انطلاق "كان المغرب 2025"    أوجار من الناظور: الإنجازات الحكومية تتجاوز الوعود والمغاربة سيؤكدون ثقتهم في "الأحرار" عام 2026    احتفال يهودي بأستراليا ينتهي بإطلاق النار ومصرع 10 أشخاص    ائتلاف يدعو إلى وقف تهميش المناطق الجبلية وإقرار تدابير حقيقية للنهوض بأوضاع الساكنة    مقتل 10 أشخاص في إطلاق نار خلال فعالية يهودية في سيدني    مجلس النواب والجمعية الوطنية لمالاوي يوقعان مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون البرلماني    استقالات جماعية تهز نقابة umt بتارودانت وتكشف عن شرخ تنظيمي.    إسرائيل تندد ب"هجوم مروع على اليهود"    ألمانيا: توقيف خمسة رجال للاشتباه بتخطيطهم لهجوم بسوق عيد الميلاد    زلزال بقوة 5,1 درجات يضرب غرب إندونيسيا    مسؤول ينفي "تهجير" كتب بتطوان    إطلاق قطب الجودة الغذائية باللوكوس... لبنة جديدة لتعزيز التنمية الفلاحية والصناعية بإقليم العرائش    البنك الإفريقي للتنمية يدعم مشروع توسعة مطار طنجة    سلالة إنفلونزا جديدة تثير القلق عالميا والمغرب يرفع درجة اليقظة    بورصة البيضاء .. ملخص الأداء الأسبوعي    من الناظور... أخنوش: الأرقام تتكلم والتحسن الاقتصادي ينعكس مباشرة على معيشة المغاربة        المغرب: خبير صحي يحدّر من موسم قاسٍ للإنفلونزا مع انتشار متحوّر جديد عالمياً    "الأنفلونزا الخارقة".. سلالة جديدة تنتشر بسرعة في المغرب بأعراض أشد وتحذيرات صحية    تناول الأفوكادو بانتظام يخفض الكوليسترول الضار والدهون الثلاثية    منظمة الصحة العالمية .. لا أدلة علمية تربط اللقاحات باضطرابات طيف التوحد    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصيدة الحظر الجوي
نشر في المساء يوم 24 - 03 - 2011

لا يستطيع المرء، وهو يتابع سقوط الصواريخ الأمريكية مثل المطر فوق مدن ومواقع ليبية والحملة الدعائية المكثفة التي تصاحبها، إلا أن يتذكر العراق والقصف الجوي «السجادي» الذي استهدفه مرتين، الأولى تحت ذريعة تحرير الكويت في مطلع عام 1991 والثانية بحجة تدمير أسلحة الدمار الشامل في مارس عام 2003، أي قبل ثماني سنوات بالتمام والكمال.
صحيح أن المجتمع الدولي لا يستطيع أن يقف موقف المتفرج بينما يذبح الزعيم الليبي معمر القذافي وكتائب أبنائه الدموية الشعبَ الليبي دون رحمة، ولكن لا يسع المرء إلا أن يتوقف عند الانتقائية الغربية في التدخل عسكريا لحماية ثورات عربية بعينها وتجاهل أخرى بالكامل.
الولايات المتحدة الأمريكية، وبدعم من بريطانيا وفرنسا وبغطاء من الجامعة العربية وبمشاركة دولتي قطر والإمارات العربية المتحدة، أطلقت 112 صاروخ كروز كدفعة أولى من حاملات طائراتها في المتوسط تحت ذريعة حماية المدنيين الليبيين، ولكن ماذا عن المدنيين الذين قتلتهم هذه الصواريخ، أليسوا ليبيين أيضا، أم إن الذبح على أيدي عصابات القذافي حرام بينما الذبح بالصواريخ الأمريكية حلال؟
قبل الاستطراد أكثر، ومنعا لسوء الفهم، نحب أن نؤكد أننا ومنذ اليوم الأول كنا مع الثورة الليبية، مثلما كنا، وما زلنا، مع كل الثورات العربية الأخرى، ونعتبر نظام العقيد القذافي الأسوأ في تاريخ ليبيا في كل عصوره، ونشعر بالغثيان كلما شاهدنا أبناءه الفاسدين المفسدين يتبجحون في تهديداتهم لأبناء شعبهم، وكأن هؤلاء عبيد وليبيا مزرعة لهم، ينهبون ثرواتها مثلما وكيفما يشاؤون، ولكننا لا يمكن أن نقتنع، للحظة واحدة، بأن هذا التدخل العسكري الغربي يأتي حرصا على الشعب الليبي وإنما على نفطه وخيراته، وإلا لماذا هذا الصمت المريب على المجازر التي يتعرض لها الشعب اليمني تحت سمع العالم وبصره، هل لأن اليمن لا يوجد فيه نفط أم لأن الشعب اليمني، مثله مثل الشعبين الفلسطيني واللبناني، لا يستحق الحماية أم الاثنين معا؟
نشعر بالحنق الممزوج بالمرارة، ونحن نرى السيد عمرو موسى، أمين عام الجامعة العربية، «يعترض» على القصف الذي تقوم به قوات التحالف الغربي ضد الأراضي الليبية، مؤكدا أن هذا القصف يختلف عن الهدف من فرض الحظر الجوي، وهو حماية المدنيين، وليس قصف مدنيين إضافيين. فالسيد موسى -الذي أيد التدخل الأجنبي حتى قبل اجتماع وزراء الخارجية العرب لبحثه في مقر الجامعة، في حديث موثق أجرته معه مجلة «دير شبيغل» الألمانية- يريد أن يتملص من التبعات الكارثية لموقفه هذا، الذي اتخذه في الوقت الضائع من فترة رئاسته للجامعة، وعلى أمل الفوز في انتخابات الرئاسة المصرية المقبلة.
نعم، الهدف من الحظر الجوي هو حماية المدنيين، كل المدنيين الليبيين دون استثناء، ومنع استخدام العقيد القذافي للطائرات لترويع شعبه وارتكاب مجازر في حقه، ولكننا نرى الانتقائية الغربية لا تتوقف عند الثورات العربية، وإنما تمتد إلى الشعب الليبي نفسه، فالليبيون الأسرى لدى النظام الليبي، باختيارهم أو رغما عنهم، يعتبرون أشرارا في نظر التحالف الغربي وقادته، ويستحقون القتل.
نحن نعيش مرحلة من الكذب والتضليل لم نر مثلها إلا قبل التدمير الأمريكي للعراق، تشارك فيها مؤسسات إعلامية عربية وأجنبية عملاقة، وكان مفاجئا بالنسبة إلينا، ونحن نقرأ ونسمع عن طائرات العقيد تقصف المدنيين الأبرياء العزل في بنغازي والبيضاء وطبرق ومصراته، أن نشاهد طائرة تابعة للثوار تسقط بصاروخ أو بدفاعات أرضية فوق طرابلس، ولذلك من حقنا أن نتساءل عما إذا كان الحظر الجوي يشمل أيضا الطائرات التابعة للثوار الليبيين؟
لا نعرف كم سيعمر العقيد معمر القذافي في السلطة، ولا نستطيع أن نتكهن بمدى قدرته على الصمود، لأن الشعب الليبي إذا ما قاتل فعلا العدوان الأجنبي، مثل أشقائه في العراق وأفغانستان والصومال، فإنه لن يقاتل من أجل أن يحكمه الزعيم الليبي أو من أجل توريث الحكم لأبنائه وإنما لأنه يملك تراثا عريقا ومشرفا في مقاومة المستعمرين الغزاة لأرضه والمنتهكين لعرضه وكرامته الوطنية.
ما يجري حاليا في ليبيا هو غزو صريح لتغيير النظام الحاكم بالقوة المسلحة على طريقة المحافظين الجدد، ورئيسهم جورج بوش، لأن الزعيم الليبي استنفد أغراض بقائه وتم عصره حتى النقطة الأخيرة، وحان الوقت -من وجهة نظر الغربيين- للتخلص منه مثل أي منديل مستعمل، ولهذا ركبوا الثورة الليبية وعملوا على استغلالها وتوظيفها لمصلحتهم.
ألم يعد الغرب، وبريطانيا وأمريكا بالذات، بتأهيل النظام الليبي بعد دفعه التعويضات لضحايا لوكربي (ثلاثة مليارات دولار) وإيداع كل فوائضه المالية (200 مليار دولار) في البنوك الأوربية والأمريكية؟ ألم تفرج بريطانيا، التي تقود حاليا العدوان على ليبيا، عن عبد الباسط المقرحي المتهم بتفجير طائرة لوكربي مقابل عودة شركة «بريتش بتروليوم» العملاقة للعمل بشكل أقوى في ليبيا وحصولها على عقود استكشاف عملاقة.. ألم يقل سيف الإسلام القذافي «ولي عهد» النظام الليبي إن توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق وفيلسوف المحافظين الجدد، كان صديقا شخصيا للعائلة، وكان يقيم في منزل أسرته في كل مرة يزور فيها طرابلس الغرب؟
فإذا كان هذا الغرب المنافق، الحريص على الشعب الليبي والمروج للديمقراطية وحقوق الإنسان، صادقا في نواياه وأقواله فلماذا لم يشترط حدوث التغيير الديمقراطي في ليبيا مقابل رفع الحصار وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام الليبي؟
بعد أن يهدأ الغبار وتنجلي الحقائق على الأرض، ربما نرى ليبيا مقسمة أو مجزأة أو مصوملة، لا نستغرب اشتعال نيران الحرب الأهلية وتحول ليبيا إلى دولة فاشلة، مثل الصومال والعراق وأفغانستان واليمن، وهي أشياء لا نتمناها، ولكن ألم تكن هذه هي نتيجة أي تدخل غربي في جميع دول الشرق الأوسط، بل حتى في البلقان أيضا؟
تنظيم «القاعدة» الذي يخشاه الغرب يزدهر في الدول الفاشلة التي يقيمها الغرب بتدخلاته العسكرية، فقد حط الرحال في العراق والصومال واليمن بسبب هذه التدخلات أو انحياز ديكتاتورياتها إلى المشاريع الغربية، ولا بد أن زعيم تنظيم «القاعدة» يفرك يديه فرحا وهو يرى ليبيا تسقط لقمة سائغة في أحضان تنظيمه بعد التدخل الغربي. وعلى أي حال، فالتنظيم على بعد مرمى حجر من ليبيا، وفرعه في المغرب الإسلامي هو الأقوى حاليا بعد نظيره في اليمن.
التدخل الأمريكي في ليبيا سيكون دمويا غير معروف النهايات والنتائج، فقد خسرنا مليون شهيد في العراق في تدخل مماثل، ويعلم الله كم سنخسر في هذه الحرب الجديدة، حيث يعيد التاريخ نفسه، وحيث تتكرر الادعاءات والأكاذيب نفسها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.