الأنترنيت أفضل وسيلة لنشر الأوهام والإشاعات، ومن أكثر الأوهام التي تمنحها الشبكة العنكبوتية للبعض أنهم أصبحوا كتابا وصحافيين دون حاجة إلى مدرسة أو خبرة أو موهبة، يكفي أن «تنوي» كي تجد نفسك منتميا إلى هذه الحرفة الجاحدة التي تسمى «مهنة المتاعب»، والتي يجدر أن نسميها في المغرب «مهنة من لا مهنة له» لأنها تحولت إلى «إسطبل» بلا بواب، يدخل إليه من هب ودب: المحتالون والدجالون واللصوص وبائعو الحشيش... وسواهم من «الزملاء» الذين يعتبرون بطاقة الصحافة «كارط بلانش» تنفع لقضاء كل الأغراض: حضور السهرات والمهرجانات بالمجان، الحصول على بقع أرضية، ابتزاز رجال الأعمال، النصب على المواطنين... الغريب، في هذا البلد، الذي يمشي على رأسه، أن وزارة الاتصال توزع البطائق بسخاء على هذه الطينة من «الزملاء» وترفض منح تراخيص العمل لصحافيين حقيقيين، كل ذنبهم أنهم «يزعجون»، رغم أن «الإزعاج» إحدى المهام الرئيسية للصحافي الذي يحترم نفسه، لأن «الصحافي الذي لا يزعج أحدا ينوم الجميع»، كما يقول إيدي بلينيل، رئيس تحرير «ميديا بّارت»، الموقع الذي كشف ملفات زعزعت قصر الإيليزيه، على رأسها ما يعرف بقصية «بيتانكور»، والذي يؤكد أن الصحافة الإلكترونية يمكن أن تنافس الجرائد الورقية، وتتفوق عليها أحيانا، إذا كان وراءها صحافيون أكفاء، وليس أشخاصا بلا شغل، لم تقبلهم الجرائد «الحقيقية» وانتشروا في الجرائد «الافتراضية». في المغرب، يكفي أن تخط بضع كلمات على «الكلافيي» وترسلها إلى «الجرائد الإلكترونية» وها أنت صحافي لا يشق لك غبار، إذا لم «يعبّرها لك» أي موقع، افتح مدونة أو صفحة على الفيسبوك وانشر ما شئت من المقالات والأعمدة، مع صورة بربطة عنق ويد على الخد، وضع أمام اسمك النعت الذي تريده: كاتب، شاعر، صحافي، حسنين هيكل... لا أحد سيطالبك بالدليل أو يتابعك بتهمة انتحال صفة. بعض هؤلاء، كي يلفت الانتباه إلى مقالاته العبقرية، يتخصص في الرد على الأعمدة التي تكتب في الجرائد مع عناوين عريضة: «ردا على فلان الفلاني»... ردود أقرب إلى الدعابة، لأشخاص يحبون الكتابة لكن الكتابة لا تحبهم، ولا يعرفون أنها سيدة حرة لا يمكن أن تتزوجها بالإكراه. من حين إلى آخر، أتسلى بقراءة بعض هذه الردود على الأعمدة التي أكتبها في «المساء» وفي المرحومتين «أوال» و«نيشان». من أطرف ما صادفته في هذا الباب «مقال» طويل عريض، يرد صاحبه على جملة صغيرة، استلها الموقع من عمود نشرته في «أوال» في فقرة «قالوا» حول المهاجرين المغاربة. الجملة المسكينة تعرضت لوابل من الصواريخ الأرضية والجوية، رغم أنها مبتورة من سياقها، كل كلمة وقفت طويلا أمام محكمة التفتيش، وكل حرف أخضع للضرب والجرح كي يعترف بالجريمة... رد آخر، لا يقل طرافة، عثرت عليه في أحد المواقع، ينصحني صاحبه بأن أقرأ «كتب التاريخ لأصحح ما ترسب في ذهني من مغالطات عن تاريخ الأمازيغ»، وذلك تعليقا على عمود من سلسلة «نوستالجيا» الصيفية، تحدثت فيه عن الدروس التي تلقيناها في المدرسة حول «سكان المغرب الأقدمون»، ورغم أنني وصفته ب«التاريخ المزور»، فإن الشخص مقتنع بأن عبد ربه شخصيا هو الذي كتب درس التاريخ إياه، وأنني أتهم الأمازيغ بأنهم «يسكنون المغاور والكهوف ويلبسون جلود الحيوانات»... ورغم أنه كال لي بعض الشتائم، فإنني ألتمس له العذر: لا شك أنه لم يكن في حالة عادية... أخمن أنه رد عليّ مباشرة بعد أن «رد» على ملابسه!