بدأ التسابق والتسخينات الأولية للحملة الانتخابية المقبلة.. استعدادات تطبعها الرتابة وعدم إقبال المواطنين على التسجيل في اللوائح الانتخابية لاقتناعهم وإحساسهم التام بعدم وجود أي تغيير في العملية. ويبدو أن الدستور الجديد لن يجدي نفعا مع البنيات الحزبية المتدهورة والعقليات البائدة التي تزرع ثقافة التيئيس وبذور العدمية، فنفس الوجوه ستعود إلى قبة البرلمان ونفس الممارسات المنحرفة ستدشن الحملة الانتخابية السابقة لأوانها، من توزيع للمال الحرام واستغلال لتقنية الورش الدائم وبطائق الإنعاش الوطني لاستمالة الناخبين أمام مرأى ومسمع السلطات المعنية ولا من يحرك ساكنا. وتفتقت عقلية المرشحين عن طريقة جديدة للإيقاع بمنافسيهم، طريقة غاية في الابتكار والإبداع تتمثل في نصب الكمائن لاصطياد الخصوم، فقضية تارودانت كانت مثالا نادرا في المكر والخداع لولا تصدي غرفة المشورة لهاته الدعوى الكيدية، وذلك بمنح الظنين السراح المؤقت لاقتناع الهيئة بوجود قرائن تفيد بأن القضية مفبركة ومخطط لها. أما رئيس المجلس الإقليمي لمدينة خريبكة، ومع اقتراب موعد الانتخابات، فقد وجد نفسه خلف القضبان لمجرد أنه طالب باسترداد ديونه، ويمكنه تقديم ترشيحه من داخل السجن لأن الدستور الجديد دستر كون قرينة البراءة هي الأصل، مادام لم يصدر في حقه حكم قطعي وقرار قضائي مبرم وحكم نهائي غير قابل لأي طعن أو تجريح، وهو بذلك يتمتع بجميع حقوقه المدنية والسياسية وتنتفي في حقه موانع الترشيح، وستكون بذلك سابقة فريدة في تاريخ الانتخابات التشريعية. وفي ما يخص طقوس اختيار لوائح النساء والشباب، فهي أشبه ما تكون بضيعة يتحكم فيها الإقطاعيون، حيث طغيان منطق القبلية والقرابة الدموية والولاءات الإثنية وانعدام المعايير الديمقراطية، فخطاب الحداثة والثقافة السياسية الجديدة يبقى مجرد كلام موجه للاستهلاك الإعلامي، إذ تم الالتفاف بشكل تدليسي على مبدأي الكفاءة والاستحقاق والقدرة على مراقبة العمل الحكومي مقابل تغليب المركز على المحيط وطغيان مركزية القرارات السياسية المشوبة بعيب الانحراف في استعمال السلطة وإبعاد القواعد بشكل تعسفي والارتهان إلى المزاجية والسلطوية. وإذا كانت الثورات العربية قد عصفت بالطغاة، فإن هذا الاستبداد الحزبي سيكون مصيره مزبلة التاريخ لأنه أصبح من حق الشعوب إزالة زعمائها المستبدين. واهم من يعتقد أن المغرب اجتاز مرحلة الخطر وأن الانتخابات ستطفئ الغضب الشعبي، بل على العكس من ذلك ستزداد حدة التوتر في ظل الأزمات الاقتصادية والبؤس الاجتماعي. ولكي نسمي الأسماء بمسمياتها، فالشعب المغربي يقدر المؤسسة الملكية لأنها رمز الوحدة والاستقرار، ولكنه ساخط على القيادات الحزبية التي أصابها الخرف والبوار، وهي التي ستفجر الأوضاع بسلوكاتها المريضة. لطالما نادى المستبدون الحزبيون باقتسام السلط مع الملك والحد من بعض اختصاصاته بينما هم قابعون في أماكنهم يوزعون التزكيات على ذوي القربى وينصبون أبناءهم وزوجاتهم في أعلى المراتب الحزبية وأسمى الوظائف الإدارية؛ والثورة يجب أن تقوم ضد هؤلاء، وذلك بتكسير أقفال المقرات الحزبية وطرد هذه الكائنات الغريبة التي عمرت طويلا وأصبحت تشكل خطرا على المغرب. وإذا كان العمل السياسي لا يقبل العمليات الجراحية، فإن الضرورة تقدر بقدرها لأن الورم الخبيث يجب استئصاله قبل أن ينتشر في مختلف أعضاء الجسم. الحديث عن الانتخابات المقبلة وقراءة المشهد السياسي من خلال تجلياته تفيد بأن عمليات الإفساد لم تعد تقتصر على الدولة لوحدها، بل هناك فاعلون جدد يتمثلون في الأحزاب السياسية والمواطنين؛ فالدولة لم تعبر، من خلال مجموعة من التدخلات، عن الرغبة الحقيقية في إحداث تغيير جذري وصحيح؛ فرفض الرفع من المستوى التعليمي للمرشحين يجعل البرلمان بوابة للفوضى الديمقراطية خارج إطار الضوابط والمعايير، مما يعطي الفرصة لكل من سولت له نفسه لآخر لحظة أن يترشح، وهو ما سيزيد في تمييع العمل السياسي واستغفال شرائح عريضة من المواطنين، بل واستفزازهم بطريقة ممنهجة. أما الأحزاب السياسية فقد عرفت تطورا لافتا وخيالا خصبا من خلال الابتعاد عن الممارسة الديمقراطية الداخلية واعتماد أساليب جديدة في التدبير تتأرجح بين صناعة المؤتمرات بدون انتخابات وحياكة اللوائح النسائية والشبابية على المقاس خارج الشرعية الديمقراطية واستقطاب الأعيان لمجاراة الإيقاع التنافسي المبني على التمويلات الخيالية، وبذلك تكون المنافسة على انتزاع التزكيات رهينة بالقدرة المالية للمرشح لا بالأفكار والبرامج. وفي ظل هاته المعطيات، سيبقى المواطن تائها وسيميل بشكل كبير إلى خيار المقاطعة كموقف سياسي معبر عن التذمر وعدم الرضى عن لعبة مكشوفة، عنوانها إهدار المال العام ومضيعة الوقت؛ لذلك فالسمات الأساسية التي ستطبع الانتخابات المقبلة ستتمثل في مناهضة حركة 20 فبراير لأغلب المرشحين، إضافة إلى انتشار الولائم وظاهرة استغلال الأعراس والعقيقات والجنائز وتوظيف لحظة الدخول المدرسي بتوزيع الحقائب والأدوات المدرسية ولوازم رمضان من مواد غذائية أساسية، زيادة على استعمال المال بطرق ملتوية أكثر تقدما، واقتناء أفرشة المساجد وإمامة المصلين رغم أن معظم المرشحين لا يصلون، وهذه طبعة انتخابية مغربية بامتياز، وشراء الأضحيات لتسييس الخرفان. إن استحالة حصول أي حزب على الأغلبية المطلقة، وضرورة الرضوخ لمنطق الائتلافات التي لا تكون دائما متناغمة، وعدم تمكن أي حزب حتى ولو ترأس الحكومة من تغيير السياسة العامة للدولة، كل ذلك يزكي ما أوردناه سابقا من تفوق الشرعية الملكية على الشرعية الانتخابية التي يقودها زعماء من طينة الضفادع البشرية التي تسبح في الماء العكر ولا تستطيع إقناع المواطن ولا التأثير فيه، لأنها في منأى عن ممارسة العمل السياسي النبيل، والمغرب معني بالأحداث الإقليمية لأنه بكل بساطة معني. محمد خمريش