المعتقل نبيل أحمجيق «بلبل حراك الريف» ينجح في مباراة ولوج سلك الدكتوراه    في ظرف ثلاثة أشهر .. أنترنت الجيل الخامس (5G) يغطي 60 مدينة بالمغرب    فيروس "ماربورغ" يقتل في إثيوبيا    بعد افتتاحه.. صحيفة AS الإسبانية تشيد بملعب طنجة وتبرز أبرز ميزاته    أخنوش من مديونة: المغرب يدخل مرحلة الإصلاح العميق والمسار لن يتوقف    محكمة الحسيمة تدين اثنين من مروّجي الكوكايين    نشرة إنذارية.. زخات مطرية محليا قوية مرتقبة اليوم السبت وغدا الأحد بعدد من مناطق المملكة    "كاف" تثمن افتتاح ملعب طنجة الكبير    هجوم إلكتروني بالصومال.. بيانات آلاف الأمريكيين بقبضة مجهولة    المغرب... دولة الفعل لا الخطاب    رياض السلطان يقدم مسرحية الهامش وموسيقى لؤلؤة البحيرات العاجية ولقاء فكري حول ذاكرة المثقف    محمد نمسي يحرز الذهب في الرياض    مكناس…توقيف ثلاثة أشخاص للاشتباه في تورطهم في قضية تتعلق بالضرب والجرح باستعمال السلاح الأبيض    غزة: عشرات الخيام تغرق في مواصي خان يونس جراء الأمطار الغزيرة    نزاع حول أرض زراعية يخلف قتلى بالعراق    عامل العرائش و السلة الفارغة: كيف أنهى الأسطورة و تحققت نبوءة الانهيار!    ترامب: آمل بانضمام السعودية إلى "اتفاقات أبراهام" قريبا... وبن سلمان يزور واشنطن الأسبوع المقبل    وليد الركراكي: علينا المحافظة على الثقة في هذه المجموعة ونحن نعرف كيفية تحقيق الفوز    ليكيب: المغرب يحطم رقمه العالمي في عدد الانتصارات المتتالية بفوزه على الموزمبيق    من هو عبد الله اشويخ المدير الجديد لوكالة "أنابيك"؟    ارتفاع سعر صرف الدرهم ب 0,2 في المائة مقابل الدولار الأمريكي ما بين 6 و12 نونبر 2025    الملك يجدد الدعم لحقوق الفلسطينيين    أمطار رعدية قوية... نشرة إنذارية تشمل طنجة وتطوان وعدة مناطق شمالية    استفادة الجيش الصيني من "علي بابا" تثير الجدل    لحمداني ينال "جائزة العويس الثقافية"    وزارة الثقافة تعلن الإطلاق الرسمي لمشروع تسجيل "فن زليج فاس وتطوان" على قائمة يونسكو للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية    تطور جديد في ملف "إنتي باغية واحد".. متابعة دي جي فان بتهمة تهديد سعد لمجرد    قمة متناقضة بين "الماط" المتصدر ورجاء بني ملال الأخير    نواب "العدالة والتنمية" يطالبون بلجنة تقصّي حقائق في صفقات الدواء وسط اتهامات بتضارب المصالح بين الوزراء    الأستاذ اللبار يدعو إلى رفع مستوى العناية بذوي الاحتياجات الخاصة    حجز أزيد من 23 ألف قرص مخدر وتوقيف شخصين بالدار البيضاء    "التقدم والاشتراكية" يعلن رفضه لمشروع قانون مالية 2026 ويصفه ب"المخيّب للآمال"    ترامب يلمح لقرار بشأن فنزويلا والجيش الأمريكي يبدأ عملية ضد تجار المخدرات في أمريكا اللاتينية    محام: المحجوزات تتراكم في المحاكم    "ترانسافيا" تطلق أربع رحلات أسبوعياً بين رين وبريست ومراكش على مدار السنة    إطلاق الموسم الفلاحي الجديد مع برنامج بقيمة 12.8 مليار درهم وتوزيع 1.5 مليون قنطار من البذور المختارة    خطاب "العُكار": حين يفضح "أحمر الشفاه" منطق السلطة..تحليل نقدي في دلالات وأبعاد تصريح وزير العدل حول الفساد    طقس ممطر في توقعات اليوم السبت بالمغرب    الجديدة تحتضن المؤتمر العام الإقليمي للاتحاد العام للمقاولات والمهن بحضور شخصيات وازنة    هل تستطيع الجزائر تفكيك سردية العداء لبناء وطنها المُتخيَّل؟ .    مباراة ودية بطنجة .. المنتخب المغربي يفوز على نظيره الموزمبيقي بهدف لصفر    المسرحية المغربية "إكستازيا" تهيمن على جوائز الدورة 30 لمهرجان الأردن المسرحي    منظمة الصحة العالمية تعترف بالمغرب بلدًا متحكمًا في التهاب الكبد الفيروسي "ب"    تداولات بورصة الدار البيضاء سلبية    أبوظبي.. ثلاثة أعمال أدبية مغربية ضمن القوائم القصيرة لجائزة "سرد الذهب 2025"    إطلاق المرحلة الثالثة من تذاكر "الكان"    وزارة الصحة تطلق حملة وطنية للكشف والتحسيس بداء السكري    بوانوو: بلاغ وزارة الصحة لم يحمل أي معطى حول شبهة تضارب المصالح ولم يشرح التراخيص المؤقتة للأدوية التي يلفها الغموض التام    دراسة: ضعف الذكاء يحد من القدرة على تمييز الكلام وسط الضوضاء    صنصال يؤكد أنه "قوي" لن يدمره السجن و"متفائل" بتحسن العلاقات الفرنسية الجزائرية    مجلس النواب يصادق على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2026    المسلم والإسلامي..    دراسة: لا صلة بين تناول الباراسيتامول خلال الحمل وإصابة الطفل بالتوحد    مرض السل تسبب بوفاة أزيد من مليون شخص العام الماضي وفقا لمنظمة الصحة العالمية    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحيل امرأة عبدت وأخواتها الطريق لحزب العدالة والتنمية
نشر في المساء يوم 18 - 01 - 2012

عند ميقات صلاة جمعة يوم 06/01/2012، انتقلت إلى الرفيق الأعلى الحاجة فاطنة ريفلا، بعد عراك طويل مع المرض الذي دب إلى جسدها منذ أكثر من ثلاثين سنة جراء ما تجرعته من مرارات الخوف والحزن والكمد والعذابات اللامتناهية في سبيل أمومتها لواحد من القادة التاريخيين الذين بنوا صرح الحركة المولدة لحزب العدالة والتنمية، بالعطاء والفداء
والتضحيات الجسيمة المديدة الأمد.
إنها والدة الأستاذ عبد الرحيم ريفلا الذي لازال يحمل على كاهليه أثقال حركة التوحيد والإصلاح، ومن ثم حزب العدالة والتنمية، بالعمل الصامت الخافت البعيد عن أضواء الشهرة وأنوار التسلق والوصول والاغتنام والاستوزار.
قد يعرف جميع من يصطف في صفوف الحزب الإسلامي أن عبد الرحيم ريفلا من المناضلين الإسلاميين القدامى الذين أمضوا عمرا طويلا في غياهب الاعتقال السياسي سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، لكن القلة القليلة، وضمنها الأربعة الكبار الذين يتربعون على كراسي قيادة الحزب ويقتعدون الآن أرائك الحكومة، ومن بينهم رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، هي من يعرف بصمات الرجل وآثاره على مسيرة العمل الإسلامي والقرارات الكبرى التاريخية التي خرجت من البيت المتواضع لعائلته في الدار البيضاء تحت أنظار الأعين الخائفة المذعورة والقلقة للأم الفقيدة التي لم تكن تعلم بأن سهر ابنها المتواصل مع رفاقه إلى مطلع الفجر ولجاجهم الصاخب سيدخلها في نفق طويل من رحلة الطواف على السجون والمعتقلات السرية المغربية، وسيسقطها فريسة للأمراض التي التهمت وتلتهم أمهات المناضلين المبتلين بالاعتقال.
في تشييع جنازتها، حضر الأصدقاء والأهل والأقارب ورفاق الاعتقال السياسي الإسلامي الذين رزئوا في واحدة من أمهاتهم اللائي انصهرن جميعا بنيران المحنة ومكابدة الترحال الأبدي إلى السجون، حتى صرن كتلة واحدة للأمومة.
لكن الموكب الجنائزي افتقد من هم ألزم بالحضور والمواساة والعزاء، ممن هم أحفظ وأدرى باعتبار الفقيدة وابنها، فلا قادة حركة التوحيد والإصلاح ولا قادة حزب العدالة والتنمية حضروا، سواء منهم الوزراء أو الوصفاء أو الأمراء.
في مثل هاته المواطن، علمنا الدهر أن اليساريين والعلمانيين يرتقون مراقي عليا في الخلق والأدب مع مناضليهم التاريخيين، وتقدير قيمة الكفاح والمحنة والاعتقال.
وما أكثر ما نزل عبد الرحمن اليوسفي من علياء برجه العاجي وهو وزير أول، ليمشي في جنائز مناضلين أو مناضلات أو ذويهم، حتى يكتشف الناس، فجأة، بحضوره، أقدار هؤلاء المناضلين وقيمتهم التاريخية، بعد أن يكون النسيان والتهميش قد غمرهم وران على هاماتهم العلية، ويكون الزمن قد نكل بهم، ومِن قبله كان يفعل الزعماء الوطنيون الكبار أمثال علال الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد وبلحسن الوزاني، وغيرهم.
فثقافة اليسار والوطنيين ومسلكياتهم تنطوي على حدب كبير تجاه ميزة الاعتقال السياسي والمعاناة على درب النضال في سبيل المبادئ والمثل، على نقيض تقاليد الإسلاميين المغاربة الذين سجل عليهم التاريخ قلة احتفاء بهاته الموازين والمعايير، وبخس المعتقلين السياسيين وعائلاتهم أوزانهم وتضحياتهم.
كان قدر الحاجة فاطنة ريفلا أن تنجب واحدا من الرعيل الأول لحركة الشبيبة الإسلامية منذ باكورتها بداية السبعينيات، ارتقى مبكرا إلى موقع القيادة، ومنذ ذلك الزمن البعيد، وهي تتهاوى في صحتها وعافيتها طرفا طرفا، كلما اهتزت لهدير حملة من حملات الاعتقال التي كثيرا ما داهمت البيت العائلي، بجلبتها وضوضائها وهمجية زوار الليل.
بداية نونبر 1981، وبعد انصرام أشهر على تأسيس تنظيم الجماعة الإسلامية، الإطار التاريخي لحزب العدالة والتنمية، بعد الشبيبة الإسلامية، شملت الاعتقالات من قيادات الجماعة الجديدة المرحومَ علال العمراني وادريس شاهين وسعد الدين العثماني وعبد الإله بنكيران وعبد الجليل الجاسني وعبد العزيز بومارت وعبد الله بلكرد وعبد الله لعماري وعبد الرحيم ريفلا، وكان هذا الأخير أكثر من اصطلى بنيران أصناف التعذيب، داخل المعتقل، وأكثرهم صبرا وصمودا وتجلدا.
وبعد انجلاء غمة الاعتقال السري الأول من سنة 1981، وفيما قرت عين الحاجة مفتاحة، والدة عبد الإله بنكيران، الرئيس الجديد للحكومة، بعودة ابنها سالما معافى بمناعة من الاعتقال إلى الأبد، كانت الفقيدة الحاجة فاطنة ريفلا على موعد آخر مع الكوابيس وألوان الفزع والذعر هي وأمهات اثنين من رفاق ابنها من قيادة الجماعة الإسلامية، هما عبد الله بلكرد وعبد الله لعماري، حيث أصبحت بيوتهم تحت الرقابة الخانقة لمرابطة أمنية دائمة، وعرضة لارتياد البوليس السياسي في كل نازلة، إلى الدرجة التي اعتقل فيها والد عبد الله لعماري، الحاج الجيلالي، وهو مريض مسن فترة طويلة للضغط على ابنه كي يسلم نفسه بعدما أصبح مطاردا في طول البلاد وعرضها.
وفي صيف 1983، ولما كانت الجماعة الإسلامية (الأم الحاضنة لحزب العدالة والتنمية)، في طور الانتقال من مرحلة العمل السري الثوري والمعارض إلى مرحلة العمل الشرعي المندمج والمهادن، وقع الاختيار من جديد على الثلاثة من قيادة الجماعة، عبد الرحيم ريفلا وعبد الله بلكرد وعبد الله لعماري، من الدار البيضاء، حيث موقع الحيز الأكبر من القواعد بنسبة تسعة أعشار التنظيم، وقع الاختيار عليهم ليكونوا وعائلاتهم وأمهاتهم قرابين على مذبح المحاكمة الأولى في تاريخ المغرب لفصائل الحركة الإسلامية، والشهيرة بمحاكمة (ال71) خلال شهر يوليوز 1984، والتي ابتلعت، في محرقة أحكامها بالإعدام والسجن المؤبد والعشرين والعشر سنوات، شبابا من حركة الشبيبة الإسلامية وحركة المجاهدين ومنظمة الثورة الإسلامية والجماعة الإسلامية/حزب العدالة والتنمية حاليا الذي مثل في هذه المحاكمة بجزء من قيادته.
من حوالي هذه المحرقة، وعلى صخب فحيح لهبها وتحت لفح لظى لهيبها، كان على المرحومة الحاجة فاطنة ريفلا وباقي الأمهات أن يمكثن 3650 يوما وليلة، ثاويات في محراب الألم والحنين والبكاء والأنين، يحملن وحدهن أثقال الاعتقال، في قيظ الصيف وقر الشتاء وسهاد الأسفار وبرد الانتظار في العراء والمبيت عند بوابات السجون وتحت شاهق الأسوار، ويحملن مع هذه الأثقال أثقال الصمود لنضال الأبناء، ويتضورن بأوجاع مخاضات توهج نجم مشروع العمل الإسلامي واستواء قطاره على السكة التي قادته نحو ما أصبح عليه حزب العدالة والتنمية من هيل وهيلمان.
وحدهن هؤلاء الأمهات اللائي نكبن بضريبة تعبيد الطريق أمام إسلاميي حزب العدالة والتنمية، بعد أن كان أبناؤهن الثلاثة، عبد الرحيم ريفلا وعبد الله بلكرد وعبد الله لعماري، قد جمعتهم العهود والمواثيق ذات ليلة من ليالي شهر مارس 1981 في النواة القيادية الأولى إلى جانب المرحوم علال العمراني والمرحوم عبد الحميد الغدان وادريس شاهين والعربي العظم وسعيد سمين وعبد الكريم حميم والعربي بلقايد وعبد العزيز بومارت ومحمد يتيم وعبد الرحمان اليعقوبي ومحمد الحارثي والأمين بوخبزة وعبد الله بها وعبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة راهنا.
فهل يلتئم شمل هؤلاء من جديد على الوقوف اعتبارا لمواثيق التاريخ، ووفاء للعهود، وإكبارا للتضحيات، وعزاء للبيوت التي منيت بفواجع الزمن؟



عبد الله لعماري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.