إن القضاء على معلمة من المعالم في بلد من بلدان العالم المتحضر هو بمثابة «ضربة مقص»، تكون عواقبها وخيمة، لذلك قيل «ألْف تْخميمة وتخميمة ولا ضْربة بالمقص».. لقد كان من أكبر الأخطاء التي «ارتُكبت» في حق مدينة الدارالبيضاء، ولا شك، هدم مسرحها البلدي، فقد شّكل ذلك «ضربة المقص»، التي صعب إصلاحها وقاد مدينة ضخمة مثل «كازابلانكا» إلى أن تكون مجردَ سوق بشري لا روح فيه، «يأكل» مثل الوحوش ويدوس على كل جميل.. لقد انتزعت من هذه المدينة روحها، وبذلك صار صعبا أن نُعلّم هذا «الغول» معنى الجمال. فقد أصبح لا يفكر سوى في أن يكبر ويكبر، مثل كل مرابٍ جشِع. هذا خطأ يجب إصلاحه حتى نخرج من الجحيم.. لقد كان المسرح البلدي في الدارالبيضاء في حكم النسيان والموت، إلى جانب المسرح البلدي في الجديدة. لكن شاءت الأقدار أن يحفظ الله مسرح الجديدة البلدي من جشع المرابين وينقذه من عيون كثيرة كانت «مْفيزْية» عليه. إن هذا المسرح يعد، بدوره، روح الجديدة، الذي عاش فيه المسرح أزهى لحظاته وجعل عاصمة دكالة على كل لسان في ذلك الزمن الجميل. من هنا، فإن إعادة الاعتبار إلى هذا المسرح هي بمثابة إعادة الروح إلى هذه المدينة، التي كانت، هي الأخرى، في طريقها إلى التيه.. كم هو جميل أن يبقى ذلك المسرح واقفا مثل الأسد، يذكره الذاكرون. فالمرور إلى جانبه يبعث فيك حب الجمال ويذكّرك بأن الحياة أعظم من أن تُختزَل في ربطة عنق وسيارة.. إن ترميم وتجهيز هذه المعلمة الثقافية نقطة تُحسَب للذين كانوا من ورائها، وهكذا فرد الاعتبار إلى هذه المعلمة، الحابلة بالذكريات، هو إعادة الاعتبار إلى أسماء وعلى رأسها «هاملت المسرح المغربي»، الراحل محمد عفيفي، الذي تحمّل مسؤولية إدارتها في الفترة ما بين 1969 و1974، وسيكون الأمر رائعا لو أطلق اسمه عليها. فالمسرح البلدي، إضافة أنه كان يُروّج لمفاهيم جيدة، ساهمت إلى حد بعيد في تقريب المتلقي المغربي من مظاهر التحديث الثقافي والحضاري، الذي كان يعرفه الغرب، هو ذاكرة لا يمكن التفريط فيها ، وهذا يجب أن يدفع إلى حماية مجموعة من المعالم في مدن أخرى توجد على حافة الموت، تتربص بها «خنازير» العقار. يذكر أن تأسيس المسرح البلدي في الجديدة يعود إلى سنة 1920، وافتتح رسميا سنة 1925. وقد استُغلّ، في البداية، كقاعة للأفراح والحفلات الخاصة قبل تحويله، في مطلع ثلاثينيات القرن العشرين، إلى قاعة مسرح في شكل «أوبرا»، بسعة 658 مقعدا. وقد اقتصرت العروض في البداية على الفرق الفرنسية والأجنبية، قبل أن يُفتَح في وجه الفرق الوطنية سنة 1946، حيث عرضت فيه «جمعية مسرح الجديدة» أول عرض لها.