صرف منحة استثنائية لفائدة أرامل ومتقاعدي الأمن الوطني    "انزعاج بدني" وراء استبعاد أنس صلاح الدين عن تشكيلة الأسود أمام زامبيا    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    كان المغرب.. جنوب إفريقيا تفوز على زيمبابوي (3-2) وتتأهل إلى دور الثمن    استنفار أمني بضواحي طنجة بعد العثور على جثة شخص مُتفحمة    أبو عبيدة.. رحيل ملثم أرّق إسرائيل طوال عقدين    اكتظاظ السجون يفجّر سجالاً حاداً بين وهبي والمعارضة داخل البرلمان    إحداث أزيد من 35 ألف مقاولة بشكل رقمي    جماهير مغربية تجدد الدعم للركراكي    "ماركا" الإسبانية تصف ملعب الحسن الثاني ب"التحفة الهندسية" المرشحة لكأس العالم 2030    إذاعة فرنسا الدولية: المغرب وجهة مفضلة للمشجعين والسياح    انهيار جزئي لطريق بإقليم شفشاون يثير مخاوف السائقين    برادة : هذه هي نسبة تعميم التعليم الأولي بالعالم القروي    فتح الترشيح للجائزة الوطنية للقراءة    صناعة الطيران المغربية .. نحو منظومة مندمجة ذات قيمة مضافة أعلى    السنغال تتطلع لضمان البقاء في طنجة    مدرب منتخب تونس يلوّح بالاستقالة    مصرع 3 آلاف مهاجر في 2025 .. والجزائر تتحوّل إلى بوابة جديدة    إنفانتينو: الفيفا تلقى 150 مليون طلب لشراء تذاكر كأس العالم في أسبوعين    تجديد هياكل الفرع المحلي للجامعة الوطنية للتعليم بالحسيمة    اللوائح الانتخابية الخاصة بالغرف المهنية الأجل المحدد لتقديم طلبات التسجيل سينتهي يوم 31 دجنبر    مونية لمكيمل وسامية العنطري تقودان الموسم الجديد من "جماعتنا زينة"    سعد لمجرد يلتقي جماهيره بالدار البيضاء    أمطار متفرقة وثلوج بالمرتفعات .. تفاصيل طقس الأيام المقبلة في المملكة    أكثر من 200 طن..زيادة قياسية في مشتريات الحبوب بالصين    هذه مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    مرصد حماية المستهلك يندد باستغلال المقاهي لكأس إفريقيا لرفع الأسعار    الأمطار تعزز حقينة السدود بالمغرب.. نسبة الملء 38% وتصريف 80 مليون متر مكعب في البحر    هبوط الذهب من مستويات قياسية والفضة تتراجع بعد تجاوزها أكثر من 80 دولارا    القوات الروسية تعلن السيطرة الكاملة على بلدة ديبروفا في دونيتسك واسقاط صواريخ وطائرات مسيرة    تصدير الأسلحة يسجل التراجع بألمانيا    هيئة حقوقية تطالب بالتحقيق في ادعاء تعنيف المدونة سعيدة العلمي داخل السجن    هدم نصب تذكاري صيني عند مدخل "قناة بنما"    بنعلي ينتقد النموذج الفلاحي في بركان    ترامب يعلن إحراز "تقدم كبير" في سبيل إنهاء الحرب بأوكرانيا    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تعقد جمعها السنوي العادي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    الصين تطلق مناورات عسكرية وتايوان ترد بالمثل    "فيدرالية اليسار": سياسات التهميش حولت المحمدية ومناطق مجاورة إلى "تجمعات تفتقر للتنمية"    تنظيم "داعش" يعطب أمنيين في تركيا    حريق يخلف قتلى في دار للمسنين بإندونيسيا    وفاة أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاما    أمريكا تتعهد بتمويل مساعدات أممية    اتباتو يتتبع "تمرحل الفيلم الأمازيغي"        كرة القدم نص مفتوح على احتمالات متعددة    بوصوف: المخطوطات "رأسمال سيادي"    المهدي النائر.. ريشة تحيي الجدران وتحول الأسطح إلى لوحات تنبض بالجمال    روسيا ‬وجمهورية ‬الوهم ‬‮:‬علامة ‬تشوير جيوسياسي‮ ‬للقارة‮!‬    علماء روس يبتكرون مادة مسامية لتسريع شفاء العظام    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    روسيا تبدأ أولى التجارب السريرية للقاح واعد ضد السرطان    الحق في المعلومة حق في القدسية!    وفق دراسة جديدة.. اضطراب الساعة البيولوجية قد يسرّع تطور مرض الزهايمر    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجرد أقدم مهنة في التاريخ
نشر في المساء يوم 22 - 05 - 2012

ليس هناك، على الأرجح، شخص راشد في المغرب ويمتلك حاسة واحدة سليمة، على الأقل، لم يصادف ولو مرة دليلا صغيرا على وجود الدعارة، سواء في مدينة أو بادية، مثلما يمكن أن يعثر عليها في الأسواق الكبرى وفي المقاهي. لكن بالرغم من أن لهذه «المهنة» مقدمات لا تخطئها العين لا يمكن معها إنكار وجودها، فنحن مؤهلون في أي لحظة لكي نستنكر ونتهم أي تصريح لأحدهم يذكرنا بأن الدعارة تتزايد ويتصاعد نشاطها في بلادنا، وسنتهمه حتما بالتضخيم وبتشويه سمعتنا.
فنحن مجتمع ننزعج على الأرجح من التفكير في مثل هذه الظواهر المخجلة، ونفضل أن نستمر في اعتبارها ظاهرة لم يخل منها أي مجتمع وأنها كانت ومازالت مجرد أقدم مهنة في التاريخ، بالرغم من أن هذه المقولة قد تكون خاطئة، لأن الوقائع وكتب التاريخ تقر بوجود مهن أقدم بكثير من الدعارة، كانت النساء يتقنَّها جيدا، مثل القنص والصيد والالتقاط، قبل أن يحدث ذلك التحول الذي أدى بها إلى الاقتناع بأن بيع الجنس واقتناص زبائنه قد يكون ربما أقل عناء من العيش على قنص الحيوانات.
لم يكن هناك عبر التاريخ أي حياد تجاه ظاهرة الدعارة، وكانت هناك دائما محاولات متكررة وجادة في كل الحضارات من أجل تبني موقف تجاه الدعارة. ولعل آخر هذه المواقف نجاحا وإثارة للاهتمام ما تبنته السويد تجاه الظاهرة، حيث قررت حكومتها أن تستلهم موقفا من قيم «الفيمينيزم» العالمي الذي يعتبر الدعارة عنفا ضد النساء (لا أعرف ما إن كان للحركات النسائية في المغرب نفس الموقف أم إنها تتبنى نظريات مغايرة). وعلى أساس هذا الموقف، أصدرت السويد قانونا يعرف الدعارة على أنها بيع الجنس أو شراؤه. لكن المفاجأة أن هذا القانون قرر أن يُجَرِّم المشترين للخدمة فقط، واستثنى بائعات الجنس من العقاب. وعوض متابعتهن، نُظمت مبادرة على شكل «مصالحة وطنية» دعيت فيها كل بائعات «خدمة الجنس» إلى التسجيل في لوائح خاصة من أجل تكوينهن وإعادة إدماجهم في الحياة العملية.
ربما هناك تناقض واضح في هذه التجربة التي قررت معاقبة مستهلكي الدعارة فقط، ولم تجرم كلا الطرفين فيها. إلا أن هناك ما يستدعي التأمل في هذا القانون، لأنه يقر في العمق بأنه لا يمكن لأي مهنة أن تزدهر وتنتعش إن لم يكن هناك زبناء يقبلون عليها. ويرى أن زجر مستهلكي الدعارة أكثر أهمية ونجاعة، إذ من شأنه أن يجعلها تجارة كاسدة، وبالتالي فما يلبث عدد العاملات فيها أن يبدأ في التناقص مع مرور الوقت.
إن ظاهرة الدعارة تتفاقم كل يوم وتزداد تطورا مع تطور الوسائل الرقمية والتكنولوجية في كثير من دول العالم، وفي المغرب كذلك، مما يجعل الحاجة ملحة إلى موقف سياسي واضح يكون فيه القانون هو الفيصل الوحيد في مقاربة الظاهرة.. موقف يكون له من القوة والجرأة ما قد يقف سدا في وجه المتشددين ممن يتمنون لو ينظموا حملات أهلية يحرضون فيها على طرد وملاحقة بائعات الجنس وكأنهم يطاردون الساحرات. هذا القانون كذلك يجب أن يكون عمليا بما يكفي حتى لا يفتح الباب أمام من لا يعترفون بأن الدعارة هي صورة لمجتمع تنفلت أخلاقه من بين يديه ولا يقرون بقدرة قيم الدين على التقليل منها على الأقل؛ وهناك من بينهم من يطالب بدون أدنى شعور بالخجل بتقنينها، هكذا بكل بساطة، ويتمنى أن يتم الاعتراف بالمهنة وأن تُمنح لصاحباتها بطاقات عمل تشبه تلك البطاقات الصفراء التي ذكرها «دوستويفسكي» في رواية «الجريمة والعقاب» التي مُنحت لبائعات الهوى في روسيا.
فالدعارة وإن رافقت الإنسان لقرون من الزمن، فهي مع ذلك ظلت على الدوام تقف في نقطة حرجة من الضمير الإنساني ومن القوانين وفي كل الحضارات. وكونها من بين أقدم المهن في التاريخ لا يعني بتاتا أنه من المستحيل أن تنقرض مثلما انقرضت قبلها مهن كثيرة، مثل القنص والالتقاط، وهي مهن كانت ربما أكثر أهمية وأقل امتهانا للكرامة الإنسانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.